يبعث المرء على ما مات عليه بقلم الشيخ عبد الحميد امين امام وخطيب مسجد الجلالي بابن جرير رجمه الله

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية يبعث المرء على ما مات عليه بقلم الشيخ عبد الحميد امين امام وخطيب مسجد الجلالي بابن جرير رجمه الله

يبعث المرء على ما مات عليه بقلم الشيخ عبد الحميد امين امام وخطيب مسجد الجلالي بابن جرير رجمه الله

الشيخ عبد الحميد أمين إمام مسجد الهلالي رحمه الله - Publicaciones ...الحمد لله وحده وبعده موضوعنا اليوم < يبعث المرء ..الخ
أيها الناس إن الأهم من الحياة هو العمل الصالح وأهم منه ما كان مصادفا لخاتمة العمر فلقد كانت النهايات تقض مضاجع سلفنا الصالح حتى كانوا يحزنون ويرفع لهم جؤار بقولهم لا ندري بما يختم لنا لذا أوثر عنهم العجب في تحري هذا الوقت واتخاذ أسباب النجاة من السقوط والنكوص فهذا ابن أدهم لما أحس بالموت قال لأهله أو تروا لي قوسي ليلقي ربه مجاهدا فالتحق بكتائب المجاهدين فمات فهو ممسك بقوسه في أحد جزور الروم وهذه علامة خير غفل عنها الحياري الذين اختطفهم المنايا وهم سكاري أو في غفلة مذهلة ماتوا وهم ناسون لقاء ربهم أيها الناس إن من يريد النجاة لإيمانه فليسع في فعل الخير ولا يسئم فلعل ساعة الصفر قد توافق عمل خير قد يبعث عليها لما رواه مسلم عن جابر قال : سمعت رسول الله ص} يقول يبعث كل عبد على ما مات عليه } فالناس شتى كل سيلقى ربه على ماختمت به حياته منهم من تنتهي حياته وقلمه لا يرعوي عن الزور والبهتان ومنهم من لا يكثرت لسانه بالسقوط في أحضان الوقيعة بالآخرين ومنهم من تلبست يده بما ليس له أن يمسكه فانتهت حياته بذلك ومنهم تهيأ لهذه النهاية بشتى أنواع الخير وفنونه فترقب ساعة الصفر بكامل عقله وقواه فتلهف لما فيه نجاته وفلاحه.... أيها المسلمون إن لحسن الخواتيم مزايا عظيمة ولسيئها عواقب وخيمة فلذا يجب على المؤمن إذ اقترب من المعترك أن يكون عمره عامرا بأعمال البر والإحسان والعمل الصالح حتى يبعث على ذلك في عرصات الموقف: والآن فإلى جملة ممن اختلفت أسباب نجاتهم وعثراتهم .
أولا } من الناس من يبعثون غرا محجلا من أثر وضوئهم لما رواه مسلم وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرِدُ عَلَيَّ أُمَّتِي الْحَوْضَ وَأَنَا أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ إِبِلَ الرَّجُلِ عَنْ إِبِلِهِ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتَعْرِفُنَا قَالَ نَعَمْ لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرِكُمْ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ وَلَيُصَدَّنَّ عَنِّي طَائِفَةٌ مِنْكُمْ فَلَا يَصِلُونَ فَأَقُولُ يَا رَبِّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَصْحَابِي فَيُجِيبُنِي مَلَكٌ فَيَقُولُ وَهَلْ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ>
وفي مسلم عن أبي هريرة قال :<سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ>
وفي الموطأ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ
{1491}
عَلَى الْحَوْضِ فَلَا يُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ أَلَا هَلُمَّ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ فَسُحْقًا فَسُحْقًا فَسُحْقًا
... شتان بين من يتهيأ للصلوات وقيام الليل والوقوف بين يديه وبين من يتهيأ لساعة الباطل ليقيضها في غفلة سكران غائبا فموت هذا في هذه الحال ليس كموت الأول في حال طهارته .
