تؤكد الأعمال السردية العربية والعالمية التي صدرت في القرون الماضية، وتنبأت بحدوث أوبئة تفتك بالبشر، أن الأدباء هم الأقدر على استشراف المستقبل، وعلى التوقع واستباق الزمن لمعرفة ماذا سيجري، وتعتبر أعمالهم الإبداعية، الشاهد على ما وصلوا إليه قبل غيرهم من العلماء الذين تتيح لهم مختبراتهم الوصول إلى نتائج قد لا يصل إليها غيرهم من البشر..كثيرون اشتغلوا على علم الخوارق، وعلى الظواهر الباراسيكولوجية، وعلى الميتافيزيقا، والتخاطر، إلا أن الساردين من المبدعين كانوا الأقدر على رسم ملامح أوبئة المستقبل وفتكها بالبشر قبل اكتشافها، وفيما يأتي رصد تاريخي لأعمالهم السردية حسب سنوات تأليفها أوصدورها:
المجموعة القصصية «ديكاميرون» (1353م) التي سرد فيها الإيطالي جيوفاني بوكاتشيو قصة مجموعة من الشباب التي تحتمي من طاعون أصاب فلورنسا بوسط إيطاليا بالالتجاء لقصر توسكاني خارج المدينة.
تلتها الرواية التاريخية «صحيفة عام الطاعون» (1722) للإنجليزي دانيال ديفو (صاحب الرواية الشهيرة «روبنسون كروزو») والتي تحكي تجارب رجل عايش فترة الطاعون الذي ضرب لندن عام 1665.
وفي رواية الإنجليزية ماري شلي «الرجل الأخير» (1826) تخيـّل انقراض البشر مع نهاية القرن 21 نتيجة الأوبئة.
وتحكي المسرحية الشعرية التراجيدية «وليمة في زمن الطاعون» (1830) للروسي ألكسندر بوشكين مأساة جماعة أصدقاء إبان اجتياح الطاعون لمدينتهم.
وكتب الأمريكي إدغار آلان بو عام 1845 رواية «قناع الموت الأحمر» الذي يتسبب في موت ضحاياه بسرعة وبشاعة وسط عجز البشر عن الهروب من قبضة الموت.
أما إدوارد بولوير ليتون، فتتحدث روايته»العرق القادم»الصادرة عام 1871عن شاب رحال يسافر إلى أسفل سطح الأرض ويكتشف هناك جنسا من المخلوقات الملائكية التي تملك قوة خارقة تساعدهم على الشفاء والتغيير وتدمير الكائنات والمدن الأخرى .
وتحكي الرواية الشعرية «معسكر الكوليرا» (1896) لروديارد كيبلنغ قصة جندي في الهند البريطانية يعاني فوجه من الكوليرا.
أما رواية الوباء» الصادرة عام (1898) للفرنسي أوكتاف ميربو فتصف اجتماع مجلس بلدي بمدينة ساحلية يبحث كيفية التصدي لوباء.
وتخيّل رائد الخيال العلمي هـ. ج. ويلز في روايته الشهيرة «حرب العوالم»، الصادرة عام1898هبوط مركبات تقودها كائنات فضائية متطوّرة، تستعمر الأرض وتستعبد الناس، وفجأة بدأت تموت بصورة مفاجئة، لأنه لم تكن لديها مناعة ضدّ الجراثيم الأرضية.
وكتب جاك لندن رواية الطاعون القرمزي عام 1912 التي تدور أحداثها في أعقاب وباء يقضي على معظم البشرية.
وتحكي رواية «المرض الأبيض» الصادرة عام (1937) للتشيكي «كاريل تشابيك»عن نوع من الجذام يجتاح بلدا غير معروف يهدد كل أوروبا .
وهنالك رواية «الطاعون» لألبير كامو، التي صدرت عام 1947، وهي تتحدث عن دور الوباء في فناء البشرية.
كما تبرز رواية «بقايا الأرض» الصادرة عام (1949) لجورج ستيوارت التي تحكي عن «نهاية» التواجد البشري بسبب فيروس قاتل وعودة قيامه من جديد.
ومن روايات الأوبئة العربية على الصعيد السردي:»المصابيح الزرق» الصادرة عام (1954) للسوري حنا مينا.ورواية «السائرون نياما» الصادرة عام1963(1963) للمصري سعد مكاوي، وملحمة الحرافيش» (1977) لمواطنه الكاتب العالمي نجيب محفوظ
أما رواية «الموقف»أو «نهاية العالم» التي كتبها ستيفن كينغ عام 1978. فتبدأ نهاية العالم فيها من الإنفلونزا التي تمّ تعديل فايروسها في المختبرات العسكرية السرّية ليصبح سلاحاً بيولوجياً فتاكاً.. وتتمحور قصتها حول إطلاق سلالة معدلة لفيروس أنفلونزا ما يؤدي إلى جائحة تأتي على حياة أغلب سكان العالم.
غير أن العمل الأكثر جدلا حاليا هو رواية «عيون الظلام» (1981) لدين كونتز بسبب الاعتقاد السائد بتشابه أحداثها مع ما يجري حاليا في العالم من تفشي لكورونا خصوصا وأنها تتطرق في طبعتها الثانية لعام 2008 لقصة عالم صيني يهرب إلى الولايات المتحدة وهو حامل لسلاح بيولوجي خطير اسمه «ووهان 400» رغم أن طبعتها الأولى لعام 1981 كانت تشير لسلاح بيولوجي اسمه «غوركي 400» وليس «ووهان 400» .
