ولأن فلسطين، هي كما يراها الناقد الإسباني بدرو ميغل لاميت ، تعد «الجرح المفتوح، في قلب هذا العالم المريض، الذي يسكننا اليوم بآهاته». و لما كان الاقتراب من المرض، أو الحزن، أو الجرح، غير متيسّر إلا بالحب، أو الدواء، و كان الشعر، على الدوام، شكلاً من أشكال الحب، فإن معنى اقتراب الشعراء من فلسطين وطناً وشعباً ومقاومة، يعد فعلاً إنسانياً مقاوماً، يُكسِّبُ صاحبه صفة الفارس النبيل..
في هذه المختارات الشعرية التي نقدمها للقارئ الكريم، نسعى إلى الاقتراب من عوالم شعراء من شتى أصقاع المعمورة، جمعهم نبلٌ إنسانيٌ، وأهدافٌ ساميةٌ منها نصرة الحق الفلسطيني، ورفض الظلم والطغيان الصهيوني، وتمجيد روح النضال الوطني الفلسطيني..
الشاعر الكبير الراحل محمود درويش، كان أول الفرسان النبلاء، من الذين صاغوا بكلماتهم المقاتلة، روح الحق الفلسطيني، يقول سيد الكلام في رائعته «عابرون في كلام عابر»:
أيها المارون بين الكلمات العابرةاحملوا أسماءكم، وانصرفواواسرقوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرةوخذوا ما شئتم من صور ، كي تعرفواأنكم لن تعرفواكيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء***أيها المارون بين الكلمات العابرةكدسوا أوهامكم في حفرة مهجورة ، وانصرفواوأعيدوا عقرب الوقت إلى شرعية العجل المقدسأو إلى توقيت موسيقى مسدس!فلنا ما ليس يرضيكم هنا ، فانصرفواولنا ما ليس فيكم، وطن ينزف شعبا ينزفوطنا يصلح للنسيان او للذاكرة..أيها المارون بين الكلمات العابرة،آن أن تنصرفواوتقيموا أينما شئتم ، ولكن لا تموتوا بيننافلنا في أرضنا ما نعملولنا الماضي هناولنا صوت الحياة الأولولنا الحاضر، والحاضر ، والمستقبلولنا الدنيا هنا... والآخرةفاخرجوا من أرضنامن برنا.. من بحرنامن قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنامن كل شيء ، واخرجوامن ذكريات الذاكرةأيها المارون بين الكلمات العابرة!..
وفي قصيدته «ثلاثية أطفال الحجارة»، يتباهى شاعرنا الكبير الراحل نزار قباني، ببطولات وشموخ أطفال غزة، قائلاً:
بهروا الدنياوما في يدهم إلا الحجارةوأضاءوا كالقناديلوجاءوا كالبشارةقاومواوانفجرواواستشهدوا***يا تلاميذ غزةلا تعودوالكتاباتنا ولا تقرأونانحن آباؤكمفلا تشبهونانحن أصنامكمفلا تعبدونانتعاطىالقات السياسيوالقمعونبني مقابراًوسجوناحررونامن عقدة الخوف فيناواطردوامن رؤوسنا الأفيوناعلمونافن التشبث بالأرضولا تتركواالمسيح حزينايا أحباءنا الصغارسلاماًجعل الله يومكمياسمينامن شقوق الأرض الخرابطلعتموزرعتم جراحنانسريناهذه ثورة الدفاتروالحبرفكونوا على الشفاهلحوناأمطرونابطولة وشموخاواغسلونا من قبحنااغسلونالا تخافوا موسىولا سحر موسىواستعدوالتقطفوا الزيتوناإن هذا العصر اليهوديوهمسوف ينهارلو ملكنا اليقينايا مجانين غزةألف أهلابالمجانينإن هم حررونا
ويوصينا الشاعر المصري الكبير الراحل أمل دنقل، بأن لا نصالح عدواً قاتلاً، قائلاً لنا في قصيدته «لا تصالح»:
لا تصالح على الدم .... حتى بدملا تصالح ولو قيل رأ س برأسأكل الرؤوس سواء ؟أقلب الغريب كقلب أخيك ؟أعيناه عينا أخيك ؟وهل تساوى يد ... سيفها كان لكبيد سيفها أثكلك ؟سيقولون :جئناك كي تحقن الدمجئناك كن - يا أمير - الحكمسيقولون :ها نحن أبناء عمقل لهم : إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلكواغرس السيف في جبهة الصحراءإلى أن يجيب العدمإنني كنت لكفارساً وأخاً وأباً وملك
ونقرأ للشاعر الكردي رمزي عقراوي قصيدة بعنوان «يا ابن فلسطين»، جاء فيها:
أيها البطل...يا شهيد غزة...تعنو لك الشهب!قضيت من أجل السلم والسلاموأنت تعلم أن مركبه صعب!فتعظيم حق ذقت من أجله الموتكتعظيم يوم فيه وقع الخطب!!سخرت باعباء الحياة ولم يكنليفنى عليها سعيك الواسع الرحبستبقى من الأحياء طول الزمانمادمت تاركاً مبادئ حر ليس يخذلها الشعبولايذبل الغرس الذي قد سقيتهدماك ويبقى الدهر وهو بها رطب!!ففي فلسطين وقف الصهيون المطلبرأسه يرى عجباً إنها مرتع خصب!وأنت تضرب كفا بكف قائلا:أأترك الصهاينة في فلسطين يصفوا لهم أكل وشرب ؟!لقد سار نور الوعي في ضمائر الفلسطينيينعزيزاً يغني تحت أنواره الركب؟!ماَرب توليها الشعوب رعاية ...لتبلغها حتماً- ولو رفض الغربوإن بقيت منه المطامع تبتغيدروباً فما غير الفناء لها درب ؟!يا ابن فلسطين ...
