الحمد لله وصلى الله وسلم على نبي الرحمة وهادي الأمة ومزيح الظلمة سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :"موضوعنا ماذا يستفاد من ....>
ايها الناس إن دخول هذا الشهر على الأمة له من البركات ما يستحيل عده ولو لم يكن إلا أنه شهر الرحمة والبركة لكفى ففي سنن النساءي : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ>
إن من يمعن النظر في هذا الشهر وما فيه من خير ليجد أنه مدرسة عظيمة ذات دروس جسيمة لوأحسن المسلمون الاستفادة منها لكانوا من الرقي بمكان ولكانوا من أحسن الأمم خلقا ولا استعادوا مجدهم السابق يوم فقهوا ماذا يعني الصيام.غير أنه لما صام الجارحان الفرج والفم فقط وكان ذلك المبتغى من صيامنا انهارت حضارتنا وبقيت حبرا على ورق وإسما بلا مسمى حيث لم نستفد من الصوم ما يجب أن نستفيد منه يدلك ذلك على إعودة العونة بعد آخر يوم من رمضان ولأجل هذانقبت على بعض دروسه المعتبرة وسكت عن كم هائل مراعاة لظرف الكلمة ووقتها فأتيت بما يلي :
1ـ أولا>>الرحمة والرفق بالجنس اللطيف الزوجة أم الأولاد-مدرسة الصيام تعلم الزوج الرفق الشديد بالزوجة الحامل لقول النبي صلى الله عليه وسلّم : (( إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع الصوم )) [ رواه الترمذي وقال : حسن ]
فلقد وضع عنها ربها الذي خلقها فرض الصيام لتصوم وقتا آخر أو تفدي ، لتكون رسالة لكل زوج مسلم أن يكون عطوفا حنونا على زوجته خاصة فى مرضها أو ضعفها عند حملها أو إرضاعها أو حيضها ، وهو أكبر سبب يجعل الزوجة تشعر بالأمان في كنف رجل ذا مروءة وإحسان لأنه من الكرام وليس من اللئام
**والرفق بالمرأة عامة والزوجة خاصة نورد أحكامها كالتالي :
1ـ إنصافها من جورالرجلألا قلنتأمل الشريعة الإسلامية كيف أنصفت المرأة حيث تسوء العشرة أو لايكون أنس أو مودة بين الزوجين فعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً> البخاري و عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " أَوَّل خُلْعٍ كَانَ فِي الْإِسْلَام اِمْرَأَة ثَابِت بْن قَيْس ، أَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه لَا يَجْتَمِع رَأْسِي
وَرَأْس ثَابِت أَبَدًا ، إِنِّي رَفَعْت جَانِب الْخِبَاء فَرَأَيْته أَقْبَلَ فِي عِدَّةٍ ، فَإِذَا هُوَ أَشَدّهمْ سَوَادًا وَأَقْصَرُهُمْ قَامَة وَأَقْبَحهمْ وَجْهًا . فَقَالَ : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَته ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، وَإِنْ شَاءَ زِدْته . فَفَرَّقَ بَيْنهمَا " اهـ الفتح لابن حجر.
<1732>
2>>ـ : الترهب من العنف ضدها للأحاديث التالية : عَنْ أَبِيهِ قَالَ
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ قَالَ أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ >قَالَ أَبُو دَاوُد وَلَا تُقَبِّحْ أَنْ تَقُولَ قَبَّحَكِ اللَّهُ.
عن بَهْزبْن حَكِيمٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نِسَاؤُنَا مَا نَأْتِي مِنْهُنَّ وَمَا نَذَرُ قَالَ ائْتِ حَرْثَكَ أَنَّى شِئْتَ وَأَطْعِمْهَا إِذَا طَعِمْتَ وَاكْسُهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ وَلَا تُقَبِّحْ الْوَجْهَ وَلَا تَضْرِبْ>رواه أبو داود
قَالَ الْعَلْقَمِيّ : وَهَذَا أَمْر إِرْشَاد يَدُلّ عَلَى أَنَّ مِنْ كَمَالِ الْمُرُوءَة أَنْ يُطْعِمهَا كُلَّمَا أَكَلَ وَيَكْسُوهَا إِذَا اِكْتَسَى . وَفِي الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى أَنَّ أَكْله يُقَدَّم عَلَى أَكْلهَا وَأَنَّهُ يَبْدَأ فِي الْأَكْل قَبْلهَا وَحَقّه فِي الْأَكْل وَالْكِسْوَة مُقَدَّم عَلَيْهَا لِحَدِيثِ " اِبْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُول "
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَأَوْ قَالَ غَيْرَهُ>رواه مسلم
قوله < يَفْرَك >بِفَتْحِ الْيَاء وَالرَّاء وَإِسْكَان الْفَاء بَيْنهمَا قَالَ أَهْل اللُّغَة فَرِكَهُ بِكَسْرِ الرَّاء يَفْرُكُهُ إِذَا أَبْغَضه وقال تعالى : <وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا>.وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوه ُقَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ.ومن رحمة النبي <ص> بالمرأة . عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ وَمَعَهُنَّ أُمُّ سُلَيْمٍ فَقَالَ وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ فَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ قَوْلُهُ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ> البخاري الحادي : منشد ينشد شعرا وغناء تطرب له الإبل فتسرع في سيرها. والقوارير : جمع قارورة وهي اسم لإناء من الزجاج.
3>>ـ : تكريم الإ سلام للمرأة .نرى اليوم الذي كثر فيه أبواق المدافعين عنها أنها قد أقحموها في سرادب عميقة غير مناسبة لأنوتثها فقد وسعوا لها في التخصصات هي في غنى عنها فما أسعد البشرية لو خففت عنها العبء واحترمت أنوتثها ........ لكن الإسلام احترمها أما فقرن تعالى الإحسان إليه بها فقال : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا >
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ> البخاري
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا> البخاري
<1733>
4 >>ـ : عدم الإضرار بالزوجة : فمن حقها أن لا يؤذيها بقول أو فعل أو خلق فالإضرار بها غير جائز { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } وإذا خالف الزوج أدب الإسلام وآذاها كان من حقها أن ترفع أمرها إلى القضاء لينصفها ويزجره عما فعل بل يرى بعض الفقهاء أن من حقها أن تطلب التفريق للضرر الواقع عليها وللقاضي أن يحكم بطلاقها جبرا على الزوج طلاقا بائنا ( لا حق للزوج في إرجاعها
: صورمن ظلمالمرأة 1ـ إهمال النفقة عليها ..2ـ تفضيل إحدى زوجاته كالصغيرة على الكبيرة وفي هذا ورد ترهيب من الشارع الحكيم فقال: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَحَدُ شِقَّيْهِ سَاقِطٌ> رواه أحمد
وأما الميل بالمحبة فلا يدخل صاحبه في هذا الوعيد لما رواه أحمد عن عائشة قالت : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ قَالَ عَفَّانُ وَيَقُولُ هَذِهِ قِسْمَتِي ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا فِعْلِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ> عن ابن عباس قال: يعني: في الحب والجماع. قوله تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} قال أهل التفسير : لن تطيقوا أن تسوّوا بينهن في المحبة التي هي ميل الطباع ، لأن ذلك ليس من كسبكم { ولو حرصتم } على ذلك { فلا تميلوا } إِلى التي تحبون في النفقة والقسم ...3ـ التزوج عليها ثم تهميشها لاهي مطلقة ولا هي متزوجة
لكن يكون هذا من الظلم إذا كان عاجزا عن النفقة والمبيت اما إذا كان يطيق ذلك فلا يضر حكم التعدد وإن أصبح بعض المولعين بالنظم الغربيين يشمئز منه وهذا يصطدم بالنص القرىني الذي أباح التعدد شريطة العدل وقد ورد سؤال على الشيخ ابن باز رحمه الله كما في موقعه على شبكة المعلومات . فأجاب عن حكم من أنكر جواز تعدد الزوجات وهو : .سؤال : بعض النساء يفضلن العادات الاجتماعية في أوروبا أو في الغرب عموماً، أو في البلاد غير الإسلامية، ويقلن في ذلك: إن تعدد الزوجة ممنوع، وهنا مثلاً في الحكم الشرعي يباح تعدد الزوجة، فما الحكم في إلصاق هذه التهمة في الإسلام؟الجواب : من كره تعدد الزوجات وزعم أن عدم التعدد هو أفضل
هو كافر ومرتد عن الإسلام، لأنه -نعوذ بالله- منكر لحكم الله وكاره لما شرع الله؛ والله يقول سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} محمد:9، من كره ما أنزل الله حبط عمله؛ فالذي يكره تعدد الزوجات ويرى أن الشريعة قد ظلمت؛ أو أن حكم الله في هذاناقص أو ماهو طيب، أو أن ما يفعلونه في بلاد النصارى من الوحدة أن هذا أولى وأفضل،هذا كله ردة على الإسلام -نعوذ بالله.
<1734>
5>>ـ صور من العدل الذي جاء بها صاحب الشريعة فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَقُولُ أَيْنَ أَنَا غَدًا أَيْنَ أَنَا غَدًا يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ
حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي فَقَبَضَهُ اللَّهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي ثُمَّ قَالَتْ دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْطَانِيهِ فَقَضِمْتُهُ ثُمَّ مَضَغْتُهُ فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَنَّ بِهِ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِي»البخاري وقال الحافظابن حجر في شرح الحديث: (الْقَسْم لَهُنَّ يَسْقُط بِإِذْنِهِنَّ فِي ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُنَّ وَهَبْنَ أَيَّامهنَّ تِلْكَ لِلَّتِي هُوَ فِي بَيْتهَا).وفي صورة أخرى لظلم الرجل غير العادل نراه يصطحب إحدى زوجاته في أسفاره دون أن يكون لغيرها نصيب، فإذا أراد السفر ورغب أن تصحبه إحدى زوجاته، فلابد أن يرضين كلهن، وإلا فالقرعة بينهن، ومثالنا على ذلك فعل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه»البخاري 2404، ومسلم . 4ـ الاستحواذ على مهرها من أثاث وملابس عندما تسوء العشرة ويتم الطلاق .
2ـ ثانيا >>ـ الحلم وعدم رد الفعل فقد تعلمنا هذا من قوله صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا> البخاري...في التعريفات : الحلم :هو الطمأنينة عند سورة الغضب، وقيل: تأخير مكافأة الظالم.
