كثيرة هي الأحداث المعلنة أو المخفية أو الطرائف الغريبة أو المستغربة، التي يحتفظ بها كثير من الجيل الذي عاش مع بعض رجالات السلطة في ابن جرير في الزمن الستيني إلى البدايات الأولى للتسعيني، وقادته رجلاه أن يكون طرفا فيها أو شاهدا على تفاصيلها. وتلك السلطة أو للدقة بعض من رجالاتها، لم يكونوا سوى نسخ كاربونية لزمنهم الذي تميز بكثير من العسف والجور على الناس أفرادا أو جماعات منظمة. وقد كان ذلك يدخل في عداد تطويع المواطن حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن اللياقة والآداب العامة، بل حتى وإن اقتضت الحال استعمال القوة، كما يبدو لنا اليوم لازال مستمرا في بعض بقايا تلك الثقافة السلطوية في تعامل بعض رجال السلطة مع المواطنين.
قد تكون كثير من السلوكات تغيرت أو نقص منسوبها حتى أضحى لرجال السلطة "أصدقاؤهم" و"أحباؤهم" في "المشتمع المداني" وعند غالبية الأحزاب والنقابات والإعلام والمحسوبين على الثقافة، ولم تعد الحاجة إلى التخويف بالكلام البذيء والعصا الخشنة، مادام هناك ما يكفي من الجزر.
ونستعرض اليوم في هذا المنشور مقتطفات مما جرى ذات زمن ثمانيني وتسعيني من طرف بعض رجالات السلطة بابن جرير، ليس إزاء شخص لذاته فحسب، وإنما تجاه أشخاص معنويين وفي الفضاء العام وعلى رؤوس الأشهاد.
1ـ "المال قبل الأخلاق. ومن لا مال له، لا أخلاق له":
عندما كانت جماعة ابن جرير متربة مغبرة ، بائسة وقانعة بنصيبها العاثر تحت سطوة الحركة الشعبية ، انعقد بدار الشباب بداية تسعينيات القرن الماضي، جمع عام لتجديد مكتب الفريق المحلي لشباب ابن جرير الذي كان يمارس بالقسم الثالث. ومن عجائب ذلك الزمن أن رئيس الدائرة المسمى "لغليمي"، هو الذي ترأسه وأشرف على أشغاله بطريقة استبدادية موغلة في التخلف وانعدام الحياء والمسؤولية، حيث أنه بعد أن شرع بعض الحاضرين في إبداء ملاحظاتهم واقتراحاتهم كالمصطفى مصطلح (الذي كان وقتها لا يتردد في نشر بعض الاختلالات التي تعرفها البلدة عبر جريدة "أنوال") والذي لم يكن يستساغ للمسؤول سالف وسيء الذكر، والذي تجاوز كل حدود اللياقة لما قال موجها كلامه بطريقة غير مباشرة لمصطلح ( كاين اللي ما كيعرف حتى يمشي مقاد، وكيدوي ف الرياضة)، وبلغت به الوقاحة مبلغها حين تدخل بخشونة زائدة، وقال قولته المشهورة : “المال قبل الأخلاق ومن لا مال له لا أخلاق له” واسترسل في الحديث بطريقة متعالية: ( أشوف أسيدي، حنا راه ما خصنا اللي يجي يخطب علينا ، وباش منبقاشيو نضيعو في الوقت ديالنا، اللي عندو خمسة دلملاين يجيبها ويحطها هنا قدامي، واللي عندو غير القمقومي ينوض أسيدي يعطينا التيساع) .فقام أحدهم في مشهد مسرحي "معيق" جدا ووضع شيكا بخمسة ملايين، ولم يكن هذا الشخص سوى محمد الشعيبي نائب أبيه الحاج كبور رئيس المجلس القروي لجماعة ابن جرير القروية، فقال له رئيس الدائرة : (الله يربح). فلما طلب ابريك عبودي الكلمة، رفض رئيس الدائرة، فقال العبودي: (هاني كنساحب، وغادي نسجلها)، فرد عليه: ( وايلي تنسحب، سير حتى للأمم المتحدة وعاود سجلها).
