الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الغر الميامين وبعد موضوعنا أربعون فائدة لصلاة الجماعة >
أيها المسلمون إن من نعم الله على هذه الأمة اجتماعها في المسجد كل يوم خمس مرات ويترتب على ذلك فضل عظيم ومحاسن جمة ففقد كان سلفنا الصالح مضرب الأمثال في توطنهم في المسجد ولذا نورد ما يلي : قال مجاهد: سمعت رجلاً من أصحاب النبي e ممن شهد بدرًا قال لابنه: أدركتَ الصلاة معنا؟ قال: نعم.. قال: أدركتَ التكبيرة الأولى؟ قال: لا.. قال: لما فاتك منها خير مِن مائة ناقة كلها سود العين..!
فَقَدَ عبد الملك بن مروان ولده هشام يومًا في صلاة جمعة، فبعث إليه بعد الصلاة يسأله عن تغيبه، فقال: عجزت بغلتي عن حملي، ولم أجد دابة! فقال: وإذا لم تجد دابة تغيب عن الجمعة؟! أقسمت عليك ألا تركب دابة سنة كاملة.
كان محمد بن خفيف الشيرازي به وجع الخاصرة، فكان إذا أخذه أقعده عن الحركة. فكان إذا أُقيمت الصلاة يُحمَل على الظهر إلى المسجد ليصلي، فقيل له: لو خففت على نفسك؟ فقال: إذا سمعتم: "حيّ على الصلاة" ولم تروني في الصف فاطلبوني في المقابر.
عن يعقوب بن سفيان أن "عبد العزيز بن مروان" بعث ابنه "عمر بن عبد العزيز" إلى المدينة يتأدب بها، وكتب إلى "صالح بن كيسان" يتعاهده، وكان صالح بن كيسان يلزمه الصلاة.. فأبطأ يومًا عن الصلاة، فقال: ما حبسك؟ قال: كانت مُرَجِّلتي تُسَكِّن شعري..! فقال: بلغ بك حبك تسكين شعرك أنْ تؤثره على الصلاة؟! وكتب إلى عبد العزيز بذلك. فبعث إليه عبد العزيز رسولاً؛ فلم يكلمه حتى حلق شعره..!
سجل المؤرخ التركي "عثمان نزار" في كتاب "حديقة السلاطين" أن السلطان العثماني "بايزيد" الملقب بـ (الصاعقة)، فاتح بلاد (البلغار) و(البوسنة) و(سلانيك) و(ألبانيا).. ذلك السلطان سجل انتصارًا ساحقًا على الجيوش الصليبية التي دعا إلى حشدها البابا "بونيفاس التاسع" لطرد المسلمين من أوروبا، والتي اشتركت فيها خمس عشرة دولة أوروبية؛ كانت "إنجلترا" و"فرنسا" و"المجر" مِن بينها؛ وذلك في المعركة التاريخية المشهورة "نيكوبوليس" سنة 1396م.
هذا السلطان الفاتح حضر للإدلاء بشهادة في أمر مِن الأمور أمام القاضي والعالم المعروف "شمس الدين فناري".. دخل السلطان المحكمة، ووقف أمام القاضي، وقد عقد يديه أمامه كأي شاهد..
رفع القاضي بصره إلى السلطان، وأخذ يتطلع إليه بنظرات حادة قبل أن يقول له: "إنَّ شهادتك لا يمكن قبولها؛ لأنك لا تصلي مع الجماعة، والشخص الذي لا يؤدي صلاته جماعة دون عذر شرعي يمكن أنْ يكذب في شهادته"..!
تسمر الحاضرون في أماكنهم؛ وقد أمسكوا بأنفاسهم ينتظرون أنْ يطير رأس القاضي بإشارة واحدة من السلطان..! لكن السلطان لم يَقُل شيئًا، بل استدار وخرج من المحكمة بكل هدوء!
{1578}
أصدر السلطان في اليوم نفسه أمرًا ببناء جامع ملاصق لقصره، وعندما تم تشييد الجامع، بدأ السلطان يؤدي صلواته في جماعة.
إذا تَمَثَّلَ ماضِينا لحَاضِرِنا تكادُ أكبادُنا بالغَيْظِ تَنفَطِرُ
لكن لما بدأ في الأمة السمر والتفرغ للقيل والقال ضاع منهم خير كثير ناهيك عن عزوف كثير من الناس عن الجماعة والآن وبعد هذه الجولة نورد ما يلي :
الفائدة الأولى امتثال أمر الله تعالى لقوله > وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا– وقوله:< وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ –: «أي كونوا مع المؤمنين في أحسن أعمالهم، ومن أخص ذلك وأكمله الصلاة، وقد استدل كثير من العلماء بهذه الآية على وجوب صلاة الجماعة»اهـ ابن كثير.
.قال العلماء: «لو ترك أهل بلد صلاة الجماعة قوتلوا، ولو تركها أهل حارة جُبروا عليها وأكرهوا».
الفائدة الثانية :الشهادة بالإيمان والهداية من الله لعمارة بيوته
. وقد شهد الله – تعالى – لعمار المساجد بالإيمان، وأنهم ممن هداه الله للحق والصواب. قال تعالى <: يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ> . أى : ليس المشركون أهلا لعمارة مساجد الله؛ وإنما الذين هم أهل لذلك المؤمنون الصادقون الذين آمنوا بالله إيمانا حقا ، وآمنوا باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب ، وآمنوا بما فرضه الله عليهم من فرائض فأدوها بالكيفية التى أرشدهم إليها نبيهم - صلى الله عليه وسلم - فهم فى صلاتهم خاشعون؛ وللزكاة معطون بسخاء وإخلاص .اهـ طنطاوي
قال القرطبي :قوله تعالى: " إنما يعمر مساجد الله " دليل على أن الشهادة لعمار المساجد بالايمان صحيحة لان الله سبحانه ربطه بها وأخبر عنه بملازمتها.
وقد قال بعض السلف: إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد فحسنوا به الظن. وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال (إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالايمان) قال الله تعالى: " إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ".وفي رواية: (يتعاهد المسجد).قال: حديث حسن غريب.
الفائدة الثالثة مجموعة فوائد تالية 1 ـ أختبار العباد وامتحانهم ؛ ليعلم الله من يمتثل أوامره ممن يعرض عنها ويتكبر .2ـ التعارف والتآلف والترابط بين المسلمين ؛ ليكونوا كالجسد الواحد , وكالبنيان يشد بعضه بعضا . والذي لا يصلي في المسجد لا يعرفه أهل الحي إلا من كان بينه وبين أحدهم مصلحة دنيوية .3ـ تعليم الجاهل .. وتذكير الغافل ، فالجاهل يرى العالم فيقتدي به ،والغافل يسمع الموعظة فينتفع بها ..
4ـ ما يشعر به المصلي في الجماعة من الخشوع والتدبير والإنتفاع بالصلاة ، بخلاف من يصلي في بيته فإنه قد لا يشعر بشيء من ذلك ، بل إن الصلاة تثقل عليه في الغالب فينقرها نقر الديك فلا ينتفع منها بشيء .. 5ـ إغاظة أعداء الله وإرهابهم وعلى رأسهم إبليس ـ لعنه الله ـ وجنوده من شياطين الإنس والجن ، الذين يؤرقهم أن
{1579}
يعود المسلمون إلى المساجد وخاصة الشباب.6ـ ما في الخروج إلى المسجد من النشاط والحركة ورياضة البدن بكثرة المشي ذهابا وإيابا لاسيما إن كان المسجد بعيدا ، بخلاف الصلاة في البيت وما يصاحبها في الغالب من الكسل والخمول .. وهذا مجرب . ...7ـ البراءة من النفاق .. عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من صلى لله أربعين يوما في جماعة ، يدرك التكبيرة الأولى ، كتب له براءتان : براءة من النار وبراءة من النفاق )). رواه الترمذي . ( اهـ فضيلة الشيخ/محمد بن عبد العزيزالمسند
الفائدة الرابعة تزكية من الله وتسميتهم بالرجال لمواظبتهم عليها جماعة
قال تعالى : <فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُقال – عز وجل -: أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ [النور: 36-38].بِغَيْرِ حِسَابٍ
الفائدة الخامسة
تعظيم وتأكيد لما عظمه الله وأكدّ عليه رسوله وحرص عليه طيلة حياته، حيث يؤدونها حتى في الأحوال غير العادية حالة الخوف ، وفي ساحة المعركة والقتال، قال – تعالى -: وإذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ >
[النساء: 102].
وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الجماعة الجماعة وأمر بها وحث عليها، وحرص على أدائها في إقامته وسفره، بل حتى في مرض وفاته، ولم يرخص في تركها إلا بعذر كما سيمر معنا إن شاء الله. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
جَاءَ أَعْمَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الصَّلَاةِ فَسَأَلَهُ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَأَذِنَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ قَالَ لَهُ أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَجِبْ).النساءي
ورحم الله عامر بن عبد الله بن الزبير – رضي الله عنه -، إذ سمع المؤذن وهو يجود بنفسه، فقال: خذوا بيدي، فقيل: إنك عليل، قال: اسمع داعي الله فلا أجيبه فأخذوا بيده، فدخل مع الإمام في المغرب فركع ركعة ثم مات ).