ولقد جاء في بيان حلم عباد الرحمان وحسن معاملتهم مع الناس قال تعالى :< وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا > أي: إذا سَفه عليهم الجهال بالسّيئ، لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرًا، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، وكما قال تعالى: { وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ } [ القصص : 55] . عن النعمان بن مُقَرّن المُزَني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [وسبّ رجلٌ رجلا عنده، قال: فجعل الرجل المسبوب يقول: عليك السلام. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما] (5) إن ملكًا بينكما يذب عنك، كلما شتمك هذا قال له: بل أنت وأنت أحق به. وإذا قال له: عليك السلام، قال: لا بل عليك، وأنت أحق به. "رواه أحمد إسناده حسن، ولم يخرجوه.اهـ ابن كثير ولقد ورد الترغيب في العفو والحلم في كثير من الآيات والأحاديث في الحلم الذي هوضبط النفس و ضد التسرع من أوصاف الأنبياء والأخيار فقد وصف به إسماعيل قال تعالى : { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ>وشعيب : قال تعالى : {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ >ووصف النبي {ص}
<1735>
الأشج بالحلم فعن ابْنُ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ>مسلم.وجاء في كظم الغيظ ما يلي : عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما جرع عبد جرعة أعظم أجرا عند الله من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله عز وجل »شعب الإيمان للبيهقي . جرع : شرب. كظم غيظه : أمسك على ما في نفسه منه صافحا أو مغيظا
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ> مسلم .وورد الترغيب في العفو في الكتاب والسنة وكيف وهو من صفات الحق يعفوا عن المذنبين .والعفو صفةٌ فعليَّةٌ لله عَزَّ وجلَّ ثابتةٌ له بالكتاب والسنة ، ومعناها الصفح عن الذنوب ، و(العَفُوُّ) اسم لله تعالى .الدليل من الكتاب - قوله تعالى : )إِنَّ الله كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا( [النساء : 43] . الدليل من السنة : - حديث الدعاء على الجنازة : ((اللهم اغفر له ، وارحمه ، وعافه واعف عنه 000 )) . رواه مسلم (963... عن أنس بن مالك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا وقف العباد للحساب جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم ، تقطر دما ، فازدحموا على باب الجنة ، فقيل : من هؤلاء ؟ قيل : الشهداء ، كانوا أحياء مرزوقين . ثم نادى مناد : ليقم من أجره على الله ، فليدخل الجنة ، ثم نادى الثانية : ليقم من أجره على الله ، فليدخل الجنة قال : ومن ذا الذي أجره على الله عز وجل ؟ قال : العافين عن الناس ، ثم نادى الثالثة : ليقم من أجره على الله ، فليدخل الجنة ، فقام كذا وكذا ألفا ، فدخلوها بغير حساب » « لا نعلمه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد ، ولم يحدث به إلا يحيى بن خلف »المعجم الأوسط للطبراني .ومن صفات أهل الجنة العفو فقال : <أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء >>وعفا النبي عن مشركي قريش عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ
أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ فَقَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ قَالَ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا> البخاري
وعن وحشي قاتل حمزة لما أسلم وعن أهل الطائف وأهل مكة ..(وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد : « ما ترون أني صانع بكم ؟ » قالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن
<1736>
أخ كريم قال : « اذهبوا فأنتم الطلقاء » السنن الكبرى للبيهقي . كما عفا أبو بكر عن مسطح حيث شارك في الإفك قال تعالى /: {لَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ > ولا يحلف أهل الفضل في الدين والسَّعَة في المال على ترك صلة أقربائهم الفقراء والمحتاجين والمهاجرين، ومنعهم النفقة؛ بسبب ذنب فعلوه، ولْيتجاوزوا عن إساءتهم، ولا يعاقبوهم. ألا تحبون أن يتجاوز الله عنكم؟ فتجاوزوا عنهم. والله غفور لعباده، رحيم بهم. وفي هذا الحثُّ على العفو والصفح، ولو قوبل بالإساءة.قال ابن كثير : وهذه الآية نزلت في الصدِّيق، حين حلف ألا ينفع مِسْطَح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال، كما تقدم في الحديث. فلما أنزل الله براءةَ أم المؤمنين عائشة، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت، وتاب الله على مَن كان تكلم من المؤمنين في ذلك، وأقيم الحد على مَن أقيم عليه -شَرَع تبارك وتعالى،
(978)
وله الفضل والمنة، يعطفُ الصدِّيق على قريبه ونسيبه، وهو مِسْطَح بن أثاثة، فإنه كان ابن خالة الصديق، وكان مسكينًا لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر، رضي الله عنه، وكان من المهاجرين في سبيل الله، .وعفا عمر عن الأعربي ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ قَالَ سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ{ خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ }وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ> البخاري
.وروى أبو داود : عَنْ أَبِي جُرَيٍّ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ
رَأَيْتُ رَجُلًا يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيِهِ لَا يَقُولُ شَيْئًا إِلَّا صَدَرُوا عَنْهُ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ قَالَ لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَيِّتِ قُلْ السَّلَامُ عَلَيْكَ قَالَ قُلْتُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي إِذَا أَصَابَكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَهُ عَنْكَ وَإِنْ أَصَابَكَ عَامُ سَنَةٍ فَدَعَوْتَهُ أَنْبَتَهَا لَكَ وَإِذَا كُنْتَ بِأَرْضٍ قَفْرَاءَ أَوْ فَلَاةٍ فَضَلَّتْ رَاحِلَتُكَ فَدَعَوْتَهُ رَدَّهَا عَلَيْكَ قَالَ قُلْتُ اعْهَدْ إِلَيَّ قَالَ لَا تَسُبَّنَّ أَحَدًا قَالَ فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا وَلَا عَبْدًا وَلَا بَعِيرًا وَلَا شَاةً قَالَ وَلَا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوفِ وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ وَجْهُكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَارْفَعْ إِزَارَكَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَخِيلَةِ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ وَإِنْ امْرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ فَلَا تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ فَإِنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ>
<1737>
**والحلم: صفة من صفات الله فمن تخلق فقد تخلق بصفات المولى قال تعالى : )قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ( [البقرة : 263]....وعنابن عباس رضي الله عنهما : ((000 لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم 000 )) رواه : البخاري (6345)، ومسلم. قال الهرَّاس في ((الشرح)) : (( ومن أسمائه سبحانه (الحليم) و (العفو) ؛ فالحليم الذي له الحلم الكامل الذي وسع أهل الكفر والفسوق والعصيان ، حيث أمهلهم ولم يعاجلهم بالعقوبة؛ رجاء أنَّ يتوبوا ، ولو شاء ؛ لأخذهم بذنوبهم فور صدورها منهم ؛
***ولقدجاءت التعاليم النبوية بطرق ناجعة لمكافحة الغضب والحد من تأثيره السيئ على البدن وعلى المسلم أن يروض نفسه على الحلم
عن سلمان بن سرد رضي الله عنه قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم وأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمر وجهه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " رواه البخاري ومسلم .
يقول د. إبراهيم الراوي (8) ينصح علماء الطب النفسي الأشخاص الذين يتعرضون إلى نوبات الغضب إلى تمارين خاصة تؤدي إلى نتائج مذهلة ، هذه التمارين تسبب استرخاء في الذهن يؤدي إلى انطفاء نار الغضب وإخماد الثورة العصبية ، منها أن يعدّ الشخص من 1ـ 2ـ 3 .. وحتى 30 قبل أن ينطق بأي حرف . هذه الحقيقة في مجال الطب النفسي اكتشفها نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم حين أمر الغاضب أن يتعوذ بالله عدة مرات وهذا واضح من مفهوم الآية الكريمة : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العلم ) صدق الله العظيم .
ويبدوا من هذا القبيل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم الغاضب إلى السكوت وعدم النطق بأي جواب . عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا غضب أحدكم فليسكت " . الأدب المفرد صححه الألباني وتغيير الوضعية ، هدي نبوي كريم له فائدة عظيمة في تهدئة ثورة الغضب عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع " .أبوداود وصححه الألباني
ويعلق د. الراوي (8) قائلاً : يوصي الطب الحديث كل من يتعرض للغضب الشديد والانفعالات النفسية بالاسترخاء قبل إطلاق العنان للجوارح واللسان . وهذه الحقيقة الطبية كان لها بالغ الأثر في الوقاية من أخطر الأزمات عندما يوفق المرء في تمالك نفسه عند الغضب والتي اكتشفها نبي الرحمة في أعماق النفس البشرية حين أمر الغاضب الواقف أن يجلس . وقد وفق د. حسان شمسي باشا (3) إلى كشف الإعجاز الطبي في هذه الوصفة النبوية إذ كتب يقول :" جاء في كتاب هاريسون الطبي أنه من الثابت علمياً أن هرمون النور أدرينالين يزداد بنسبة 2_ 3 أضعاف لدى الوقوف بهدوء لمدة خمس دقائق أما هرمون الأدرينالين فيرتفع ارتفاعاً بسيطاً في الوقوف لكن الضغوط النفسية تزيد من نسبته في الدم ... ولا شك أن ارتفاع العاملين معاً ، الغضب والوقوف يرفع نسبة هذين الهرمونين بشك كبير .
<1738>
فمن علم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الهرمونات تزداد بالوقوف وتنخفض بالاستلقاء حتى يصف هذا العلاج ؟ .. لا شك أنه وحي يوحى إليه، عليه الصلاة والسلام .
ومن هذا القبيل ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم ، ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه ، فمن وجد من ذلك شيئاً فليلصق خده بالأرض " رواه الترمذي وقال حديث حسن .
وهذا إشارة إلى الأمر بالسجود وتمكين أعز الأعضاء من أذل المواضع لتستشعر به النفس الذل وتزيل به العزة والزهو الذي هو سبب الغضب .
والاغتسال بالماء البارد (8) أو غسل الوجه واليدين به ، أحدث توصية طبية لها أثرها البالغ في تهدئة الجهاز العصبي . فالغضب (9) يتولد من الحرارة العامة والتعرق والإحساس بالضيق ، ويأتي الماء البارد ليخفف من هذا الأعراض . والوضوء الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم يضفي ، فوق ذلك ، شعوراً بالعبودية لله عند قيام الغاضب بهذا الفعل التعبدي ، يزيد من إحساسه بالأمن والرضى . وهذا مصداق ما رواه عطية السعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا غضب أحدكم فليتوضأ فإنما الغضب من النار " وفي رواية " إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " رواه داود . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.والله أعلى وأعلم
3>>ثالثا >>علاج الشهوة وعدم الانجرار إلى الزنا .روى مسلم : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ> قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُرَاد بِالْبَاءَةِ النِّكَاح ، وَأَصْله الْمَوْضِع الَّذِي يَتَبَوّؤُهُ وَيَأْوِي إِلَيْهِ ،.. قَوْله ( فَإِنَّهُ )
أَيْ الصَّوْم .قَوْله ( لَهُ وِجَاء )بِكَسْرِ الْوَاو وَالْمَدّ ، أَصْله الْغَمْز ، وَمِنْهُ وَجَأَهُ فِي عُنُقه إِذَا غَمَزَهُ دَافِعًا لَهُ ، وَوَجَأَهُ بِالسَّيْفِ إِذَا طَعَنَهُ بِهِ ، وَوَجَأَ أُنْثَيَيْهِ غَمَزَهُمَا حَتَّى رَضَّهُمَا وَفِي الْحَدِيث أَيْضًا إِرْشَاد الْعَاجِز عَنْ مُؤَن النِّكَاح إِلَى الصَّوْم ، لِأَنَّ شَهْوَة النِّكَاح تَابِعَة لِشَهْوَةِ الْأَكْل تَقْوَى بِقُوَّتِهِ وَتَضْعُف بِضَعْفِهِ ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ عَلَى جَوَاز الْمُعَالَجَة لِقَطْعِ شَهْوَة النِّكَاح بِالْأَدْوِيَةِ ، وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ فِي " شَرْح السُّنَّة " ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَل عَلَى دَوَاء يُسَكِّن الشَّهْوَة دُون مَا يَقْطَعهَا أَصَالَة لِأَنَّهُ قَدْ يَقْدِر بَعْد فَيَنْدَم لِفَوَاتِ ذَلِكَ فِي حَقّه ، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّة بِأَنَّهُ لَا يَكْسِرهَا بِالْكَافُورِ وَنَحْوه ، وَالْحُجَّة فِيهِ أَنَّهُمْ اِتَّفَقُوا عَلَى مَنْع الْجَبّ وَالْخِصَاء فَيَلْحَق بِذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ التَّدَاوِي بِالْقَطْعِ أَصْلًا ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمَقْصُود مِنْ النِّكَاح الْوَطْء وَلِهَذَا شُرِعَ الْخِيَار فِي الْعُنَّة . وَفِيهِ الْحَثّ عَلَى غَضّ الْبَصَر وَتَحْصِين الْفَرْج بِكُلِّ مُمْكِن وَعَدَم التَّكْلِيف بِغَيْرِ الْمُسْتَطَاع ، وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ حُظُوظ النُّفُوس وَالشَّهَوَات لَا تَتَقَدَّم عَلَى أَحْكَام الشَّرْع بَلْ هِيَ دَائِرَة مَعَهَا ، وَاسْتَنْبَطَ الْقَرَافِيّ مِنْ قَوْله " فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء " أَنَّ التَّشْرِيك فِي الْعِبَادَة لَا يَقْدَح فِيهَا بِخِلَافِ الرِّيَاء ، لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالصَّوْمِ الَّذِي هُوَ قُرْبَة وَهُوَ بِهَذَا الْقَصْد صَحِيح
<1739>
مُثَاب عَلَيْهِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَأَرْشَدَ إِلَيْهِ لِتَحْصِيلِ غَضّ الْبَصَر وَكَفّ الْفَرْج عَنْ الْوُقُوع فِي الْمُحَرَّم ا ه . فَإِنْ أَرَادَ تَشْرِيك عِبَادَة بِعِبَادَةٍ أُخْرَى فَهُوَ كَذَلِكَ وَلَيْسَ مَحَلّ النِّزَاع وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْض الْمَالِكِيَّة عَلَى تَحْرِيم الِاسْتِمْنَاء لِأَنَّهُ أَرْشَد عِنْد الْعَجْز عَنْ التَّزْوِيج إِلَى الصَّوْم الَّذِي يَقْطَع الشَّهْوَة ، فَلَوْ كَانَ الِاسْتِمْنَاء مُبَاحًا لَكَانَ الْإِرْشَاد إِلَيْهِ أَسْهَل . وَتُعُقِّبَ دَعْوَى كَوْنه أَسْهَلَ لِأَنَّ التَّرْك أَسْهَل مِنْ الْفِعْل . وَقَدْ أَبَاحَ الِاسْتِمْنَاء طَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاء ، وَهُوَ عِنْد الْحَنَابِلَة وَبَعْض الْحَنَفِيَّة لِأَجْلِ تَسْكِين الشَّهْوَة.اهـ الفتح
4>>ـ رابعا >>الصيام لجام اللسان فقد تعلمنا من مدرسة الصيام كيف تلجم لسانك عن الغيبة والنميمة والوقيعة في الآخرين من خلال الحديث الآتي :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ> الموطإ البخاري .مسلم .قال النووي :الْحَدِيث فِيهِ نَهْيُ الصَّائِمِ عَنْ الرَّفَث ، وَهُوَ السُّخْف وَفَاحِش الْكَلَام ، يُقَال : ( رَفَث ) بِفَتْحِ الْفَاء ، ( يَرْفُث ) بِضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ، وَ ( رَفِثَ ) بِكَسْرِهَا ، ( يَرْفُث ) بِفَتْحِهَا رَفْثًا بِسُكُونِ الْفَاء فِي الْمَصْدَر وَرَفَثًا بِفَتْحِهَا فِي الِاسْم.
