الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛موضوع اليوم "الأعمال التي يعادلها ثواب الحج >
أيها الناس إن هناك أعمالا كثيرة ورد في فضلها أنها كثواب الحج، أو ورد أنها تكفر الذنوب الماضية فعادلت الحج الذي يكفر ما مضى من الذنوب، عسى الحزين المحروم أن يتسلى بهذه الأحاديث؛ لكيلا يهلك نفسه من الحزن إذن فما ينبغي له إلا أن يثابر لعله يصل إلى الله من أقرب الطرق كأن لسان حاله يقول :
*قل لي بمثل سيرك المدلل * تمشي رويدا وتجي في الأول *
. لكن ينبغي التنبيه إلى أ ن قول النبي صلى الله عليه وسلم <<كما جاء عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّه>رواه البخاري ليس على إطلاقه. فإن كان ظاهر الحديث يفيد غفران الذنوب الصغائر والكبائر فإن هناك ذنوبا لا تغفر بالحج وهي ما يتعلق بحقوق الخلق لقوله صلى الله عليه وسلم : كما رواه مالك في الموطإ وغيره : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ أَيُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ نَادَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَنُودِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ قُلْتَ فَأَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِلَّا الدَّيْنَ كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ.> في مسلم "بَاب مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُفِّرَتْ خَطَايَاهُ إِلَّا الدَّيْنَ َعنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ قُلْتَ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلَّا الدَّيْنَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِي ذَلِكَ>...وفي الفتح : قَوْله : ( رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه )أَيْ بِغَيْرِ ذَنْب ، وَظَاهِره غُفْرَان الصَّغَائِر وَالْكَبَائِر وَالتَّبِعَات.اهـ وفي تحفة الأحوذي : قوله ( خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ )قَالَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ الْمُرَادُ بِهِ الصَّغَائِرُ .أيها المسلمون إن الطرق إلى الجنة كثيرة ومتشعبة تسع كل جاد ومبتغ للخير يصل إليها كل واحد على حسب عمله ليست حكرا على ذوي اليسار وحدهم ولكنها سهلة المبتغى على من وفق إلى ذلك يتضح هذا من الحديث الذي رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ قَالَ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا فَقَالَ بَعْضُنَا نُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَنَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ تَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ>في الفتح : وْلُهُ : ( أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ ) أَيْ مِنْ أَهْل الْأَمْوَال الَّذِينَ اِمْتَازُوا عَلَيْكُمْ بِالصَّدَقَةِ ، وَالسَّبْقِيَّة هُنَا يَحْتَمِل أَنْ تَكُون مَعْنَوِيَّة وَأَنْ تَكُون حِسِّيَّة.... وَاسْتُشْكِلَ تَسَاوِي فَضْل هَذَا الذِّكْر بِفَضْلِ التَّقَرُّب بِالْمَالِ مَعَ شِدَّة الْمَشَقَّة فِيهِ ، وَأَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَم أَنْ يَكُون الثَّوَاب عَلَى قَدْر الْمَشَقَّة فِي كُلّ حَالَة ، وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِفَضْلِ كَلِمَة الشَّهَادَة مَعَ سُهُولَتهَا عَلَى كَثِير مِنْ الْعِبَادَات الشَّاقَّة ..... وَظَاهِر قَوْلُهُ " كُلّ صَلَاة " يَشْمَلُ الْفَرْض وَالنَّفْل ، لَكِنْ حَمَلَهُ أَكْثَر الْعُلَمَاء عَلَى الْفَرْض ،...قال النووي : قَوْله : ( ذَهَبَ أَهْل الدُّثُور ) هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة وَاحِدهَا دَثَر ، وَهُوَ الْمَال الْكَثِير . وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِمَنْ فَضَّلَ الْغَنِيّ الشَّاكِر عَلَى الْفَقِير الصَّابِر ، وَفِي الْمَسْأَلَة خِلَاف مَشْهُور بَيْن السَّلَف وَالْخَلَف مِنْ الطَّوَائِف . وَاللَّهُ أَعْلَم ...والآن وبعد هذه المقدمة نعود فنقول وبالله التوفيق
***أولاً: الأعمال التي ثوابها كثواب الحج:
1->> ذهاب المرء إلى المساجد لحضور دروس العلم أو ليُعلـِّم علمًا؛ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ:"مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُرِيدُ إِلا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ".» رواه الطبراني في المعجم الكبير(صححه الألباني).
2->> أن يذهب المرء إلى المسجد على وضوء؛ ليصلي فيه المكتوبة؛ ففي الحديث: « مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لاَ يُنْصِبُهُ إِلاَّ إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ» (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
3- >>أن يصلي المرء في المسجد صلاة الصبح في جماعة، ويمكث في المسجد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم يمكث حتى يصلي ركعتي الضحى؛ ففي الحديث: « مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ» (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، وفي رواية: «من صلى الصبح ثم جلس في مجلسه حتى تمكنه الصلاة كان بمنزلة عمرة وحجة متقبلتين» (رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني).
***ثانيًا: الأعمال التي ثوابها دخول الجنة أو غفران الذنوب:
لمَّا كان ثواب الحج دخول الجنة وغفران الذنوب؛ ففي الحديث: « الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ» (متفق عليه)، وفي آخر: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّه» (متفق عليه)، فإننا نرجوا أن تكون الأعمال التي ورد في فضلها أنها تكفر الذنوب، أو تدخل العبد الجنة أن تكون كالحج، فمن هذه الأعمال:
1->> تغسيل الميتوالستر عليه؛ ففي الحديث: « مَنْ غَسَّلَ مُسْلِمًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً، وَمَنْ حَفَرَ لَهُ فَأَجَنَّهُ أُجْرِىَ عَلَيْهِ كَأَجْرِ مَسْكَنٍ أَسْكَنَهُ إِيَّاهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَفَنَّهُ كَسَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سُنْدُسِ وَإِسْتَبْرَقِ الْجَنَّةِ» (رواه الحاكم والبيهقي والطبراني، وحسنه الألباني).
تنبيهات:
أ- قال العلماء: « معنى غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً»: أي: بمرة تُغفَر الذنوب، ويأخذ من الحسنات ما يعادل تسعة وثلاثين مرة.
ب- المقصود من الستر على الميت؛ أي: لو كان الميت مشهورًا بين الناس بصلاح الحال أو كان مستور الحال وبدا عليه علامات سوء الخاتمة؛ فيستر عليه، وأما من كان مشهورًا بسوء الحال فإظهار ما بدا عليه أولى؛ لزجر الناس عن مثل فعله.
2->> أن يبكي العبد من خشية الله أو يحرس المسلمين ليلاً؛ ففي الحديث: « عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
3->> أن يقول في يومه أو في ليلته أو في شهره: لا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله وحده، لا إلا الله لا شريك له، لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ ففي الحديث: « من قال هذا في يوم أو في ليلة أو في شهر فمات في ذلك اليوم أو في تلك الليلة أو في ذلك الشهر غفر له ذنبه» (رواه النسائي في السنن الكبرى، وصححه الألباني).
وهو أرجى حديث أعلمه، إذ مغفرة الذنوب تقتضي عدم دخوله النار أصلاً بعكس ما لو قال: "دخل الجنة" فربما دخل النار، ثم دخل الجنة.
4->> إسباغ الوضوء مع قول الذكر الوارد بعده؛ ففي الحديث: « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ -أَوْ فَيُسْبِغُ- الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» (رواه مسلم).
قوله ( مِنْ أَيّهَا ): أَيْ مِنْ أَيِّ أَبْوَاب الْجَنَّة شاءَ ): دُخُولَهَا قَالَ الْحَافِظ اِبْن عَبْد الْبَرّ فِي كِتَاب التَّمْهِيد : هَكَذَا قَالَ فُتِحَ لَهُ مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة ، وَهُوَ يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِيَة قَالَ الْإِمَام الْقُرْطُبِيّ فِي " التَّذْكِرَة فِي أَحْوَال أُمُور الْآخِرَة " قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم : إِنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَة أَبْوَاب وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عُمَر الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَغَيْره وَجَاءَ تَعْيِين هَذِهِ الْأَبْوَاب لِبَعْضِ الْعُمَّال كَمَا فِي حَدِيث الْمُوَطَّأ وَالْبُخَارِيّ وَمُسْلِم قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيل اللَّه زَوْجَيْنِ نُودِيَ فِي الْجَنَّة يَا عَبْد اللَّه هَذَا خَيْر ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الصَّلَاة دُعِيَ مِنْ بَاب الصَّلَاة . وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْجِهَاد دُعِيَ مِنْ بَاب الْجِهَاد . وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الصَّدَقَة دُعِيَ مِنْ بَاب الصَّدَقَة . وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الصِّيَام دُعِيَ مِنْ بَاب الصِّيَام . فَقَالَ أَبُو بَكْر يَا رَسُول اللَّه مَا عَلَى أَحَد يُدْعَى مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَاب مِنْ ضَرُورَة هَلْ يُدْعَى أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَاب ؟ قَالَ نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُون مِنْهُمْ " قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : ذَكَرَ مُسْلِم فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة أَرْبَعَة ، وَزَادَ غَيْره بَقِيَّة الثَّمَانِيَة ، فَذَكَرَ مِنْهَا بَاب التَّوْبَة ، وَبَاب الْكَاظِمِينَ الْغَيْظ ، وَبَاب الرَّاضِينَ ، وَالْبَاب الْأَيْمَن الَّذِي يَدْخُل مِنْهُ مَنْ لَا حِسَاب عَلَيْهِ . قَالَ الْقُرْطُبِيّ فَذَكَرَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ أَبْوَاب الْجَنَّة فَعَدَّ أَبْوَابًا غَيْر مَا ذُكِرَ . قَالَ فَعَلَى هَذَا أَبْوَابُ الْجَنَّةِ أَحَدَ عَشَرَ بَابًا . وَقَدْ أَطَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي تَذْكِرَته اهـ عون المعبود
5->> إسباغ الوضوء ثم صلاة ركعتين بخشوع بعده؛ ففي الحديث: « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» (رواه مسلم)، وفي رواية: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يَسْهُو فِيهِمَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
الإسباغ: مصدر أسبغ، الإكمال، الإتمام، الإطالة * يقولون: أسبغ الوضوء: إذا أتى بفرائضه وسننه ومستحباته = أبلغه مواضعه ووفي كل عضو حقه منه اهـ معجم لغة الفقهاء
6->> ترديد الأذان خلف المؤذن مع التدبر لما يقول؛ ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: « كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ بِلالٌ يُنَادِي، فَلَمَّا سَكَتَ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا يَقِينًا دَخَلَ الْجَنَّةَ» (رواه النسائي في الكبرى وابن حبان، وصححه الألباني.)
روى مسلم : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ
7->> التأذين ثنتي عشرة سنة؛ ففي الحديث: « مَنْ أَذَّنَ اثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَكُتِبَ لَهُ بِتَأْذِينِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ سِتُّونَ حَسَنَةً وَلِكُلِّ إِقَامَةٍ ثَلاَثُونَ حَسَنَةً» (رواه ابن ماجه والدراقطني، وصححه الألباني).