الفائدة السادسة
امتثال لأمر رسول الله واتباع لسنته في الحديث: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر»( )، وقولهذلك قوله : «إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم»(... وفي اتباعه حصول الهداية ودخول الجنة قال تعالى <<
وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا >وقال – تعالى -: – قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُتعالى -: [آل عمران:اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ 31]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا
{1580}
مَنْ أَبَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى> البخاري
الفائدة السابعة
من أعظم مقاصد الإسلام الجماعة عمومًا من أعظم مقاصد الإسلام، فقد وردت النصوص الكثيرة التي تحث على الجماعة ولزومها وتحذر من الفرقة والابتعاد عن الجماعة المسلمة.
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَقال تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ> وروى الترمذي :عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ >وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ..وفي شعب الإيمان : عن عرفجة الأشجعي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ستكون بعدي هنات وهنات ، فمن رأيتموه فارق الجماعة ، فكأنما فارق بين أمتي ، فاقتلوه كائنا من كان ، فإن يد الله مع الجماعة ، وإن الشيطان مع مفارقة الجماعة يركض> الهنات : الشرور والفساد ، والشدائد والأمور العظام.. يركض : يعدو
الفائدة الثامنة:
تعظيم وإظهار لشعائر الله، وقد قال الله – تعالى – فيمن ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَىيعظم شعائره: [الحج: 32].الْقُلُوبِ
الفائدة التاسعة:
من سنن الهدى الصلاة جماعة وتركها ضلال ونفاق،روى مسلم : عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ قَالَ
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ أَوْ مَرِيضٌ إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ> وفيمسلم أيضا << عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ> مَعْنَى يُهَادَى أَيْ يُمْسِكهُ رَجُلَانِ مِنْ جَانِبَيْهِ بِعَضُدَيْهِ يَعْتَمِد عَلَيْهِمَا ، وَهُوَ مُرَاده بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى : إِنْ كَانَ الْمَرِيض لَيَمْشِي بَيْن رَجُلَيْنِ . وَفِي هَذَا كُلّه تَأْكِيد أَمْر الْجَمَاعَة ، وَتَحَمُّل الْمَشَقَّة فِي حُضُورهَا ، وَأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ الْمَرِيض وَنَحْوه التَّوَصُّل إِلَيْهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ حُضُورهَا .... ( عَلَّمَنَا سُنَن الْهُدَى )رَوَى بِضَمِّ السِّين وَفَتْحهَا وَهُمَا بِمَعْنًى مُتَقَارِب ، أَيْ طَرَائِق الْهُدَى وَالصَّوَاب .
الفائدة العاشرة:
{1581}
أفضل من صلاة الفذ. صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، وورد كذلك أنها أفضل بخمس وعشرين درجة. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً> البخاري .وفي البخاري أيضا : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً
وقد جمع العلماء – رحمهم الله – بين الروايتين، وبينوا الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة، قال ابن حجر – رحمه الله -: «وقد نقّحت ما وقفت عليه من ذلك، وحذقت ما لا يختص بصلاة الجماعة، فأولها إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة، والتبكير إليها في أول الوقت، والمشي إلى المسجد بالسكينة، ودخول المسجد داعيًا، وصلاة التحية عند دخوله، كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة، سادسها: انتظار الجماعة، سابعها: صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له، ثامنها: شهادتهم له، تاسعها: إجابة الإقامة، عاشرها: السلامة من الشيطان حين يفر عند الإقامة، حادي عاشرها: الوقوف منتظرًا إحرام الإمام أو الدخول معه في أي هيئة وجده عليها، ثاني عشرها: إدراك تكبيرة الإحرام كذلك، ثالث عشرها: تسوية الصفوف وسد فُرَجِها، رابع عشرها: جواب الإمام عند قوله: سمع الله لمن حمده، خامس عشرها: الأمن من السهو غالبًا وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح أو الفتح عليه، سادس عشرها: حصول الخشوع والسلامة عما يلهي غالبًا، سابع عشرها: تحسين الهيئة غالبًا، ثامن عشرها: احتفاف الملائكة به، تاسع عشرها: التدرب على تجويد القرآن وتعلم الأركان والأبعاض، العشرون: إظهار شعائر الإسلام، الحادي والعشرون: إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل، الثاني والعشرون: السلامة من صفة النفاق ومن إساءة غيره الظن بأنه ترك الصلاة رأسًا، الثالث والعشرون: رد السلام على الإمام، الرابع والعشرون: الانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر وعود بركة الكامل على الناقص، الخامس والعشرون: قيام نظام الإلفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات، فهذه خمس وعشرون خصلة ورد في كل منها أمر أو ترغيب يخصه، وبقي منها أمران يختصان بالجهرية وهما: الإنصات عند قراءة الإمام والاستماع لها والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة ...» انتهى ( ).
قال الإمام محمد علي الشوكاني – رحمه الله -: «ولكن المحروم من حرم صلاة الجماعة، فإن صلاةً يكون أجرها أجر سبع وعشرين صلاة لا يعدل عنها إلى صلاة ثوابها ثواب جزء من سبعة وعشرين جزءًا منها إلا مغبون، ولو رضي لنفسه في المعاملات الدنيوية بمثل هذا لكان مستحقًا لحجره عن التصرف في ماله، لبلوغه من السفه إلى هذه الغاية، والتوفيق بيد الرب – سبحانه -» انتهى ( ).
الفائدة الحادية عشرة:
أزكى عند الله من صلاة الفرادى
{1582}
صلاة الجماعة ولو كان عددهم قليلاً، أزكى عند الله – تعالى – من صلاة الفرادى ولو كانوا أكثر. فيفي معرفة الصحابة لأبي نعيم : عن قباث بن أشيم الليثي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه ، أزكى عند الله من صلاة أربعة تترى) » ورواه معاوية بن صالح ، وابن جابر ، عن يونس ، مثله...وفي مسند الشاميين للطبراني : عن قباث بن أشيم الليثي ، قال : أبو يعقوب [ هو إسحاق بن راهويه ] ، وقد كان أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من صلاة أربعة تترى ، وصلاة أربعة يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة ثمانية تترى ، وصلاة ثمانية يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مائة تترى »
أزكى : أكثر أجرا ....تترى : تتابع على فترات بينها .
**الفائدة الثانية عشرة:
العصمة من الشيطان صلاة الجماعة تعصم المسلم بإذن الله – تعالى – من عدوه اللدود الذي لا يهدأ ولا يفتر، وتمنعه من أن يستحوذ عليه. عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَة أبو داود قوله( فَعَلَيْك بِالْجَمَاعَةِ ): أَيْ اِلْزَمْهَا فَإِنَّ الشَّيْطَان بَعِيد عَنْ الْجَمَاعَة وَيَسْتَوْلِي عَلَى مَنْ فَارَقَهَا
**الفائدة الثالثة عشرة:
البعد عن التشبه بالمنافقين، ومن أشهر صفاتهم التخلف عن صلاة الجماعة خصوصًا صلاتي العشاء والفجر.في البخاري : عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ
. وقد مر معنا قول عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: «ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق».
**الفائدة الرابعة عشرة
من أسباب مغفرة الذنوب .إن صلاة الجماعة من أسباب مغفرة الذنوب، : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ
{ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ }فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.> البخاري.وروى مسلم : عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَصَلَّاهَا مَعَ النَّاسِ أَوْ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ
**الفائدة الخامسة عشرة:
{1583}
من أسباب عجب الرب – تبارك وتعالى .من صفات ربنا – تبارك وتعالى – العجب، ومن أسباب عجبه – سبحانه وتعالى – صلاة الجماعة، وعجبه – سبحانه – دليل على رضاه عن هذا العمل ومحبته لفاعله.
روى أحمد :< عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَيَعْجَبُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْجَمِيعِ).
وقد أجمع السلف على ثبوت العجب لله، فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وهو عجب حقيقي يليق بالله – جل وعلا -( ).