وَالْجَهْل قَرِيب مِنْ الرَّفَث ، وَهُوَ خِلَاف الْحِكْمَة وَخِلَاف الصَّوَاب ، مِنْ الْقَوْل وَالْفِعْل . وَاعْلَمْ أَنَّ نَهْيَ الصَّائِمِ عَنْ الرَّفَث وَالْجَهْل وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَة لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ ، بَلْ كُلّ أَحَد مِثْله فِي أَصْل النَّهْي عَنْ ذَلِكَ لَكِنَّ الصَّائِم آكَدُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .اهـ
****وبين أيدينا أخي المسلم باقة من آداب الكلام نبسطها كما يلي:
1»» اختيار أجمل الكلام، وأحسن الألفاظ، أثناء مخاطبة الناس، كما يختار أطايب الطعام، والرد على ما يسمعه منهم بلباقة وتهذيب.
قال تعالى: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) الحج.
وعن عديّ بن حاتم أن رسول الله قال:" اتقوا النار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة" متفق عليه.
2 »» التمهّل في الكلام وبيانه حتى يفهم المستمع المراد من الحديث ويعقل مقصوده ومغزاه.
عن عائشة قالت: ما كان رسول الله يسرد الحديث كسردكم هذا، يحدّث حديثا لو عدّه العادّ لأحصاه. متفق عليه.
وعنها أيضا قالت: كان كلام رسول الله كلاما فصلا يفهمه كل من سمعه. رواه أبو داود.
3 »» تجنّب الخوض في أحاديث لا يعلمها، أو غير متأكد من صحتها، أو لا يعلم عنها إلا الظنّ فإن الظنّ أكذب الحديث.
4 »» لزوم قلة الكلام إلا إذا كان جوابا، أو نصيحة، أو أمرا بالمعروف، أو نهيا عن المنكر، أو دعوة الى الله.
قال تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114) النساء.
<1740>
وعن ابن عمر ما قال: قال رسول الله: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب وإنّ أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي الترمذي.
5 »» تجنب الثرثرة واللغو والكلام الذي لا طائل منه.قال تعالى: <قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) المؤمنون.
6 »» تعقل الكلام قبل النطق به، والتفكر في عواقبه، وتجنب إلقاء الكلام دون روية وإستيعاب.قال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق.
وعن أنس قال: كان رسول الله يتكلم بكلام فصل لا هزر ولا نزر، ويكره الثرثرة في الكلام والتشدّق فيه. متفق عليه.
7 »» الصمت لمن هو أعلى مقاما، وأرفع قدرا، وأغزر علما، وأكبر سنا، وأعظم فضلا، والإصغاء لكلامه، والإقبال عليه بالسمع والبصر.
8 »» تجنب الكلام حتى ينتهي المتكلم في المجلس، لأن مجلس العقلاء لا يتكلم فيه إثنان معا.
9 »» تجنب مقاطعة أحد، أو تصحيح كلامه، أو تجريحه، أو تخطيه، أو السخرية من كلامه.قال تعالى: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً البقرة 83.
وقال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ العنكبوت 46.
10 »» خفض الصوت وعدم رفعه أكثر من الحاجة، وتجنب الصخب والضجيج، والصراخ والانفعال.
قال تعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) لقمان.
11 »» التزام الهدوء والابتسام أثناء الكلام، وعدم التجهم والعبوس في وجوه الناس.
عن أبي الدرداء قال: كان رسول الله لا يحدّث حديثا إلا تبسّم. رواه أحمد.
12 »» تجنّب الخبيث من الكلام، والهجين من الألفاظ، لأن المؤمن لا يكون فاحشا ولا بذيئا.
عن أبي موسى قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده. متفق عليه.
13 »» تجنب الحلف والإكثار من القسم أثناء الكلام، وعدم الحلف إلا لضرورة.
قال تعالى: وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ المائدة 89.
14 »» تجنّب الحلف بمخلوق كالنبي والكعبة والملائكة والآباء والحياة والرأس والشرف.. إلخ.
عن ابن عمر عن النبي قال: إنّ الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت متفق عليه.
وعنه أنه سمع رجلا يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله يقول: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك رواه الترمذي.
15 »» الزام اللسان كثرة الاستغفار كلما بدر منه سيئة أو صدرت عنه خطيئة.
<1741>
عن حذيفة قال: شكوت الى رسول الله ذرب لساني فقال: أين أنت من الاستغفار؟ إني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة. رواه ابن ماجه وابن السني.
16 »» مراقبة اللسان وحفظه، وحبسه وكفه عن المهلكات والمحرمات التالية:
1»» الكذب في الجد والهزل، فهو من أعظم الذنوب وأشد الكبائر.
2»» الغيبة وهي ذكر أحد بما يكره، وهي تدل على نقص فاعلها وخسة نفسه وقلة مروءته.3»» النميمة وهي نقل الأحاديث السيئة للإيقاع بين المتحابين وهي تدل على خبث النفس وضعتها وأنانيتها.4»» المراء والجدال العقيم، وقيل وقال، والخوض فيما لا طائل منه ولا ثمرة بعده.5»» تزكية النفس، والاعتداد بها، والتحدث عن أعمالها ومناقبها وأمجادها ومآثرها.6»» اللعان والسباب والفحش والشتم والطعن والولوغ في أعراض الناس وسمعتهم همزا ولمزا.7»» ذم أي شيء، واحتقار أي مخلوق، والدعاء على أي أحد.8»» كثرة المزاح، وإضحاك الآخرين، حتى تصير عادة تسقط المهابة، وتذهب بالحياء.9»» السخرية من الناس، والاستهزاء بضعفائهم، وتنقيص أقدارهم، والحط من مكانتهم.10»» المبالغة في المدح، والتكريم والتعظيم، حتى يصير تملقا ونفاقا..عن عقبة بن عامر قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟قال: أمسك عليك لسانك، ليسعك بيتك، وابك على خطيئتك. رواه الترمذي.وعن سفيان بن عبدالله قال: قلت يا رسول الله حدّثني بأمر أعتصم به. قال: قل ربي الله ثم استقم. قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: هذا. رواه الترمذي.
5>>ـ خامسا>>ـ الجدود والكرم تعلمنا مدرسة الصيام هذه الخصلة الحميدة للحديث التالي :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ> رواه البخاري ومسلم .في الفتح : قَوْله : ( فَيُدَارِسهُ الْقُرْآن )قِيلَ الْحِكْمَة فِيهِ أَنَّ مُدَارَسَة الْقُرْآن تُجَدِّد لَهُ الْعَهْد بِمَزِيدِ غِنَى النَّفْس ، وَالْغِنَى سَبَب الْجُود . وَالْجُود فِي الشَّرْع إِعْطَاء مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي ، وَهُوَ أَعَمّ مِنْ الصَّدَقَة . وَأَيْضًا فَرَمَضَان مَوْسِم الْخَيْرَات ؛ لِأَنَّ نِعَم اللَّه عَلَى عِبَاده فِيهِ زَائِدَة عَلَى غَيْره ، فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْثِر مُتَابَعَة سُنَّة اللَّه فِي عِبَاده . فَبِمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْوَقْت وَالْمَنْزُول بِهِ وَالنَّازِل وَالْمُذَاكَرَة حَصَلَ الْمَزِيد فِي الْجُود . وَالْعِلْم عِنْد اللَّه تَعَالَى . . وَالْمُرْسَلَة أَيْ : الْمُطْلَقَة يَعْنِي أَنَّهُ فِي الْإِسْرَاع بِالْجُودِ أَسْرَع مِنْ الرِّيح ، وَعَبَّرَ بِالْمُرْسَلَةِ إِشَارَة إِلَى دَوَام هُبُوبهَا بِالرَّحْمَةِ ، وَإِلَى عُمُوم النَّفْع بِجُودِهِ كَمَا تَعُمّ الرِّيح الْمُرْسَلَة جَمِيع مَا تَهُبّ عَلَيْهِ . وَوَقَعَ عِنْد أَحْمَد فِي آخِر هَذَا الْحَدِيث " لَا يُسْأَل شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ " وَثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَة فِي الصَّحِيح مِنْ حَدِيث جَابِر " مَا سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَالَ لَا " . وَقَالَ النَّوَوِيّ : فِي الْحَدِيث فَوَائِد : مِنْهَا الْحَثّ عَلَى الْجُود فِي كُلّ وَقْت ، وَمِنْهَا الزِّيَادَة فِي رَمَضَان وَعِنْد الِاجْتِمَاع بِأَهْلِ الصَّلَاح . وَفِيهِ زِيَارَة الصُّلَحَاء وَأَهْل الْخَيْر ،
<1742>
وَتَكْرَار ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَزُور لَا يَكْرَههُ ، وَاسْتِحْبَاب الْإِكْثَار مِنْ الْقِرَاءَة فِي رَمَضَان وَكَوْنهَا أَفْضَل مِنْ سَائِر الْأَذْكَار ، إِذْ لَوْ كَانَ الذِّكْر أَفْضَل أَوْ مُسَاوِيًا لَفَعَلَاهُ . اهـ الفتح
***ولقد رغب الإسلام في الجود والإنفاق من خلال الأحاديث التالية :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ قَالَ تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ> البخاري .عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ قَالَ فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ> البخاري .قَالَ
اِبْن بَطَّال وَغَيْره : فِيهِ التَّحْرِيض عَلَى تَقْدِيم مَا يُمْكِن تَقْدِيمه مِنْ الْمَال فِي وُجُوه الْقُرْبَة وَالْبِرّ لِيَنْتَفِع بِهِ فِي الْآخِرَة ، فَإِنَّ كُلّ شَيْء يَخْلُفهُ الْمُوَرِّث يَصِير مِلْكًا لِلْوَارِثِ فَإِنْ عَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّه اخْتَصَّ بِثَوَابِ ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ الَّذِي تَعِبَ فِي جَمْعه وَمَنْعه ،.اهـ الفتح
**عن عبد الله بن مسعود قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم على بلال وعنده صبر من تمر فقال ما هذا يا بلال قال أعددت لك ولضيفانك قال اما تخشى يبلال ان يكون له بخار في نار جهنم انفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا>بغية الحارث .**عن زيد بن أسلم قال : جاء رجل فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما عندنا شئ ، ولكن ابتع علينا ، فقال عمر : هذا تعطي ما عندك ، ولا تتكلف ما ليس عندك ، فقال رجل من الأنصار : أنفق يا رسول الله ولا تخف من ذي العرش إقلالا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بهذا أمرني ربي.> مصنف عبد الرزاق **روى أبو داود : عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ
أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ قُلْتُ مِثْلَهُ قَالَ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قُلْتُ لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا>
****ففي مجال الإيثار والمواساة ورد ما يلي:
روى الطبراني في الكبير أن عمر بن الخطاب أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة ثم قال لغلامه اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تشاغل في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع فذهب بها الغلام إليه فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك فقال أبو عبيدة وصل الله عمر ورحمه ثم قال:أي أبو عبيدة تعالي يا جارة اذهبي بهذه السيعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره ووجده قد عد مثلها لمعاد بن جبل فقال:اذهب بها إلى معاد وتشاغل في البيت حتى تنظر ماذا يصنع فذهب بها إليه فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في حاجتك فقال رحمه الله ووصله تعالى يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا واذهبي إلى بيت فلان بكذا فاطلعت امرأة معاذ وقالت نحن والله مساكين فأعطنا فلم يبق في
<1743>