8- >>أن يدعو للنبي بعد الأذان بالدعاء الوارد؛ ففي الحديث: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: « اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (رواه البخاري).
روى البخاري : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ> في الفتح : قَوْله : ( الْوَسِيلَة )
هِيَ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى الْكَبِير ، يُقَال تَوَسَّلْت أَيْ تَقَرَّبْت ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْمَنْزِلَة الْعَلِيَّة ، وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو عِنْدَ مُسْلِم بِلَفْظِ " فَإِنَّهَا مَنْزِلَة فِي الْجَنَّة لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَاد اللَّه " الْحَدِيثَ ، وَنَحْوُهُ لِلْبَزَّارِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، وَيُمْكِنُ رَدُّهَا إِلَى الْأَوَّل بِأَنَّ الْوَاصِلَ إِلَى تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ قَرِيبٌ مِنْ اللَّه فَتَكُونُ كَالْقُرْبَةِ الَّتِي يُتَوَسَّلُ بِهَا .
قَوْله : ( وَالْفَضِيلَة )أَيْ الْمَرْتَبَة الزَّائِدَة عَلَى سَائِر الْخَلَائِق ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُون مَنْزِلَةً أُخْرَى أَوْ تَفْسِيرًا لِلْوَسِيلَةِ .قَوْله : ( مَقَامًا مَحْمُودًا )أَيْ يُحْمَدُ الْقَائِم فِيهِ ، وَهُوَ مُطْلَقٌ فِي كُلّ مَا يَجْلِبُ الْحَمْد مِنْ أَنْوَاع الْكَرَامَات ، وَنُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّة ، أَيْ اِبْعَثْهُ يَوْمَ الْقِيَامَة فَأَقِمْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا ، أَوْ ضَمَّنَ اِبْعَثْهُ مَعْنَى أَقِمْهُ ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول بِهِ وَمَعْنَى اِبْعَثْهُ أَعْطِهِ ،
قَوْله ( شَفَاعَتِي ) اِسْتَشْكَلَ بَعْضهمْ جَعْلَ ذَلِكَ ثَوَابًا لِقَائِلِ ذَلِكَ مَعَ مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ الشَّفَاعَة لِلْمُذْنِبِينَ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفَاعَات أُخْرَى : كَإِدْخَالِ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب ، وَكَرَفْعِ الدَّرَجَات فَيُعْطَى كُلُّ أَحَدٍ مَا يُنَاسِبُهُ . وَنَقَلَ عِيَاض عَنْ بَعْض شُيُوخه أَنَّهُ كَانَ يَرَى اِخْتِصَاص ذَلِكَ بِمَنْ قَالَهُ مُخْلِصًا مُسْتَحْضِرًا إِجْلَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَا مَنْ قَصَدَ بِذَلِكَ مُجَرَّدَ الثَّوَاب وَنَحْوَ ذَلِكَ ، وَهُوَ تَحَكُّمٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ ، وَلَوْ كَانَ أَخْرَجَ الْغَافِل اللَّاهِي لَكَانَ أَشْبَهَ . وَقَالَ الْمُهَلَّبُ : فِي الْحَدِيث الْحَضّ عَلَى الدُّعَاء فِي أَوْقَات الصَّلَوَات لِأَنَّهُ حَالُ رَجَاءِ الْإِجَابَة ، وَاَللَّه أَعْلَم .
9->> المكث في المسجد بعد صلاة الصبح والعصر مع قول الأذكار؛ ففي الحديث: « لأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً» (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
10- قول آمين مع الإمام؛ ففي الحديث: « إِذَا قَالَ الإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ. فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (متفق عليه).
11- صلاة ثنتي عشرة ركعة نافلة، وهنَّ الرواتب؛ ففي الحديث: « مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلاَّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» (رواه مسلم)، وفي رواية: «مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنَ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
12- صلاة أربع قبل الظهروأربع بعدها؛ ففي الحديث: « مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرُمَ عَلَى النَّارِ» (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
13- قيام الليل وإفشاء السلام، وإطعام الطعام؛ ففي الحديث: « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يَرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا, وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ» (رواه الطبراني وابن حبان، وصححه الألباني).
14- أن يقول سيد الاستغفار صباحًا ومساءً؛ ففي الحديث: « سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ. إِذَا قَالَ حِينَ يُمْسِي فَمَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ -أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ- وَإِذَا قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ» (رواه البخاري).
15- قول: "سبحان الله وبحمده" مائة مرة حين يصبح، ومائة مرة حين يمسي؛ ففي الحديث: « مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ. لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ» (رواه مسلم)، وفي رواية: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» (متفق عليه).
16- التأدب بآداب يوم الجمعة؛ ففي الحديث: « إذا كان يوم الجمعة فاغتسل الرجل وغسل رأسه ثم تطيب من أطيب طيبه ولبس من صالح ثيابه ثم خرج إلى الصلاة ولم يفرق بين اثنين ثم استمع الإمام غفر له من الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام» (رواه ابن خزيمة، وحسنه الألباني).
17- إنظار المعسر الفقير أو الوضع عنه؛ ففي الحديث: « مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ» (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، قلتُ: "وهذا يقتضي دخوله الجنة"، والإنظار هو: التأجيل في السداد وتأخير المطالبة، والوضع هو: تقليل الدين.
18- إطعام الجائع وسقيا الظمآن؛ ففي الحديث: « جَاءَ أَعْرَابِيُّ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي عَمَلاً يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ أَعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ أَعْتِقِ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ... فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَأَطْعِمِ الْجَائِعَ وَاسْقِ الظَّمْآنَ» (رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني).
19- من جمع بيت الصيام. واتباع الجنائز. وإطعام الفقير. وعيادة المريض .قال رسول الله : « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. قَالَ: فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. قَالَ: فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. قَالَ: فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ» (رواه مسلم)، قلتُ: "أي من عمل هذه الأربع في يوم دخل الجنة".
20- قيام ليلة القدر أو صيام رمضان إيمانـًا واحتسابًا؛ ففي الحديث: « مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (متفق عليه).
21- الإكثار من ذكر الله تعالى عمومًا؛ ففي الحديث: « ما عمل آدمي عملا أنجى له من العذاب من ذكر الله» (رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني).
22- حضور مجالس الذكر ومجالس العلم؛ ففي الحديث: « مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ لاَ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلاَّ وَجْهَهُ إِلاَّ نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ قُومُوا مَغْفُوراً لَكُمْ قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّآتُكُمْ حَسَنَاتٍ» (رواه أحمد، وصححه الألباني).
23- ختم الصلاة بالذكر؛ ففي الحديث: « مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» (متفق عليه).
24- ذكر الله بعد الصلاة وعند النوم؛ ففي الحديث: « خَصْلَتَانِ لاَ يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ: يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ عَشْرًا وَيُكَبِّرُ عَشْرًا وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا».فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ، وَإِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ: سَبَّحَ وَحَمِدَ وَكَبَّرَ مِائَةً فَتِلْكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي الْيَوْمِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ سَيِّئَةٍ. قَالُوا: وَكَيْفَ لاَ يُحْصِيهِمَا؟ قَالَ: « يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَيَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا.. حَتَّى يَنْفَكَّ الْعَبْدُ لاَ يَعْقِلُ وَيَأْتِيهِ وَهُوَ فِي مَضْجَعِهِ فَلاَ يَزَالُ يُنَوِّمُهُ حَتَّى يَنَامَ» (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه واللفظ له، وصححه الألباني).
25- قراءة آية الكرسي دبر الصلاة المكتوبة؛ ففي الحديث: « مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، إِلا الْمَوْتُ» (رواه النسائي في الكبرى والطبراني، وصححه الألباني).
26- الاستغفار؛ ففي الحديث: « مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ» (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
27- قول: "لا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله"؛ ففي الحديث: « مَا عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. إِلاَّ كُفِّرَتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).اهـ المرجع منتدى طريق الإيمان هشام الزهيري وغيره من المصادر من المؤلفات
28ـ>>الكف عن أعراض الناس.ورى ابن ماجه عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ
كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ قَالَ لَقَدْ سَأَلْتَ عَظِيمًا وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ النَّارَ الْمَاءُ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ قَرَأَ{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ حَتَّى بَلَغَ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
ثُمَّ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ثُمَّ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ قُلْتُ بَلَى فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ تَكُفُّ عَلَيْكَ هَذَا قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ قَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يُكِبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ> في حاشية السندي : ( بِرَأْسِ الْأَمْر )أَيْ هُوَ لِلدِّينِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْس لِلرَّجُلِ
( وَعَمُوده أَيْ مَا يَعْتَمِد عَلَيْهِ الدِّين وَهُوَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَمُود لِلْبَيْتِ( وَذُرْوَة سَنَامه )
السَّنَام بِالْفَتْحِ مَا اِرْتَفَعَ مِنْ ظَهْر الْجَمَل وَذُرْوَته بِالضَّمِّ وَالْكَسْر أَعْلَاهُ أَيْ بِمَا هُوَ لِلدِّينِ بِمَنْزِلَةِ ذُرْوَة السَّنَام لِلْجَمَلِ فِي الْعُلُوّ وَالِارْتِفَاع وَقَدْ جَاءَ بَيَان هَذَا بِأَنَّ رَأْس الْأَمْر الْإِسْلَام أَيْ الْإِتْيَان بِالشَّهَادَتَيْنِ وَعَمُوده الصَّلَاة وَذُرْوَة سَنَامه الْجِهَاد
( بِمِلَاكِ ذُلّك )الْمِلَاك بِكَسْرِ الْمِيم وَفَتْحهَا لُغَة وَالرِّوَايَة الْكَسْر أَيْ بِمَا بِهِ يَمْلِك الْإِنْسَان ذَلِكَ كُلّه بِحَيْثُ يَسْهُل عَلَيْهِ جَمِيع مَا ذَكَرَ( تَكُفّ )أَيْ تَحْرُس وَتَحْفَظ( ثَكِلَتْك )بِكَسْرِ الْكَاف أَيْ فَقَدَتْك وَهُوَ دُعَاء عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ ظَاهِر أَوْ الْمَقْصُود التَّعَجُّب مِنْ الْغَفْلَة عَنْ مِثْل هَذَا الْأَمْر( يَكُبّ )بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمَّ الْكَافّ وَتَشْدِيد الْبَاء مِنْ كَبَّهُ إِذَا صَرَعَهُ( حَصَائِد أَلْسِنَتهمْ )بِمَعْنَى مَحْصُودَاتهمْ عَلَى تَشْبِيه مَا يَتَكَلَّم بِهِ الْإِنْسَان بِالزَّرْعِ الْمَحْصُود بِالْمِنْجَلِ فَكَمَا أَنَّ الْمِنْجَل يَقْطَع مِنْ غَيْر تَمْيِيز بَيْن رَطْب وَيَابِس وَجَيِّد وَرَدِيء كَذَلِكَ لِسَان الْمِكْثَار فِي الْكَلَام بِكُلِّ فَنٍّ مِنْ الْكَلَام مِنْ غَيْر تَمْيِيز بَيْن مَا يَحْسُن وَمَا يَقْبُح .