**الفائدة السادسة عشرة
الثواب الجزيل بالمشي إليها. صلاة الجماعة تجعل المسلم يخرج إلى المسجد، ويمشي في أغلب الأحيان، ويكثر الخطى، وفي ذلك أجر عظيم وخير عميم لا يعلم منتهاه إلا الله – عز وجل – وقد وردت الأحاديث الصحيحة عن في فضل الخروج إلى المسجد وكثرة الخطى إلى صلاة الجماعة، فمن ذلك:
: عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَصَلَّاهَا مَعَ النَّاسِ أَوْ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ> مسلم .وفي مسلم : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ)...روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنْ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ »( ).في الفتح : وَظَاهِر الْحَدِيث حُصُول الْفَضْل لِمَنْ أَتَى الْمَسْجِد مُطْلَقًا ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ اِخْتِصَاصه بِمَنْ يَأْتِيه لِلْعِبَادَةِ ، وَالصَّلَاةُ رَأْسُهَا ، وَاَللَّه أَعْلَم .روى أبو داود : عَنْ بُرَيْدَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.>
هذا الأجر العظيم الذي يناله من يمشي إلى : «من راح إلى المسجد، ليس في الذهاب إلى المسجد فقط، بل حتى في الرجوع منه،
**الفائدة السابعة عشرة
اجتماع الملائكة في صلاتي الفجر والعصر واستغفارهم لمن حضرها يجتمع الملائكة الكرام في صلاتي الفجر والعصر، ويستغفرون لمن حضرهما مع الجماعة.
ففي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ).
**الفائدة الثامنة عشرة:
{1584}
تعدل قيام نصف الليل أو الليل كله . صلاة العشاء في جماعة تعدل قيام نصف الليل، كما أن صلاة الفجر في جماعة تعدل قيام الليل كله. في صحيح مسلم : عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ
وفي رواية للترمذي وأبي داود: «من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة، ومن شهد العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة»( ).
الفائدة التاسعة عشرة
في ذمة الله تعالى صلاة الجماعة من أسباب حفظ الله للعبد، وجعله في ذمته أي في عهده وأمانه، وضمانه، وذلك بصلاة الفجر في جماعة.في صحيح مسلم : عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُا
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ>
وروى الترمذي عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ >قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ في تحفة الأحوذي : قوله "فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ )أَيْ فِي عَهْدِهِ وَأَمَانِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهَذَا غَيْرُ الْأَمَانِ الَّذِي ثَبَتَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ " فَلَا تَخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ " قَالَ فِي النِّهَايَةِ : خَفَرْت الرَّجُلَ أَجَرْته وَحَفِظْته وَأَخْفَرْتُ الرَّجُلَ إِذَا نَقَضْت عَهْدَهُ وَذِمَامَهُ ، وَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلْإِزَالَةِ أَيْ أَزَلْت خَفَارَتَهُ كَأَشْكَيْتُهُ إِذَا أَزَلْت وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ اِنْتَهَى .
**الفائدة العشرون
في ظل الله تعالى يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله سبحانه
صلاة الجماعة مما يجعل المسلم شديد الحب والتعلق بالمساجد حيث تؤدى الصلاة، ومعلق القلب بالمساجد أحد السبعة الذي يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله.
ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ>
**الفائدة الحادية والعشرون
براءة من النار وبراءة من النفاق .ومن فوائد صلاة الجماعة، أن من حافظ عليها أربعين يومًا لا تفوته التكبيرة الأولى، كتب الله له براءتين: براءة من النار، وبراءة من النفاق. فعن أنس أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ»( النرمذي . قوله ( وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ )قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ يُؤَمِّنُهُ
{1585}
فِي الدُّنْيَا أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ الْمُنَافِقِ وَيُوَفِّقَهُ لِعَمَلِ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ وَفِي الْآخِرَةِ يُؤَمِّنُهُ مِمَّا يُعَذَّبُ بِهِ الْمُنَافِقُ ، وَيَشْهَدُ لَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَافِقٍ يَعْنِي بِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى ، وَحَالُ هَذَا بِخِلَافِهِمْ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ .اهـ تحفة الأحوذي
ورحم الله إبراهيم بن يزيد التيمي إذ يقول: «إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه»(.وقد اشتهر عن بعض السلف مثل سعيد بن المسيب والأعمش محافظتهم على التكبيرة الأولى لصلاة الجماعة أربعين سنة.
**الفائدة الثانية والعشرون:
صلاة الله تعالى وملائكته على المصلين .ومن فوائد صلاة الجماعة، أن الوقوف في الصفوف لأدائها من أسباب صلاة الله – تعالى – وملائكته الكرام على المصلين خصوصًا الصفوف الأولى. عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُ الصَّفَّ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ يَمْسَحُ صُدُورَنَا وَمَنَاكِبَنَا وَيَقُولُ لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْأُوَلِ >أبوداود .قال العلماء: يصلون على الصفوف: أي يستغفرون لأهلها.
**الفائدة الثالثة والعشرون:
الثواب الجزيل في تسوية الصفوف .(بيت في الجنة) عن عروة بن الزبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من سد فرجة في صف رفع الله بها درجة أو بنى له بها بيتا في الجنة).
الفائدة الرابعة والعشرون
الحصول على أجرها حتى لو فاتت .ومن فوائد صلاة الجماعة، أن من جاء إليها يحصل على أجرها، حتى لو وجد الناس قد صلوا.
روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، قال: قال رسول اله : «من توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح فوجد الناس قد صلوا، أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئًا».
قلت: وهذا فيمن تأخر عنها بعذر، ولذلك قال أبو داود في سننه: باب من خرج يريد الصلاة فسبُق بها.
الفائدة الخامسة والعشرون
كمال الصلاة .صلاة الجماعة من أسباب كمال الصلاة وتمامها، والنجاة والأمن من السهو غالبًا، وتحصيل الخشوع وبالتالي ترتفع درجة قبول الصلاة بإذن الله – تعالى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ>أبوداود
قال العلماء: الإمام ضامن، أي متكفل لصلاة المؤتمين بالإتمام. قلت: بخلاف المصلي وحده، فغالبًا ما يقع في خطأ أو سهو أو نقص لا يتحمله عنه أحد.
قال الحسن البصري – رحمه الله -: «لم يبق من العيش إلا ثلاث ... وذكر منها: صلاة في جمع تكفى سهوها وتستوجب أجرها»(.
الفائدة السادسة والعشرون
{1586}
أفضل الأعمال أداء الصلاة في وقتها والمحافظة عليها .ومن فوائد صلاة الجماعة، أنها من الأسباب المعينة على أداء الصلاة في أول وقتها أو في وقتها على الأقل، وهذا من أفضل الأعمال عند الله – عز وجل -. روى البخاري " عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وفي رواية لمسلم: «أفضل الأعمال الصلاة لوقتها وبر الوالدين»( ).
كما أن صلاة الجماعة تعصم المسلم من التهاون بالصلاة أو السهو عنها ونسيانها وتأخيرها عن وقتها، بل إن الكثير من تاركي الصلاة، كانت بداية أمرهم، ترك صلاة الجماعة، ولذلك فإن من رحمة الله – بنا أن شرع لنا أداء الصلوات الخمس في جماعة. وقد توعد الله – تعالى – الساهين عن الصلاة المؤخرين لها عن وقتها بقوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ [الماعون: 4-5].يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ
الفائدة السابعة والعشرون
فرح الرب تعالى بعمار المساجد وتقريبه وإكرامه لهم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ>رواه ابن ماجه .في حاشية السندي : ( إِلَّا تَبَشْبَشَ )أَصْله فَرِحَ الصَّدِيق بِمَجِيءِ الصَّدِيق وَاللُّطْف فِي الْمَسْأَلَة وَالْإِقْبَال وَالْمُرَاد هَاهُنَا تَلَقِّيه بِبِرِّهِ وَتَقْرِيبه وَالْكَرَامَة وَفِي الزَّوَائِد إِسْنَاده صَحِيح رِجَاله ثِقَات .قال العلماء: التبشبش أصله: فرح الصديق بمجيء صديقه، واللطف في المسألة والإقبال.وهذا يدل على: تلقي الله – تعالى – عبده ببره وتقريبه وإكرامه.
الفائدة الثامنة والعشرون:
النجاة من الغفلة .من فوائد صلاة الجماعة، أن فيها السلامة، من دعوة النبي على قلوبهم كما أن فيها النجاة من الغفلة. روى مسلم عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَي هُرَيْرَةَ ُ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ> وَقَوْله : ( وَدْعهمْ ) أَيْ تَرْكهمْ . وَفِيهِ أَنَّ الْجُمُعَة فَرْض عَيْن ، وَمَعْنَى الْخَتْم الطَّبْع وَالتَّغْطِيَة قَالُوا فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { خَتَمَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ } أَيْ طَبَعَهُ . وَمِثْله ( الرَّيْن ) فَقِيلَ : الرَّيْن الْيَسِير مِنْ الطَّبْع ، وَالطَّبْع الْيَسِير مِنْ الْأَقْفَال.. قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَالْخَتْم عِبَارَة عَمَّا يَخْلُق اللَّه تَعَالَى فِي قُلُوبهمْ مِنْ الْجَهْل وَالْجَفَاء وَالْقَسْوَة وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْح الْمَصَابِيح إِنَّ أَحَد الْأَمْرَيْنِ كَائِن لَا مَحَالَة أَمَّا الِانْتِهَاء عَنْ تَرْك الْجَمَاعَات أَوْ خَتْم اللَّه تَعَالَى عَلَى قُلُوبهمْ فَإِنَّ اِعْتِيَاد تَرْك الْجَمَاعَات يَغْلِب الرَّيْن عَلَى الْقَلْب وَيُزْهِد النُّفُوس فِي الطَّاعَات .اهـ حاشية السندي .النووي
الفائدة التاسعة والعشرون:
دعاء لا يرد وأدعية مباركة
{1587}
في حياتنا أوقات كثيرة، الدعاء فيها مستجاب، بل هناك أوقات لا يرد فيها الدعاء، ومن هذه الأوقات المهدورة والفرص الذهبية، الوقت ما بين الأذان والإقامة.
