الحمد لله الذي خلق فسوى وقدرفهدى ووعد فوفى وأوعد فعفى نحمده حمدا يليق بجلاله .موضوع اليوم :<< الفساد والإفساد في الأرض >> أيها المسلمون .إن كل انحراف في الكون عن جادة الكتاب الخالد أو هدي النبي الصادق يسبب للبشرية الخلل على الكورة الأرضية ويخلق لهم المتاعب والشقاء والقلاقل ويثير النعرات وينمي الأحقاد ويذهب بالأمن والثقة فتسوء الأحوال وينمو الشر وتضمحل الفضيلة لذا أصبح الأمن السياسي والغداءي في بلاد العرب والمسلمين في مهب الريح فياليتهم فهموا معنى قوله عليه الصلاة والسلام الذي رواه مالك في الموطإ قال : بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ.قال الباجي : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم تَرَكْت فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا عَلَى سَبِيلِ الْحَضِّ عَلَى تَعَلُّمِهَا أَوْ التَّمَسُّكِ بِهِمَا وَالِاقْتِدَاءِ بِمَا فِيهِمَا وَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا سَنَّهُ وَشَرَّعَهُ ، وَأَنْبَأَنَا عَنْ تَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِهِ ، وَهَذَا فِيمَا كَانَ فِيهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ فَمَرْدُودٌ إِلَيْهِمَا وَمُعْتَبَرٌ بِهِمَا
إن من يتأمل بلاد المسلمين الآن في هذه الأزمان التي تخلوا فيها عن هدي القرآن والسنة واكتفوا بما تهواه أنفسهم فقط و مدى الانحطاط في الفضيلة والعدوان في السلوك ليدرك عقوبة الله لهم بسبب قبولهم بالفتاة فقط من هدي القرآن والسنة وتسيبهم في الأخلاق بما لم يسبق له مثيل في تاريخهم .
.إذن ما هو الإفساد في الأرض؟ الإفساد في الأرض على قسمين: إفساد بتعطيل الديانات، وإفساد بإرهاق الأنفس وقتلها، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة آل عمران: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ } [البقرة:204-205إن الإصلاح والإفساد خلقان متضادان حث الإسلام على الأول ونهى عن الآخر واعتبره من الآثام العظيمة ، وقد ورد لفظ الفساد أو الإفساد وما اشتق منهما في القرآن الكريم نحو اثنان وأربعين موضعاً منها : قوله تعالى في وصف المنافقين : " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون " . وقد وصفت الملائكة الكرام بني آدم بأنهم مفسدون وأعلمهم الله أن فيهم المصلحون فقال عز وجل : " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون " ، وغيرها من المواضع التي ذمت المفسدين وأظهرت سوء خلقهم بهذا الإفساد .ومقابل الإفساد : الإصلاح لغة: ضد الإفساد وهو من الصلاح المقابل للفساد ، وللسيئة.. وفى القرآن الكريم:{خلطوا عملا صالحا وآخرسيئا}التوبة:102 ، {ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها}الأعراف:56. فالإصلاح هو التغيير إلى الأفضل ،
<2332>
فالحركات الإصلاحية هي الدعوات التى تحرك قطاعات من البشر لإصلاح مافسد ، فى الميادين الاجتماعية المختلفة ، انتقالا بالحياة إلى درجة أرقى فى سلم التطور الإنسانى.