2 ـ هادوك الفلسطينيين ولاد الحرام، ما فبوهم الخير:
ثناء توتر العلاقة بين الراحل الحسن الثاني ومنظمة التحرير الفلسطينية منتصف الثمانينيات، تقدمنا نحن بعض المسؤولين في النادي السينمائي بابن جرير سنة 1987 (السي محمد بوخار وأنا) بالبرنامج الدوري لقائد الملحقة المسمى المعطي البقال، (لأن مخزن دولتنا المصونة كان يفرض الرقابة المسبقة على أنشطة الجمعيات والأندية السينمائية خاصة في المناطق شبه القروية كابن جرير) كان القائد المعطي سليط اللسان، وصاحب قاموس بذيء ساقط ..وكان ضمن البرنامج شريطان فلسطينيان.تفحص القائد البرنامج ، ولما وقع بصره على الشريطين، جحظت عيناه ، وانتفخت أوداجه ، وخرج الزبد من شفتيه وكأنه عثر على أدوات الجريمة، وصاح في وجوهنا غاضبا :
ــ واش نسيتو آش قال سيدنا ديك المرة أولالا ؟؟.ياك قال اللي باقي يجبد هدوك الفلسطينيين طلسو ليه دارو بهداك الشي …
ــ لا أ السي القايد ما نسيناش ولكن هديك راها مرحلة ومشات .
ــ شكون اللي قال ليك أسيدي مشات ؟ وأجيو بعدا انتوما : علاه أسيدي مبان ليكم غير الأفلام ديال هدوك ولاد الحرام !!! .مكاين لا أفلام ديال الحب !!!ولا أفلام ديال المصريين !!! .ياك شفتو هدوك ولاد الحرام اللي انتوما معمرين بيهم روسكم ، راه ما في والدين مهم خير .شحال عطيناهم ديال الفلوس من الكارو ومن ليسانس ديالنا . وكاع من ديك الهضرة هزو عليا كواغطكم !!!
3 ـ في انتخابات 1993 التشريعية التي شاركت فيها منظمة العمل بابن جرير وكان مرشحها عبد الجبار التابي، كان المقر المؤقت للحملة الانتخابية بحي افريقيا، مزينا بالأعلام الفلسطينية والعراقية، وكانت الأغاني والأناشيد الفلسطينية تنبعث صاخبة من المقر الذي كان عبارة عن كراج. ولما علمت السلطة بذلك، حل على وجه السرعة أحد القواد الذي لم أتذكر اسمه مصحوبا بعميد الأمن. وفي حالة من الغضب، شرع يصيح: أي هاي، وليتو دايرين لي السفارة ديال فلسطين هنا. وسيرو عندهم أسيدي هوما يوكلوكم الخبز. يا الله هبط علي داك الريدو.
4 ـ مزيان تبارك الله هي المخزن ما بقات عندو كلمة:
رئيس جماعة قروية من الرؤساء إياهم الذين كانت السلطة تختارهم بعناية فائقة ليسوسوا الناس وأحوالهم ، أقام وليمة باذخة دعا لها رجال السلطة وبعض المقربين الكبار .حضر الجميع في الوقت إلا رئيس الدائرة..مرت الساعات والمضيف ينتظر على أحر من الجمر. ولما غرغرت مصارين الضيوف من الجوع،أشاروا عليه بإحضارالأكل ما دام حضور رئيس الدائرة بات في حكم المستحيل ..تناول الضيوف طعامهم مريئا. وبعد أن فرغوا، فاجأهم الضيف الكبير الغائب بالحضور، فعم الخوف والارتباك، والرئيس المضيف يتلوى من الحرج والخوف. فبدا رئيس الدائرة غاضبا ومنفعلا، وخاطب مضيفه قائلا :
ــ تبارك الله ، تبارك الله ، ومزيان أسيدي ، مزيان .هيا المخزن مابقات عندو قيمة ..تعرض علي وتحط الماكلة ..وتجمع وتطوي ..ولات السيبة ..
وفي حالة من المذلة والخنوع ، شرع المضيف يتوسل إليه ويرجو مسامحته ويعده بوليمة أضخم منها : ها العار أسيدي ، أنا متـايب الله.
لما كان المجلس المنتخب لجماعة ابن جرير، بصدد انتخاب الرئيس سنة 1983، شعر ابريك عبودي الذي كان فاز بعضوية المجلس باسم الاتحاد الاشتراكي، أن هناك "تخلويضا" ما سيمكن الحركة الشعبية من الرئاسة، فخطف الصندوق الخشبي وهرب به، فتبعه بعض أفراد القوات المساعدة، فقال لهم القائد المعطي البقال: (وا غير خليوه يديه، يدير فيه الحناش).
(الصورة للقائد المعطي البقال الذي انتهى عاملا على عمالة إقليم تاوريرت).
لست ربوت