ومن أعظم الأسباب المعينة على استغلال هذا الوقت الثمين صلاة الجماعة، إذ غالبًا ما يحضر المسلم قبل الإقامة إلى المسجد ويشتغل بالذكر والدعاء، بخلاف المصلي وحده، فلا ينتبه لهذه الفرصة الثمينة. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ> أبو داود كما أن من الأدعية المباركة ما يقوله المسلم عند دخوله المسجد وخروجه منه. : روى مسلم عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ
الفائدة الثلاثون:
ألفة ومودة ومساواة .من أعظم مقاصد الإسلام، التأليف بين قلوب المؤمنين وحفظ مودتهم والمساواة بينهم، وفي صلاة الجماعة يتحقق هذا، عندما يقف المصلون صفًا واحدًا متراصين متساوين، لا فرق بينهم.
وقد حث على تسوية الصفوف وعدم الاختلاف مبينًا أن ذلك من أسباب اجتماع القلوب). عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ>مسلم
الفائدة الحادية والثلاثون
المحافظة على السنن الرواتب والأذكار ومن فوائد صلاة الجماعة، أنها في الغالب تعين المسلم على المحافظة على أداء النوافل والسنن الرواتب والأذكار، مع الصلوات الخمس، وهذا واضح مشاهد في المساجد، بخلاف المصلي وحده، فكثيرًا ما يفرط في هذه الأشياء، التي لها فضل عظيم وأجر كبير. روى مسلم عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ كَثِيرًا كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ
روى مسلم عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ>وروى الترمذي : عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ>
الفائدة الثانية والثلاثون:
معرفة أحكام الصلاة ومن فوائد صلاة الجماعة، أنها فرصة عظيمة لتعلم صفة الصلاة، ومعرفة أحكامها وذلك من خلال مشاهدة المصلين لبعضهم، أو الاستماع إلى بعض الدروس في المساجد أو قراءة بعض الأوراق المعلقة بداخلها.
{1588}
كما أن صلاة الجماعة فرصة لمعرفة القراءة الصحيحة وتعلم أحكام التجويد، من خلال الاستماع إلى قراءة الإمام، أما المصلي وحده فلا يحصل له شيء من ذلك.
الفائدة الثالثة والثلاثون:
تعود النظام وضبط النفس .ومن فوائد صلاة الجماعة، أن فيها تعليمًا للنظام وضبطًا للنفس، وذلك من خلال متابعة الإمام في تكبيراته وتنقلاته في الصلاة، وعدم التقدم عليه، أو التأخر عنه، أو موافقته، أو مسابقته.
وقد أكد النبي على هذا الأمر بقوله: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ وَأَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ ).البخاري
الفائدة الرابعة والثلاثون:
إظهار عز المسلمين وإغاظة الكفار والمنافقين .فصلاة الجماعة، فيها إظهار عز المسلمين باجتماعهم على مدار اليوم والليلة، وتكثير سوادهم، كما أن فيها إغاظة لأعدائهم من الكفار والمنافقين.
الفائدة الخامسة والثلاثون
تحسين الهيئة والمظهر .ومن فوائد صلاة الجماعة، أنها تجعل المسلم غالبًا يهتم بتحسين هيئته ومظهره، ونظافة ثيابه وطيب ريحه، وذلك لاجتماعه بإخوانه وملاقاته لهم على مدار اليوم والليلة.
بخلاف المصلي وحده فغالبًا ما يفرط في هذا الشيء، ويخالف أمرربه تعالى – في قوله: < يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ –مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ [الأعراف: 31].الْمُسْرِفِينَ
قال الشوكاني – رحمه الله -: «هذا خطاب لجميع بني آدم وإن كان واردًا على سبب خاص، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والزينة: ما يتزين به الناس من الملبوس، أمروا بالتزين عند الحضور إلى المساجد للصلاة والطواف»( ).
الفائدة السادسة والثلاثون
تعارف وتعرف وتواصل بين المسلمين ومن فوائد صلاة الجماعة، أنها فرصة عظيمة للتعارف والتآلف بين المسلمين من خلال اللقاء في الصلوات الخمس، والدخول والخروج من المسجد.
كما أنها فرصة لتفقد المصلين بعضهم بعضًا، والتعرف على أحوالهم وظروفهم، فيتم من خلال ذلك زيارة المريض، ومساعدة المحتاج، ومواساة المصاب وغير ذلك مما يقوي العلاقة ويزيد الألفة بين المسلمين. ولذلك كان الحبيب يتفقد الناس في الجماعة فعن مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَلَكَ فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ فَحَزِنَ عَلَيْهِ فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا
{1589}
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا فُلَانُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ فَذَاكَ لَكَ>
الفائدة السابعة والثلاثون:
دعوة عملية إلى الخير والتنافس في طاعة الله
الخروج إلى المساجد لحضور صلاة الجماعة دعوة عملية لأداء هذه العبادة والمحافظة عليها كما أن من فوائد صلاة الجماعة، أنها دافع إلى التنافس في طاعة الله – تعالى – بصدق وإخلاص، حينما ينظر المصلي إلى إخوانه المصلين، فيتنافس معهم فيما يقربه إلى الله – تعالى – في هذه العبادة العظيمة، بالاستزادة من الخير، كالتبكير إلى الصلاة وأداء السنن الراتبة، وقراءة الأذكار والأدعية وغير ذلك، وقد أمر الله – تعالى – بالتنافس فيما يقربنا من رضوانه وجناته بالأعمال وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَالصالحة، فقال – عز وجل -: [المطففين: 26].في صحيح مسلم : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ وَإِنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَرَتْ زَيْنَبُ بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ نَظَرَ فَإِذَا الْأَخْبِيَةُ فَقَالَ آلْبِرَّ تُرِدْنَ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ وَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ
الفائدة الثامنة والثلاثون:
سلامة المروءة صلاة الجماعة من أسباب سلامة المروءة، فقد ذكر بعض السلف أن من المروءة المحافظة على صلاة الجماعة ولزوم المساجد في الحضر ( ).
أما المتخلف عن صلاة الجماعة، فإنه مخروم المروءة، ومن المعلوم أن مخروم المروءة لا تقبل له شهادة.
وقال الإمام أحمد – رحمه الله – فيمن علم يتخلف عن الجماعة: «إن هذا الرجل أي رجل سوء»( ).
الفائدة التاسعة والثلاثون:
استشعار للوقوف صفًا في الجهاد قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: «ومن فوائد صلاة الجماعة: أن فيها إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّاستشعار الناس بهذا وقوفهم صفًا في الجهاد، كما قال تعالى: الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا [الصف: 4] وهؤلاء الذين صاروا صفًا في الجهاد لا شك أنهم إذا تعودوا ذلك في الصلوات الخمس، سوف يكون وسيلة إلى ائتمامهم بقائدهم في صف الجهاد حيث لا يتقدمون ولا يتأخرون عن أوامره»( ).
{1590}
الفائدة الأربعون:
استشعار ما كان عليه النبي وأصحابه .قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: «ومن فوائد صلاة الجماعة: أن فيها استشعار آخر هذه الأمة بما كان عليه أولها، أي: بأحوال الصحابة، كأنما يستشعر الإمام أنه في في إمامة الجماعة، ويستشعر المأمومون أنهم في مقام أصحاب الرسول –مقام رسول الله عليه الصلاة والسلام – ولا شك أن ارتباط آخر هذه الأمة بأولها يعطي الأمة الإسلامية دفعة قوية إلى اتباع السلف واتباع هديهم، وليتنا كلما فعلنا فعلاً مشروعًا نستشعر وبأصحابه الكرام، فإن الإنسان لا شك سيجد دفعة قوية فيأنه نقتدي برسول الله وبأنه ينضم إلى سلك السلف الصالح، فيكون سلفيًا عقيدة وعملاً وسلوكًا ومنهجًا»( ) ...اللهم اجعلنا ممن يحققون صلاة الجماعة واقبض نفوسنا يوم تقبضها في الجماعة معفرين وجوهنا تواضعا وخضوعا إليك .اهـ منتدى العلوم الشرعية مع بعض الاختصار والإضافات والحذف . تحقيق وضبط : حميد أمين تولاه الله
أيها المسلمون إن من نعم الله على هذه الأمة اجتماعها في المسجد كل يوم خمس مرات ويترتب على ذلك فضل عظيم ومحاسن جمة ففقد كان سلفنا الصالح مضرب الأمثال في توطنهم في المسجد ولذا نورد ما يلي : قال مجاهد: سمعت رجلاً من أصحاب النبي e ممن شهد بدرًا قال لابنه: أدركتَ الصلاة معنا؟ قال: نعم.. قال: أدركتَ التكبيرة الأولى؟ قال: لا.. قال: لما فاتك منها خير مِن مائة ناقة كلها سود العين..!