الخرقة إلا ديناران فرمى بهما إليها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك فقال إنهم إخوة بعضهم من بعض}....وفي عهد عمر أصاب الناس مجاعة وشدة وكانت قافلة من الشام مكونة من ألف جمل عليها أصناف الطعام واللباس قد حلت لعثمان {ض}فتراكض التجار عليا يطلبون أن يبيعهم هذه القافلة فقال لهم كم تعطوني ربحا قالوا خمسة في المائة قال إني وجدت من يعطيني أكثر فقالوا ما نعلم في التجار من يدفع أكثر من هذا الربح فقال لهم عثمان إني وجدت من يعطيني على الدرهم سبعمائة فأكثر وجدت الله يقول{مثل الدين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتث سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء}أشهدكم يا معشر التجار أن القافلة وما فيها من برودقيق وزيت وسمن وهبتها لفقراء المدينة وأنها صدقة على المسلمين .وروى مسلم قال {جاء أعرابي النبي{ص}بناقة مخطومة فقال يا رسول الله هذه في سبيل الله فقال{ص}{لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة} وروى البخاري في الأدب المفرد عن ابن عمر{ض}قال:لقد أتى علينا زمان وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم}
وعن ابن عمر{ض}قال أهدي إلى رجل من أصحاب رسول الله{ص}رأس شاة فقال فلان أحوج والله مني فبعث به إليه فبعث هو أيضا إلى آخر يراه أحوج منه فلم يزل يبعث واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول بعد أن تداوله سبعة}ذكره الغزالي في الإحياء
ومن عجائب الإيثار ما ذكره العدوي كما روى القرطبي: وقال حذيفة العدوي: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي- ومعي شي من الماء- وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، فإذا أنا به، فقلت له: أسقيك، فأشار برأسه أن نعم فإذا أنا برجل يقول: آه! آه! فأشار إلي ابن عمي أن انطلق إليه، فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فأشار أن نعم. فسمع آخر يقول: آه! آه! فأشار هشام أن انطلق إليه فجئته فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات. فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات. وقال أبو يزيد البسطامي: ما غلبني أحد ما غلبني شاب من أهل بلخ! قدم علينا حاجا فقال لي: يا با يزيد، ما حد الزهد عندكم؟ فقلت: إن وجدنا أكلنا. وإن فقدنا صبرنا . فقال: هكذا كلاب بلخ عندنا. فقلت: وما حد الزهد عندكم؟ قال: إن فقدنا شكرنا، وإن وجدنا آثرنا.ولقد مدح الله الأنصار لأنهم آثروا المهاجرين على أنفسهم فقال تعالى:{يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}
يقول تعالى ذكره: وهو يصف الأنصار الذين تبوّءُوا الدار والإيمان من قبل المهاجرين( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ) يقول: ويعطون المهاجرين أموالهم إيثارًا لهم بها على أنفسهم،( وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) يقول: ولو كان بهم حاجة وفاقة إلى ما آثروا به من أموالهم على أنفسهم، والخصاصة: مصدر.. عن أبي هُرَيرة قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أصابني الجهدُ، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا رجل يُضَيّفُ هذا الليلة، رحمه الله؟". فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. فذهب إلى أهله فقال لامرأته: ضَيفُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تَدّخريه شيئًا. فقالت: والله ما عندي
<1744>
إلا قوتُ الصبية. قال: فإذا أراد الصبيةُ العَشَاء فنوّميهم وتعالى فأطفئي السراج ونَطوي بطوننا الليلة. ففعلَت، ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "لقد عجب الله، عز وجل -أو: ضحك-من فلان وفلانة". وأنزل الله عز وجل: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } البخاري.قال ابن كثير :وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أفضلُ الصدقة جَهدُ المقلّ". وهذا المقام أعلى من حال الذين وَصَف اللهُ بقوله: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ } (1) [الإنسان : 8]. وقوله: { وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ } [البقرة : 177] .فإن هؤلاء يتصدقون وهم يحبون ما تصدقوا به، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه. ومن هذا المقام تصدق الصديق، رضي الله عنه، بجميع ماله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟". فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. وهذا الماء الذي عُرض على عكرمة وأصحابه يوم اليرموك، فكل منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه، وهو جريح مثقل أحوجَ ما يكون إلى الماء، فرده الآخر إلى الثلث، فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم ولم يشربه أحد منهم، رضي الله عنهم وأرضاهم اهـ.....
**وروي أن أحد الخلفاء أمر بضرب رقاب ثلاثة من الصالحين فيهم أبو الحسين النوري فتقدم أبو الحسين ليكون أول من تضرب عنقه فعجب الخليفة لذلك وسأله عن سببه فقال أبوالحسين رحمه الله إني أجبت أن أوثر إخواني بالحياة في هذه اللحظات فكان ذلك سبب نجاتهم جميعا}اهـ الإخوة لناصح علوان
6>>ـ سادسا>> الانتصار والجد لا الخمول والنوم فقد تعلمنا من مدرسة الصوم أن انتصارات الأمة عبر تاريخها العريق كانت في رمضان .فأكبر نصرين في عهد النبوة غزوتا بدر وفتح مكة كانتا فى رمضان، وفتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد كان فى 28 رمضان سنة 92هـ ، وموقعة عين جالوت كانت في 15 رمضان سنة 658هـ ، وكذا حرب العاشر من رمضان سنة 1383هـ .
هذه كلها نتيجة طبيعية لأن الأمة إذا تعمق الإيمان في قلوب رجالها ونسائها، وانتصرت على أهوائها وشهواتها وتجمعت صفا واحداً خلف قادتها وعلمائها فإنها قطعا تكون جديرة بالنصر والعزة والتمكين وفقا لوعد الله رب العالمين القائل : {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ} (الروم : 47) ، وهذا مما يعيد إلى الأمة العربية والإسلامية الأمل قبل العمل ، ثم البذل والتضحية وجهاد أعدائهم وليس تصويب مدافعهم إلى صدور أبنائهم في الملة الواحدة.
**ولقد دعا الإسلام إلى العمل اليدوي ونهى عن الخمول من خلال ما يلي
1>>ـ إن التقاعس والكسل عن العمل أمران ينافيان مبادئ الشريعة التي دعت إليه إثر قضاء الفريضة قال تعالى : "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله ".ودعت إلى عدم التطويل في العبادة لأن الناس منهم الضعيف وذا الحاجة يوضح هذا ما يلي : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ> البخاري ومالك في الموطإ...عن أبي مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ
<1745>
وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ قَالَ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ> البخاري .. إن الكد في طلب الرزق خير من السؤال ولذا فسنورد ما يؤكد ما ذكرناه على الشكل التالي : :
أولا:المطالبة بالمشي في الأرض طلبا للرزق قال تعالى :<هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ>
وفي الآية إيماء إلى طلب الرزق والمكاسب، فالسعي في السبب لا ينافي التوكل، كما قال الإمام أحمد: تميم الجَيشاني يقول: إنه سمع عمر بن الخطاب يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تَغْدُو خِمَاصًا وتَرُوح بِطَانًا".رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة. فأثبت لها رواحا وغدوا لطلب الرزق، مع توكلها على الله، عز وجل، وهو المسَخِّر المسير المسبب. أما الحديث الذي يستند إليه المتقاعسون فهو رد عليهم . عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا >قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيح. 1) الغدو : السير والذهاب والتبكير أول النهار(2) الخَمْص : الجوع وضمور البطن(3) الرواح : العودة والرجوع(4) بطانا : جمع بطين أي ممتلئة الأجواف...فالحديث لم يضمن للطيور ملأ بطونها إلا بالغدو والعمل ولذا روى البخاري : عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي>وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى فَضْلِ الرُّمْحِ وَإِلَى حِلِّ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَإِلَى أَنَّ رِزْقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ فِيهَا لَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَكَاسِبِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ وَالْمُرَادُ بِالصَّغَارِ وَهُوَ بِفَتْح الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ بَذْلُ الْجِزْيَة
2>>ـ الحث على التجارة والزراعة والغراسة والصناعة .أما التجارة فورد الحث عليها في حديث أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ >قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ...أما الزراعة والغراسة فدعا الحبيب بقوله : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ> رواه البخاري.وروى مسلم : عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ مُبَشِّرٍ الْأَنْصَارِيَّةِ فِي نَخْلٍ لَهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ فَقَالَتْ بَلْ مُسْلِمٌ فَقَالَ لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ>...أما الحث على تعلم الحرف وتعاطيها فروى البخاري : عَنْ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ>...
<1746
وعن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، حدثني أبي ، عن جدي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من أمسى كالا من عمل يديه أمسى مغفورا له » « لا يروى هذا الحديث عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد ، تفرد به : إبراهيم بن سلم »المعجم الأوسط للطبراني ومز له السيوطي بالضعف
3>>ـ الحث على العمل الدنئ خير من المسألة . عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ> البخاري .في الفتح : وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى التَّعَفُّفِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْهَا وَلَوْ اِمْتَهَنَ الْمَرْءُ نَفْسه فِي طَلَبِ الرِّزْقِ وَارْتَكَبَ الْمَشَقَّة فِي ذَلِكَ ، وَلَوْلَا قُبْحُ الْمَسْأَلَةِ فِي نَظَر الشَّرْع لَمْ يُفَضَّلْ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى السَّائِلِ مَنْ ذُلِّ السُّؤَالِ وَمِنْ ذُلِّ الرَّدِّ إِذَا لَمْ يُعْطَ وَلِمَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَسْئُولِ مِنْ الضِّيقِ فِي مَالِهِ إِنْ أَعْطَى كُلَّ سَائِل
4>>ـ مدح التعفف وذم السؤال قال تعالى : { لايسألون الناس إلحافا > وقد وردت أحاديث متعددة تمدح المتعففين عن السؤال ، وتذم الملحفين فيه ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان ولا التمرة والتمرتان إنما المسكين الذي يتعفف . اقرؤوا إن شئتم : { لاَ يَسْأَلُونَ الناس إِلْحَافاً }.وروى مسلم في صحيحه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم " .وروى مسلم - أيضاً - في صحيحه عن عوف بن مالك قال: كنا تسعة أو ثمانية أو سبعة عند رسول الله فقال: " ألا تبايعون رسول الله؟ فقلنا علام نبايعك؟ قال: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً . والصلوات الخمس، وتطيعوا ولا تسألوا الناس. فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فلا يسأل أحداً يناوله إياه" .قال طنطاوي: والخلاصة أن السؤال إنما يجوز عند الضرورة، وأنه لا يصح لمؤمن أن يسأل الناس عنده ما يكفيه ، لأن السؤال ذل يربأ بنفسه عنه كل من يحافظ على مروءته وكرامته وشرفه .اهـ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَغْدُوَ أَحْسِبُهُ قَالَ إِلَى الْجَبَلِ فَيَحْتَطِبَ فَيَبِيعَ فَيَأْكُلَ وَيَتَصَدَّقَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ» البخاري . عن أبي سعيد الخدري .