أولا>>>> الترهيب من الفساد وقد جاء في الأحاديث الشريفة ما يبين عظم إثم الإفساد وشره فقد روى الإمام أحمد في مسنده " عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة قالوا بلى قال إصلاح ذات البين ، وفساد ذات البين هي الحالقة " ، والحالقة عباد الله هي التي تحلق الدين أو تحلق الحسنات .وإن من أعظم ما يدل على عظم وزر الفساد والمفسدين ما جاء في كتاب الله عن قارون سيد المفسدين في الأرض يقول الله تعالى : " إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين * وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين * قال إنما أوتيته على علم عندي " ، وساق الله عز وجل لنا في هذه الآيات مثالاً على المفسدين وهو قارون وقد وهبه الله رزقاً كثيراً فأنكر نعمة الله عليه واد وادعى أن هذا المال بفضل قوته وتعبه في تحصيله لا بفضل الله فتغطرس وتكبر على الله فكانت نهايته كما قال تعالى : " فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله. ثم قدم القرآن الكريم النتيجة التي يجب حملها والفكرة الصحيحة حول الحياة في الأرض فقال : " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين *أيها المسلمون : لنتمثل جميعاً بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم بحديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه : " لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل " ، والخب الذي يفسد بين الناس .قال تعالى : < ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها > أي: و قال : ولا تعثوا في الارض مفسدين >>.وقال تعالى على لسان إخوة يوسف :< ما جئنا لنفسد في الأرض ومكنا سارقين >>وقال : < والله لايحب الفساد >>
2 \ ثانيا>>>> جزاء المفسدين > كقطاع الطرق من اللصوصيين قال تعالى : < إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا >>قال النبي صلى الله عليه وسلم: { مَن سن في الإسلام سنة سيئة فعُمِل بها بعده كُتِب عليه مثل وزر مَن عَمِل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء } رواه مسلم .وفي لفظ لـ مسلم أيضاً: { مَن دعا إلى ضلالة } الحديث. فهذان اللفظان -عباد الله- صريحان كل الصراحة في تحريم سن الأمور السيئة وإشاعتها بين الناس، سواء كان ذلك تعليمَ علمٍ أو أدبٍ أو عبادةً أو غيرَ ذلك، وسواء كان العمل بها في حياته أو بعد مماته: { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ } [النحل:25] { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ } [العنكبوت:13] .ولقد جاء في السنة النبوية ما يدل على نسبة الأحداث إلى محدثها، وأنه يتحمل إثمه إلى يوم القيامة جراء ما أوقع فيه غيره من إخلال بنهج الله وشرعته، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: { ما من نفس
<2333>
تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم كِفل منها؛ لأنه أول من سن القتل } رواه البخاري و مسلم .ويقول صلوات الله وسلامه عليه كما في الصحيحين في قصة صلاة الكسوف: { رأيت عمرو بن لُحَي يجر قُصْبَه في النار؛ لأنه أول من سيب السوائب، وغيَّر دين إبراهيم } .وقد ذكر أهل العلم دروساً كثيرة كانت سبباً في الإحداث بين المسلمين وإضعاف دينهم، بما جلبوه في أوساطهم مما يفرق ولا يجمع، ويضر ولا ينفع:
- كـ ابن سبأ : الذي قتل الخليفة عثمان رضي الله عنه.- و عبد الرحمن بن ملجم : قاتل علي رضي الله عنه.- و الجعد بن درهم ، و الجهم بن صفوان : اللذَين أدخلا الضلال إلى بلاد المسلمين في أصلٍ عظيم من الدين وهو الاعتقاد.
- وكـ المأمون : الذي أنشأ دار الحكمة، والتي ترجم من خلالها كتب فلاسفة اليونان، وناضل عن القول بخلق القرآن، وامتحن الناس في أرواحهم وعقائدهم، حتى قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الله لا يغفل عمل المأمون حينما أدخل علم الكلام، ونصر القول بخلق القرآن، وامتحن الناس فيه.- ومِن بعدِهم كثير وكثير ممن أحدثوا في الدين محدثات سارت بها الركبان وكان لها في الإفساد في الدين في سائر جوانبه كما فعل بولس بدين النصرانية ، وفي بعض المُثُل كفاية وغُنْيَة لمن هم في الفَهم فُحُل.اهـ خطبة سعود الشريم .