فَقَدَ عبد الملك بن مروان ولده هشام يومًا في صلاة جمعة، فبعث إليه بعد الصلاة يسأله عن تغيبه، فقال: عجزت بغلتي عن حملي، ولم أجد دابة! فقال: وإذا لم تجد دابة تغيب عن الجمعة؟! أقسمت عليك ألا تركب دابة سنة كاملة.
كان محمد بن خفيف الشيرازي به وجع الخاصرة، فكان إذا أخذه أقعده عن الحركة. فكان إذا أُقيمت الصلاة يُحمَل على الظهر إلى المسجد ليصلي، فقيل له: لو خففت على نفسك؟ فقال: إذا سمعتم: "حيّ على الصلاة" ولم تروني في الصف فاطلبوني في المقابر.
عن يعقوب بن سفيان أن "عبد العزيز بن مروان" بعث ابنه "عمر بن عبد العزيز" إلى المدينة يتأدب بها، وكتب إلى "صالح بن كيسان" يتعاهده، وكان صالح بن كيسان يلزمه الصلاة.. فأبطأ يومًا عن الصلاة، فقال: ما حبسك؟ قال: كانت مُرَجِّلتي تُسَكِّن شعري..! فقال: بلغ بك حبك تسكين شعرك أنْ تؤثره على الصلاة؟! وكتب إلى عبد العزيز بذلك. فبعث إليه عبد العزيز رسولاً؛ فلم يكلمه حتى حلق شعره..!
سجل المؤرخ التركي "عثمان نزار" في كتاب "حديقة السلاطين" أن السلطان العثماني "بايزيد" الملقب بـ (الصاعقة)، فاتح بلاد (البلغار) و(البوسنة) و(سلانيك) و(ألبانيا).. ذلك السلطان سجل انتصارًا ساحقًا على الجيوش الصليبية التي دعا إلى حشدها البابا "بونيفاس التاسع" لطرد المسلمين من أوروبا، والتي اشتركت فيها خمس عشرة دولة أوروبية؛ كانت "إنجلترا" و"فرنسا" و"المجر" مِن بينها؛ وذلك في المعركة التاريخية المشهورة "نيكوبوليس" سنة 1396م.
هذا السلطان الفاتح حضر للإدلاء بشهادة في أمر مِن الأمور أمام القاضي والعالم المعروف "شمس الدين فناري".. دخل السلطان المحكمة، ووقف أمام القاضي، وقد عقد يديه أمامه كأي شاهد..
رفع القاضي بصره إلى السلطان، وأخذ يتطلع إليه بنظرات حادة قبل أن يقول له: "إنَّ شهادتك لا يمكن قبولها؛ لأنك لا تصلي مع الجماعة، والشخص الذي لا يؤدي صلاته جماعة دون عذر شرعي يمكن أنْ يكذب في شهادته"..!
تسمر الحاضرون في أماكنهم؛ وقد أمسكوا بأنفاسهم ينتظرون أنْ يطير رأس القاضي بإشارة واحدة من السلطان..! لكن السلطان لم يَقُل شيئًا، بل استدار وخرج من المحكمة بكل هدوء!
{1578}
أصدر السلطان في اليوم نفسه أمرًا ببناء جامع ملاصق لقصره، وعندما تم تشييد الجامع، بدأ السلطان يؤدي صلواته في جماعة.
إذا تَمَثَّلَ ماضِينا لحَاضِرِنا تكادُ أكبادُنا بالغَيْظِ تَنفَطِرُ
لكن لما بدأ في الأمة السمر والتفرغ للقيل والقال ضاع منهم خير كثير ناهيك عن عزوف كثير من الناس عن الجماعة والآن وبعد هذه الجولة نورد ما يلي :
الفائدة الأولى امتثال أمر الله تعالى لقوله > وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا– وقوله:< وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ –: «أي كونوا مع المؤمنين في أحسن أعمالهم، ومن أخص ذلك وأكمله الصلاة، وقد استدل كثير من العلماء بهذه الآية على وجوب صلاة الجماعة»اهـ ابن كثير.
.قال العلماء: «لو ترك أهل بلد صلاة الجماعة قوتلوا، ولو تركها أهل حارة جُبروا عليها وأكرهوا».
الفائدة الثانية :الشهادة بالإيمان والهداية من الله لعمارة بيوته
. وقد شهد الله – تعالى – لعمار المساجد بالإيمان، وأنهم ممن هداه الله للحق والصواب. قال تعالى <: يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ> . أى : ليس المشركون أهلا لعمارة مساجد الله؛ وإنما الذين هم أهل لذلك المؤمنون الصادقون الذين آمنوا بالله إيمانا حقا ، وآمنوا باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب ، وآمنوا بما فرضه الله عليهم من فرائض فأدوها بالكيفية التى أرشدهم إليها نبيهم - صلى الله عليه وسلم - فهم فى صلاتهم خاشعون؛ وللزكاة معطون بسخاء وإخلاص .اهـ طنطاوي
قال القرطبي :قوله تعالى: " إنما يعمر مساجد الله " دليل على أن الشهادة لعمار المساجد بالايمان صحيحة لان الله سبحانه ربطه بها وأخبر عنه بملازمتها.
وقد قال بعض السلف: إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد فحسنوا به الظن. وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال (إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالايمان) قال الله تعالى: " إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ".وفي رواية: (يتعاهد المسجد).قال: حديث حسن غريب.
الفائدة الثالثة مجموعة فوائد تالية 1 ـ أختبار العباد وامتحانهم ؛ ليعلم الله من يمتثل أوامره ممن يعرض عنها ويتكبر .2ـ التعارف والتآلف والترابط بين المسلمين ؛ ليكونوا كالجسد الواحد , وكالبنيان يشد بعضه بعضا . والذي لا يصلي في المسجد لا يعرفه أهل الحي إلا من كان بينه وبين أحدهم مصلحة دنيوية .3ـ تعليم الجاهل .. وتذكير الغافل ، فالجاهل يرى العالم فيقتدي به ،والغافل يسمع الموعظة فينتفع بها ..
4ـ ما يشعر به المصلي في الجماعة من الخشوع والتدبير والإنتفاع بالصلاة ، بخلاف من يصلي في بيته فإنه قد لا يشعر بشيء من ذلك ، بل إن الصلاة تثقل عليه في الغالب فينقرها نقر الديك فلا ينتفع منها بشيء .. 5ـ إغاظة أعداء الله وإرهابهم وعلى رأسهم إبليس ـ لعنه الله ـ وجنوده من شياطين الإنس والجن ، الذين يؤرقهم أن
{1579}
يعود المسلمون إلى المساجد وخاصة الشباب.6ـ ما في الخروج إلى المسجد من النشاط والحركة ورياضة البدن بكثرة المشي ذهابا وإيابا لاسيما إن كان المسجد بعيدا ، بخلاف الصلاة في البيت وما يصاحبها في الغالب من الكسل والخمول .. وهذا مجرب . ...7ـ البراءة من النفاق .. عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من صلى لله أربعين يوما في جماعة ، يدرك التكبيرة الأولى ، كتب له براءتان : براءة من النار وبراءة من النفاق )). رواه الترمذي . ( اهـ فضيلة الشيخ/محمد بن عبد العزيزالمسند
الفائدة الرابعة تزكية من الله وتسميتهم بالرجال لمواظبتهم عليها جماعة
قال تعالى : <فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُقال – عز وجل -: أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ [النور: 36-38].بِغَيْرِ حِسَابٍ
الفائدة الخامسة
تعظيم وتأكيد لما عظمه الله وأكدّ عليه رسوله وحرص عليه طيلة حياته، حيث يؤدونها حتى في الأحوال غير العادية حالة الخوف ، وفي ساحة المعركة والقتال، قال – تعالى -: وإذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ >
[النساء: 102].
وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الجماعة الجماعة وأمر بها وحث عليها، وحرص على أدائها في إقامته وسفره، بل حتى في مرض وفاته، ولم يرخص في تركها إلا بعذر كما سيمر معنا إن شاء الله. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
جَاءَ أَعْمَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الصَّلَاةِ فَسَأَلَهُ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَأَذِنَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ قَالَ لَهُ أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَجِبْ).النساءي
ورحم الله عامر بن عبد الله بن الزبير – رضي الله عنه -، إذ سمع المؤذن وهو يجود بنفسه، فقال: خذوا بيدي، فقيل: إنك عليل، قال: اسمع داعي الله فلا أجيبه فأخذوا بيده، فدخل مع الإمام في المغرب فركع ركعة ثم مات ).