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف » أخرجه أبو داود وقال : زاد هشام في حديثه وكانت الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين درهماً وفي رواية عطاء بن يسار من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من سأل الناس وله أربعون درهماً فهو ملحف » أخرجه النسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ»مسلم اهـ الخازن قال النووي: قَالَ الْقَاضِي : مَعْنَاهُ : أَنَّهُ يُعَاقَب بِالنَّارِ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون عَلَى ظَاهِره . وَأَنَّ الَّذِي يَأْخُذهُ يَصِير جَمْرًا يُكْوَى بِهِ ، كَمَا ثَبَتَ فِي مَانِع الزَّكَاة .اهـ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ
<1747
الْهِلَالِيِّ قَالَ تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا فَقَالَ أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا قَالَ ثُمَّ قَالَ يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا> رواه مسلم في باب من تحل له المسألة عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُا قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالًا فَقُلْتُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْهُ وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَك> مسلم . قال النووي: هَذَا الْحَدِيث فِيهِ مَنْقَبَة لِعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَبَيَان فَضْله وَزُهْده وَإِيثَاره....والله أعلى واعلم كتبه حميد أمين كان الله وليه
ايها الناس إن دخول هذا الشهر على الأمة له من البركات ما يستحيل عده ولو لم يكن إلا أنه شهر الرحمة والبركة لكفى ففي سنن النساءي : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ>
إن من يمعن النظر في هذا الشهر وما فيه من خير ليجد أنه مدرسة عظيمة ذات دروس جسيمة لوأحسن المسلمون الاستفادة منها لكانوا من الرقي بمكان ولكانوا من أحسن الأمم خلقا ولا استعادوا مجدهم السابق يوم فقهوا ماذا يعني الصيام.غير أنه لما صام الجارحان الفرج والفم فقط وكان ذلك المبتغى من صيامنا انهارت حضارتنا وبقيت حبرا على ورق وإسما بلا مسمى حيث لم نستفد من الصوم ما يجب أن نستفيد منه يدلك ذلك على إعودة العونة بعد آخر يوم من رمضان ولأجل هذانقبت على بعض دروسه المعتبرة وسكت عن كم هائل مراعاة لظرف الكلمة ووقتها فأتيت بما يلي :
1ـ أولا>>الرحمة والرفق بالجنس اللطيف الزوجة أم الأولاد-مدرسة الصيام تعلم الزوج الرفق الشديد بالزوجة الحامل لقول النبي صلى الله عليه وسلّم : (( إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع الصوم )) [ رواه الترمذي وقال : حسن ]
فلقد وضع عنها ربها الذي خلقها فرض الصيام لتصوم وقتا آخر أو تفدي ، لتكون رسالة لكل زوج مسلم أن يكون عطوفا حنونا على زوجته خاصة فى مرضها أو ضعفها عند حملها أو إرضاعها أو حيضها ، وهو أكبر سبب يجعل الزوجة تشعر بالأمان في كنف رجل ذا مروءة وإحسان لأنه من الكرام وليس من اللئام
**والرفق بالمرأة عامة والزوجة خاصة نورد أحكامها كالتالي :
1ـ إنصافها من جورالرجلألا قلنتأمل الشريعة الإسلامية كيف أنصفت المرأة حيث تسوء العشرة أو لايكون أنس أو مودة بين الزوجين فعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً> البخاري و عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " أَوَّل خُلْعٍ كَانَ فِي الْإِسْلَام اِمْرَأَة ثَابِت بْن قَيْس ، أَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه لَا يَجْتَمِع رَأْسِي
وَرَأْس ثَابِت أَبَدًا ، إِنِّي رَفَعْت جَانِب الْخِبَاء فَرَأَيْته أَقْبَلَ فِي عِدَّةٍ ، فَإِذَا هُوَ أَشَدّهمْ سَوَادًا وَأَقْصَرُهُمْ قَامَة وَأَقْبَحهمْ وَجْهًا . فَقَالَ : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَته ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، وَإِنْ شَاءَ زِدْته . فَفَرَّقَ بَيْنهمَا " اهـ الفتح لابن حجر.
<1732>
2>>ـ : الترهب من العنف ضدها للأحاديث التالية : عَنْ أَبِيهِ قَالَ
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ قَالَ أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ >قَالَ أَبُو دَاوُد وَلَا تُقَبِّحْ أَنْ تَقُولَ قَبَّحَكِ اللَّهُ.
عن بَهْزبْن حَكِيمٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نِسَاؤُنَا مَا نَأْتِي مِنْهُنَّ وَمَا نَذَرُ قَالَ ائْتِ حَرْثَكَ أَنَّى شِئْتَ وَأَطْعِمْهَا إِذَا طَعِمْتَ وَاكْسُهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ وَلَا تُقَبِّحْ الْوَجْهَ وَلَا تَضْرِبْ>رواه أبو داود
قَالَ الْعَلْقَمِيّ : وَهَذَا أَمْر إِرْشَاد يَدُلّ عَلَى أَنَّ مِنْ كَمَالِ الْمُرُوءَة أَنْ يُطْعِمهَا كُلَّمَا أَكَلَ وَيَكْسُوهَا إِذَا اِكْتَسَى . وَفِي الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى أَنَّ أَكْله يُقَدَّم عَلَى أَكْلهَا وَأَنَّهُ يَبْدَأ فِي الْأَكْل قَبْلهَا وَحَقّه فِي الْأَكْل وَالْكِسْوَة مُقَدَّم عَلَيْهَا لِحَدِيثِ " اِبْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُول "
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَأَوْ قَالَ غَيْرَهُ>رواه مسلم
قوله < يَفْرَك >بِفَتْحِ الْيَاء وَالرَّاء وَإِسْكَان الْفَاء بَيْنهمَا قَالَ أَهْل اللُّغَة فَرِكَهُ بِكَسْرِ الرَّاء يَفْرُكُهُ إِذَا أَبْغَضه وقال تعالى : <وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا>.وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوه ُقَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ.ومن رحمة النبي <ص> بالمرأة . عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ وَمَعَهُنَّ أُمُّ سُلَيْمٍ فَقَالَ وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ فَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ قَوْلُهُ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ> البخاري الحادي : منشد ينشد شعرا وغناء تطرب له الإبل فتسرع في سيرها. والقوارير : جمع قارورة وهي اسم لإناء من الزجاج.
3>>ـ : تكريم الإ سلام للمرأة .نرى اليوم الذي كثر فيه أبواق المدافعين عنها أنها قد أقحموها في سرادب عميقة غير مناسبة لأنوتثها فقد وسعوا لها في التخصصات هي في غنى عنها فما أسعد البشرية لو خففت عنها العبء واحترمت أنوتثها ........ لكن الإسلام احترمها أما فقرن تعالى الإحسان إليه بها فقال : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا >
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ> البخاري
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا> البخاري
<1733>
4 >>ـ : عدم الإضرار بالزوجة : فمن حقها أن لا يؤذيها بقول أو فعل أو خلق فالإضرار بها غير جائز { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } وإذا خالف الزوج أدب الإسلام وآذاها كان من حقها أن ترفع أمرها إلى القضاء لينصفها ويزجره عما فعل بل يرى بعض الفقهاء أن من حقها أن تطلب التفريق للضرر الواقع عليها وللقاضي أن يحكم بطلاقها جبرا على الزوج طلاقا بائنا ( لا حق للزوج في إرجاعها
: صورمن ظلمالمرأة 1ـ إهمال النفقة عليها ..2ـ تفضيل إحدى زوجاته كالصغيرة على الكبيرة وفي هذا ورد ترهيب من الشارع الحكيم فقال: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَحَدُ شِقَّيْهِ سَاقِطٌ> رواه أحمد
وأما الميل بالمحبة فلا يدخل صاحبه في هذا الوعيد لما رواه أحمد عن عائشة قالت : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ قَالَ عَفَّانُ وَيَقُولُ هَذِهِ قِسْمَتِي ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا فِعْلِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ> عن ابن عباس قال: يعني: في الحب والجماع. قوله تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} قال أهل التفسير : لن تطيقوا أن تسوّوا بينهن في المحبة التي هي ميل الطباع ، لأن ذلك ليس من كسبكم { ولو حرصتم } على ذلك { فلا تميلوا } إِلى التي تحبون في النفقة والقسم ...3ـ التزوج عليها ثم تهميشها لاهي مطلقة ولا هي متزوجة
لكن يكون هذا من الظلم إذا كان عاجزا عن النفقة والمبيت اما إذا كان يطيق ذلك فلا يضر حكم التعدد وإن أصبح بعض المولعين بالنظم الغربيين يشمئز منه وهذا يصطدم بالنص القرىني الذي أباح التعدد شريطة العدل وقد ورد سؤال على الشيخ ابن باز رحمه الله كما في موقعه على شبكة المعلومات . فأجاب عن حكم من أنكر جواز تعدد الزوجات وهو : .سؤال : بعض النساء يفضلن العادات الاجتماعية في أوروبا أو في الغرب عموماً، أو في البلاد غير الإسلامية، ويقلن في ذلك: إن تعدد الزوجة ممنوع، وهنا مثلاً في الحكم الشرعي يباح تعدد الزوجة، فما الحكم في إلصاق هذه التهمة في الإسلام؟الجواب : من كره تعدد الزوجات وزعم أن عدم التعدد هو أفضل
هو كافر ومرتد عن الإسلام، لأنه -نعوذ بالله- منكر لحكم الله وكاره لما شرع الله؛ والله يقول سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} محمد:9، من كره ما أنزل الله حبط عمله؛ فالذي يكره تعدد الزوجات ويرى أن الشريعة قد ظلمت؛ أو أن حكم الله في هذاناقص أو ماهو طيب، أو أن ما يفعلونه في بلاد النصارى من الوحدة أن هذا أولى وأفضل،هذا كله ردة على الإسلام -نعوذ بالله.
<1734>
5>>ـ صور من العدل الذي جاء بها صاحب الشريعة فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَقُولُ أَيْنَ أَنَا غَدًا أَيْنَ أَنَا غَدًا يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ
حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي فَقَبَضَهُ اللَّهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي ثُمَّ قَالَتْ دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْطَانِيهِ فَقَضِمْتُهُ ثُمَّ مَضَغْتُهُ فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَنَّ بِهِ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِي»البخاري وقال الحافظابن حجر في شرح الحديث: (الْقَسْم لَهُنَّ يَسْقُط بِإِذْنِهِنَّ فِي ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُنَّ وَهَبْنَ أَيَّامهنَّ تِلْكَ لِلَّتِي هُوَ فِي بَيْتهَا).وفي صورة أخرى لظلم الرجل غير العادل نراه يصطحب إحدى زوجاته في أسفاره دون أن يكون لغيرها نصيب، فإذا أراد السفر ورغب أن تصحبه إحدى زوجاته، فلابد أن يرضين كلهن، وإلا فالقرعة بينهن، ومثالنا على ذلك فعل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه»البخاري 2404، ومسلم . 4ـ الاستحواذ على مهرها من أثاث وملابس عندما تسوء العشرة ويتم الطلاق .
2ـ ثانيا >>ـ الحلم وعدم رد الفعل فقد تعلمنا هذا من قوله صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا> البخاري...في التعريفات : الحلم :هو الطمأنينة عند سورة الغضب، وقيل: تأخير مكافأة الظالم.