ومن روايات الأوبئة العربية على الصعيد السردي:» «الوباء» (1981) للسوري هاني الراهب.
أما رواية «القلعة البيضاء» (1985) للتركي أورهان باموق إلى الفترة العثمانية في القرن السابع عشر وهي تستعرض قصة شاب إيطالي يتم أسره ليساق إلى اسطنبول, حين كان يضربها الطاعون.
ونشر الكاتب البرتغالي خوسيه ساراماغو عام 1995، روايته الشهيرة «العمى» التي تدور حول مرض غامض ينتشر بسرعة بين البشر.
وخلّدت رواية ماركيز «الحب في زمن الكوليرا» الصادرة عام1995، ذلك الوباء، رغم أنه لم يكن موضوعها، لأنها رواية عاطفية أصلا، ولكن عامل التلغراف فيها يموت في المحجر الصحي لاصابته بالكوليرا.
وفي أستراليا حققت رواية «عام العجائب» (2001) لجيرالدين بروكس نجاحا كبيرا حيث تحكي قصة خادمة بيت شابة في قرية إنجليزية موبوءة بالطاعون.
ومن كندا مارغريت أتوود وثلاثيتها الناجحة «أوريكس وكريك» (2003) و»عام الطوفان» (2009) و»ماد ادام» (2013) التي تحكي عن وباء طاعون أتى تقريبا على كل البشرية.
ويُعد المرض في رواية الروائي الانجليزي صموئيل بتلر، الخيالية «طريق البشر»الصادرة عام2003جريمة يعاقب عليها القانون، والمجرمون يتلقون العلاج الطبي بشفقة.
وتصف رواية جورج ر. ستيوارت «بقايا الأرض»، عالماً خالياً من البشر بعد أن فتك بهم فيروس غريب.
أما رواية «نمسس» (2010) لفيليب روث فتتطرق لوباء شلل أطفال يصيب حيا يهوديا مغلقا بنيوآرك بنيو جرسي.
ويتميز خصوصا نص الكاتب السوداني أمير تاج السر «إيبولا 76» الصادر عام (2012) الذي يحكي عن «حمى نزيفية» تضرب منطقة حدودية بين جنوب السودان والكونغو .
ولا يخلو عمل الروائي الشهير دان براون «الجحيم» (2013) من رعب الأوبئة أيضا إذ يحكي عن عالم بيولوجي يؤمن بأن الانفجار السكاني في العالم سيؤدي إلى نهاية البشرية فيعمل على إنقاذها من خلال ابتكار فيروس فتاك يطلقه في تركيا ليعم بعدها كل البسيطة، وقد تم تحويل هذا العمل لفيلم سينمائي في 2016 من بطولة توم هانكس.
أما رواية «إقفال» (2014) لجون سكالزي فتروي بدورها قصة فيروس يصيب العالم ويتسبب بوفاة مئات الملايين.
وأما في كندا فهناك الروائية إيملي ماندل وعملها «المحطة الحادية عشرة» (2014) الذي يتطرق لوباء أنفلونزا خنازير يضرب منطقة البحيرات العظمى على الحدود الكندية الأمريكية
وفي اليابان تبرز رواية «آخر أطفال طوكيو» (2018) ليوكو طاوادا التي تدور حول كارثة بيئية وبائية تصيب العاصمة اليابانية وتجعل أطفالها يموتون بينما كبار السن يعيشون إلى الأبد.
أما رواية أحلام القيامة الصادرة في القاهرة عام2018، للروائي المصري محمد جمال، فقد تنبأت الرواية بتفشي فيروس كورونا، وتدور أحداثها المتخيلة حول وباء انتشر في مصر، جاء عبر الخارج عن طريق العدوى في أحد المطارات الدولية. وهناك أوجه تشابه مذهلة بين ما يحدث حاليا ورواية «أحلام القيامة» التي تتحدث عن انتشار هذا الوباء المتحور من الإنفلونزا في دول الخارج، وعن انتشاره في إيطاليا تحديدا، وعن الذعر الذي ساد المجتمع من الوباء، وعن الوفيات التي ذكرها الكاتب بوضوح وذكر عددها في الرواية، وعن العقار الذي تقوم بتطويره شركات الأدوية الضخمة وتتحكم فيه لتقوم بتحقيق أرباح خياليه في غمضة عين، وعن دور رجل أعمال شاب مصري يسعى جاهدا لمكافحة الوباء وعلاج صديقه الحميم الذي وقع فريسة الوباء.
وثمة رواية جديدة تحمل اسم «نهاية أكتوبر» للكاتب لورانس رايت، تتخيل في سردها ما قد يحصل إن تفشى وباء خلال مناسك الحج في موسم يجذب الملايين من الحجاج المسلمين من حول العالم إلى مكة، وهو الأمر الذي طالما تطرق له العاملون في القطاعات الطبية معبرين عن القلق من التجمعات الدينية الكبيرة. البطل في الرواية التي ستنشر في الـ28 أبريل/ نيسان 2020 هو عالم أوبئة من منظمة الصحة العالمية، يسابق الزمن للعثور على علاج قبل أن يقضي الفيروس على الحضارة، أما الفيروس فصوره على أنه غامض وقاتل وشرير عبقري يتخفى عن العلماء الذين يحاولون فهمه ووقفه.
محمد المشايخhttps://www.addustour.com/
لست ربوت