الفائدة السادسة
امتثال لأمر رسول الله واتباع لسنته في الحديث: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر»( )، وقولهذلك قوله : «إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم»(... وفي اتباعه حصول الهداية ودخول الجنة قال تعالى <<
وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا >وقال – تعالى -: – قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُتعالى -: [آل عمران:اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ 31]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا
{1580}
مَنْ أَبَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى> البخاري
الفائدة السابعة
من أعظم مقاصد الإسلام الجماعة عمومًا من أعظم مقاصد الإسلام، فقد وردت النصوص الكثيرة التي تحث على الجماعة ولزومها وتحذر من الفرقة والابتعاد عن الجماعة المسلمة.
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَقال تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ> وروى الترمذي :عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ >وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ..وفي شعب الإيمان : عن عرفجة الأشجعي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ستكون بعدي هنات وهنات ، فمن رأيتموه فارق الجماعة ، فكأنما فارق بين أمتي ، فاقتلوه كائنا من كان ، فإن يد الله مع الجماعة ، وإن الشيطان مع مفارقة الجماعة يركض> الهنات : الشرور والفساد ، والشدائد والأمور العظام.. يركض : يعدو
الفائدة الثامنة:
تعظيم وإظهار لشعائر الله، وقد قال الله – تعالى – فيمن ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَىيعظم شعائره: [الحج: 32].الْقُلُوبِ
الفائدة التاسعة:
من سنن الهدى الصلاة جماعة وتركها ضلال ونفاق،روى مسلم : عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ قَالَ
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ أَوْ مَرِيضٌ إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ> وفيمسلم أيضا << عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ> مَعْنَى يُهَادَى أَيْ يُمْسِكهُ رَجُلَانِ مِنْ جَانِبَيْهِ بِعَضُدَيْهِ يَعْتَمِد عَلَيْهِمَا ، وَهُوَ مُرَاده بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى : إِنْ كَانَ الْمَرِيض لَيَمْشِي بَيْن رَجُلَيْنِ . وَفِي هَذَا كُلّه تَأْكِيد أَمْر الْجَمَاعَة ، وَتَحَمُّل الْمَشَقَّة فِي حُضُورهَا ، وَأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ الْمَرِيض وَنَحْوه التَّوَصُّل إِلَيْهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ حُضُورهَا .... ( عَلَّمَنَا سُنَن الْهُدَى )رَوَى بِضَمِّ السِّين وَفَتْحهَا وَهُمَا بِمَعْنًى مُتَقَارِب ، أَيْ طَرَائِق الْهُدَى وَالصَّوَاب .
الفائدة العاشرة:
{1581}
أفضل من صلاة الفذ. صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، وورد كذلك أنها أفضل بخمس وعشرين درجة. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً> البخاري .وفي البخاري أيضا : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً
وقد جمع العلماء – رحمهم الله – بين الروايتين، وبينوا الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة، قال ابن حجر – رحمه الله -: «وقد نقّحت ما وقفت عليه من ذلك، وحذقت ما لا يختص بصلاة الجماعة، فأولها إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة، والتبكير إليها في أول الوقت، والمشي إلى المسجد بالسكينة، ودخول المسجد داعيًا، وصلاة التحية عند دخوله، كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة، سادسها: انتظار الجماعة، سابعها: صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له، ثامنها: شهادتهم له، تاسعها: إجابة الإقامة، عاشرها: السلامة من الشيطان حين يفر عند الإقامة، حادي عاشرها: الوقوف منتظرًا إحرام الإمام أو الدخول معه في أي هيئة وجده عليها، ثاني عشرها: إدراك تكبيرة الإحرام كذلك، ثالث عشرها: تسوية الصفوف وسد فُرَجِها، رابع عشرها: جواب الإمام عند قوله: سمع الله لمن حمده، خامس عشرها: الأمن من السهو غالبًا وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح أو الفتح عليه، سادس عشرها: حصول الخشوع والسلامة عما يلهي غالبًا، سابع عشرها: تحسين الهيئة غالبًا، ثامن عشرها: احتفاف الملائكة به، تاسع عشرها: التدرب على تجويد القرآن وتعلم الأركان والأبعاض، العشرون: إظهار شعائر الإسلام، الحادي والعشرون: إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل، الثاني والعشرون: السلامة من صفة النفاق ومن إساءة غيره الظن بأنه ترك الصلاة رأسًا، الثالث والعشرون: رد السلام على الإمام، الرابع والعشرون: الانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر وعود بركة الكامل على الناقص، الخامس والعشرون: قيام نظام الإلفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات، فهذه خمس وعشرون خصلة ورد في كل منها أمر أو ترغيب يخصه، وبقي منها أمران يختصان بالجهرية وهما: الإنصات عند قراءة الإمام والاستماع لها والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة ...» انتهى ( ).
قال الإمام محمد علي الشوكاني – رحمه الله -: «ولكن المحروم من حرم صلاة الجماعة، فإن صلاةً يكون أجرها أجر سبع وعشرين صلاة لا يعدل عنها إلى صلاة ثوابها ثواب جزء من سبعة وعشرين جزءًا منها إلا مغبون، ولو رضي لنفسه في المعاملات الدنيوية بمثل هذا لكان مستحقًا لحجره عن التصرف في ماله، لبلوغه من السفه إلى هذه الغاية، والتوفيق بيد الرب – سبحانه -» انتهى ( ).
الفائدة الحادية عشرة:
أزكى عند الله من صلاة الفرادى
{1582}
صلاة الجماعة ولو كان عددهم قليلاً، أزكى عند الله – تعالى – من صلاة الفرادى ولو كانوا أكثر. فيفي معرفة الصحابة لأبي نعيم : عن قباث بن أشيم الليثي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه ، أزكى عند الله من صلاة أربعة تترى) » ورواه معاوية بن صالح ، وابن جابر ، عن يونس ، مثله...وفي مسند الشاميين للطبراني : عن قباث بن أشيم الليثي ، قال : أبو يعقوب [ هو إسحاق بن راهويه ] ، وقد كان أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من صلاة أربعة تترى ، وصلاة أربعة يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة ثمانية تترى ، وصلاة ثمانية يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مائة تترى »
أزكى : أكثر أجرا ....تترى : تتابع على فترات بينها .
**الفائدة الثانية عشرة:
العصمة من الشيطان صلاة الجماعة تعصم المسلم بإذن الله – تعالى – من عدوه اللدود الذي لا يهدأ ولا يفتر، وتمنعه من أن يستحوذ عليه. عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَة أبو داود قوله( فَعَلَيْك بِالْجَمَاعَةِ ): أَيْ اِلْزَمْهَا فَإِنَّ الشَّيْطَان بَعِيد عَنْ الْجَمَاعَة وَيَسْتَوْلِي عَلَى مَنْ فَارَقَهَا
**الفائدة الثالثة عشرة:
البعد عن التشبه بالمنافقين، ومن أشهر صفاتهم التخلف عن صلاة الجماعة خصوصًا صلاتي العشاء والفجر.في البخاري : عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ
. وقد مر معنا قول عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: «ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق».
**الفائدة الرابعة عشرة
من أسباب مغفرة الذنوب .إن صلاة الجماعة من أسباب مغفرة الذنوب، : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ
{ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ }فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.> البخاري.وروى مسلم : عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَصَلَّاهَا مَعَ النَّاسِ أَوْ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ
**الفائدة الخامسة عشرة:
{1583}
من أسباب عجب الرب – تبارك وتعالى .من صفات ربنا – تبارك وتعالى – العجب، ومن أسباب عجبه – سبحانه وتعالى – صلاة الجماعة، وعجبه – سبحانه – دليل على رضاه عن هذا العمل ومحبته لفاعله.
روى أحمد :< عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَيَعْجَبُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْجَمِيعِ).
وقد أجمع السلف على ثبوت العجب لله، فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وهو عجب حقيقي يليق بالله – جل وعلا -( ).