29ـ>>ـ من مدخلات الجنة البراءة من ثلاث : من تبعات الناس والكبر والغلول .روى الترمذي عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلَاثٍ الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ .في عون المعبودقَوْلُهُ : ( وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْكِبْرِ )بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالرَّاءِ( وَالدَّيْنِ )بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ( دَخَلَ الْجَنَّةَ )يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَهُوَ لَيْسَ بَرِيئًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ اهـ : الغلول : الخيانة والسرقة
30ـ>> حفظ الفم والفرج روى البخاري : عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ> في الفتح : قَوْله ( مَنْ يَضْمَن )
بِفَتْحِ أَوَّله وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَالْجَزْم مِنْ الضَّمَان بِمَعْنَى الْوَفَاء بِتَرْكِ الْمَعْصِيَة فَأَطْلَقَ الضَّمَان وَأَرَادَ لَازِمه وَهُوَ أَدَاء الْحَقّ الَّذِي عَلَيْهِ ، فَالْمَعْنَى مَنْ أَدَّى الْحَقّ الَّذِي عَلَى لِسَانه مِنْ النُّطْق بِمَا يَجِب عَلَيْهِ أَوْ الصَّمْت عَمَّا لَا يَعْنِيه وَأَدَّى الْحَقّ الَّذِي عَلَى فَرْجه مِنْ وَضْعه فِي الْحَلَال وَكَفّه عَنْ الْحَرَام... قَوْله ( لَحْيَيْهِ )
بِفَتْحِ اللَّام وَسُكُون الْمُهْمَلَة وَالتَّثْنِيَة هُمَا الْعَظْمَاتُ فِي جَانِبَيْ الْفَم وَالْمُرَاد بِمَا بَيْنهمَا اللِّسَان وَمَا يَتَأَتَّى بِهِ النُّطْق ، وَبِمَا بَيْن الرِّجْلَيْنِ الْفَرْج . وَقَالَ الدَّاوُدِيّ الْمُرَاد بِمَا بَيْن اللَّحْيَيْنِ الْفَم ، قَالَ : فَيَتَنَاوَل الْأَقْوَال وَالْأَكْل وَالشُّرْب وَسَائِر مَا يَتَأَتَّى بِالْفَمِ مِنْ الْفِعْل ، قَالَ : وَمَنْ تَحَفَّظَ مِنْ ذَلِكَ أَمِنَ مِنْ الشَّرّ كُلّه لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا السَّمْع وَالْبَصَر ، كَذَا قَالَ وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَقِيَ الْبَطْش بِالْيَدَيْنِ ، وَإِنَّمَا مَحْمَل الْحَدِيث عَلَى أَنَّ النُّطْق بِاللِّسَانِ أَصْل فِي حُصُول كُلّ مَطْلُوب فَإِذَا لَمْ يَنْطِق بِهِ إِلَّا فِي خَيْر سَلِمَ . وَقَالَ اِبْن بَطَّال : دَلَّ الْحَدِيث عَلَى أَنَّ أَعْظَم الْبَلَاء عَلَى الْمَرْء فِي الدُّنْيَا لِسَانه وَفَرْجه ، فَمَنْ وُقِيَ شَرّهمَا وُقِيَ أَعْظَم الشَّرّ . قَوْله ( أَضْمَنْ لَهُ )
بِالْجَزْمِ جَوَاب الشَّرْط ، وَفِي رِوَايَة خَلِيفَة " تَوَكَّلْت لَهُ بِالْجَنَّةِ " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْحَسَن " تَكَفَّلْت لَهُ " قَالَ التِّرْمِذِيّ : حَدِيث سَهْل بْن سَعْد حَسَن صَحِيح
31>>ـ المتصفون بالصفات الآتية:التوكل وعدم التطير والرقى الشركي . روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ> في الفتح قوْلُهُ ( وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ) تَقَدَّمَ بَيَانُ الطِّيرَةِ فِي كِتَاب الطِّبِّ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يَتَشَاءَمُونَ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . قَوْله ( وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ ) يَحْتَمِل أَنْ تَكُون هَذِهِ الْجُمْلَة مُفَسِّرَة لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَرْك الِاسْتِرْقَاء وَالِاكْتِوَاء وَالطِّيَرَة ، وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون مِنْ الْعَامّ بَعْد الْخَاصّ لِأَنَّ صِفَة وَاحِدَة مِنْهَا صِفَة خَاصَّة مِنْ التَّوَكُّل وَهُوَ أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي التَّوْكِيل فِي " بَاب وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " قَرِيبًا . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ وَغَيْره : قَالَتْ طَائِفَة مِنْ الصُّوفِيَّة لَا يَسْتَحِقّ اِسْم التَّوَكُّل إِلَّا مَنْ لَمْ يُخَالِط قَلْبه خَوْف غَيْر اللَّه تَعَالَى ، حَتَّى لَوْ هَجَمَ عَلَيْهِ الْأَسَد لَا يَنْزَعِج ، وَحَتَّى لَا يَسْعَى فِي طَلَب الرِّزْق لِكَوْنِ اللَّه ضَمِنَهُ لَهُ . وَأَبَى هَذَا الْجُمْهُور وَقَالُوا : يَحْصُل التَّوَكُّل بِأَنْ يَثِق بِوَعْدِ اللَّه وَيُوقِن بِأَنَّ قَضَاءَهُ وَاقِع ، وَلَا يَتْرُك اِتِّبَاع السُّنَّة فِي اِبْتِغَاء الرِّزْق مِمَّا لَا بُدّ لَهُ مِنْهُ مِنْ مَطْعَم وَمُشْرَب وَتَحَرُّز مِنْ عَدُوّ بِإِعْدَادِ السِّلَاح وَإِغْلَاق الْبَاب وَنَحْو ذَلِكَ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَطْمَئِنُّ إِلَى الْأَسْبَاب بِقَلْبِهِ بَلْ يَعْتَقِد أَنَّهَا لَا تَجْلِب بِذَاتِهَا نَفْعًا وَلَا تَدْفَع ضُرًّا ، بَلْ السَّبَب وَالْمُسَبِّب فِعْل اللَّه تَعَالَى وَالْكُلّ بِمَشِيئَتِهِ ، فَإِذَا وَقَعَ مِنْ الْمَرْء رُكُون إِلَى السَّبَب قَدَحَ فِي تَوَكُّله ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ فِيهِ عَلَى قِسْمَيْنِ : وَاصِل وَسَالِك ، فَالْأَوَّل صِفَة الْوَاصِل وَهُوَ الَّذِي لَا يَلْتَفِت إِلَى الْأَسْبَاب وَلَوْ تَعَاطَاهَا ، وَأَمَّا السَّالِك فَيَقَع لَهُ الِالْتِفَات إِلَى السَّبَب أَحْيَانًا إِلَّا أَنَّهُ قَدْ يَدْفَع ذَلِكَ عَنْ نَفْسه بِالطُّرُقِ الْعِلْمِيَّة وَالْأَذْوَاق الْحَالِيَّة إِلَى أَنْ يَرْتَقِي إِلَى مَقَام الْوَاصِل . وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْقُشَيْرِيُّ : التَّوَكُّل مَحَلّه الْقَلْب ، وَأَمَّا الْحَرَكَة الظَّاهِرَة فَلَا تُنَافِيه إِذَا تَحَقَّقَ الْعَبْد أَنَّ الْكُلّ مِنْ قِبَل اللَّه ، فَإِنْ تَيَسَّرَ شَيْء فَبِتَيْسِيرِهِ وَإِنْ تَعَسَّرَ فَبِتَقْدِيرِهِ . وَمِنْ الْأَدِلَّة عَلَى مَشْرُوعِيَّة الِاكْتِسَاب مَا تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوع مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ " أَفْضَل مَا أَكَلَ الرَّجُل مِنْ كَسْبه ، وَكَانَ دَاوُدُ يَأْكُل مِنْ كَسْبه " فَقَدْ قَالَ تَعَالَى ( وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ) وَقَالَ تَعَالَى ( وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ) . وَأَمَّا قَوْل الْقَائِل كَيْف تَطْلُب مَا لَا تَعْرِف مَكَانه فَجَوَابه أَنَّهُ يَفْعَل السَّبَب الْمَأْمُور بِهِ وَيَتَوَكَّل عَلَى اللَّه فِيمَا يَخْرُج عَنْ قُدْرَته فَيَشُقّ الْأَرْض مَثَلًا وَيُلْقِي الْحَبّ وَيَتَوَكَّل عَلَى اللَّه فِي إِنْبَاته وَإِنْزَال الْغَيْث لَهُ ، وَيُحَصِّل السِّلْعَة مَثَلًا وَيَنْقُلهَا وَيَتَوَكَّل عَلَى اللَّه فِي إِلْقَاء الرَّغْبَة فِي قَلْب مَنْ يَطْلُبهَا مِنْهُ ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ التَّكَسُّب وَاجِبًا كَقَادِرٍ عَلَى الْكَسْب يَحْتَاج عِيَاله لِلنَّفَقَةِ فَمَتَى تَرَكَ ذَلِكَ كَانَ عَاصِيًا . وَسَلَكَ الْكَرْمَانِيُّ فِي الصِّفَات الْمَذْكُورَة مَسْلَك التَّأْوِيل فَقَالَ : قَوْله " لَا يَكْتَوُونَ " مَعْنَاهُ إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة مَعَ اِعْتِقَاد أَنَّ الشِّفَاء مِنْ اللَّه لَا مِنْ مُجَرَّد الْكَيّ ، وَقَوْله " وَيَسْتَرْقُونَ " مَعْنَاهُ بِالرُّقَى الَّتِي لَيْسَتْ فِي الْقُرْآن وَالْحَدِيث الصَّحِيح كَرُقَى الْجَاهِلِيَّة وَمَا لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُون فِيهِ شِرْك ، وَقَوْله " وَلَا يَتَطَيَّرُونَ " أَيْ لَا يَتَشَاءَمُونَ بِشَيْءٍ فَكَأَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُمْ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ أَعْمَال الْجَاهِلِيَّة فِي عَقَائِدهمْ . قَالَ : فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْمُتَّصِف بِهَذَا أَكْثَر مِنْ الْعَدَد الْمَذْكُور فَمَا وَجْه الْحَصْر فِيهِ ؟ وَأَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهِ التَّكْثِير لَا خُصُوص الْعَدَد . قُلْت : الظَّاهِر أَنَّ الْعَدَد الْمَذْكُور عَلَى ظَاهِره ، فَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة ثَانِي أَحَادِيث الْبَاب وَصْفهمْ بِأَنَّهُمْ " تُضِيء وُجُوههمْ إِضَاءَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر "..وروى مسلم : عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ سِيرِينَ قَالَ حَدَّثَنِي عِمْرَانُ قَالَ
قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالُوا وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ أَنْتَ مِنْهُمْ قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ> قال النووي : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هُمْ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ )
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث ، فَقَالَ الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الْمَازِرِيُّ : اِحْتَجَّ بَعْض النَّاس بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ التَّدَاوِي مَكْرُوه ، وَمُعْظَم الْعُلَمَاء عَلَى خِلَاف ذَلِكَ ، وَاحْتَجُّوا بِمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيث كَثِيرَة مِنْ ذِكْره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنَافِعِ الْأَدْوِيَة وَالْأَطْعِمَة كَالْحَبَّةِ السَّوْدَاء وَالْقُسْط وَالصَّبْر وَغَيْر ذَلِكَ ، وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدَاوَى ، وَبِإِخْبَارِ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا بِكَثْرَةِ تُدَاوِيه وَبِمَا عُلِمَ مِنْ الِاسْتِشْفَاء بِرُقَاهُ ، وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ أَنَّ بَعْض الصَّحَابَة أَخَذُوا عَلَى الرُّقْيَة أَجْرًا ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا حُمِلَ مَا فِي الْحَدِيث عَلَى قَوْم يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْأَدْوِيَة نَافِعَة بِطَبْعِهَا وَلَا يُفَوِّضُونَ الْأَمْر إِلَى اللَّه تَعَالَى . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : قَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيل غَيْر وَاحِد مِمَّنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْحَدِيث ، وَلَا يَسْتَقِيم هَذَا التَّأْوِيل وَإِنَّمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ مَزِيَّة وَفَضِيلَة يَدْخُلُونَ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب ، وَبِأَنَّ وُجُوههمْ تُضِيء إِضَاءَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر ، وَلَوْ كَانَ كَمَا تَأَوَّلَهُ هَؤُلَاءِ لَمَا اُخْتُصَّ هَؤُلَاءِ بِهَذِهِ الْفَضِيلَة ؛ لِأَنَّ تِلْكَ هِيَ عَقِيدَة جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَنْ اِعْتَقَدَ خِلَاف ذَلِكَ كَفَرَ . وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاء وَأَصْحَاب الْمَعَانِي عَلَى هَذَا ؛ فَذَهَبَ أَبُو سُلَيْمَان الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره إِلَى أَنَّ الْمُرَاد : مَنْ تَرَكَهَا تَوَكُّلًا عَلَى اللَّه تَعَالَى وَرِضَاء بِقَضَائِهِ وَبَلَائِهِ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَهَذِهِ مِنْ أَرْفَع دَرَجَات الْمُحَقِّقِينَ بِالْإِيمَانِ قَالَ : وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَة سَمَّاهُمْ ، قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا ظَاهِر الْحَدِيث وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْق بَيْنَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَيّ وَالرُّقَى وَسَائِر أَنْوَاع الطِّبّ . وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : الْمُرَاد بِالْحَدِيثِ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ فِي الصِّحَّة فَإِنَّهُ يُكْرَه لِمَنْ لَيْسَتْ بِهِ عِلَّة أَنْ يَتَّخِذ التَّمَائِم وَيَسْتَعْمِل الرُّقَى ، وَأَمَّا مَنْ يَسْتَعْمِل ذَلِكَ مِمَّنْ بِهِ مَرَض فَهُوَ جَائِز . وَذَهَبَ بَعْضهمْ إِلَى تَخْصِيص الرُّقَى وَالْكَيّ مِنْ بَيْن أَنْوَاع الطِّبّ لِمَعْنًى وَأَنَّ الطِّبّ غَيْر قَادِح فِي التَّوَكُّل ، إِذْ تَطَبَّبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْفُضَلَاء مِنْ السَّلَف . وَكُلّ سَبَب مَقْطُوع بِهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْب لِلْغِذَاءِ وَالرِّيّ لَا يَقْدَح التَّوَكُّل عِنْد الْمُتَكَلِّمِينَ فِي هَذَا الْبَاب ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْفَ عَنْهُمْ التَّطَبُّب ، وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلُوا الِاكْتِسَاب لِلْقُوتِ وَعَلَى الْعِيَال قَادِحًا فِي التَّوَكُّل إِذَا لَمْ يَكُنْ ثِقَته فِي رِزْقه بِاكْتِسَابِهِ وَكَانَ مُفَوِّضًا فِي ذَلِكَ كُلّه إِلَى اللَّه تَعَالَى ، وَالْكَلَام فِي الْفَرْق بَيْن الطِّبّ وَالْكَيّ يَطُول ، وَقَدْ أَبَاحَهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثْنَى عَلَيْهِمَا ، لَكِنِّي أَذْكُر مِنْهُ نُكْتَة تَكْفِي وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تطبب فِي نَفْسه وَطَبَّبَ غَيْره ، وَلَمْ يَكْتَوِ وَكَوَى غَيْره ، وَنَهَى فِي الصَّحِيح أُمَّته عَنْ الْكَيّ وَقَالَ : " مَا أُحِبّ أَنْ أَكْتَوِي " . هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي . وَاَللَّه أَعْلَم .
وَالظَّاهِر مِنْ مَعْنَى الْحَدِيث مَا اِخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَحَاصِله : أَنَّ هَؤُلَاءِ كَمُلَ تَفْوِيضهمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَتَسَبَّبُوا فِي دَفْع مَا أَوْقَعَهُ بِهِمْ . وَلَا شَكّ فِي فَضِيلَة هَذِهِ الْحَالَة وَرُجْحَان صَاحِبهَا . وَأَمَّا تَطَبُّب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَعَلَهُ لِيُبَيِّن لَنَا الْجَوَاز . وَاَللَّه أَعْلَم .
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ ) اِخْتَلَفَتْ عِبَارَات الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف فِي حَقِيقَة التَّوَكُّل ، فَحَكَى الْإِمَام أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيُّ وَغَيْره عَنْ طَائِفَة مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا : لَا يَسْتَحِقّ اِسْم التَّوَكُّل إِلَّا مَنْ لَمْ يُخَالِط قَلْبه خَوْف غَيْر اللَّه تَعَالَى مِنْ سَبُع أَوْ عَدُوّ حَتَّى يَتْرُك السَّعْي فِي طَلَب الرِّزْق ثِقَة بِضَمَانِ اللَّه تَعَالَى لَهُ رِزْقه ، وَاحْتَجُّوا بِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْآثَار . وَقَالَتْ طَائِفَة : حَدّه الثِّقَة بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْإِتْقَان بِأَنَّ قَضَاءَهُ نَافِذ وَاتِّبَاع سُنَّة نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّعْي فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْمَطْعَم وَالْمَشْرَب وَالتَّحَرُّز مِنْ الْعَدُوّ كَمَا فَعَلَهُ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَهَذَا الْمَذْهَب هُوَ اِخْتِيَار الطَّبَرِيُّ وَعَامَّة الْفُقَهَاء ، وَالْأَوَّل مَذْهَب بَعْض الْمُتَصَوِّفَة وَأَصْحَاب عِلْم الْقُلُوب وَالْإِشَارَات . وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ إِلَى نَحْو مَذْهَب الْجُمْهُور ، وَلَكِنْ لَا يَصِحّ عِنْدهمْ اِسْم التَّوَكُّل مَعَ الِالْتِفَات وَالطُّمَأْنِينَة إِلَى الْأَسْبَاب ، بَلْ فِعْل الْأَسْبَاب سُنَّة اللَّه وَحِكْمَته وَالثِّقَة بِأَنَّهُ لَا يَجْلِب نَفْعًا وَلَا يَدْفَع ضُرًّا وَالْكُلّ مِنْ اللَّه تَعَالَى وَحْده . هَذَا كَلَام الْقَاضِي عِيَاض قَالَ الْإِمَام الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقُشَيْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى - : اِعْلَمْ أَنَّ التَّوَكُّل مَحَلّه الْقَلْب ، وَأَمَّا الْحَرَكَة بِالظَّاهِرِ فَلَا تُنَافِي التَّوَكُّل بِالْقَلْبِ بَعْد مَا تَحَقَّقَ الْعَبْد أَنَّ الثِّقَة مِنْ قِبَل اللَّه تَعَالَى ، فَإِنْ تَعَسَّرَ شَيْء فَبِتَقْدِيرِهِ ، وَإِنْ تَيَسَّرَ فَبِتَيَسُّرِهِ . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه التَّسَتُّرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : التَّوَكُّل الِاسْتِرْسَال مَعَ اللَّه تَعَالَى عَلَى مَا يُرِيد . وَقَالَ أَبُو عُثْمَان الْجَبْرِيّ : التَّوَكُّل الِاكْتِفَاء بِاَللَّهِ تَعَالَى مَعَ الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ . وَقِيلَ : التَّوَكُّل أَنْ يَسْتَوِي الْإِكْثَار وَالتَّقَلُّل . وَاَللَّه أَعْلَم .
32>>ـ إدخال السرور على الفئات المعوزة .روي عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورا لم يرض الله له ثوابا دون الجنة > ضعفه الألباني .والحديث رواه الطبراني في المعجم ..لكن معناه تؤيده أدلة أخرى وردت في نفع الناس .ففي سنن الترمذي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ وَاقِعٍ وَكَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِي فِي كُمِّهِ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَيَنْثُرُهَا فِي حِجْرِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ >قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
33>>ـ قد يكون نفع الناس في وقت الحاجة والشدة أفضل من الاعتمار والحج النفل للحديث التالي : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَمِنَّا الصَّائِمُ ، وَمِنَّا الْمُفْطِرُ قَالَ : فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ ، وَأَكْثَرُنَا ظِلًّا : صَاحِبُ الْكِسَاءِ .وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ .قَالَ : فَسَقَطَ الصُّوَّامُ ، وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الْأَبْنِيَةَ .وَسَقَوْا الرِّكَابَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ .}رواه مسلم
** الراوي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الأنصاري الخزرجي خادم رسول اله خدم وهو ابن عشرسنين كناه النبي ص" أبا" حمزة وأمه أم سليم دعا له النبي ص> بالبركة فكان من أكثر الناس مالا دفن له من الأولاد بضعة وعشرون ومائة وطال عمره فعاش أكثر من مائة سنة . توفي بالبصرة سنة 93هـ وله في كتب الحديث 2286حديثا
قال ابن دقيق العيد :وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ " فَفِيهِ أَمْرَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ الْمَصَالِحُ .
قُدِّمَ أَوْلَاهَا وَأَقْوَاهَا .وَالثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ " فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يُرَادَ بِالْأَجْرِ أَجْرُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ الَّتِي فَعَلُوهَا ، وَالْمَصَالِحُ الَّتِي جَرَتْ عَلَى أَيْدِيهِمْ .وَلَا يُرَادُ مُطْلَقُ الْأَجْرِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ .وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ أَجْرُهُمْ قَدْ بَلَغَ فِي الْكَثْرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَجْرِ الصَّوْمِ مَبْلَغًا يَنْغَمِرُ فِيهِ أَجْرُ الصَّوْمِ فَتَحْصُلُ الْمُبَالَغَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ .وَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْأَجْرَ كُلَّهُ لِلْمُفْطِرِ اهـ قلت > كلما قرأت هذا وأمثاله يحضرني تكالب الناس اليوم على الاعتمار كل سنة بل بعضهم مرتين في السنة وفي بني جلدته وقومه بل في أقاربه من هو في حاجة ماسة إلى الدواء والعلاج بل إلى الطعام فانطلاقا من هذا الحديث فالذي يتعبد في الحرم على ما فيه من فضل عظيم قد يكون من ينقذ مريضا ويسد جوعة جائع أفضل والله أعلم .