ولقد جاء في بيان حلم عباد الرحمان وحسن معاملتهم مع الناس قال تعالى :< وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا > أي: إذا سَفه عليهم الجهال بالسّيئ، لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرًا، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، وكما قال تعالى: { وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ } [ القصص : 55] . عن النعمان بن مُقَرّن المُزَني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [وسبّ رجلٌ رجلا عنده، قال: فجعل الرجل المسبوب يقول: عليك السلام. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما] (5) إن ملكًا بينكما يذب عنك، كلما شتمك هذا قال له: بل أنت وأنت أحق به. وإذا قال له: عليك السلام، قال: لا بل عليك، وأنت أحق به. "رواه أحمد إسناده حسن، ولم يخرجوه.اهـ ابن كثير ولقد ورد الترغيب في العفو والحلم في كثير من الآيات والأحاديث في الحلم الذي هوضبط النفس و ضد التسرع من أوصاف الأنبياء والأخيار فقد وصف به إسماعيل قال تعالى : { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ>وشعيب : قال تعالى : {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ >ووصف النبي {ص}
<1735>
الأشج بالحلم فعن ابْنُ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ>مسلم.وجاء في كظم الغيظ ما يلي : عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما جرع عبد جرعة أعظم أجرا عند الله من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله عز وجل »شعب الإيمان للبيهقي . جرع : شرب. كظم غيظه : أمسك على ما في نفسه منه صافحا أو مغيظا
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ> مسلم .وورد الترغيب في العفو في الكتاب والسنة وكيف وهو من صفات الحق يعفوا عن المذنبين .والعفو صفةٌ فعليَّةٌ لله عَزَّ وجلَّ ثابتةٌ له بالكتاب والسنة ، ومعناها الصفح عن الذنوب ، و(العَفُوُّ) اسم لله تعالى .الدليل من الكتاب - قوله تعالى : )إِنَّ الله كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا( [النساء : 43] . الدليل من السنة : - حديث الدعاء على الجنازة : ((اللهم اغفر له ، وارحمه ، وعافه واعف عنه 000 )) . رواه مسلم (963... عن أنس بن مالك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا وقف العباد للحساب جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم ، تقطر دما ، فازدحموا على باب الجنة ، فقيل : من هؤلاء ؟ قيل : الشهداء ، كانوا أحياء مرزوقين . ثم نادى مناد : ليقم من أجره على الله ، فليدخل الجنة ، ثم نادى الثانية : ليقم من أجره على الله ، فليدخل الجنة قال : ومن ذا الذي أجره على الله عز وجل ؟ قال : العافين عن الناس ، ثم نادى الثالثة : ليقم من أجره على الله ، فليدخل الجنة ، فقام كذا وكذا ألفا ، فدخلوها بغير حساب » « لا نعلمه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد ، ولم يحدث به إلا يحيى بن خلف »المعجم الأوسط للطبراني .ومن صفات أهل الجنة العفو فقال : <أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء >>وعفا النبي عن مشركي قريش عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ
أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ فَقَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ قَالَ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا> البخاري
وعن وحشي قاتل حمزة لما أسلم وعن أهل الطائف وأهل مكة ..(وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد : « ما ترون أني صانع بكم ؟ » قالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن
<1736>
أخ كريم قال : « اذهبوا فأنتم الطلقاء » السنن الكبرى للبيهقي . كما عفا أبو بكر عن مسطح حيث شارك في الإفك قال تعالى /: {لَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ > ولا يحلف أهل الفضل في الدين والسَّعَة في المال على ترك صلة أقربائهم الفقراء والمحتاجين والمهاجرين، ومنعهم النفقة؛ بسبب ذنب فعلوه، ولْيتجاوزوا عن إساءتهم، ولا يعاقبوهم. ألا تحبون أن يتجاوز الله عنكم؟ فتجاوزوا عنهم. والله غفور لعباده، رحيم بهم. وفي هذا الحثُّ على العفو والصفح، ولو قوبل بالإساءة.قال ابن كثير : وهذه الآية نزلت في الصدِّيق، حين حلف ألا ينفع مِسْطَح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال، كما تقدم في الحديث. فلما أنزل الله براءةَ أم المؤمنين عائشة، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت، وتاب الله على مَن كان تكلم من المؤمنين في ذلك، وأقيم الحد على مَن أقيم عليه -شَرَع تبارك وتعالى،
(978)
وله الفضل والمنة، يعطفُ الصدِّيق على قريبه ونسيبه، وهو مِسْطَح بن أثاثة، فإنه كان ابن خالة الصديق، وكان مسكينًا لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر، رضي الله عنه، وكان من المهاجرين في سبيل الله، .وعفا عمر عن الأعربي ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ قَالَ سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ{ خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ }وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ> البخاري
.وروى أبو داود : عَنْ أَبِي جُرَيٍّ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ
رَأَيْتُ رَجُلًا يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيِهِ لَا يَقُولُ شَيْئًا إِلَّا صَدَرُوا عَنْهُ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ قَالَ لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَيِّتِ قُلْ السَّلَامُ عَلَيْكَ قَالَ قُلْتُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي إِذَا أَصَابَكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَهُ عَنْكَ وَإِنْ أَصَابَكَ عَامُ سَنَةٍ فَدَعَوْتَهُ أَنْبَتَهَا لَكَ وَإِذَا كُنْتَ بِأَرْضٍ قَفْرَاءَ أَوْ فَلَاةٍ فَضَلَّتْ رَاحِلَتُكَ فَدَعَوْتَهُ رَدَّهَا عَلَيْكَ قَالَ قُلْتُ اعْهَدْ إِلَيَّ قَالَ لَا تَسُبَّنَّ أَحَدًا قَالَ فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا وَلَا عَبْدًا وَلَا بَعِيرًا وَلَا شَاةً قَالَ وَلَا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوفِ وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ وَجْهُكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَارْفَعْ إِزَارَكَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَخِيلَةِ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ وَإِنْ امْرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ فَلَا تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ فَإِنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ>
<1737>
**والحلم: صفة من صفات الله فمن تخلق فقد تخلق بصفات المولى قال تعالى : )قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ( [البقرة : 263]....وعنابن عباس رضي الله عنهما : ((000 لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم 000 )) رواه : البخاري (6345)، ومسلم. قال الهرَّاس في ((الشرح)) : (( ومن أسمائه سبحانه (الحليم) و (العفو) ؛ فالحليم الذي له الحلم الكامل الذي وسع أهل الكفر والفسوق والعصيان ، حيث أمهلهم ولم يعاجلهم بالعقوبة؛ رجاء أنَّ يتوبوا ، ولو شاء ؛ لأخذهم بذنوبهم فور صدورها منهم ؛
***ولقدجاءت التعاليم النبوية بطرق ناجعة لمكافحة الغضب والحد من تأثيره السيئ على البدن وعلى المسلم أن يروض نفسه على الحلم
عن سلمان بن سرد رضي الله عنه قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم وأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمر وجهه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " رواه البخاري ومسلم .
يقول د. إبراهيم الراوي (8) ينصح علماء الطب النفسي الأشخاص الذين يتعرضون إلى نوبات الغضب إلى تمارين خاصة تؤدي إلى نتائج مذهلة ، هذه التمارين تسبب استرخاء في الذهن يؤدي إلى انطفاء نار الغضب وإخماد الثورة العصبية ، منها أن يعدّ الشخص من 1ـ 2ـ 3 .. وحتى 30 قبل أن ينطق بأي حرف . هذه الحقيقة في مجال الطب النفسي اكتشفها نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم حين أمر الغاضب أن يتعوذ بالله عدة مرات وهذا واضح من مفهوم الآية الكريمة : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العلم ) صدق الله العظيم .
ويبدوا من هذا القبيل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم الغاضب إلى السكوت وعدم النطق بأي جواب . عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا غضب أحدكم فليسكت " . الأدب المفرد صححه الألباني وتغيير الوضعية ، هدي نبوي كريم له فائدة عظيمة في تهدئة ثورة الغضب عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع " .أبوداود وصححه الألباني
ويعلق د. الراوي (8) قائلاً : يوصي الطب الحديث كل من يتعرض للغضب الشديد والانفعالات النفسية بالاسترخاء قبل إطلاق العنان للجوارح واللسان . وهذه الحقيقة الطبية كان لها بالغ الأثر في الوقاية من أخطر الأزمات عندما يوفق المرء في تمالك نفسه عند الغضب والتي اكتشفها نبي الرحمة في أعماق النفس البشرية حين أمر الغاضب الواقف أن يجلس . وقد وفق د. حسان شمسي باشا (3) إلى كشف الإعجاز الطبي في هذه الوصفة النبوية إذ كتب يقول :" جاء في كتاب هاريسون الطبي أنه من الثابت علمياً أن هرمون النور أدرينالين يزداد بنسبة 2_ 3 أضعاف لدى الوقوف بهدوء لمدة خمس دقائق أما هرمون الأدرينالين فيرتفع ارتفاعاً بسيطاً في الوقوف لكن الضغوط النفسية تزيد من نسبته في الدم ... ولا شك أن ارتفاع العاملين معاً ، الغضب والوقوف يرفع نسبة هذين الهرمونين بشك كبير .
<1738>
فمن علم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الهرمونات تزداد بالوقوف وتنخفض بالاستلقاء حتى يصف هذا العلاج ؟ .. لا شك أنه وحي يوحى إليه، عليه الصلاة والسلام .
ومن هذا القبيل ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم ، ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه ، فمن وجد من ذلك شيئاً فليلصق خده بالأرض " رواه الترمذي وقال حديث حسن .
وهذا إشارة إلى الأمر بالسجود وتمكين أعز الأعضاء من أذل المواضع لتستشعر به النفس الذل وتزيل به العزة والزهو الذي هو سبب الغضب .
والاغتسال بالماء البارد (8) أو غسل الوجه واليدين به ، أحدث توصية طبية لها أثرها البالغ في تهدئة الجهاز العصبي . فالغضب (9) يتولد من الحرارة العامة والتعرق والإحساس بالضيق ، ويأتي الماء البارد ليخفف من هذا الأعراض . والوضوء الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم يضفي ، فوق ذلك ، شعوراً بالعبودية لله عند قيام الغاضب بهذا الفعل التعبدي ، يزيد من إحساسه بالأمن والرضى . وهذا مصداق ما رواه عطية السعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا غضب أحدكم فليتوضأ فإنما الغضب من النار " وفي رواية " إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " رواه داود . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.والله أعلى وأعلم
3>>ثالثا >>علاج الشهوة وعدم الانجرار إلى الزنا .روى مسلم : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ> قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُرَاد بِالْبَاءَةِ النِّكَاح ، وَأَصْله الْمَوْضِع الَّذِي يَتَبَوّؤُهُ وَيَأْوِي إِلَيْهِ ،.. قَوْله ( فَإِنَّهُ )
أَيْ الصَّوْم .قَوْله ( لَهُ وِجَاء )بِكَسْرِ الْوَاو وَالْمَدّ ، أَصْله الْغَمْز ، وَمِنْهُ وَجَأَهُ فِي عُنُقه إِذَا غَمَزَهُ دَافِعًا لَهُ ، وَوَجَأَهُ بِالسَّيْفِ إِذَا طَعَنَهُ بِهِ ، وَوَجَأَ أُنْثَيَيْهِ غَمَزَهُمَا حَتَّى رَضَّهُمَا وَفِي الْحَدِيث أَيْضًا إِرْشَاد الْعَاجِز عَنْ مُؤَن النِّكَاح إِلَى الصَّوْم ، لِأَنَّ شَهْوَة النِّكَاح تَابِعَة لِشَهْوَةِ الْأَكْل تَقْوَى بِقُوَّتِهِ وَتَضْعُف بِضَعْفِهِ ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ عَلَى جَوَاز الْمُعَالَجَة لِقَطْعِ شَهْوَة النِّكَاح بِالْأَدْوِيَةِ ، وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ فِي " شَرْح السُّنَّة " ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَل عَلَى دَوَاء يُسَكِّن الشَّهْوَة دُون مَا يَقْطَعهَا أَصَالَة لِأَنَّهُ قَدْ يَقْدِر بَعْد فَيَنْدَم لِفَوَاتِ ذَلِكَ فِي حَقّه ، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّة بِأَنَّهُ لَا يَكْسِرهَا بِالْكَافُورِ وَنَحْوه ، وَالْحُجَّة فِيهِ أَنَّهُمْ اِتَّفَقُوا عَلَى مَنْع الْجَبّ وَالْخِصَاء فَيَلْحَق بِذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ التَّدَاوِي بِالْقَطْعِ أَصْلًا ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمَقْصُود مِنْ النِّكَاح الْوَطْء وَلِهَذَا شُرِعَ الْخِيَار فِي الْعُنَّة . وَفِيهِ الْحَثّ عَلَى غَضّ الْبَصَر وَتَحْصِين الْفَرْج بِكُلِّ مُمْكِن وَعَدَم التَّكْلِيف بِغَيْرِ الْمُسْتَطَاع ، وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ حُظُوظ النُّفُوس وَالشَّهَوَات لَا تَتَقَدَّم عَلَى أَحْكَام الشَّرْع بَلْ هِيَ دَائِرَة مَعَهَا ، وَاسْتَنْبَطَ الْقَرَافِيّ مِنْ قَوْله " فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء " أَنَّ التَّشْرِيك فِي الْعِبَادَة لَا يَقْدَح فِيهَا بِخِلَافِ الرِّيَاء ، لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالصَّوْمِ الَّذِي هُوَ قُرْبَة وَهُوَ بِهَذَا الْقَصْد صَحِيح
<1739>
مُثَاب عَلَيْهِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَأَرْشَدَ إِلَيْهِ لِتَحْصِيلِ غَضّ الْبَصَر وَكَفّ الْفَرْج عَنْ الْوُقُوع فِي الْمُحَرَّم ا ه . فَإِنْ أَرَادَ تَشْرِيك عِبَادَة بِعِبَادَةٍ أُخْرَى فَهُوَ كَذَلِكَ وَلَيْسَ مَحَلّ النِّزَاع وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْض الْمَالِكِيَّة عَلَى تَحْرِيم الِاسْتِمْنَاء لِأَنَّهُ أَرْشَد عِنْد الْعَجْز عَنْ التَّزْوِيج إِلَى الصَّوْم الَّذِي يَقْطَع الشَّهْوَة ، فَلَوْ كَانَ الِاسْتِمْنَاء مُبَاحًا لَكَانَ الْإِرْشَاد إِلَيْهِ أَسْهَل . وَتُعُقِّبَ دَعْوَى كَوْنه أَسْهَلَ لِأَنَّ التَّرْك أَسْهَل مِنْ الْفِعْل . وَقَدْ أَبَاحَ الِاسْتِمْنَاء طَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاء ، وَهُوَ عِنْد الْحَنَابِلَة وَبَعْض الْحَنَفِيَّة لِأَجْلِ تَسْكِين الشَّهْوَة.اهـ الفتح
4>>ـ رابعا >>الصيام لجام اللسان فقد تعلمنا من مدرسة الصيام كيف تلجم لسانك عن الغيبة والنميمة والوقيعة في الآخرين من خلال الحديث الآتي :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ> الموطإ البخاري .مسلم .قال النووي :الْحَدِيث فِيهِ نَهْيُ الصَّائِمِ عَنْ الرَّفَث ، وَهُوَ السُّخْف وَفَاحِش الْكَلَام ، يُقَال : ( رَفَث ) بِفَتْحِ الْفَاء ، ( يَرْفُث ) بِضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ، وَ ( رَفِثَ ) بِكَسْرِهَا ، ( يَرْفُث ) بِفَتْحِهَا رَفْثًا بِسُكُونِ الْفَاء فِي الْمَصْدَر وَرَفَثًا بِفَتْحِهَا فِي الِاسْم.