**الفائدة السادسة عشرة
الثواب الجزيل بالمشي إليها. صلاة الجماعة تجعل المسلم يخرج إلى المسجد، ويمشي في أغلب الأحيان، ويكثر الخطى، وفي ذلك أجر عظيم وخير عميم لا يعلم منتهاه إلا الله – عز وجل – وقد وردت الأحاديث الصحيحة عن في فضل الخروج إلى المسجد وكثرة الخطى إلى صلاة الجماعة، فمن ذلك:
: عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَصَلَّاهَا مَعَ النَّاسِ أَوْ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ> مسلم .وفي مسلم : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ)...روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنْ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ »( ).في الفتح : وَظَاهِر الْحَدِيث حُصُول الْفَضْل لِمَنْ أَتَى الْمَسْجِد مُطْلَقًا ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ اِخْتِصَاصه بِمَنْ يَأْتِيه لِلْعِبَادَةِ ، وَالصَّلَاةُ رَأْسُهَا ، وَاَللَّه أَعْلَم .روى أبو داود : عَنْ بُرَيْدَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.>
هذا الأجر العظيم الذي يناله من يمشي إلى : «من راح إلى المسجد، ليس في الذهاب إلى المسجد فقط، بل حتى في الرجوع منه،
**الفائدة السابعة عشرة
اجتماع الملائكة في صلاتي الفجر والعصر واستغفارهم لمن حضرها يجتمع الملائكة الكرام في صلاتي الفجر والعصر، ويستغفرون لمن حضرهما مع الجماعة.
ففي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ).
**الفائدة الثامنة عشرة:
{1584}
تعدل قيام نصف الليل أو الليل كله . صلاة العشاء في جماعة تعدل قيام نصف الليل، كما أن صلاة الفجر في جماعة تعدل قيام الليل كله. في صحيح مسلم : عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ
وفي رواية للترمذي وأبي داود: «من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة، ومن شهد العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة»( ).
الفائدة التاسعة عشرة
في ذمة الله تعالى صلاة الجماعة من أسباب حفظ الله للعبد، وجعله في ذمته أي في عهده وأمانه، وضمانه، وذلك بصلاة الفجر في جماعة.في صحيح مسلم : عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُا
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ>
وروى الترمذي عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ >قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ في تحفة الأحوذي : قوله "فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ )أَيْ فِي عَهْدِهِ وَأَمَانِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهَذَا غَيْرُ الْأَمَانِ الَّذِي ثَبَتَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ " فَلَا تَخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ " قَالَ فِي النِّهَايَةِ : خَفَرْت الرَّجُلَ أَجَرْته وَحَفِظْته وَأَخْفَرْتُ الرَّجُلَ إِذَا نَقَضْت عَهْدَهُ وَذِمَامَهُ ، وَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلْإِزَالَةِ أَيْ أَزَلْت خَفَارَتَهُ كَأَشْكَيْتُهُ إِذَا أَزَلْت وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ اِنْتَهَى .
**الفائدة العشرون
في ظل الله تعالى يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله سبحانه
صلاة الجماعة مما يجعل المسلم شديد الحب والتعلق بالمساجد حيث تؤدى الصلاة، ومعلق القلب بالمساجد أحد السبعة الذي يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله.
ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ>
**الفائدة الحادية والعشرون
براءة من النار وبراءة من النفاق .ومن فوائد صلاة الجماعة، أن من حافظ عليها أربعين يومًا لا تفوته التكبيرة الأولى، كتب الله له براءتين: براءة من النار، وبراءة من النفاق. فعن أنس أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ»( النرمذي . قوله ( وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ )قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ يُؤَمِّنُهُ
{1585}
فِي الدُّنْيَا أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ الْمُنَافِقِ وَيُوَفِّقَهُ لِعَمَلِ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ وَفِي الْآخِرَةِ يُؤَمِّنُهُ مِمَّا يُعَذَّبُ بِهِ الْمُنَافِقُ ، وَيَشْهَدُ لَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَافِقٍ يَعْنِي بِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى ، وَحَالُ هَذَا بِخِلَافِهِمْ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ .اهـ تحفة الأحوذي
ورحم الله إبراهيم بن يزيد التيمي إذ يقول: «إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه»(.وقد اشتهر عن بعض السلف مثل سعيد بن المسيب والأعمش محافظتهم على التكبيرة الأولى لصلاة الجماعة أربعين سنة.
**الفائدة الثانية والعشرون:
صلاة الله تعالى وملائكته على المصلين .ومن فوائد صلاة الجماعة، أن الوقوف في الصفوف لأدائها من أسباب صلاة الله – تعالى – وملائكته الكرام على المصلين خصوصًا الصفوف الأولى. عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُ الصَّفَّ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ يَمْسَحُ صُدُورَنَا وَمَنَاكِبَنَا وَيَقُولُ لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْأُوَلِ >أبوداود .قال العلماء: يصلون على الصفوف: أي يستغفرون لأهلها.
**الفائدة الثالثة والعشرون:
الثواب الجزيل في تسوية الصفوف .(بيت في الجنة) عن عروة بن الزبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من سد فرجة في صف رفع الله بها درجة أو بنى له بها بيتا في الجنة).
الفائدة الرابعة والعشرون
الحصول على أجرها حتى لو فاتت .ومن فوائد صلاة الجماعة، أن من جاء إليها يحصل على أجرها، حتى لو وجد الناس قد صلوا.
روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، قال: قال رسول اله : «من توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح فوجد الناس قد صلوا، أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئًا».
قلت: وهذا فيمن تأخر عنها بعذر، ولذلك قال أبو داود في سننه: باب من خرج يريد الصلاة فسبُق بها.
الفائدة الخامسة والعشرون
كمال الصلاة .صلاة الجماعة من أسباب كمال الصلاة وتمامها، والنجاة والأمن من السهو غالبًا، وتحصيل الخشوع وبالتالي ترتفع درجة قبول الصلاة بإذن الله – تعالى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ>أبوداود
قال العلماء: الإمام ضامن، أي متكفل لصلاة المؤتمين بالإتمام. قلت: بخلاف المصلي وحده، فغالبًا ما يقع في خطأ أو سهو أو نقص لا يتحمله عنه أحد.
قال الحسن البصري – رحمه الله -: «لم يبق من العيش إلا ثلاث ... وذكر منها: صلاة في جمع تكفى سهوها وتستوجب أجرها»(.
الفائدة السادسة والعشرون
{1586}
أفضل الأعمال أداء الصلاة في وقتها والمحافظة عليها .ومن فوائد صلاة الجماعة، أنها من الأسباب المعينة على أداء الصلاة في أول وقتها أو في وقتها على الأقل، وهذا من أفضل الأعمال عند الله – عز وجل -. روى البخاري " عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وفي رواية لمسلم: «أفضل الأعمال الصلاة لوقتها وبر الوالدين»( ).
كما أن صلاة الجماعة تعصم المسلم من التهاون بالصلاة أو السهو عنها ونسيانها وتأخيرها عن وقتها، بل إن الكثير من تاركي الصلاة، كانت بداية أمرهم، ترك صلاة الجماعة، ولذلك فإن من رحمة الله – بنا أن شرع لنا أداء الصلوات الخمس في جماعة. وقد توعد الله – تعالى – الساهين عن الصلاة المؤخرين لها عن وقتها بقوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ [الماعون: 4-5].يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ
الفائدة السابعة والعشرون
فرح الرب تعالى بعمار المساجد وتقريبه وإكرامه لهم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ>رواه ابن ماجه .في حاشية السندي : ( إِلَّا تَبَشْبَشَ )أَصْله فَرِحَ الصَّدِيق بِمَجِيءِ الصَّدِيق وَاللُّطْف فِي الْمَسْأَلَة وَالْإِقْبَال وَالْمُرَاد هَاهُنَا تَلَقِّيه بِبِرِّهِ وَتَقْرِيبه وَالْكَرَامَة وَفِي الزَّوَائِد إِسْنَاده صَحِيح رِجَاله ثِقَات .قال العلماء: التبشبش أصله: فرح الصديق بمجيء صديقه، واللطف في المسألة والإقبال.وهذا يدل على: تلقي الله – تعالى – عبده ببره وتقريبه وإكرامه.
الفائدة الثامنة والعشرون:
النجاة من الغفلة .من فوائد صلاة الجماعة، أن فيها السلامة، من دعوة النبي على قلوبهم كما أن فيها النجاة من الغفلة. روى مسلم عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَي هُرَيْرَةَ ُ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ> وَقَوْله : ( وَدْعهمْ ) أَيْ تَرْكهمْ . وَفِيهِ أَنَّ الْجُمُعَة فَرْض عَيْن ، وَمَعْنَى الْخَتْم الطَّبْع وَالتَّغْطِيَة قَالُوا فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { خَتَمَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ } أَيْ طَبَعَهُ . وَمِثْله ( الرَّيْن ) فَقِيلَ : الرَّيْن الْيَسِير مِنْ الطَّبْع ، وَالطَّبْع الْيَسِير مِنْ الْأَقْفَال.. قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَالْخَتْم عِبَارَة عَمَّا يَخْلُق اللَّه تَعَالَى فِي قُلُوبهمْ مِنْ الْجَهْل وَالْجَفَاء وَالْقَسْوَة وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْح الْمَصَابِيح إِنَّ أَحَد الْأَمْرَيْنِ كَائِن لَا مَحَالَة أَمَّا الِانْتِهَاء عَنْ تَرْك الْجَمَاعَات أَوْ خَتْم اللَّه تَعَالَى عَلَى قُلُوبهمْ فَإِنَّ اِعْتِيَاد تَرْك الْجَمَاعَات يَغْلِب الرَّيْن عَلَى الْقَلْب وَيُزْهِد النُّفُوس فِي الطَّاعَات .اهـ حاشية السندي .النووي
الفائدة التاسعة والعشرون:
دعاء لا يرد وأدعية مباركة
{1587}
في حياتنا أوقات كثيرة، الدعاء فيها مستجاب، بل هناك أوقات لا يرد فيها الدعاء، ومن هذه الأوقات المهدورة والفرص الذهبية، الوقت ما بين الأذان والإقامة.