.ختم الله لي ولكم بخير .حميد أمين أتمنى دعاءكم
أيها الناس إن هناك أعمالا كثيرة ورد في فضلها أنها كثواب الحج، أو ورد أنها تكفر الذنوب الماضية فعادلت الحج الذي يكفر ما مضى من الذنوب، عسى الحزين المحروم أن يتسلى بهذه الأحاديث؛ لكيلا يهلك نفسه من الحزن إذن فما ينبغي له إلا أن يثابر لعله يصل إلى الله من أقرب الطرق كأن لسان حاله يقول :
*قل لي بمثل سيرك المدلل * تمشي رويدا وتجي في الأول *
. لكن ينبغي التنبيه إلى أ ن قول النبي صلى الله عليه وسلم <<كما جاء عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّه>رواه البخاري ليس على إطلاقه. فإن كان ظاهر الحديث يفيد غفران الذنوب الصغائر والكبائر فإن هناك ذنوبا لا تغفر بالحج وهي ما يتعلق بحقوق الخلق لقوله صلى الله عليه وسلم : كما رواه مالك في الموطإ وغيره : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ أَيُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ نَادَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَنُودِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ قُلْتَ فَأَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِلَّا الدَّيْنَ كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ.> في مسلم "بَاب مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُفِّرَتْ خَطَايَاهُ إِلَّا الدَّيْنَ َعنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ قُلْتَ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلَّا الدَّيْنَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِي ذَلِكَ>...وفي الفتح : قَوْله : ( رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه )أَيْ بِغَيْرِ ذَنْب ، وَظَاهِره غُفْرَان الصَّغَائِر وَالْكَبَائِر وَالتَّبِعَات.اهـ وفي تحفة الأحوذي : قوله ( خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ )قَالَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ الْمُرَادُ بِهِ الصَّغَائِرُ .أيها المسلمون إن الطرق إلى الجنة كثيرة ومتشعبة تسع كل جاد ومبتغ للخير يصل إليها كل واحد على حسب عمله ليست حكرا على ذوي اليسار وحدهم ولكنها سهلة المبتغى على من وفق إلى ذلك يتضح هذا من الحديث الذي رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ قَالَ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا فَقَالَ بَعْضُنَا نُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَنَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ تَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ>في الفتح : وْلُهُ : ( أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ ) أَيْ مِنْ أَهْل الْأَمْوَال الَّذِينَ اِمْتَازُوا عَلَيْكُمْ بِالصَّدَقَةِ ، وَالسَّبْقِيَّة هُنَا يَحْتَمِل أَنْ تَكُون مَعْنَوِيَّة وَأَنْ تَكُون حِسِّيَّة.... وَاسْتُشْكِلَ تَسَاوِي فَضْل هَذَا الذِّكْر بِفَضْلِ التَّقَرُّب بِالْمَالِ مَعَ شِدَّة الْمَشَقَّة فِيهِ ، وَأَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَم أَنْ يَكُون الثَّوَاب عَلَى قَدْر الْمَشَقَّة فِي كُلّ حَالَة ، وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِفَضْلِ كَلِمَة الشَّهَادَة مَعَ سُهُولَتهَا عَلَى كَثِير مِنْ الْعِبَادَات الشَّاقَّة ..... وَظَاهِر قَوْلُهُ " كُلّ صَلَاة " يَشْمَلُ الْفَرْض وَالنَّفْل ، لَكِنْ حَمَلَهُ أَكْثَر الْعُلَمَاء عَلَى الْفَرْض ،...قال النووي : قَوْله : ( ذَهَبَ أَهْل الدُّثُور ) هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة وَاحِدهَا دَثَر ، وَهُوَ الْمَال الْكَثِير . وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِمَنْ فَضَّلَ الْغَنِيّ الشَّاكِر عَلَى الْفَقِير الصَّابِر ، وَفِي الْمَسْأَلَة خِلَاف مَشْهُور بَيْن السَّلَف وَالْخَلَف مِنْ الطَّوَائِف . وَاللَّهُ أَعْلَم ...والآن وبعد هذه المقدمة نعود فنقول وبالله التوفيق
***أولاً: الأعمال التي ثوابها كثواب الحج:
1->> ذهاب المرء إلى المساجد لحضور دروس العلم أو ليُعلـِّم علمًا؛ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ:"مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُرِيدُ إِلا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ".» رواه الطبراني في المعجم الكبير(صححه الألباني).
2->> أن يذهب المرء إلى المسجد على وضوء؛ ليصلي فيه المكتوبة؛ ففي الحديث: « مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لاَ يُنْصِبُهُ إِلاَّ إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ» (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
3- >>أن يصلي المرء في المسجد صلاة الصبح في جماعة، ويمكث في المسجد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم يمكث حتى يصلي ركعتي الضحى؛ ففي الحديث: « مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ» (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، وفي رواية: «من صلى الصبح ثم جلس في مجلسه حتى تمكنه الصلاة كان بمنزلة عمرة وحجة متقبلتين» (رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني).
***ثانيًا: الأعمال التي ثوابها دخول الجنة أو غفران الذنوب:
لمَّا كان ثواب الحج دخول الجنة وغفران الذنوب؛ ففي الحديث: « الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ» (متفق عليه)، وفي آخر: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّه» (متفق عليه)، فإننا نرجوا أن تكون الأعمال التي ورد في فضلها أنها تكفر الذنوب، أو تدخل العبد الجنة أن تكون كالحج، فمن هذه الأعمال:
1->> تغسيل الميتوالستر عليه؛ ففي الحديث: « مَنْ غَسَّلَ مُسْلِمًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً، وَمَنْ حَفَرَ لَهُ فَأَجَنَّهُ أُجْرِىَ عَلَيْهِ كَأَجْرِ مَسْكَنٍ أَسْكَنَهُ إِيَّاهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَفَنَّهُ كَسَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سُنْدُسِ وَإِسْتَبْرَقِ الْجَنَّةِ» (رواه الحاكم والبيهقي والطبراني، وحسنه الألباني).
تنبيهات:
أ- قال العلماء: « معنى غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً»: أي: بمرة تُغفَر الذنوب، ويأخذ من الحسنات ما يعادل تسعة وثلاثين مرة.
ب- المقصود من الستر على الميت؛ أي: لو كان الميت مشهورًا بين الناس بصلاح الحال أو كان مستور الحال وبدا عليه علامات سوء الخاتمة؛ فيستر عليه، وأما من كان مشهورًا بسوء الحال فإظهار ما بدا عليه أولى؛ لزجر الناس عن مثل فعله.
2->> أن يبكي العبد من خشية الله أو يحرس المسلمين ليلاً؛ ففي الحديث: « عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
3->> أن يقول في يومه أو في ليلته أو في شهره: لا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله وحده، لا إلا الله لا شريك له، لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ ففي الحديث: « من قال هذا في يوم أو في ليلة أو في شهر فمات في ذلك اليوم أو في تلك الليلة أو في ذلك الشهر غفر له ذنبه» (رواه النسائي في السنن الكبرى، وصححه الألباني).
وهو أرجى حديث أعلمه، إذ مغفرة الذنوب تقتضي عدم دخوله النار أصلاً بعكس ما لو قال: "دخل الجنة" فربما دخل النار، ثم دخل الجنة.
4->> إسباغ الوضوء مع قول الذكر الوارد بعده؛ ففي الحديث: « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ -أَوْ فَيُسْبِغُ- الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» (رواه مسلم).
قوله ( مِنْ أَيّهَا ): أَيْ مِنْ أَيِّ أَبْوَاب الْجَنَّة شاءَ ): دُخُولَهَا قَالَ الْحَافِظ اِبْن عَبْد الْبَرّ فِي كِتَاب التَّمْهِيد : هَكَذَا قَالَ فُتِحَ لَهُ مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة ، وَهُوَ يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِيَة قَالَ الْإِمَام الْقُرْطُبِيّ فِي " التَّذْكِرَة فِي أَحْوَال أُمُور الْآخِرَة " قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم : إِنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَة أَبْوَاب وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عُمَر الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَغَيْره وَجَاءَ تَعْيِين هَذِهِ الْأَبْوَاب لِبَعْضِ الْعُمَّال كَمَا فِي حَدِيث الْمُوَطَّأ وَالْبُخَارِيّ وَمُسْلِم قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيل اللَّه زَوْجَيْنِ نُودِيَ فِي الْجَنَّة يَا عَبْد اللَّه هَذَا خَيْر ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الصَّلَاة دُعِيَ مِنْ بَاب الصَّلَاة . وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْجِهَاد دُعِيَ مِنْ بَاب الْجِهَاد . وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الصَّدَقَة دُعِيَ مِنْ بَاب الصَّدَقَة . وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الصِّيَام دُعِيَ مِنْ بَاب الصِّيَام . فَقَالَ أَبُو بَكْر يَا رَسُول اللَّه مَا عَلَى أَحَد يُدْعَى مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَاب مِنْ ضَرُورَة هَلْ يُدْعَى أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَاب ؟ قَالَ نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُون مِنْهُمْ " قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : ذَكَرَ مُسْلِم فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة أَرْبَعَة ، وَزَادَ غَيْره بَقِيَّة الثَّمَانِيَة ، فَذَكَرَ مِنْهَا بَاب التَّوْبَة ، وَبَاب الْكَاظِمِينَ الْغَيْظ ، وَبَاب الرَّاضِينَ ، وَالْبَاب الْأَيْمَن الَّذِي يَدْخُل مِنْهُ مَنْ لَا حِسَاب عَلَيْهِ . قَالَ الْقُرْطُبِيّ فَذَكَرَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ أَبْوَاب الْجَنَّة فَعَدَّ أَبْوَابًا غَيْر مَا ذُكِرَ . قَالَ فَعَلَى هَذَا أَبْوَابُ الْجَنَّةِ أَحَدَ عَشَرَ بَابًا . وَقَدْ أَطَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي تَذْكِرَته اهـ عون المعبود
5->> إسباغ الوضوء ثم صلاة ركعتين بخشوع بعده؛ ففي الحديث: « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» (رواه مسلم)، وفي رواية: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يَسْهُو فِيهِمَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
الإسباغ: مصدر أسبغ، الإكمال، الإتمام، الإطالة * يقولون: أسبغ الوضوء: إذا أتى بفرائضه وسننه ومستحباته = أبلغه مواضعه ووفي كل عضو حقه منه اهـ معجم لغة الفقهاء
6->> ترديد الأذان خلف المؤذن مع التدبر لما يقول؛ ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: « كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ بِلالٌ يُنَادِي، فَلَمَّا سَكَتَ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا يَقِينًا دَخَلَ الْجَنَّةَ» (رواه النسائي في الكبرى وابن حبان، وصححه الألباني.)
روى مسلم : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ
7->> التأذين ثنتي عشرة سنة؛ ففي الحديث: « مَنْ أَذَّنَ اثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَكُتِبَ لَهُ بِتَأْذِينِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ سِتُّونَ حَسَنَةً وَلِكُلِّ إِقَامَةٍ ثَلاَثُونَ حَسَنَةً» (رواه ابن ماجه والدراقطني، وصححه الألباني).