وَالْجَهْل قَرِيب مِنْ الرَّفَث ، وَهُوَ خِلَاف الْحِكْمَة وَخِلَاف الصَّوَاب ، مِنْ الْقَوْل وَالْفِعْل . وَاعْلَمْ أَنَّ نَهْيَ الصَّائِمِ عَنْ الرَّفَث وَالْجَهْل وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَة لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ ، بَلْ كُلّ أَحَد مِثْله فِي أَصْل النَّهْي عَنْ ذَلِكَ لَكِنَّ الصَّائِم آكَدُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .اهـ
****وبين أيدينا أخي المسلم باقة من آداب الكلام نبسطها كما يلي:
1»» اختيار أجمل الكلام، وأحسن الألفاظ، أثناء مخاطبة الناس، كما يختار أطايب الطعام، والرد على ما يسمعه منهم بلباقة وتهذيب.
قال تعالى: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) الحج.
وعن عديّ بن حاتم أن رسول الله قال:" اتقوا النار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة" متفق عليه.
2 »» التمهّل في الكلام وبيانه حتى يفهم المستمع المراد من الحديث ويعقل مقصوده ومغزاه.
عن عائشة قالت: ما كان رسول الله يسرد الحديث كسردكم هذا، يحدّث حديثا لو عدّه العادّ لأحصاه. متفق عليه.
وعنها أيضا قالت: كان كلام رسول الله كلاما فصلا يفهمه كل من سمعه. رواه أبو داود.
3 »» تجنّب الخوض في أحاديث لا يعلمها، أو غير متأكد من صحتها، أو لا يعلم عنها إلا الظنّ فإن الظنّ أكذب الحديث.
4 »» لزوم قلة الكلام إلا إذا كان جوابا، أو نصيحة، أو أمرا بالمعروف، أو نهيا عن المنكر، أو دعوة الى الله.
قال تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114) النساء.
<1740>
وعن ابن عمر ما قال: قال رسول الله: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب وإنّ أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي الترمذي.
5 »» تجنب الثرثرة واللغو والكلام الذي لا طائل منه.قال تعالى: <قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) المؤمنون.
6 »» تعقل الكلام قبل النطق به، والتفكر في عواقبه، وتجنب إلقاء الكلام دون روية وإستيعاب.قال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق.
وعن أنس قال: كان رسول الله يتكلم بكلام فصل لا هزر ولا نزر، ويكره الثرثرة في الكلام والتشدّق فيه. متفق عليه.
7 »» الصمت لمن هو أعلى مقاما، وأرفع قدرا، وأغزر علما، وأكبر سنا، وأعظم فضلا، والإصغاء لكلامه، والإقبال عليه بالسمع والبصر.
8 »» تجنب الكلام حتى ينتهي المتكلم في المجلس، لأن مجلس العقلاء لا يتكلم فيه إثنان معا.
9 »» تجنب مقاطعة أحد، أو تصحيح كلامه، أو تجريحه، أو تخطيه، أو السخرية من كلامه.قال تعالى: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً البقرة 83.
وقال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ العنكبوت 46.
10 »» خفض الصوت وعدم رفعه أكثر من الحاجة، وتجنب الصخب والضجيج، والصراخ والانفعال.
قال تعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) لقمان.
11 »» التزام الهدوء والابتسام أثناء الكلام، وعدم التجهم والعبوس في وجوه الناس.
عن أبي الدرداء قال: كان رسول الله لا يحدّث حديثا إلا تبسّم. رواه أحمد.
12 »» تجنّب الخبيث من الكلام، والهجين من الألفاظ، لأن المؤمن لا يكون فاحشا ولا بذيئا.
عن أبي موسى قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده. متفق عليه.
13 »» تجنب الحلف والإكثار من القسم أثناء الكلام، وعدم الحلف إلا لضرورة.
قال تعالى: وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ المائدة 89.
14 »» تجنّب الحلف بمخلوق كالنبي والكعبة والملائكة والآباء والحياة والرأس والشرف.. إلخ.
عن ابن عمر عن النبي قال: إنّ الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت متفق عليه.
وعنه أنه سمع رجلا يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله يقول: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك رواه الترمذي.
15 »» الزام اللسان كثرة الاستغفار كلما بدر منه سيئة أو صدرت عنه خطيئة.
<1741>
عن حذيفة قال: شكوت الى رسول الله ذرب لساني فقال: أين أنت من الاستغفار؟ إني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة. رواه ابن ماجه وابن السني.
16 »» مراقبة اللسان وحفظه، وحبسه وكفه عن المهلكات والمحرمات التالية:
1»» الكذب في الجد والهزل، فهو من أعظم الذنوب وأشد الكبائر.
2»» الغيبة وهي ذكر أحد بما يكره، وهي تدل على نقص فاعلها وخسة نفسه وقلة مروءته.3»» النميمة وهي نقل الأحاديث السيئة للإيقاع بين المتحابين وهي تدل على خبث النفس وضعتها وأنانيتها.4»» المراء والجدال العقيم، وقيل وقال، والخوض فيما لا طائل منه ولا ثمرة بعده.5»» تزكية النفس، والاعتداد بها، والتحدث عن أعمالها ومناقبها وأمجادها ومآثرها.6»» اللعان والسباب والفحش والشتم والطعن والولوغ في أعراض الناس وسمعتهم همزا ولمزا.7»» ذم أي شيء، واحتقار أي مخلوق، والدعاء على أي أحد.8»» كثرة المزاح، وإضحاك الآخرين، حتى تصير عادة تسقط المهابة، وتذهب بالحياء.9»» السخرية من الناس، والاستهزاء بضعفائهم، وتنقيص أقدارهم، والحط من مكانتهم.10»» المبالغة في المدح، والتكريم والتعظيم، حتى يصير تملقا ونفاقا..عن عقبة بن عامر قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟قال: أمسك عليك لسانك، ليسعك بيتك، وابك على خطيئتك. رواه الترمذي.وعن سفيان بن عبدالله قال: قلت يا رسول الله حدّثني بأمر أعتصم به. قال: قل ربي الله ثم استقم. قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: هذا. رواه الترمذي.
5>>ـ خامسا>>ـ الجدود والكرم تعلمنا مدرسة الصيام هذه الخصلة الحميدة للحديث التالي :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ> رواه البخاري ومسلم .في الفتح : قَوْله : ( فَيُدَارِسهُ الْقُرْآن )قِيلَ الْحِكْمَة فِيهِ أَنَّ مُدَارَسَة الْقُرْآن تُجَدِّد لَهُ الْعَهْد بِمَزِيدِ غِنَى النَّفْس ، وَالْغِنَى سَبَب الْجُود . وَالْجُود فِي الشَّرْع إِعْطَاء مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي ، وَهُوَ أَعَمّ مِنْ الصَّدَقَة . وَأَيْضًا فَرَمَضَان مَوْسِم الْخَيْرَات ؛ لِأَنَّ نِعَم اللَّه عَلَى عِبَاده فِيهِ زَائِدَة عَلَى غَيْره ، فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْثِر مُتَابَعَة سُنَّة اللَّه فِي عِبَاده . فَبِمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْوَقْت وَالْمَنْزُول بِهِ وَالنَّازِل وَالْمُذَاكَرَة حَصَلَ الْمَزِيد فِي الْجُود . وَالْعِلْم عِنْد اللَّه تَعَالَى . . وَالْمُرْسَلَة أَيْ : الْمُطْلَقَة يَعْنِي أَنَّهُ فِي الْإِسْرَاع بِالْجُودِ أَسْرَع مِنْ الرِّيح ، وَعَبَّرَ بِالْمُرْسَلَةِ إِشَارَة إِلَى دَوَام هُبُوبهَا بِالرَّحْمَةِ ، وَإِلَى عُمُوم النَّفْع بِجُودِهِ كَمَا تَعُمّ الرِّيح الْمُرْسَلَة جَمِيع مَا تَهُبّ عَلَيْهِ . وَوَقَعَ عِنْد أَحْمَد فِي آخِر هَذَا الْحَدِيث " لَا يُسْأَل شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ " وَثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَة فِي الصَّحِيح مِنْ حَدِيث جَابِر " مَا سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَالَ لَا " . وَقَالَ النَّوَوِيّ : فِي الْحَدِيث فَوَائِد : مِنْهَا الْحَثّ عَلَى الْجُود فِي كُلّ وَقْت ، وَمِنْهَا الزِّيَادَة فِي رَمَضَان وَعِنْد الِاجْتِمَاع بِأَهْلِ الصَّلَاح . وَفِيهِ زِيَارَة الصُّلَحَاء وَأَهْل الْخَيْر ،
<1742>
وَتَكْرَار ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَزُور لَا يَكْرَههُ ، وَاسْتِحْبَاب الْإِكْثَار مِنْ الْقِرَاءَة فِي رَمَضَان وَكَوْنهَا أَفْضَل مِنْ سَائِر الْأَذْكَار ، إِذْ لَوْ كَانَ الذِّكْر أَفْضَل أَوْ مُسَاوِيًا لَفَعَلَاهُ . اهـ الفتح
***ولقد رغب الإسلام في الجود والإنفاق من خلال الأحاديث التالية :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ قَالَ تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ> البخاري .عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ قَالَ فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ> البخاري .قَالَ
اِبْن بَطَّال وَغَيْره : فِيهِ التَّحْرِيض عَلَى تَقْدِيم مَا يُمْكِن تَقْدِيمه مِنْ الْمَال فِي وُجُوه الْقُرْبَة وَالْبِرّ لِيَنْتَفِع بِهِ فِي الْآخِرَة ، فَإِنَّ كُلّ شَيْء يَخْلُفهُ الْمُوَرِّث يَصِير مِلْكًا لِلْوَارِثِ فَإِنْ عَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّه اخْتَصَّ بِثَوَابِ ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ الَّذِي تَعِبَ فِي جَمْعه وَمَنْعه ،.اهـ الفتح
**عن عبد الله بن مسعود قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم على بلال وعنده صبر من تمر فقال ما هذا يا بلال قال أعددت لك ولضيفانك قال اما تخشى يبلال ان يكون له بخار في نار جهنم انفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا>بغية الحارث .**عن زيد بن أسلم قال : جاء رجل فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما عندنا شئ ، ولكن ابتع علينا ، فقال عمر : هذا تعطي ما عندك ، ولا تتكلف ما ليس عندك ، فقال رجل من الأنصار : أنفق يا رسول الله ولا تخف من ذي العرش إقلالا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بهذا أمرني ربي.> مصنف عبد الرزاق **روى أبو داود : عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ
أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ قُلْتُ مِثْلَهُ قَالَ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قُلْتُ لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا>
****ففي مجال الإيثار والمواساة ورد ما يلي:
روى الطبراني في الكبير أن عمر بن الخطاب أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة ثم قال لغلامه اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تشاغل في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع فذهب بها الغلام إليه فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك فقال أبو عبيدة وصل الله عمر ورحمه ثم قال:أي أبو عبيدة تعالي يا جارة اذهبي بهذه السيعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره ووجده قد عد مثلها لمعاد بن جبل فقال:اذهب بها إلى معاد وتشاغل في البيت حتى تنظر ماذا يصنع فذهب بها إليه فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في حاجتك فقال رحمه الله ووصله تعالى يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا واذهبي إلى بيت فلان بكذا فاطلعت امرأة معاذ وقالت نحن والله مساكين فأعطنا فلم يبق في
<1743>
الخرقة إلا ديناران فرمى بهما إليها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك فقال إنهم إخوة بعضهم من بعض}....وفي عهد عمر أصاب الناس مجاعة وشدة وكانت قافلة من الشام مكونة من ألف جمل عليها أصناف الطعام واللباس قد حلت لعثمان {ض}فتراكض التجار عليا يطلبون أن يبيعهم هذه القافلة فقال لهم كم تعطوني ربحا قالوا خمسة في المائة قال إني وجدت من يعطيني أكثر فقالوا ما نعلم في التجار من يدفع أكثر من هذا الربح فقال لهم عثمان إني وجدت من يعطيني على الدرهم سبعمائة فأكثر وجدت الله يقول{مثل الدين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتث سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء}أشهدكم يا معشر التجار أن القافلة وما فيها من برودقيق وزيت وسمن وهبتها لفقراء المدينة وأنها صدقة على المسلمين .وروى مسلم قال {جاء أعرابي النبي{ص}بناقة مخطومة فقال يا رسول الله هذه في سبيل الله فقال{ص}{لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة} وروى البخاري في الأدب المفرد عن ابن عمر{ض}قال:لقد أتى علينا زمان وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم}
وعن ابن عمر{ض}قال أهدي إلى رجل من أصحاب رسول الله{ص}رأس شاة فقال فلان أحوج والله مني فبعث به إليه فبعث هو أيضا إلى آخر يراه أحوج منه فلم يزل يبعث واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول بعد أن تداوله سبعة}ذكره الغزالي في الإحياء