ويتأسى الشاعر التركي كامل آي دمير في قصيدة له بعنوان «أنشودة إلى أطفال فلسطين»، على الوضع المحزن في فلسطين ويشير إلى الموت الذي يترصد كل يوم بالفلسطينيين، يقول دمير في قصيدته التي ترجمها الأستاذ عبد العزيز محمد عوض الله:
في مرآة الوحشيةتكسر الأذرعبالحجارةوميت في كل يومميت في كل يومولا يسئم ولا يشبعنسل ( هتلر )من بحيرات الدمفى شوارع فلسطين***أيتها الطيورفي زمن النحيب هلا تصمتينوأيتها العواصفبالطائرات الورقية الا تعبثينفليكن الرصاصمن نصيب الخونةالذي يمشون أمامكمولتتخلصوامما يطلقون عليه اسم الحريةولتتعلموا أيها الأطفالالضرب بالقنابل
ومن قصيدة «فلسطين، أنتِ حبَّي»، للشاعر الكوبي بدرو أوسكار غودينيث، والتي ترجمها من الاسبانية إلى العربية الأكاديمي الفلسطيني الدكتور عبد الجعيدي، نقرأ:
عندما يعود سيف صلاح الدين العظيميشدو منتصراً في أرض كنعان كلهاوتُمرَّغ وجوه فرنجة صهيون الجددفي التراب تحت النظرةالمجردة في قفار العزلة القاتلةلأنَّ الروح الفلسطينية واحدةكوردة أريحا المتألقةوجمع هي السواعد المقاوِمةمستعدة لنشر ملاطفات فدائية دافئةعلى البندقية الفاديةالتي يتخلل الفجرُ نيرانَهالتضيء الدرب، من جديدإلى قدس المستقبل.
أما الشاعر الاسباني خابير بيان، فقد كتب قصيدة أهداه «إلى شعراء المقاومة الفلسطينية، عنوانها «نشيد الختام»، ترجمها أيضاً الدكتور الجعيدي، يقول فيها:
بيت القصيد ليس حساماً يجعل الجرح يئن.بيت القصيد كلمات طريدة هاربةمنثورة على أقطاب المعمورة الأربعة.بيت القصيد هو الغضب أو النحيب.يا درويش وفدوى طوقانيا جبران وزياد والقاسممن أجل فلسطين تبكونوسيل الدموع يخصب الضمائر ويرفع البيارق.الاستعارات ثائرة وقواعد النحو ساخطةتزجر الغازي اللئيم وتلعنه.بيت القصيد ليس حساماً أو قذيفةً أو رصاصة.هو بيت قصيد وضمير مُثقل.بين حقول الزيتون المسمدة بالبارودمن صوتكم يقصف رعدنا الساهد.أفواه تنزف الدم كسيل التيارطير يحلق وبمنقاره غصن الزيتونوبقبضته بندقية، وتحت الأجنحة قنبلة.