8- >>أن يدعو للنبي بعد الأذان بالدعاء الوارد؛ ففي الحديث: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: « اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (رواه البخاري).
روى البخاري : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ> في الفتح : قَوْله : ( الْوَسِيلَة )
هِيَ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى الْكَبِير ، يُقَال تَوَسَّلْت أَيْ تَقَرَّبْت ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْمَنْزِلَة الْعَلِيَّة ، وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو عِنْدَ مُسْلِم بِلَفْظِ " فَإِنَّهَا مَنْزِلَة فِي الْجَنَّة لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَاد اللَّه " الْحَدِيثَ ، وَنَحْوُهُ لِلْبَزَّارِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، وَيُمْكِنُ رَدُّهَا إِلَى الْأَوَّل بِأَنَّ الْوَاصِلَ إِلَى تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ قَرِيبٌ مِنْ اللَّه فَتَكُونُ كَالْقُرْبَةِ الَّتِي يُتَوَسَّلُ بِهَا .
قَوْله : ( وَالْفَضِيلَة )أَيْ الْمَرْتَبَة الزَّائِدَة عَلَى سَائِر الْخَلَائِق ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُون مَنْزِلَةً أُخْرَى أَوْ تَفْسِيرًا لِلْوَسِيلَةِ .قَوْله : ( مَقَامًا مَحْمُودًا )أَيْ يُحْمَدُ الْقَائِم فِيهِ ، وَهُوَ مُطْلَقٌ فِي كُلّ مَا يَجْلِبُ الْحَمْد مِنْ أَنْوَاع الْكَرَامَات ، وَنُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّة ، أَيْ اِبْعَثْهُ يَوْمَ الْقِيَامَة فَأَقِمْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا ، أَوْ ضَمَّنَ اِبْعَثْهُ مَعْنَى أَقِمْهُ ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول بِهِ وَمَعْنَى اِبْعَثْهُ أَعْطِهِ ،
قَوْله ( شَفَاعَتِي ) اِسْتَشْكَلَ بَعْضهمْ جَعْلَ ذَلِكَ ثَوَابًا لِقَائِلِ ذَلِكَ مَعَ مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ الشَّفَاعَة لِلْمُذْنِبِينَ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفَاعَات أُخْرَى : كَإِدْخَالِ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب ، وَكَرَفْعِ الدَّرَجَات فَيُعْطَى كُلُّ أَحَدٍ مَا يُنَاسِبُهُ . وَنَقَلَ عِيَاض عَنْ بَعْض شُيُوخه أَنَّهُ كَانَ يَرَى اِخْتِصَاص ذَلِكَ بِمَنْ قَالَهُ مُخْلِصًا مُسْتَحْضِرًا إِجْلَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَا مَنْ قَصَدَ بِذَلِكَ مُجَرَّدَ الثَّوَاب وَنَحْوَ ذَلِكَ ، وَهُوَ تَحَكُّمٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ ، وَلَوْ كَانَ أَخْرَجَ الْغَافِل اللَّاهِي لَكَانَ أَشْبَهَ . وَقَالَ الْمُهَلَّبُ : فِي الْحَدِيث الْحَضّ عَلَى الدُّعَاء فِي أَوْقَات الصَّلَوَات لِأَنَّهُ حَالُ رَجَاءِ الْإِجَابَة ، وَاَللَّه أَعْلَم .
9->> المكث في المسجد بعد صلاة الصبح والعصر مع قول الأذكار؛ ففي الحديث: « لأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً» (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
10- قول آمين مع الإمام؛ ففي الحديث: « إِذَا قَالَ الإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ. فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (متفق عليه).
11- صلاة ثنتي عشرة ركعة نافلة، وهنَّ الرواتب؛ ففي الحديث: « مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلاَّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» (رواه مسلم)، وفي رواية: «مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنَ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
12- صلاة أربع قبل الظهروأربع بعدها؛ ففي الحديث: « مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرُمَ عَلَى النَّارِ» (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
13- قيام الليل وإفشاء السلام، وإطعام الطعام؛ ففي الحديث: « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يَرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا, وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ» (رواه الطبراني وابن حبان، وصححه الألباني).
14- أن يقول سيد الاستغفار صباحًا ومساءً؛ ففي الحديث: « سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ. إِذَا قَالَ حِينَ يُمْسِي فَمَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ -أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ- وَإِذَا قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ» (رواه البخاري).
15- قول: "سبحان الله وبحمده" مائة مرة حين يصبح، ومائة مرة حين يمسي؛ ففي الحديث: « مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ. لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ» (رواه مسلم)، وفي رواية: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» (متفق عليه).
16- التأدب بآداب يوم الجمعة؛ ففي الحديث: « إذا كان يوم الجمعة فاغتسل الرجل وغسل رأسه ثم تطيب من أطيب طيبه ولبس من صالح ثيابه ثم خرج إلى الصلاة ولم يفرق بين اثنين ثم استمع الإمام غفر له من الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام» (رواه ابن خزيمة، وحسنه الألباني).
17- إنظار المعسر الفقير أو الوضع عنه؛ ففي الحديث: « مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ» (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، قلتُ: "وهذا يقتضي دخوله الجنة"، والإنظار هو: التأجيل في السداد وتأخير المطالبة، والوضع هو: تقليل الدين.
18- إطعام الجائع وسقيا الظمآن؛ ففي الحديث: « جَاءَ أَعْرَابِيُّ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي عَمَلاً يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ أَعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ أَعْتِقِ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ... فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَأَطْعِمِ الْجَائِعَ وَاسْقِ الظَّمْآنَ» (رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني).
19- من جمع بيت الصيام. واتباع الجنائز. وإطعام الفقير. وعيادة المريض .قال رسول الله : « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. قَالَ: فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. قَالَ: فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. قَالَ: فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ» (رواه مسلم)، قلتُ: "أي من عمل هذه الأربع في يوم دخل الجنة".
20- قيام ليلة القدر أو صيام رمضان إيمانـًا واحتسابًا؛ ففي الحديث: « مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (متفق عليه).
21- الإكثار من ذكر الله تعالى عمومًا؛ ففي الحديث: « ما عمل آدمي عملا أنجى له من العذاب من ذكر الله» (رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني).
22- حضور مجالس الذكر ومجالس العلم؛ ففي الحديث: « مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ لاَ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلاَّ وَجْهَهُ إِلاَّ نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ قُومُوا مَغْفُوراً لَكُمْ قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّآتُكُمْ حَسَنَاتٍ» (رواه أحمد، وصححه الألباني).
23- ختم الصلاة بالذكر؛ ففي الحديث: « مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» (متفق عليه).
24- ذكر الله بعد الصلاة وعند النوم؛ ففي الحديث: « خَصْلَتَانِ لاَ يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ: يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ عَشْرًا وَيُكَبِّرُ عَشْرًا وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا».فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ، وَإِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ: سَبَّحَ وَحَمِدَ وَكَبَّرَ مِائَةً فَتِلْكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي الْيَوْمِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ سَيِّئَةٍ. قَالُوا: وَكَيْفَ لاَ يُحْصِيهِمَا؟ قَالَ: « يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَيَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا.. حَتَّى يَنْفَكَّ الْعَبْدُ لاَ يَعْقِلُ وَيَأْتِيهِ وَهُوَ فِي مَضْجَعِهِ فَلاَ يَزَالُ يُنَوِّمُهُ حَتَّى يَنَامَ» (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه واللفظ له، وصححه الألباني).
25- قراءة آية الكرسي دبر الصلاة المكتوبة؛ ففي الحديث: « مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، إِلا الْمَوْتُ» (رواه النسائي في الكبرى والطبراني، وصححه الألباني).
26- الاستغفار؛ ففي الحديث: « مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ» (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
27- قول: "لا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله"؛ ففي الحديث: « مَا عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. إِلاَّ كُفِّرَتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).اهـ المرجع منتدى طريق الإيمان هشام الزهيري وغيره من المصادر من المؤلفات
28ـ>>الكف عن أعراض الناس.ورى ابن ماجه عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ
كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ قَالَ لَقَدْ سَأَلْتَ عَظِيمًا وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ النَّارَ الْمَاءُ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ قَرَأَ{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ حَتَّى بَلَغَ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
ثُمَّ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ثُمَّ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ قُلْتُ بَلَى فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ تَكُفُّ عَلَيْكَ هَذَا قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ قَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يُكِبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ> في حاشية السندي : ( بِرَأْسِ الْأَمْر )أَيْ هُوَ لِلدِّينِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْس لِلرَّجُلِ
( وَعَمُوده أَيْ مَا يَعْتَمِد عَلَيْهِ الدِّين وَهُوَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَمُود لِلْبَيْتِ( وَذُرْوَة سَنَامه )
السَّنَام بِالْفَتْحِ مَا اِرْتَفَعَ مِنْ ظَهْر الْجَمَل وَذُرْوَته بِالضَّمِّ وَالْكَسْر أَعْلَاهُ أَيْ بِمَا هُوَ لِلدِّينِ بِمَنْزِلَةِ ذُرْوَة السَّنَام لِلْجَمَلِ فِي الْعُلُوّ وَالِارْتِفَاع وَقَدْ جَاءَ بَيَان هَذَا بِأَنَّ رَأْس الْأَمْر الْإِسْلَام أَيْ الْإِتْيَان بِالشَّهَادَتَيْنِ وَعَمُوده الصَّلَاة وَذُرْوَة سَنَامه الْجِهَاد
( بِمِلَاكِ ذُلّك )الْمِلَاك بِكَسْرِ الْمِيم وَفَتْحهَا لُغَة وَالرِّوَايَة الْكَسْر أَيْ بِمَا بِهِ يَمْلِك الْإِنْسَان ذَلِكَ كُلّه بِحَيْثُ يَسْهُل عَلَيْهِ جَمِيع مَا ذَكَرَ( تَكُفّ )أَيْ تَحْرُس وَتَحْفَظ( ثَكِلَتْك )بِكَسْرِ الْكَاف أَيْ فَقَدَتْك وَهُوَ دُعَاء عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ ظَاهِر أَوْ الْمَقْصُود التَّعَجُّب مِنْ الْغَفْلَة عَنْ مِثْل هَذَا الْأَمْر( يَكُبّ )بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمَّ الْكَافّ وَتَشْدِيد الْبَاء مِنْ كَبَّهُ إِذَا صَرَعَهُ( حَصَائِد أَلْسِنَتهمْ )بِمَعْنَى مَحْصُودَاتهمْ عَلَى تَشْبِيه مَا يَتَكَلَّم بِهِ الْإِنْسَان بِالزَّرْعِ الْمَحْصُود بِالْمِنْجَلِ فَكَمَا أَنَّ الْمِنْجَل يَقْطَع مِنْ غَيْر تَمْيِيز بَيْن رَطْب وَيَابِس وَجَيِّد وَرَدِيء كَذَلِكَ لِسَان الْمِكْثَار فِي الْكَلَام بِكُلِّ فَنٍّ مِنْ الْكَلَام مِنْ غَيْر تَمْيِيز بَيْن مَا يَحْسُن وَمَا يَقْبُح .