ثانيا} ومن الناس من يبعث مهللا ومسبحا لما رواه مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ>
.ولأن الله أر بينه أن يكثر من الحمد والتسبيح في سورة النصر التي هي نعي له صلى الله عليه ولهذا تسمى سورة التوديع وحين نزلت قال رسول الله ص} لعائشة ما أراه إلا حضور أجلى قال ابن عمر نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع ثم نزلت { اليوم أكملت لكم دينكم } فعاش النبي ص} بعدهما ثمانين يوما اهـ
روى البخاري :عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ قَالَ فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَانِي مَعَهُمْ قَالَ وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا }حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا نَدْرِي أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا فَقَالَ لِي يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَكَذَاكَ تَقُولُ قُلْتُ لَا قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ
{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ }فَتْحُ مَكَّةَ فَذَاكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا }قَالَ عُمَرُ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ
} البخاري ..في الفتح: عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " لَمَّا نَزَلَتْ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي " ولِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيق عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " لَمَّا نَزَلَتْ إِذَا جَاءَ نَصْر اللَّه وَالْفَتْح نُعِيَتْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسه ، فَأَخَذَ بِأَشَدّ مَا كَانَ قَطّ اِجْتِهَادًا فِي أَمْر الْآخِرَة " ، وَلِأَحْمَد مِنْ طَرِيق أَبِي رَزِين عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " لَمَّا نَزَلَتْ عَلِمَ أَنْ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسه " ، وَلِأَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر " نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَة فِي أَوْسَط أَيَّام التَّشْرِيق فِي حَجَّة الْوَدَاع ، فَعَرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ الْوَدَاع " . وَسُئِلْت عَنْ قَوْل الْكَشَّاف : أَنَّ سُورَة النَّصْر نَزَلَتْ فِي حَجَّة الْوَدَاع أَيَّام التَّشْرِيق ، فَكَيْف صُدِّرَتْ بِإِذَا الدَّالَّة عَلَى الِاسْتِقْبَال ؟ فَأَجَبْت بِضَعْفِ مَا نَقَلَهُ ، وَعَلَى تَقْدِير صِحَّته فَالشَّرْط لَمْ يَتَكَمَّل بِالْفَتْحِ ، لِأَنَّ مَجِيء النَّاس أَفْوَاجًا لَمْ يَكُنْ كَمُلَ ، فَبَقِيَّة الشَّرْط مُسْتَقْبَل . وَقَدْ أَوْرَدَ الطِّيبِيُّ السُّؤَال وَأَجَابَ بِجَوَابَيْنِ : أَحَدهمَا أَنَّ " إِذَا " قَدْ تَرِد بِمَعْنَى " إِذْ " كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً ) الْآيَة . ثَانِيهمَا أَنَّ كَلَام اللَّه قَدِيم ، وَفِي كُلّ مِنْ الْجَوَابَيْنِ نَظَر لَا يَخْفَى.اهـ
والمهم أن النبي أعلم بحضور أجله وأمر بالتسبيح ملتبسا بالحمد على نعمة النصر وبالاستغفار له ولأمته حتى يكون الختام على حمد وشكر واستغفار..وفي مسلم : عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ
{1492}
سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَرَاكَ أَحْدَثْتَهَا تَقُولُهَا قَالَ جُعِلَتْ لِي عَلَامَةٌ فِي أُمَّتِي إِذَا رَأَيْتُهَا قُلْتُهَا{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ }إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.قال النووي رحمه الله : وَأَمَّا اِسْتِغْفَاره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلّه ) مَعَ أَنَّهُ مَغْفُور لَهُ فَهُوَ مِنْ بَاب الْعُبُودِيَّة وَالْإِذْعَان وَالِافْتِقَار إِلَى اللَّه تَعَالَى . وَاَللَّه أَعْلَم .
وفي صحيح مسلم : عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَابَعَ الْوَحْيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ وَأَكْثَرُ مَا كَانَ الْوَحْيُ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وفيه تنبيه على وجوب تعميير سويعات العمر الأخيرة بالعبادة والذكر ليلقي العبد ربه على ذلك .
ثالثا} ومنهم من يبعث ولهب النار يخرج من فيه ومسامعه وأنفه وعينيه يعرفه كل من رءاه بأنه آكل مال اليتيم. روى ابن جبان في صحيحه وأحمد وابن أبي حاتم عن نافع بن الحارث ، عن أبي برزة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا » ، فقيل : من هم يا رسول الله . قال : « ألم تر أن الله تعالى يقول : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا) الآية. تأجج : أصلها تتأجج أي تضطرم....في سنن ابن ماجه : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ> ..مِنْ التَّحْرِيج أَيْ الضْيَق.أي أوصيكم باجتناب مالهما ولهذا ماذا يقال لأولئك الذين استولوا على أموال اليتامى وأراضيهم فاستغلوها أعواما باسم من الأسماءالعرفية المبنية على الظلم والجور مثل بعض البلدان الذين يفرقون بين ما هو ملك وما هو مشاع فهذا الأخير يحرمون منه المرأة .