ومن عجائب الإيثار ما ذكره العدوي كما روى القرطبي: وقال حذيفة العدوي: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي- ومعي شي من الماء- وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، فإذا أنا به، فقلت له: أسقيك، فأشار برأسه أن نعم فإذا أنا برجل يقول: آه! آه! فأشار إلي ابن عمي أن انطلق إليه، فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فأشار أن نعم. فسمع آخر يقول: آه! آه! فأشار هشام أن انطلق إليه فجئته فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات. فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات. وقال أبو يزيد البسطامي: ما غلبني أحد ما غلبني شاب من أهل بلخ! قدم علينا حاجا فقال لي: يا با يزيد، ما حد الزهد عندكم؟ فقلت: إن وجدنا أكلنا. وإن فقدنا صبرنا . فقال: هكذا كلاب بلخ عندنا. فقلت: وما حد الزهد عندكم؟ قال: إن فقدنا شكرنا، وإن وجدنا آثرنا.ولقد مدح الله الأنصار لأنهم آثروا المهاجرين على أنفسهم فقال تعالى:{يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}
يقول تعالى ذكره: وهو يصف الأنصار الذين تبوّءُوا الدار والإيمان من قبل المهاجرين( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ) يقول: ويعطون المهاجرين أموالهم إيثارًا لهم بها على أنفسهم،( وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) يقول: ولو كان بهم حاجة وفاقة إلى ما آثروا به من أموالهم على أنفسهم، والخصاصة: مصدر.. عن أبي هُرَيرة قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أصابني الجهدُ، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا رجل يُضَيّفُ هذا الليلة، رحمه الله؟". فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. فذهب إلى أهله فقال لامرأته: ضَيفُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تَدّخريه شيئًا. فقالت: والله ما عندي
<1744>
إلا قوتُ الصبية. قال: فإذا أراد الصبيةُ العَشَاء فنوّميهم وتعالى فأطفئي السراج ونَطوي بطوننا الليلة. ففعلَت، ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "لقد عجب الله، عز وجل -أو: ضحك-من فلان وفلانة". وأنزل الله عز وجل: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } البخاري.قال ابن كثير :وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أفضلُ الصدقة جَهدُ المقلّ". وهذا المقام أعلى من حال الذين وَصَف اللهُ بقوله: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ } (1) [الإنسان : 8]. وقوله: { وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ } [البقرة : 177] .فإن هؤلاء يتصدقون وهم يحبون ما تصدقوا به، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه. ومن هذا المقام تصدق الصديق، رضي الله عنه، بجميع ماله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟". فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. وهذا الماء الذي عُرض على عكرمة وأصحابه يوم اليرموك، فكل منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه، وهو جريح مثقل أحوجَ ما يكون إلى الماء، فرده الآخر إلى الثلث، فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم ولم يشربه أحد منهم، رضي الله عنهم وأرضاهم اهـ.....
**وروي أن أحد الخلفاء أمر بضرب رقاب ثلاثة من الصالحين فيهم أبو الحسين النوري فتقدم أبو الحسين ليكون أول من تضرب عنقه فعجب الخليفة لذلك وسأله عن سببه فقال أبوالحسين رحمه الله إني أجبت أن أوثر إخواني بالحياة في هذه اللحظات فكان ذلك سبب نجاتهم جميعا}اهـ الإخوة لناصح علوان
6>>ـ سادسا>> الانتصار والجد لا الخمول والنوم فقد تعلمنا من مدرسة الصوم أن انتصارات الأمة عبر تاريخها العريق كانت في رمضان .فأكبر نصرين في عهد النبوة غزوتا بدر وفتح مكة كانتا فى رمضان، وفتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد كان فى 28 رمضان سنة 92هـ ، وموقعة عين جالوت كانت في 15 رمضان سنة 658هـ ، وكذا حرب العاشر من رمضان سنة 1383هـ .
هذه كلها نتيجة طبيعية لأن الأمة إذا تعمق الإيمان في قلوب رجالها ونسائها، وانتصرت على أهوائها وشهواتها وتجمعت صفا واحداً خلف قادتها وعلمائها فإنها قطعا تكون جديرة بالنصر والعزة والتمكين وفقا لوعد الله رب العالمين القائل : {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ} (الروم : 47) ، وهذا مما يعيد إلى الأمة العربية والإسلامية الأمل قبل العمل ، ثم البذل والتضحية وجهاد أعدائهم وليس تصويب مدافعهم إلى صدور أبنائهم في الملة الواحدة.
**ولقد دعا الإسلام إلى العمل اليدوي ونهى عن الخمول من خلال ما يلي
1>>ـ إن التقاعس والكسل عن العمل أمران ينافيان مبادئ الشريعة التي دعت إليه إثر قضاء الفريضة قال تعالى : "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله ".ودعت إلى عدم التطويل في العبادة لأن الناس منهم الضعيف وذا الحاجة يوضح هذا ما يلي : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ> البخاري ومالك في الموطإ...عن أبي مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ
<1745>
وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ قَالَ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ> البخاري .. إن الكد في طلب الرزق خير من السؤال ولذا فسنورد ما يؤكد ما ذكرناه على الشكل التالي : :
أولا:المطالبة بالمشي في الأرض طلبا للرزق قال تعالى :<هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ>
وفي الآية إيماء إلى طلب الرزق والمكاسب، فالسعي في السبب لا ينافي التوكل، كما قال الإمام أحمد: تميم الجَيشاني يقول: إنه سمع عمر بن الخطاب يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تَغْدُو خِمَاصًا وتَرُوح بِطَانًا".رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة. فأثبت لها رواحا وغدوا لطلب الرزق، مع توكلها على الله، عز وجل، وهو المسَخِّر المسير المسبب. أما الحديث الذي يستند إليه المتقاعسون فهو رد عليهم . عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا >قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيح. 1) الغدو : السير والذهاب والتبكير أول النهار(2) الخَمْص : الجوع وضمور البطن(3) الرواح : العودة والرجوع(4) بطانا : جمع بطين أي ممتلئة الأجواف...فالحديث لم يضمن للطيور ملأ بطونها إلا بالغدو والعمل ولذا روى البخاري : عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي>وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى فَضْلِ الرُّمْحِ وَإِلَى حِلِّ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَإِلَى أَنَّ رِزْقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ فِيهَا لَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَكَاسِبِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ وَالْمُرَادُ بِالصَّغَارِ وَهُوَ بِفَتْح الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ بَذْلُ الْجِزْيَة
2>>ـ الحث على التجارة والزراعة والغراسة والصناعة .أما التجارة فورد الحث عليها في حديث أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ >قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ...أما الزراعة والغراسة فدعا الحبيب بقوله : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ> رواه البخاري.وروى مسلم : عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ مُبَشِّرٍ الْأَنْصَارِيَّةِ فِي نَخْلٍ لَهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ فَقَالَتْ بَلْ مُسْلِمٌ فَقَالَ لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ>...أما الحث على تعلم الحرف وتعاطيها فروى البخاري : عَنْ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ>...
<1746
وعن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، حدثني أبي ، عن جدي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من أمسى كالا من عمل يديه أمسى مغفورا له » « لا يروى هذا الحديث عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد ، تفرد به : إبراهيم بن سلم »المعجم الأوسط للطبراني ومز له السيوطي بالضعف
3>>ـ الحث على العمل الدنئ خير من المسألة . عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ> البخاري .في الفتح : وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى التَّعَفُّفِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْهَا وَلَوْ اِمْتَهَنَ الْمَرْءُ نَفْسه فِي طَلَبِ الرِّزْقِ وَارْتَكَبَ الْمَشَقَّة فِي ذَلِكَ ، وَلَوْلَا قُبْحُ الْمَسْأَلَةِ فِي نَظَر الشَّرْع لَمْ يُفَضَّلْ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى السَّائِلِ مَنْ ذُلِّ السُّؤَالِ وَمِنْ ذُلِّ الرَّدِّ إِذَا لَمْ يُعْطَ وَلِمَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَسْئُولِ مِنْ الضِّيقِ فِي مَالِهِ إِنْ أَعْطَى كُلَّ سَائِل
4>>ـ مدح التعفف وذم السؤال قال تعالى : { لايسألون الناس إلحافا > وقد وردت أحاديث متعددة تمدح المتعففين عن السؤال ، وتذم الملحفين فيه ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان ولا التمرة والتمرتان إنما المسكين الذي يتعفف . اقرؤوا إن شئتم : { لاَ يَسْأَلُونَ الناس إِلْحَافاً }.وروى مسلم في صحيحه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم " .وروى مسلم - أيضاً - في صحيحه عن عوف بن مالك قال: كنا تسعة أو ثمانية أو سبعة عند رسول الله فقال: " ألا تبايعون رسول الله؟ فقلنا علام نبايعك؟ قال: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً . والصلوات الخمس، وتطيعوا ولا تسألوا الناس. فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فلا يسأل أحداً يناوله إياه" .قال طنطاوي: والخلاصة أن السؤال إنما يجوز عند الضرورة، وأنه لا يصح لمؤمن أن يسأل الناس عنده ما يكفيه ، لأن السؤال ذل يربأ بنفسه عنه كل من يحافظ على مروءته وكرامته وشرفه .اهـ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَغْدُوَ أَحْسِبُهُ قَالَ إِلَى الْجَبَلِ فَيَحْتَطِبَ فَيَبِيعَ فَيَأْكُلَ وَيَتَصَدَّقَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ» البخاري . عن أبي سعيد الخدري .
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف » أخرجه أبو داود وقال : زاد هشام في حديثه وكانت الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين درهماً وفي رواية عطاء بن يسار من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من سأل الناس وله أربعون درهماً فهو ملحف » أخرجه النسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ»مسلم اهـ الخازن قال النووي: قَالَ الْقَاضِي : مَعْنَاهُ : أَنَّهُ يُعَاقَب بِالنَّارِ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون عَلَى ظَاهِره . وَأَنَّ الَّذِي يَأْخُذهُ يَصِير جَمْرًا يُكْوَى بِهِ ، كَمَا ثَبَتَ فِي مَانِع الزَّكَاة .اهـ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ
<1747
الْهِلَالِيِّ قَالَ تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا فَقَالَ أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا قَالَ ثُمَّ قَالَ يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا> رواه مسلم في باب من تحل له المسألة عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُا قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالًا فَقُلْتُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْهُ وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَك> مسلم . قال النووي: هَذَا الْحَدِيث فِيهِ مَنْقَبَة لِعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَبَيَان فَضْله وَزُهْده وَإِيثَاره....والله أعلى واعلم كتبه حميد أمين كان الله وليه
لست ربوت