3ثالثا>>معنى الإفساد في الأرض\\
وإذا سألت عن معنى الصلاح والفساد، فالجواب أن الصلاح هو كل ما شرعه رب العالمين، والفساد ضده وهو كل ما خالف شريعة رب العزة جل جلاله، و معنى قوله تعالى ( ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها) أي :بعد إصلاحها ببعثة الرسل وإنزال الكتب وهداية الناس إلى ما فيه الخير. وقد ذكر المفسرون في تفسير الآية أقوالا متعددة كلها صحيحة داخلة في المعنى العام الذي ذكرنا منها ما ذكر لعظم شأنه ومنها ما ذكر على سبيل ضرب المثال.-فقالوا:"ولا تفسدوا فيها بدعاء غير الله تعالى بعد لإصلاحها بتوحيده"، ولا شك أن الشرك في الدعاء والعبادة أيضا فساد عظيم (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان/13] والآية واردة في سياق ذكر الدعاء كما هو ظاهر وقد قال المولى عز وجل قبلها (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ولكن المعنى أعم من ذلك.-وقالوا :"ولا تفسدوا فيها بالكفر بعد إصلاحها بالإيمان"، ولا فساد أعظم من جحود الخالق جل جلاله وتكذيبه والخروج عن شريعته، بل ذلك أصل الفساد وعموده وذروة سنامه.-وقالوا :"ولا تفسدوا فيها بالمعصية بعد إصلاحها بالطاعة"، والمعاصي ومخالفات العباد فساد معنوي مسبب لفساد آخر حسي، وهو فساد العقوبات الربانية كما قال تعالى : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم/41]
-وقالوا:"ولا تفسدوا فيها بالظلم بعد إصلاحها بالعدل"، أي بظلم الناس والتعدي على حقوقهم.-وقالوا :"ولا تفسدوا فيها بقتل المؤمن بعد إصلاحها ببقائه"، وهذا من معاني الظلم للعباد المذكور في المعنى السابق، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، من أعظم الفساد، قال تعالى : (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة/205]قال ابن عطية (2/477):" ألفاظ الآية
<2334>
عامة تتضمن كل إفساد قل أو كثر بعد إصلاح قل أو كثر والقصد بالنهي هو على العموم، وتخصيص شيء دون شيء في هذا تحكم إلا أن يقال على وجهة المثال، قال الضحاك معناه لا تغوروا الماء المعين ولا تقطعوا الشجر المثمر ضرارا، وقد ورد قطع الدينار والدرهم من الفساد في الأرض، وقد قيل تجارة الحكام من الفساد في الأرض "قال الألوسي (8/140):"نهى عن سائر أنواع الافساد كافساد النفوس والأموال والأنساب والعقول والأديان بعد إصلاحها أي اصلاح الله تعالى لها وخلقها على الوجه الملائم لمنافع الخلق ومصالح المكلفين وبعث فيها الأنبياء بما شرعه من الأحكام". أعظم فساد في الأرض
وإذا كانت الآية عامة لأنواع الفساد شاملة لكل ما قيل فيها وما لم يقل ، فإن إفساد العقائد هو أعظم فساد في الأرض ، لأن التوحيد هو الحقيقة التي أرادها الله من العباد ومن أجلها خلقهم وهو علة بعثة الرسل وإنزال الكتب وهو حق الله تعالى على جميع العباد، قال ابن القيم رحمه الله تعالى:"وبالجملة فالشرك والدعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره ومطاع متبع غير رسول الله هو أعظم الفساد في الأرض ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا أن يكون الله وحده هو المعبود والدعوة له لا لغيره والطاعة والاتباع لرسوله ليس إلا ، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة، فإن الله أصلح الأرض برسوله ودينه وبالأمر بتوحيده ونهي عن إفسادها بالشرك به وبمخالفة رسوله.
ومن تدبير أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو وغير ذلك فسببه مخالفة رسوله والدعوة إلى غير الله ورسوله.ومن تدبر هذا حق التدبر وتأمل أحوال العالم منذ قام إلى الآن، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين؛ وجد هذا الأمر كذلك في خاصة نفسه وفي حق غيره عموما وخصوصا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".المبتدع مفسد في الأرض بعد إصلاحها
ومن أظهر المفسدين في الأرض بعد إصلاحها بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم المبتدعة الذين يغيرون معالم الدين، ويزعمون أنهم يحسنون صنعا، وأنهم يزيدون في التقرب إلى الله تعالى، وهم لا يزدادون منه إلا بعدا، لأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ولأن عمل المبتدع مردود عليه. وإذا كان الشرك والمعاصي من أعظم أسباب ظهور الفساد في الأرض، فكذلك المبتدعة يسببون الفساد في الأرض؛ وذلك أن البدعة في الأزمنة المتأخرة تغلظت وأوصلت أهلها في معظم الأحيان إلى الشرك بالله تعالى، كبدعة التصوف فإنك لا تجد اليوم صوفيا إلا وهو غارق في مظاهر الشرك إضافة إلى تلبسه بأنواع البدع العملية. وإذا نظرنا في تاريخ هؤلاء المبتدعة وأثرهم في بلاد الإسلام وجدناهم كانوا بلاء عظيما عليها من جميع النواحي؛ الدينية والدنيوية والثقافية والاجتماعية، فقد حرفوا الدين ومعنى التدين وصيروه أشبه ما يكون بدين النصارى، وأدخلوا في المجتمعات عادات سلبية وأفكارا سامة كبلت عقول الناس وقتلت هممهم، ولقد كانوا في كثير من الأحيان سببا في زوال دول إسلامية وفي تمكن الاستعمار الصليبي الحديث من بلاد الإسلام.