وروى ابن حاتم عن أبي سعيد الحذري قال : قلنا يا رسول الله ، حدثنا ما رأيت ليلة الإسراء بك . قال : « انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير ، رجال كل رجل منهم له مشفران كمشفر البعير ، وهو موكل بهم رجال يفكون لحى أحدهم ، ثم يجاء بصخرة من نار فتقذف في في أحدهم حتى تخرج من أسفله ، وله خوار ، وصراخ ، فقلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ » قال : هؤلاء ( الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } البعير : ما صلح للركوب والحمل من الإبل ، وذلك إذا استكمل أربع سنوات ، ويقال للجمل والناقة..الخوار : الصياح
.والآية التي تبين أيدينا نزلت في رجل كان تحته يتيم وهو ابن أخيه وكان يأكل من ماله} وكذا من أكل مال أخيه الصغير أو أبناء أخيه.
خامسا} ومنهم من يبعث يتخبط كالمصروع وهو الذي أتته المنية متشطحا في المعاملة الربوية قال تعالى { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له؛ وذلك أنه يقوم قياما منكرًا. وقال ابن عباس: آكل

{1493}

لربا يبعث يوم القيامة مجنونا يُخْنَق. رواه ابن أبي حاتم، قال: وروي عن عوف بن مالك، وسعيد بن جبير، والسدي، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان، نحو ذلك.
وحكي عن عبد الله بن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، ومقاتل بن حيان أنهم قالوا في قوله: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } يعني: لا يقومون يوم القيامة. وكذا قال ابن أبي نَجيح، عن مجاهد، والضحاك، وابن زيد.

وروى ابن أبي حاتم، من حديث أبي بكر بن أبي مريم، عن ضمرة بن حبيب، عن ابن عبد الله بن مسعود، عن أبيه أنه كان يقرأ: "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس يوم القيامة " عن ابن عباس قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب. وقرأ: { لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } قال: وذلك حين يقوم من قبره.
قال سيد طنطاوي : فالآية الكريمة تصور المرابي بتلك الصورة المرعبة المفزعة ، التي تحمل كل عاقل على الابتعاد عن كل معاملة يشم منها رائحة الربا .
وهنا نحب أن نوضح أمرين :
أما الأمر الأول : فهو أن جمهو المفسرين يرون أن هذا القيام المفزع للمرابين يكون يوم القيامة حين يبعثون من قبورهم كما أشرنا إلى ذلك
قال الآلوسي : وقيام المرابي يوم القيامة كذلك مما نطقت به الآثار ، فقد أخرج الطبراني عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياك والذنوب التي لا تغفر . الغلول فمن غل شيئا أتى به يوم القيامة ، وأكل الربا فمن أكل الربا فبعثيوم القيامة مجنونا يتخبط " ثم قرأ الآية ، وهو مما لا يحيله العقل ولا يمنعه ، ولعل الله - تعالى - جعل ذلك علامة له يعرف بها يوم الجمع الأعظم عقوبة له .
. ثم قال . وقال ابن عطية : المراد تشبيه المرابي في حرصه وتحركه في اكتسابه في الدنيا بالمتخبط المصروع كما يقال لمن يسرع بحركات مختلفة : قد جن ، ولا يخفى أنه مصادمة لما عليه سلف الأمة ولما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير داع سوى الاستبعاد الذي لا يعتبر في مثل هذه المقامات " .
والذي نراه أنه لا مانع من أن تكون الآية تصور حال المرابين في الدنيا والآخرة ، فهم في الدنيا في قلق مستمر ، وانزعاج دائم ، واضطراب ظاهر بسبب جشعهم وشرهم في جمع المال ، ووساوسهم التي لا تكاد تفارقهم وهم يفكرون في مصير أموالهم . . . ومن يتتبع أحوال بعض المتعاملين بالربا يراهم أشبه بالمجانين في أقوالهم وحركاتهم . أما في الآخرة فقد توعدهم الله - تعالى - بالعقاب الشديد ، والعذاب الأليم .
