من ذاكرة "سبع وعشرين" من رمضان بابن جرير القديمة: بقلم التابي عبد الكريم

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية من ذاكرة "سبع وعشرين" من رمضان بابن جرير القديمة: بقلم التابي عبد الكريم

من ذاكرة "سبع وعشرين" من رمضان بابن جرير القديمة: بقلم التابي عبد الكريم


   
ht 
في زمننا الستيني والسبعيني، لم تكن "سبع وعشرين"، مجرد ليلة قالت الآية أنها "خير من ألف شهر"، وقالت أنها "تنزل فيها الملائكة والروح بإذن ربهم من كل أمر"، وقال الناس والاعتقاد الجمعي أن الجن والعفاريت يستمرون يسرحون ويمرحون، ولا تصدهم سوى رائحة الجاوي وصلبان وبقية البخور المعطرة رغم أنه جاء في صحيح البخاري "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين" رواه البخارى ومسلم.، بل كانت "سبع وعشرين" بمثابة عيد صغير داخل رمضان، وكان التحضير لتخليدها يحتاج هو الآخر إلى بعض المستلزمات المرتبطة بها، من شراء "الفاكية" وعلى رأسها "الشريحة" التي يحتفظ بالنوع الجيد منها، فيما يقتنى النوع الرديء أو شبه الرديء للتصدق به رحمة للوالدين من عين المكان بالبيوت أو خلال التنقل للزيارة بمقبرة بن عزوز.
كما هي عادة باقي المناسبات، تنعقد سوق الثلاث التي تسبق تخليد ليلة "سبع وعشرين"، وأول ما يصادفك وأنت تدخلها، روائح البخور الملون وعود الند، وتنشط حركة بيع الفواكه الجافة التي يزيد فيها حجم المعروض من "الشريحة"، كما يجد اللحم الدجاج و"البيبي" البلدي مكانا مهما لهما داخل السوق، اعتبارا لكون الدجاج الأبيض الذي يسميه البعض اليوم ب"المنكِر" لكونه "ملحدا كافرا" لا يقوقع كما يقوقع باقي الدجاج، لم يكن له ساعتها وجود.
في تلك الليلة يزيد منسوب الاشتغال عند النسوة بعمل إضافي على المعتاد مما يُحضَّرُ للإفطار، لأن الليلة ليلة "الرفيسة" و"الكسكس" في أغلب الأحيان، والذي يخصص منه "قصعة" للأسرة ومثلها ل"الجامع".
ولأن ابن جرير القديمة كانت عبارة عن دواوير صغيرة ببيوتها الواطئة وبساكنتها القليلة جدا، فقد كانت "الجوامع" المتربة تسع كل رجال الحي لأداء صلاة التراويح، خاصة وأن شعائر الصلاة والحج، كانت مقتصرة على من هم في عداد" الرُّجّالا"، ولم يكن غالبية الشباب والأطفال معنيون بها لاعتبارات لا علاقة لها بقناعة ما، ولكن هكذا كان تمثل الناس يقضي بأن تلك الشعائر لا يقوم بها إلا الكبار، عكس ما نراه اليوم حين تكتظ المساجد والساحات بكل الفئات العمرية ذكورا وإناثا، وحين نرى كثيرا من الشباب يذهبون إلى الحج والعمرة ويؤدون شعائرها، وحتى لقب "حاج" كان سيبدو غريبا إذا ما تمت المناداة به على شاب في العشرينيات مثلا.
في الجوامع تقام ليلة "سبع وعشرين" وفيها تُلتهَم "قصعات" الكسكس من طرف المصلين، ولا يترك الشبان الذين "يكجكجون" بالقرب من الجامع نصيبهم من تلك الولائم المتنوعة ل"الطعام"، لأنه كان منهم من لا مبرر لوجوده (يتصرهط) على مقربة منه، سوى أن يأتي على ما تبقى في "القصعات" ليأتي إلى الدرب الذي توجد به "مخشيشته"، ليتباهى أمام زملائه بأنه "عركها طعام" صح ما يتمكن.
تستمر الليلة البيضاء إلى غاية انبلاج خيوط الفجر وما بعده، ليعود المصلون الصامدون إلى بيوتهم.
في الصباح يذهب الناس إلى "روضة بنعزوز" لزيارة أهاليهم الموتى، فيحملون معهم بعضا من الشريحة والتمر في أكياس من الكاغد لأنه لم يكن ساعتها وجود ل"الميكا"، ويشرعون في توزيعه عند مدخل "الروضة" وحتى داخلها على بعض "المساكين"، وحتى على الأطفال الذين يجدونها فرصة لجمع أقصى ما يمكن من الشريحة.
في "الروضة" هرج ومرج ومشي بين القبور، وحزن وبكاء ونحيب للنساء على آبائهن وأمهاتهن وأبنائهن الموتى. ولا تتخلف بعضهن عن الاقتراب من تلك الشجرة المميزة من بين أشجار "الروضة" بما يعلق بأوراقها وأغصانها من "حجابات" و"صريرات" وشعر لمختلف القوارض والحيوانات، تكون الغاية من تعليقها تطبيق عملي لبعض معتقدات الشعوذة التي كانت سائدة على نطاق واسع وخاصة في أوساط النساء.
تنتهي الزيارة، فتشرع جماعات النسوة والأطفال والشباب، يعودون إلى منازلهم في كل دواوير ابن جرير القديمة، لتحضير مستلزمات يوم آخر من الأيام الثلاثة الأخيرة المتبقية من رمضان في انتظار الاستعداد ل"العيد الصغير" أي عيد الفطر.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button