ونقرأ للشاعرة والكاتبة الاسترالية ديبورا رويز وول، قصيدة بعنوان« رثاء غزة»، ترجمها الأديب السوري عمار توكلنا، جاء فيها:
لقد أعلنَ الناصحونَ الأصليونَأنَّ"الأرضَ هي الحياةُ"لكنني أرى الآنَ نقيضَ ذلكعندما تتوسَّل العيونُ المعذَّبةوتُعادُ رواية القصصِ ذاتِ الوجهينمرةً بعد مرةتُرَدّدُها القبائلُ المُشَتتةُحيثُ يلتئمُ الماضي والحاضرُوالمستقبلُ في حربِ العقوبةِلأن الأرضَ في فلسطينَ تُساوي المَوْتليس الكلامُ رخيصاً, فإن آلةَ الحربِالتي تُسْكتُ همس أحلامَنا الأرضيةَسوف تُبقينا جميعاً ضِمنَ السلاسلِبعيداً عنِ الوصولِ إلى اكتمالِإنسانيتنا, بعيداً عن تَوحُدِنامع قدسيةِ الحياةِ كلِّها
ومن أسكوتلندا نقرأ للشاعرة تيسّا رانسفورد المولودة في الهند، وهي الرئيسة السابقة لجمعية الكتاب والشعراء الأسكوتلنديين، مقاطع من قصيدة بعنوان «إسمعي يا إسرائيل»، ترجمها الشاعر الفلسطيني إياد حياتله، تقول رانسفورد:
العين بالعين والسنّ بالسنكمْ طفلا تقتلين يا إسرائيلثأراً لعينٍ واحدهكم تُشَوّهين وتُجَوّعينثأراً لسنٍّ واحدهْ؟عندما قَتلَ حيرود أطفال بيت لحمدون معرفة أيّهم الذي عَبده الحُكماءلقد سُمِّيَت، ولا تزالُ تُسَمّىمجزرة الأبرياء.تلك الوحشيّة لم تنجحولم تستطع منعَ عيسى من أن يكون المسيحهوَ الذي نَصحنا بأنّ نحبَّ أعداءَناوأنت تعرفينَ يا إسرائيلأنتِ تعرفينَأنّ أطفالكِ لن يكونوا آمنينما لمْ تحقّقي الرحمة والعدالهْ.
وفي قصيدته «في عزلة مع الشعب الفلسطيني»، التي ترجمتها عن الإنجليزية الأستاذة ريم الدخيل، يقول الشاعر الأمريكي بلاك وينغ اكس، وهو اسم رمزي للشاعر ويعني «الجناح الأسود»:
الذين يعترفون بأنهم لا يتورعون عن شيء وأن لا أخلاق لهم تمنعهم عن شيءالذين لا يترددون في تشويه وقتل العرب من أي جنس أو عمربالإضافة إلى الجنسيات الأخرى من حول العالم ممن يشهدون جرائمهم ضد الإنسانيةأبطالاً مثل الشابة اللطيفة الحساسة رايتشل كوري التي ننعي قتلها بحزن بالغالتي وقفت عزلاء تحاول أن تدافع و توثق للعالم أجمع قصةً مأساةعن جريمة تدمير الاحتلال الشنيعة لبيتٍ فلسطينيودفعت رايتشل أغلى ثمن دفاعاً عن ذلك ... حياتها اللطيفة الغالية .. الغاليةفيما رفاقها الغاضبون يشاركون في مسيرات تدعو لعدم العنفويتظاهرون من أجل السلام و العدالةويجرؤن على الصياح بأعلى أصواتهم ومن كل قلبهملا لنتنياهولا للحائط العنصريلا للبانتستوناتلا لإسرائيل
ومن الجمهورية القرغيزية نقرأ قصيدة للشاعر نارمامات إكراموف، بعنوان «إلى صديقي الفلسطيني»، يقول فيها:
دخل قوم إلى أرض الأقصى، وهم الذين لم تقبل بهم الأرض بما رحبتالذين صارت قلوبهم سوداء، وامتلأ قلبهم بالصدأأنا ما وجدت مثيلهم في العالمعجباً كيف لا يخافون من جبروت الله!***خرج الكبار أولاً ليواجهوا العدوحتى النساء بأصواتهن المرتفعة التي تعلن خروج العدوحتى الصغار خرجوا بسرعة حاملين الحجارة ليصدّوا الدبابات***طارت الطائرات الحربية فوق فلسطين أياماً وأكثروا التفجير والتهديم. رأيته بعينيفجأة خرجت الأم حاملة الطفل في يدهاباكية أولادها الذين بقوا تحد الأنقاض***عندما جاء جنود اليهود أخرجوا رؤوسهم فوق الدبابةفجأة طلع أحد المجاهدين من تحت الأرض وضرب بالسلاحولم يخطئ رأس العدو.