29ـ>>ـ من مدخلات الجنة البراءة من ثلاث : من تبعات الناس والكبر والغلول .روى الترمذي عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلَاثٍ الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ .في عون المعبودقَوْلُهُ : ( وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْكِبْرِ )بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالرَّاءِ( وَالدَّيْنِ )بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ( دَخَلَ الْجَنَّةَ )يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَهُوَ لَيْسَ بَرِيئًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ اهـ : الغلول : الخيانة والسرقة
30ـ>> حفظ الفم والفرج روى البخاري : عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ> في الفتح : قَوْله ( مَنْ يَضْمَن )
بِفَتْحِ أَوَّله وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَالْجَزْم مِنْ الضَّمَان بِمَعْنَى الْوَفَاء بِتَرْكِ الْمَعْصِيَة فَأَطْلَقَ الضَّمَان وَأَرَادَ لَازِمه وَهُوَ أَدَاء الْحَقّ الَّذِي عَلَيْهِ ، فَالْمَعْنَى مَنْ أَدَّى الْحَقّ الَّذِي عَلَى لِسَانه مِنْ النُّطْق بِمَا يَجِب عَلَيْهِ أَوْ الصَّمْت عَمَّا لَا يَعْنِيه وَأَدَّى الْحَقّ الَّذِي عَلَى فَرْجه مِنْ وَضْعه فِي الْحَلَال وَكَفّه عَنْ الْحَرَام... قَوْله ( لَحْيَيْهِ )
بِفَتْحِ اللَّام وَسُكُون الْمُهْمَلَة وَالتَّثْنِيَة هُمَا الْعَظْمَاتُ فِي جَانِبَيْ الْفَم وَالْمُرَاد بِمَا بَيْنهمَا اللِّسَان وَمَا يَتَأَتَّى بِهِ النُّطْق ، وَبِمَا بَيْن الرِّجْلَيْنِ الْفَرْج . وَقَالَ الدَّاوُدِيّ الْمُرَاد بِمَا بَيْن اللَّحْيَيْنِ الْفَم ، قَالَ : فَيَتَنَاوَل الْأَقْوَال وَالْأَكْل وَالشُّرْب وَسَائِر مَا يَتَأَتَّى بِالْفَمِ مِنْ الْفِعْل ، قَالَ : وَمَنْ تَحَفَّظَ مِنْ ذَلِكَ أَمِنَ مِنْ الشَّرّ كُلّه لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا السَّمْع وَالْبَصَر ، كَذَا قَالَ وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَقِيَ الْبَطْش بِالْيَدَيْنِ ، وَإِنَّمَا مَحْمَل الْحَدِيث عَلَى أَنَّ النُّطْق بِاللِّسَانِ أَصْل فِي حُصُول كُلّ مَطْلُوب فَإِذَا لَمْ يَنْطِق بِهِ إِلَّا فِي خَيْر سَلِمَ . وَقَالَ اِبْن بَطَّال : دَلَّ الْحَدِيث عَلَى أَنَّ أَعْظَم الْبَلَاء عَلَى الْمَرْء فِي الدُّنْيَا لِسَانه وَفَرْجه ، فَمَنْ وُقِيَ شَرّهمَا وُقِيَ أَعْظَم الشَّرّ . قَوْله ( أَضْمَنْ لَهُ )
بِالْجَزْمِ جَوَاب الشَّرْط ، وَفِي رِوَايَة خَلِيفَة " تَوَكَّلْت لَهُ بِالْجَنَّةِ " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْحَسَن " تَكَفَّلْت لَهُ " قَالَ التِّرْمِذِيّ : حَدِيث سَهْل بْن سَعْد حَسَن صَحِيح
31>>ـ المتصفون بالصفات الآتية:التوكل وعدم التطير والرقى الشركي . روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ> في الفتح قوْلُهُ ( وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ) تَقَدَّمَ بَيَانُ الطِّيرَةِ فِي كِتَاب الطِّبِّ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يَتَشَاءَمُونَ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . قَوْله ( وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ ) يَحْتَمِل أَنْ تَكُون هَذِهِ الْجُمْلَة مُفَسِّرَة لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَرْك الِاسْتِرْقَاء وَالِاكْتِوَاء وَالطِّيَرَة ، وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون مِنْ الْعَامّ بَعْد الْخَاصّ لِأَنَّ صِفَة وَاحِدَة مِنْهَا صِفَة خَاصَّة مِنْ التَّوَكُّل وَهُوَ أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي التَّوْكِيل فِي " بَاب وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " قَرِيبًا . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ وَغَيْره : قَالَتْ طَائِفَة مِنْ الصُّوفِيَّة لَا يَسْتَحِقّ اِسْم التَّوَكُّل إِلَّا مَنْ لَمْ يُخَالِط قَلْبه خَوْف غَيْر اللَّه تَعَالَى ، حَتَّى لَوْ هَجَمَ عَلَيْهِ الْأَسَد لَا يَنْزَعِج ، وَحَتَّى لَا يَسْعَى فِي طَلَب الرِّزْق لِكَوْنِ اللَّه ضَمِنَهُ لَهُ . وَأَبَى هَذَا الْجُمْهُور وَقَالُوا : يَحْصُل التَّوَكُّل بِأَنْ يَثِق بِوَعْدِ اللَّه وَيُوقِن بِأَنَّ قَضَاءَهُ وَاقِع ، وَلَا يَتْرُك اِتِّبَاع السُّنَّة فِي اِبْتِغَاء الرِّزْق مِمَّا لَا بُدّ لَهُ مِنْهُ مِنْ مَطْعَم وَمُشْرَب وَتَحَرُّز مِنْ عَدُوّ بِإِعْدَادِ السِّلَاح وَإِغْلَاق الْبَاب وَنَحْو ذَلِكَ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَطْمَئِنُّ إِلَى الْأَسْبَاب بِقَلْبِهِ بَلْ يَعْتَقِد أَنَّهَا لَا تَجْلِب بِذَاتِهَا نَفْعًا وَلَا تَدْفَع ضُرًّا ، بَلْ السَّبَب وَالْمُسَبِّب فِعْل اللَّه تَعَالَى وَالْكُلّ بِمَشِيئَتِهِ ، فَإِذَا وَقَعَ مِنْ الْمَرْء رُكُون إِلَى السَّبَب قَدَحَ فِي تَوَكُّله ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ فِيهِ عَلَى قِسْمَيْنِ : وَاصِل وَسَالِك ، فَالْأَوَّل صِفَة الْوَاصِل وَهُوَ الَّذِي لَا يَلْتَفِت إِلَى الْأَسْبَاب وَلَوْ تَعَاطَاهَا ، وَأَمَّا السَّالِك فَيَقَع لَهُ الِالْتِفَات إِلَى السَّبَب أَحْيَانًا إِلَّا أَنَّهُ قَدْ يَدْفَع ذَلِكَ عَنْ نَفْسه بِالطُّرُقِ الْعِلْمِيَّة وَالْأَذْوَاق الْحَالِيَّة إِلَى أَنْ يَرْتَقِي إِلَى مَقَام الْوَاصِل . وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْقُشَيْرِيُّ : التَّوَكُّل مَحَلّه الْقَلْب ، وَأَمَّا الْحَرَكَة الظَّاهِرَة فَلَا تُنَافِيه إِذَا تَحَقَّقَ الْعَبْد أَنَّ الْكُلّ مِنْ قِبَل اللَّه ، فَإِنْ تَيَسَّرَ شَيْء فَبِتَيْسِيرِهِ وَإِنْ تَعَسَّرَ فَبِتَقْدِيرِهِ . وَمِنْ الْأَدِلَّة عَلَى مَشْرُوعِيَّة الِاكْتِسَاب مَا تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوع مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ " أَفْضَل مَا أَكَلَ الرَّجُل مِنْ كَسْبه ، وَكَانَ دَاوُدُ يَأْكُل مِنْ كَسْبه " فَقَدْ قَالَ تَعَالَى ( وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ) وَقَالَ تَعَالَى ( وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ) . وَأَمَّا قَوْل الْقَائِل كَيْف تَطْلُب مَا لَا تَعْرِف مَكَانه فَجَوَابه أَنَّهُ يَفْعَل السَّبَب الْمَأْمُور بِهِ وَيَتَوَكَّل عَلَى اللَّه فِيمَا يَخْرُج عَنْ قُدْرَته فَيَشُقّ الْأَرْض مَثَلًا وَيُلْقِي الْحَبّ وَيَتَوَكَّل عَلَى اللَّه فِي إِنْبَاته وَإِنْزَال الْغَيْث لَهُ ، وَيُحَصِّل السِّلْعَة مَثَلًا وَيَنْقُلهَا وَيَتَوَكَّل عَلَى اللَّه فِي إِلْقَاء الرَّغْبَة فِي قَلْب مَنْ يَطْلُبهَا مِنْهُ ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ التَّكَسُّب وَاجِبًا كَقَادِرٍ عَلَى الْكَسْب يَحْتَاج عِيَاله لِلنَّفَقَةِ فَمَتَى تَرَكَ ذَلِكَ كَانَ عَاصِيًا . وَسَلَكَ الْكَرْمَانِيُّ فِي الصِّفَات الْمَذْكُورَة مَسْلَك التَّأْوِيل فَقَالَ : قَوْله " لَا يَكْتَوُونَ " مَعْنَاهُ إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة مَعَ اِعْتِقَاد أَنَّ الشِّفَاء مِنْ اللَّه لَا مِنْ مُجَرَّد الْكَيّ ، وَقَوْله " وَيَسْتَرْقُونَ " مَعْنَاهُ بِالرُّقَى الَّتِي لَيْسَتْ فِي الْقُرْآن وَالْحَدِيث الصَّحِيح كَرُقَى الْجَاهِلِيَّة وَمَا لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُون فِيهِ شِرْك ، وَقَوْله " وَلَا يَتَطَيَّرُونَ " أَيْ لَا يَتَشَاءَمُونَ بِشَيْءٍ فَكَأَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُمْ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ أَعْمَال الْجَاهِلِيَّة فِي عَقَائِدهمْ . قَالَ : فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْمُتَّصِف بِهَذَا أَكْثَر مِنْ الْعَدَد الْمَذْكُور فَمَا وَجْه الْحَصْر فِيهِ ؟ وَأَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهِ التَّكْثِير لَا خُصُوص الْعَدَد . قُلْت : الظَّاهِر أَنَّ الْعَدَد الْمَذْكُور عَلَى ظَاهِره ، فَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة ثَانِي أَحَادِيث الْبَاب وَصْفهمْ بِأَنَّهُمْ " تُضِيء وُجُوههمْ إِضَاءَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر "..وروى مسلم : عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ سِيرِينَ قَالَ حَدَّثَنِي عِمْرَانُ قَالَ
قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالُوا وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ أَنْتَ مِنْهُمْ قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ> قال النووي : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هُمْ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ )
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث ، فَقَالَ الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الْمَازِرِيُّ : اِحْتَجَّ بَعْض النَّاس بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ التَّدَاوِي مَكْرُوه ، وَمُعْظَم الْعُلَمَاء عَلَى خِلَاف ذَلِكَ ، وَاحْتَجُّوا بِمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيث كَثِيرَة مِنْ ذِكْره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنَافِعِ الْأَدْوِيَة وَالْأَطْعِمَة كَالْحَبَّةِ السَّوْدَاء وَالْقُسْط وَالصَّبْر وَغَيْر ذَلِكَ ، وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدَاوَى ، وَبِإِخْبَارِ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا بِكَثْرَةِ تُدَاوِيه وَبِمَا عُلِمَ مِنْ الِاسْتِشْفَاء بِرُقَاهُ ، وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ أَنَّ بَعْض الصَّحَابَة أَخَذُوا عَلَى الرُّقْيَة أَجْرًا ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا حُمِلَ مَا فِي الْحَدِيث عَلَى قَوْم يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْأَدْوِيَة نَافِعَة بِطَبْعِهَا وَلَا يُفَوِّضُونَ الْأَمْر إِلَى اللَّه تَعَالَى . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : قَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيل غَيْر وَاحِد مِمَّنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْحَدِيث ، وَلَا يَسْتَقِيم هَذَا التَّأْوِيل وَإِنَّمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ مَزِيَّة وَفَضِيلَة يَدْخُلُونَ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب ، وَبِأَنَّ وُجُوههمْ تُضِيء إِضَاءَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر ، وَلَوْ كَانَ كَمَا تَأَوَّلَهُ هَؤُلَاءِ لَمَا اُخْتُصَّ هَؤُلَاءِ بِهَذِهِ الْفَضِيلَة ؛ لِأَنَّ تِلْكَ هِيَ عَقِيدَة جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَنْ اِعْتَقَدَ خِلَاف ذَلِكَ كَفَرَ . وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاء وَأَصْحَاب الْمَعَانِي عَلَى هَذَا ؛ فَذَهَبَ أَبُو سُلَيْمَان الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره إِلَى أَنَّ الْمُرَاد : مَنْ تَرَكَهَا تَوَكُّلًا عَلَى اللَّه تَعَالَى وَرِضَاء بِقَضَائِهِ وَبَلَائِهِ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَهَذِهِ مِنْ أَرْفَع دَرَجَات الْمُحَقِّقِينَ بِالْإِيمَانِ قَالَ : وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَة سَمَّاهُمْ ، قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا ظَاهِر الْحَدِيث وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْق بَيْنَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَيّ وَالرُّقَى وَسَائِر أَنْوَاع الطِّبّ . وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : الْمُرَاد بِالْحَدِيثِ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ فِي الصِّحَّة فَإِنَّهُ يُكْرَه لِمَنْ لَيْسَتْ بِهِ عِلَّة أَنْ يَتَّخِذ التَّمَائِم وَيَسْتَعْمِل الرُّقَى ، وَأَمَّا مَنْ يَسْتَعْمِل ذَلِكَ مِمَّنْ بِهِ مَرَض فَهُوَ جَائِز . وَذَهَبَ بَعْضهمْ إِلَى تَخْصِيص الرُّقَى وَالْكَيّ مِنْ بَيْن أَنْوَاع الطِّبّ لِمَعْنًى وَأَنَّ الطِّبّ غَيْر قَادِح فِي التَّوَكُّل ، إِذْ تَطَبَّبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْفُضَلَاء مِنْ السَّلَف . وَكُلّ سَبَب مَقْطُوع بِهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْب لِلْغِذَاءِ وَالرِّيّ لَا يَقْدَح التَّوَكُّل عِنْد الْمُتَكَلِّمِينَ فِي هَذَا الْبَاب ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْفَ عَنْهُمْ التَّطَبُّب ، وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلُوا الِاكْتِسَاب لِلْقُوتِ وَعَلَى الْعِيَال قَادِحًا فِي التَّوَكُّل إِذَا لَمْ يَكُنْ ثِقَته فِي رِزْقه بِاكْتِسَابِهِ وَكَانَ مُفَوِّضًا فِي ذَلِكَ كُلّه إِلَى اللَّه تَعَالَى ، وَالْكَلَام فِي الْفَرْق بَيْن الطِّبّ وَالْكَيّ يَطُول ، وَقَدْ أَبَاحَهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثْنَى عَلَيْهِمَا ، لَكِنِّي أَذْكُر مِنْهُ نُكْتَة تَكْفِي وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تطبب فِي نَفْسه وَطَبَّبَ غَيْره ، وَلَمْ يَكْتَوِ وَكَوَى غَيْره ، وَنَهَى فِي الصَّحِيح أُمَّته عَنْ الْكَيّ وَقَالَ : " مَا أُحِبّ أَنْ أَكْتَوِي " . هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي . وَاَللَّه أَعْلَم .
وَالظَّاهِر مِنْ مَعْنَى الْحَدِيث مَا اِخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَحَاصِله : أَنَّ هَؤُلَاءِ كَمُلَ تَفْوِيضهمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَتَسَبَّبُوا فِي دَفْع مَا أَوْقَعَهُ بِهِمْ . وَلَا شَكّ فِي فَضِيلَة هَذِهِ الْحَالَة وَرُجْحَان صَاحِبهَا . وَأَمَّا تَطَبُّب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَعَلَهُ لِيُبَيِّن لَنَا الْجَوَاز . وَاَللَّه أَعْلَم .
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ ) اِخْتَلَفَتْ عِبَارَات الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف فِي حَقِيقَة التَّوَكُّل ، فَحَكَى الْإِمَام أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيُّ وَغَيْره عَنْ طَائِفَة مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا : لَا يَسْتَحِقّ اِسْم التَّوَكُّل إِلَّا مَنْ لَمْ يُخَالِط قَلْبه خَوْف غَيْر اللَّه تَعَالَى مِنْ سَبُع أَوْ عَدُوّ حَتَّى يَتْرُك السَّعْي فِي طَلَب الرِّزْق ثِقَة بِضَمَانِ اللَّه تَعَالَى لَهُ رِزْقه ، وَاحْتَجُّوا بِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْآثَار . وَقَالَتْ طَائِفَة : حَدّه الثِّقَة بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْإِتْقَان بِأَنَّ قَضَاءَهُ نَافِذ وَاتِّبَاع سُنَّة نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّعْي فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْمَطْعَم وَالْمَشْرَب وَالتَّحَرُّز مِنْ الْعَدُوّ كَمَا فَعَلَهُ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَهَذَا الْمَذْهَب هُوَ اِخْتِيَار الطَّبَرِيُّ وَعَامَّة الْفُقَهَاء ، وَالْأَوَّل مَذْهَب بَعْض الْمُتَصَوِّفَة وَأَصْحَاب عِلْم الْقُلُوب وَالْإِشَارَات . وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ إِلَى نَحْو مَذْهَب الْجُمْهُور ، وَلَكِنْ لَا يَصِحّ عِنْدهمْ اِسْم التَّوَكُّل مَعَ الِالْتِفَات وَالطُّمَأْنِينَة إِلَى الْأَسْبَاب ، بَلْ فِعْل الْأَسْبَاب سُنَّة اللَّه وَحِكْمَته وَالثِّقَة بِأَنَّهُ لَا يَجْلِب نَفْعًا وَلَا يَدْفَع ضُرًّا وَالْكُلّ مِنْ اللَّه تَعَالَى وَحْده . هَذَا كَلَام الْقَاضِي عِيَاض قَالَ الْإِمَام الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقُشَيْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى - : اِعْلَمْ أَنَّ التَّوَكُّل مَحَلّه الْقَلْب ، وَأَمَّا الْحَرَكَة بِالظَّاهِرِ فَلَا تُنَافِي التَّوَكُّل بِالْقَلْبِ بَعْد مَا تَحَقَّقَ الْعَبْد أَنَّ الثِّقَة مِنْ قِبَل اللَّه تَعَالَى ، فَإِنْ تَعَسَّرَ شَيْء فَبِتَقْدِيرِهِ ، وَإِنْ تَيَسَّرَ فَبِتَيَسُّرِهِ . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه التَّسَتُّرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : التَّوَكُّل الِاسْتِرْسَال مَعَ اللَّه تَعَالَى عَلَى مَا يُرِيد . وَقَالَ أَبُو عُثْمَان الْجَبْرِيّ : التَّوَكُّل الِاكْتِفَاء بِاَللَّهِ تَعَالَى مَعَ الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ . وَقِيلَ : التَّوَكُّل أَنْ يَسْتَوِي الْإِكْثَار وَالتَّقَلُّل . وَاَللَّه أَعْلَم .
32>>ـ إدخال السرور على الفئات المعوزة .روي عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورا لم يرض الله له ثوابا دون الجنة > ضعفه الألباني .والحديث رواه الطبراني في المعجم ..لكن معناه تؤيده أدلة أخرى وردت في نفع الناس .ففي سنن الترمذي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ وَاقِعٍ وَكَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِي فِي كُمِّهِ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَيَنْثُرُهَا فِي حِجْرِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ >قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
33>>ـ قد يكون نفع الناس في وقت الحاجة والشدة أفضل من الاعتمار والحج النفل للحديث التالي : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَمِنَّا الصَّائِمُ ، وَمِنَّا الْمُفْطِرُ قَالَ : فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ ، وَأَكْثَرُنَا ظِلًّا : صَاحِبُ الْكِسَاءِ .وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ .قَالَ : فَسَقَطَ الصُّوَّامُ ، وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الْأَبْنِيَةَ .وَسَقَوْا الرِّكَابَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ .}رواه مسلم
** الراوي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الأنصاري الخزرجي خادم رسول اله خدم وهو ابن عشرسنين كناه النبي ص" أبا" حمزة وأمه أم سليم دعا له النبي ص> بالبركة فكان من أكثر الناس مالا دفن له من الأولاد بضعة وعشرون ومائة وطال عمره فعاش أكثر من مائة سنة . توفي بالبصرة سنة 93هـ وله في كتب الحديث 2286حديثا
قال ابن دقيق العيد :وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ " فَفِيهِ أَمْرَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ الْمَصَالِحُ .
قُدِّمَ أَوْلَاهَا وَأَقْوَاهَا .وَالثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ " فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يُرَادَ بِالْأَجْرِ أَجْرُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ الَّتِي فَعَلُوهَا ، وَالْمَصَالِحُ الَّتِي جَرَتْ عَلَى أَيْدِيهِمْ .وَلَا يُرَادُ مُطْلَقُ الْأَجْرِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ .وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ أَجْرُهُمْ قَدْ بَلَغَ فِي الْكَثْرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَجْرِ الصَّوْمِ مَبْلَغًا يَنْغَمِرُ فِيهِ أَجْرُ الصَّوْمِ فَتَحْصُلُ الْمُبَالَغَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ .وَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْأَجْرَ كُلَّهُ لِلْمُفْطِرِ اهـ قلت > كلما قرأت هذا وأمثاله يحضرني تكالب الناس اليوم على الاعتمار كل سنة بل بعضهم مرتين في السنة وفي بني جلدته وقومه بل في أقاربه من هو في حاجة ماسة إلى الدواء والعلاج بل إلى الطعام فانطلاقا من هذا الحديث فالذي يتعبد في الحرم على ما فيه من فضل عظيم قد يكون من ينقذ مريضا ويسد جوعة جائع أفضل والله أعلم .
.ختم الله لي ولكم بخير .حميد أمين أتمنى دعاءكم
لست ربوت