ومن أعظم الأسباب المعينة على استغلال هذا الوقت الثمين صلاة الجماعة، إذ غالبًا ما يحضر المسلم قبل الإقامة إلى المسجد ويشتغل بالذكر والدعاء، بخلاف المصلي وحده، فلا ينتبه لهذه الفرصة الثمينة. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ> أبو داود كما أن من الأدعية المباركة ما يقوله المسلم عند دخوله المسجد وخروجه منه. : روى مسلم عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ
الفائدة الثلاثون:
ألفة ومودة ومساواة .من أعظم مقاصد الإسلام، التأليف بين قلوب المؤمنين وحفظ مودتهم والمساواة بينهم، وفي صلاة الجماعة يتحقق هذا، عندما يقف المصلون صفًا واحدًا متراصين متساوين، لا فرق بينهم.
وقد حث على تسوية الصفوف وعدم الاختلاف مبينًا أن ذلك من أسباب اجتماع القلوب). عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ>مسلم
الفائدة الحادية والثلاثون
المحافظة على السنن الرواتب والأذكار ومن فوائد صلاة الجماعة، أنها في الغالب تعين المسلم على المحافظة على أداء النوافل والسنن الرواتب والأذكار، مع الصلوات الخمس، وهذا واضح مشاهد في المساجد، بخلاف المصلي وحده، فكثيرًا ما يفرط في هذه الأشياء، التي لها فضل عظيم وأجر كبير. روى مسلم عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ كَثِيرًا كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ
روى مسلم عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ>وروى الترمذي : عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ>
الفائدة الثانية والثلاثون:
معرفة أحكام الصلاة ومن فوائد صلاة الجماعة، أنها فرصة عظيمة لتعلم صفة الصلاة، ومعرفة أحكامها وذلك من خلال مشاهدة المصلين لبعضهم، أو الاستماع إلى بعض الدروس في المساجد أو قراءة بعض الأوراق المعلقة بداخلها.
{1588}
كما أن صلاة الجماعة فرصة لمعرفة القراءة الصحيحة وتعلم أحكام التجويد، من خلال الاستماع إلى قراءة الإمام، أما المصلي وحده فلا يحصل له شيء من ذلك.
الفائدة الثالثة والثلاثون:
تعود النظام وضبط النفس .ومن فوائد صلاة الجماعة، أن فيها تعليمًا للنظام وضبطًا للنفس، وذلك من خلال متابعة الإمام في تكبيراته وتنقلاته في الصلاة، وعدم التقدم عليه، أو التأخر عنه، أو موافقته، أو مسابقته.
وقد أكد النبي على هذا الأمر بقوله: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ وَأَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ ).البخاري
الفائدة الرابعة والثلاثون:
إظهار عز المسلمين وإغاظة الكفار والمنافقين .فصلاة الجماعة، فيها إظهار عز المسلمين باجتماعهم على مدار اليوم والليلة، وتكثير سوادهم، كما أن فيها إغاظة لأعدائهم من الكفار والمنافقين.
الفائدة الخامسة والثلاثون
تحسين الهيئة والمظهر .ومن فوائد صلاة الجماعة، أنها تجعل المسلم غالبًا يهتم بتحسين هيئته ومظهره، ونظافة ثيابه وطيب ريحه، وذلك لاجتماعه بإخوانه وملاقاته لهم على مدار اليوم والليلة.
بخلاف المصلي وحده فغالبًا ما يفرط في هذا الشيء، ويخالف أمرربه تعالى – في قوله: < يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ –مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ [الأعراف: 31].الْمُسْرِفِينَ
قال الشوكاني – رحمه الله -: «هذا خطاب لجميع بني آدم وإن كان واردًا على سبب خاص، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والزينة: ما يتزين به الناس من الملبوس، أمروا بالتزين عند الحضور إلى المساجد للصلاة والطواف»( ).
الفائدة السادسة والثلاثون
تعارف وتعرف وتواصل بين المسلمين ومن فوائد صلاة الجماعة، أنها فرصة عظيمة للتعارف والتآلف بين المسلمين من خلال اللقاء في الصلوات الخمس، والدخول والخروج من المسجد.
كما أنها فرصة لتفقد المصلين بعضهم بعضًا، والتعرف على أحوالهم وظروفهم، فيتم من خلال ذلك زيارة المريض، ومساعدة المحتاج، ومواساة المصاب وغير ذلك مما يقوي العلاقة ويزيد الألفة بين المسلمين. ولذلك كان الحبيب يتفقد الناس في الجماعة فعن مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَلَكَ فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ فَحَزِنَ عَلَيْهِ فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا
{1589}
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا فُلَانُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ فَذَاكَ لَكَ>
الفائدة السابعة والثلاثون:
دعوة عملية إلى الخير والتنافس في طاعة الله
الخروج إلى المساجد لحضور صلاة الجماعة دعوة عملية لأداء هذه العبادة والمحافظة عليها كما أن من فوائد صلاة الجماعة، أنها دافع إلى التنافس في طاعة الله – تعالى – بصدق وإخلاص، حينما ينظر المصلي إلى إخوانه المصلين، فيتنافس معهم فيما يقربه إلى الله – تعالى – في هذه العبادة العظيمة، بالاستزادة من الخير، كالتبكير إلى الصلاة وأداء السنن الراتبة، وقراءة الأذكار والأدعية وغير ذلك، وقد أمر الله – تعالى – بالتنافس فيما يقربنا من رضوانه وجناته بالأعمال وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَالصالحة، فقال – عز وجل -: [المطففين: 26].في صحيح مسلم : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ وَإِنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَرَتْ زَيْنَبُ بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ نَظَرَ فَإِذَا الْأَخْبِيَةُ فَقَالَ آلْبِرَّ تُرِدْنَ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ وَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ
الفائدة الثامنة والثلاثون:
سلامة المروءة صلاة الجماعة من أسباب سلامة المروءة، فقد ذكر بعض السلف أن من المروءة المحافظة على صلاة الجماعة ولزوم المساجد في الحضر ( ).
أما المتخلف عن صلاة الجماعة، فإنه مخروم المروءة، ومن المعلوم أن مخروم المروءة لا تقبل له شهادة.
وقال الإمام أحمد – رحمه الله – فيمن علم يتخلف عن الجماعة: «إن هذا الرجل أي رجل سوء»( ).
الفائدة التاسعة والثلاثون:
استشعار للوقوف صفًا في الجهاد قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: «ومن فوائد صلاة الجماعة: أن فيها إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّاستشعار الناس بهذا وقوفهم صفًا في الجهاد، كما قال تعالى: الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا [الصف: 4] وهؤلاء الذين صاروا صفًا في الجهاد لا شك أنهم إذا تعودوا ذلك في الصلوات الخمس، سوف يكون وسيلة إلى ائتمامهم بقائدهم في صف الجهاد حيث لا يتقدمون ولا يتأخرون عن أوامره»( ).
{1590}
الفائدة الأربعون:
استشعار ما كان عليه النبي وأصحابه .قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: «ومن فوائد صلاة الجماعة: أن فيها استشعار آخر هذه الأمة بما كان عليه أولها، أي: بأحوال الصحابة، كأنما يستشعر الإمام أنه في في إمامة الجماعة، ويستشعر المأمومون أنهم في مقام أصحاب الرسول –مقام رسول الله عليه الصلاة والسلام – ولا شك أن ارتباط آخر هذه الأمة بأولها يعطي الأمة الإسلامية دفعة قوية إلى اتباع السلف واتباع هديهم، وليتنا كلما فعلنا فعلاً مشروعًا نستشعر وبأصحابه الكرام، فإن الإنسان لا شك سيجد دفعة قوية فيأنه نقتدي برسول الله وبأنه ينضم إلى سلك السلف الصالح، فيكون سلفيًا عقيدة وعملاً وسلوكًا ومنهجًا»( ) ...اللهم اجعلنا ممن يحققون صلاة الجماعة واقبض نفوسنا يوم تقبضها في الجماعة معفرين وجوهنا تواضعا وخضوعا إليك .اهـ منتدى العلوم الشرعية مع بعض الاختصار والإضافات والحذف . تحقيق وضبط : حميد أمين تولاه الله
لست ربوت