"سبسبوت اللي طاح يموت"، بالياج، نو بالياج، كيكس، سينيفو، أنا البرو ونتَ الدو"، الصورط عليك وعل البي. غادي ننزل على الطرومبية ديالك من السما للقرطة.
لم يعد أطفال اليوم محتاجين كثيرا لبعض الألعاب الجماعية المشتركة، ما لم يجتمعوا على جهاز من الأجهزة الإلكترونية الحديثة المحمولة ك"البلايستيشن" وما تحتضنه الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية في جوفها من العاب في المنازل الخاصة أو في مراكز الألعاب. قد تكون بعض الألعاب القديمة لازالت تصارع الزمن في بعض الهوامش التي لا يستطيع أطفالها إلى الألعاب العصرية سبيلا، ويُصَرِّفون بعضها في ساحات المدارس العمومية خلال فترات الاستراحة أو في أوقات الفراغ بالقرب من مقار سكناهم. وهي عبارة عن تدافع بين الأطفال غالبا ما ينتهي بسقوط أحدهم، كما أن الحبل لازال له حضوره عند الطفلات في ساحات المدارس كما خارجها في الأزقة. إلا أن اللعب الحركي العفوي الذي يمارسه الصغار جدا، يبقى المشترك بين الأمس واليوم مادام جزءا من النمو الجسدي والعقلي ومجالا لتصريف الطاقة.
كان المجال فسيحا قاحلا متربا في ابن جرير القديمة من جانب، وأخضر متناثرا يتغذى من الساقيات والآبار من جانب آخر. ومن جانب ثالث كانت المزابل الهامشية التي تتغذى مما يلقي به الناس من أشياء بسيطة كقشور الخضر ورماد "الكوشينات" ، كما كانت" الزبالات" الحضرية الواقعة بالقرب من المركز (القشلة)، مصدرا للتنقيب في أغوارها عما يفضل من مواد معدنية وزجاجية وخشبية تصلح لإعادة تدويرها فيما يفيد في بعض الألعاب الطفولية.
وبالعودة إلى الألعاب التي كانت سائدة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، يمكن أن نصنفها إلى ثلاثة أصناف رئيسة: صنف أول يعتمد استعمال الجسم فقط ك"المعابزة" أو "المشاوشة" وهي نوع من المصارعة التي يكون التحدي هدفها الأوحد، وقد تنتهي في بعض الأحيان إلى استكمالها بما يلزم من الجدية وكأن الأمر يتعلق بصراع ثنائي لخصمين يريدان تصفية حسابهما ولو عن طريق المزاح. وهناك ايضا لعبة "سبسبوت اللي طاح يموت"، وفيها يصطف الأطفال منحنين بشكل مستقيم يمسك كل واحد بالآخر، فييأتي المتبارون ويصعدون تباعا على الظهور المقوسة المحنية، ومن سقط يعتبر خاسرا، وهناك أيضا "فريدة ريكوب"، التي يصعد فيها كل واحد على ظهر زميل له، ويشرعون في رمي "فردة" صندالة فيما بينهم، أما "دينيفري" فلا يلعب إلا ليلا وهو عبارة عن تنافس بين فريقين: واحد يحرس المرمى المتكونة من حجرتين على طول يتجاوز الثلاثة أمتار، وفريق يناور من أجل اختراق المرمى، وتعتمد اللعبة على التخفي في انتظار فجوة تؤدي إلى الاختراق. ولا يتحقق فوز المهاجمين إلا إذا تمكن كل اللاعبين من تحقيق الهدف. وأحيانا قد يذهب أحد منهم إلى منزله ويترك الفريق المهاجم ينتظر حتى الصباح. وتعتمد لعبة أخرى تسمى " الفيران يخرجو من الغيران" على التخفي والرابح هو من يستطيع اكتشاف خصمه في المكان الذي يختبئ فيه.
وهناك صنف ثان من الألعاب له علاقة ببعض الأدوات اللازمة للعب ك"الطرومبيا" أو الخذروف، و"البي" تلك الكويرات الزجاجية الملونة أو المصنوعة من مادة فخارية سميكة. وكانت لهذه اللعبة أسماء قوانين غربية ك"كَات" و"بالياج" و"نو بالياج" و"كيكس" و"الكاري" و"لاري" و"البرو" و"الدو" إلى آخره مما كان يعكس نوعية المصطلحات الأجنبية المنحولة دارجا بشكل يقترب من الأصل. وشكلت لعبة "جويليقة" التي كانت تلعب بسدادات المشروبات الغازية أو الروحية (والتي كنا نسميها "الفيتش"، والتي كنا نستخرجها من "زبالة" "طاسو" حيث توجد "جويليقات" البيرة وجويلقات مشروب "كندا دراي" وكوكا وبيبسي بأعداد وفيرة، وكانت تستعمل كعملة لها قيمتها في بعض أنواع اللعب وتكون منها الرخيصة ومنها الصعبة.