وقد رجح الإمام الرازي أن الآية الكريمة تصور حال المرابي في الدنيا والآخرة فقال ما ملخصه : " إن الشيطان يدعو إلى طلب اللذات والشهوات والاشتغال بغير الله ، ومن كان كذلك كان في أمر الدنيا متخبطا . . . وآكل الربا بلا شك أنه يكون مفرطا في حب الدنيا متهالكا فيها ، فإذا مات على ذلك الحب صار ذلك حجابا بينه وبين الله
{1494}
- تعالى - ، فالخبط الذي كان حاصلا له في الدينا بسبب حب المال أورثه الخبط في الآخرة وأوقعه في ذل الحجاب ، وهذا التأويل أقرب عندي من غيره " .
وأما الأمر الثاني : فهو أن جمهور المفسرين يرون أيضا أن التشبيه في الآية الكريمة على الحقيقة ، بمعنى أن الآية تشبه حال بحال المجنون الذي مسه الشيطان ، لأن الشسيطان قد يمس الإنسان فيصيبه بالصرع والجنون .
ولكن الزمخشري ومن تابعه ينكرون ذلك ، ويرون أن كون الصرع أو الجنون من الشيطان باطل لأنه لا يقدر على ذلك ، فقد قال الزمخشري في تفسيره : " وتخبط الشيطان من زعمات العرب ، يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع . المس والجنون ، ورجل ممسوس - أي مجنون - وهذا أيضا من زعماتهم ، وأن الجني يممسه فيختلط عقله ، وكذلك جن الرجل معناه ضربته الجن ، ورأيتهم لهم في الجن قصص وأخبار وعجائب ، وإنكار ذلك عندهم كإنكار المشاهدات " .
ومن العلماء الذين تصدون للرد على الزمخشري ومن تابعه الإمام القرطبي فقد قال : " وفي هذه الآية دليل على فساد إنكار من إنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع ، وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس . وقد روى النسائي عن أبي اليسر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول : " اللهم إني أعوذ بك من التردي والغرق والهدم والحريق ، وأعوذ بك من أن يتخبطني الشيطان عند الموت ، وأعوذ بك من أن أموت في سبيلك مدبرا وأعوذ بك أن أموت لديغا " .
وقال الشيخ أحمد بن المنير : ومعنى قول الزمخشري أن تخبط الشيطان من زعمات العرب ، أي من كذباتهم وزخارفهم التي لا حقيقة لها ، كما يقال في الغول والعنقاء ونحو ذلك . وهذا القول من تخبط - الشيسطان بالقدرية - أي المعتزلة - في زعماتهم المردودة بقواطع الشرع ، ثم قال : واعتقاد السلف وأهل السنة أن هذه أمور على حقائقها واقعة كما أخبر الشارع عنها ، والقدرية ينكرون كثيرا مما يزعمونه مخالفا لقواعدهم . . من ذلك السحر ، وخبطة الشيطان ، وينبئ عنه ظاهر الشرع في خيط طويل لهم ، والذي نراه أن ما عليه جمهور العلماء من أن التشبيه على الحقيقة هو الحق ، لأن الشيطان قد يمس الإنسان فيصيبه بالجنون ، ولأنه لا يسوغ لنا أن نؤول القرآن بغير ظاهره بسبب اتجاه دليل عليه .اهـ
وروى البغوي : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ قَالَ: "فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رِجَالٍ كَثِيرٍ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَطْنُهُ مِثْلُ الْبَيْتِ الضَّخْمِ مُنَضَّدِينَ عَلَى سَابِلَةِ آلِ فِرْعَوْنَ -وَآلُ فِرْعَوْنَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ غُدُوًّا وَعَشِيًّا -قَالَ: فَيُقْبِلُونَ مِثْلَ الْإِبِلِ الْمَنْهُومَةِ يَخْبِطُونَ الْحِجَارَةَ وَالشَّجَرَ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ، فَإِذَا أَحَسَّ بِهِمْ أَصْحَابُ تِلْكَ الْبُطُونِ قَامُوا، فَتَمِيلُ بِهِمْ بُطُونُهُمْ فَيُصْرَعُونَ، ثُمَّ يَقُومُ أَحَدُهُمْ فَيَمِيلُ بِهِ بَطْنُهُ فَيُصْرَعُ، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَبْرَحُوا حَتَّى يَغْشَاهُمْ آلُ فِرْعَوْنَ فَيَرِدُوهُمْ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ، فَذَلِكَ عَذَابُهُمْ فِي الْبَرْزَخِ بَيْنَ الدُّنْيَا والآخرة { قال } 49/ب وَآلُ فِرْعَوْنَ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ أَبَدًا { قَالَ } وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ: "أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ"( 46-غَافِرٍ ) قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ

{1495}
هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ" رواه الأصبهاني من طريق أبي هارون العبدي، وهو واه. انظر: الترغيب والترهيب للمنذري:
.أخي المسلم فإن كنت لا تدري حكم الله في الربا فعفو الله يسعك فيما مضى وإن أقدمت عليه بعد العلم بتحريمه له فاسمع قول الله { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } أخي المسلم احذر التعامل به فإن الربا صاحبه مخلد في النار.والربا من أسباب عذاب القبر. ..روى أحمد عن سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ .....فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ يَسْبَحُ ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي قَدْ جَمَعَ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا حَجَرًا قَالَ فَيَنْطَلِقُ فَيَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ وَأَلْقَمَهُ حَجَرًا ......وفيه :<وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحِجَارَةَ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا >
وقال ابن كثير. روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت، فيها الحيات ترى من خارج بطونهم. فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا".ورواه الإمام أحمد، عن حسن وعفان، كلاهما عن حماد بن سلمة، به. وفي إسناده ضعف
سادسا} ومنهم من يبعث مطوقا بحجر في عنقه وهو الذي غير منار الطريق وسلب أراضي الغير وذلك لحديث سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ ظَلَمَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ> البخاري .في الفتح :قَوْله : " طُوِّقَهُ " لَهُ وَجْهَانِ :أحَدهمَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكَلَّفُ نَقْلَ مَا ظَلَمَ مِنْهَا فِي الْقِيَامَةِ إِلَى الْمَحْشَرِ وَيَكُونُ كَالطَّوْقِ فِي عُنُقِهِ ، لَا أَنَّهُ طَوْقٌ حَقِيقَةً
الثَّانِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِالْخَسْفِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ أَيْ فَتَكُونُ كُلّ أَرْضٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ طَوْقًا فِي عُنُقِهِ اِنْتَهَى . وَهَذَا يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ اِبْن عُمَر ثَالِث أَحَادِيث الْبَاب بِلَفْظ " خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ " وَقِيلَ مَعْنَاهُ كَالْأَوَّلِ ، لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَنْقُلَ جَمِيعه يُجْعَلُ كُلّه فِي عُنُقِهِ طَوْقًا وَيَعْظُمُ قَدْر عُنُقهُ حَتَّى يَسَعَ ذَلِكَ..
ومع هذا الوعيد نرى كثيرين يضيقون الطرقات ويغيرون الحدود بل يتحيلون على أراضي غيرهم فيسلبونها بدعوى القوانين والحيل ألا ما أتعسهم
سابعا} ومنهم من يبعث ولواء الغدر معلقا على ظهره وذلك الذي استأمنه الناس فخان وغدر وتنكر للعهد .لما في صحيح مسلم : عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ فَقِيلَ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ>
وقد كان معهودا عند العرب في الجاهلية أن الغادر يطاف به في الأسواق معلقا على ظهره ألوية مكتوبا عليها نوع الغدر . وهكذا يفعل به يوم لقياه أخي المسلم إما التوبة والإنابة وإما الفضيحة والعار يلحقك يوم تبلى السرائر وتظهر القبائح .

{1496}
ثامنا } منهم من يبعث يوم القيامة ساقط الجنب ميت النصف لميله بالمبيت إلى إحدى زوجاته وهجره للأخريات فالجزاء أخي المسلم من جنس العمل لما رواه أبو داوود الطيالسي عن أبي هريرة قال رسول الله ص} { من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط } وهكذا رواه أحمد وأهل السنن اهـ ابن كثير. أما الميل بالمحبة والقلب فلا يدخل صاحبه في هذا الوعيد لما رواه أحمد عن عائشة قالت كان رسول الله ص} { يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول { اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك } يعني القلب . ونزل قول الله { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم } في عائشة يعني أن النبي صْ كان يحبها أكثر من غيرهما وهذا معنى حديث أحمد { هذا قسمي فيما أملك } الخ
ومع هذا نرى كثيرين ممن تزوجوا أكثر من واحدة يهملون في الغالب المرأة الأولى أو كبيرة السن أو أم الأولاد فليتقوا الله في أنفسهم حتى لا يعرضوا أنفسهم لعذاب الله يوم القيامة ويفضحوا جزاء وفاقا.. والحمد لله بدءا أو ختاما }.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button