ومن الألعاب التي كانت ابنة بيئتها، هو ما كنا نسميه "عريرمات المخارة" وهي لعبة تجري بين فريقين، كل فريق يلتحق بمكان معين، ويبحث له عن مخابئ تستعصى على الكشف، ويضع فيها ما استطاع إليه سبيلا من "العريرمات" الصغيرة الموضوعة بعضها إلى جانب بعض، فيأتي الفريق المنافس للقيام بعملية مسح للمنطقة، فيقوم بطمس معالمها إن عثر عليها، ونفس الشيء يقوم به الفريق الخصم، والرابح معنويا هو من يستطيع أن يصل إلى كل المخابئ وطمس "عريرماتها". ولعبد الجبار التابي حكاية مع تلك ال"العريرمات" التي أدخل فيها أصابعه ف (داك الشي اللي ما يتدكر) وكأنه يدخلها في قصعة كسكس.
وكانت "الجانطة" وهي الإطار الحديدي للعجلة التي كانت تدحرج بعصا، الوسيلة الممتعة لمحاكاة راكب كل دابة حديدية تمشي مع ترديد ذلك التعبير (عن عن عن).
ولم تغب التكنولوجيا البدائية عن لعب زمان، فقد كانت علب حليب "بورسيما" وعلب السردين، تستغل لصنع سيارات أو جرارات كما كان السي محمد بوخار والسي محمد النومي يفعلان، وهما فقط لا يجتذبهما هذا النزوع الصناعي، إلا لكونه يبرز الطاقات والمؤهلات التي كانا يتوفران عليها وقد برزت بعد ذلك بشكل كبير عند النومي الذي صارت حرفته إلى يوم الناس هذا وترتبط بكل ما له علاقة بالتكنولوجيا الصناعية إذا جاز هذا التعبير بتفكيك وإصلاح وتركيب عدد من الآلات الكهربائية وغيرها.
لمحاكاة السينما، كانت علب الطباشير الأبيض وشريط بلاستيكي ترسم عليه بعض الرسوم مما كان متوفرا من كتب القراءة، كافيا لصنع آلة لتعرض تلك الصور على "طبسيل" أبيض أو "إزار" في غرفة مظلمة.
للبنات أيضا لعبهن التي تتمثل في "عرائس من قصب" على حد قول المخرج الجيلالي فرحاتي، ولعبة الحبل ولعبة "السيس" التي يتم فيها القفز (بطريقة وحدة عامرة وحدة خاوي" بين مربعات مرسومة على الأرض بشكل معروف مع ترديد كلمات فرنسية" un pas juste , un pas faux، كما أن لعبة "مالة" التي تعتمد على بعض الحصيات، كانت مشتركة بين الذكور والإناث.
ليل الأطفال واليافعين الذكور، عادة ما يكون تحت الحيطان المتربة، لحكي ما يتناقلونه من "حجايات" و"عكيز" و"خبير" (أي ما يشبه الأسئلة التعجيزية مثل خبرت على اللي راه راه والغوث وراه، أو خبرت على السين والسين كذا ...). أما ليل الطفلات اليافعات، فهو أيضا حكي وحجايات، لكنه يزيد بالغناء بواسطة "الطعريجات".
وطبعا كانت الكرة حاضرة على طول فصول السنة في عطل نهاية الاسبوع وفي كل العطل المدرسية للمتمدرسين، وعلى طول أيام الله لغير المتمدرسين الذين كان منهم عدد لا يستهان به.
خارج ما يوفره الاطفال واليافعون لأنفسهم من ألعاب ولعب، كان سيرك "عمار" حينما يفد على البلدة المتربة، يكون قد وفر مساحة من الفرجة المثيرة خاصة تلك التي يكون ذلك الشخص الذي يمتطي دراجته النارية ويسير بها على "حائط الموت" بتلك السرعة الجنونية المصحوبة بذلك الصوت المثير الذي يثير الرعب في القلوب الصغيرة. ومن جانبها كانت المدرسة الابتدائية تنظم على فترات متقطعة، بعض اللحظات الممتعة من مسرح الدمى التي كانت تلقى كثيرا من الإعجاب لدى أطفال ذلك الزمن المنسي، الذي كانت فيه صور الكبير بوكماخ في سلسلة كتبه "اقرأ"، تثير فينا كثيرا من الاندهش والفضول والاستمتاع والخوف أحيانا والفرح في أغلب الأحيان. ولم تخل سينما قافلة الإشهار كلما حلت بابن جرير من فرجة ممتعة كانت تترك الأفواه مفتوحة على الآخر مما كان يقدمه "خورو".
مع دخول أجواء عاشوراء، تتعالى طلقات "الفرشي" من المسدسات الحديدية، وتنبعث أصوات "الليرة" و"الخراخش" للصغار، والطعريجات للطفلات، وتكون عاشوراء هي المناسبة التي يتملك فيها الأطفال بعض اللعب التي منها ما تنتهي صلاحيته بانتهاء المناسبة، ومنها ما يتم الاحتفاظ به إلى "العام الجاي".
وحتى عندما قال الشاعر: " كل أطفال عاشوراء سيكبرون، وسيعرفون الأعداء واحد واحدا"، لم يتحقق من ذلك الحلم، سوى ما يقذفه هذا الجيل من مياه غير معروفة المصدر في وجه أي عابر سبيل صغيرا كان أو كبيرا ، امرأة كانت أو رجلا، سالما معافى كان أو مريضا.
لست ربوت