<2335>
والذين يريدون إحياء الطرق الصوفية بعد ما قبرت ، ومحق دعوة الإصلاح في هذه البلاد بعدما انتشرت من أكبر المفسدين الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة.
وقال تعالى \{ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ } [البقرة:27] الفساد في الأرض قال بعضهم: بقتل الأنفس كما يفعل بعض السفاكين المجرمين, تجده يسفك البشر سفكاً ذريعاً, ويقتل الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء المتهمين، ويعلن حالة الإعدام، والإبادة, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [البقرة:204] إذا تكلم أمام الجماهير فإذا به يتكلم كلاماً معسولاً ولكن كلامه عسل، وضربه أسل, قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } [البقرة:204-206]
ومنهم من يفسد في الأرض بكلامه، فتجده دائماً يزعزع الإيمان في قلوب الناس, إذا رأى شاباً مهتدياً هداه الله وبصره، ودله الله وسدده، بعد أن كان في الظلام وفي حيرة، بعد أن كان مع الأغنية الماجنة، والمجلة الخليعة، ومع رفقاء السوء، والمقاهي والمنتديات، والساعات الحمراء، فلما هداه الله أتى إليه ذاك يقول له: أصبحت متزمتاً؟! متطرفاً؟! شوهت جسمك، وشوهت نفسك، وخربت مستقبلك، وهدمت طريقك, فيبقى يوسوس له حتى يفسده وهذا من الإفساد في الأرض.فكثير من الناس زعزعوا بهذا الكلام, وقد جلسنا مع شباب كثير قد اهتدوا لكن لما جالس المفسدين أضلوه، يأتي إليه الأول فيسخر منه، ثم الثاني فهزه بكلمة، ثم الثالث ثم الرابع حتى ترك الهداية ! فهذا من الإفساد في الأرض..............................
من الإفساد في الأرض إشاعة الفاحشة وتتبع العورات وقيل: من الإفساد في الأرض قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا } [النور:19] الرجل المفسد في الأرض هو الذي يحب الفساد, لذا بعض الناس يكتب في الصحف والمجلات: المرأة مظلومة, المرأة لا تزال مقيدة, المرأة هنا ما عرفت النور, ماذا يريد؟! يريد شراً ويريد جحيماً وفاحشة، لكن ظاهره من قبله الرحمة وباطنه من قبله العذاب, فيظهر للناس أنه يريد الخير للمرأة لكنه يريد التبرج والسفور, ويريد أن تشارك في الأعمال والوظائف ليفسد المجتمع, وقد رأينا جيراننا وما حولنا من القرى ماذا فعلوا، فضاعت شيمهم، وقلوبهم وعقولهم، ومناهجهم يوم خرجت المرأة لتعمل موظفة ورئيسة ووزيرة، حينها ضاعت قلوبهم وأفكارهم وعقولهم.ومن الناس من يفسد في الأرض بأن تجده دائماً في الأسواق يتابع أعراض المسلمين, عينه تزني، وكذا يده، وبطنه، وفرجه, كلما أتى له مدخل فعل ذلك, فهو من المفسدين في الأرض إلى غير ذلك من الأمور التي تشمل الإفساد، فهي كلمة عامة تشمل كل ما يغضب عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويبغضه ولا يحبه من إفساد العامة والخاصة، الظاهر والباطن، من المعاني والمحسوسات، والله المستعان!
اهـ عائض القرني
4>>خطروأثر الإفساد في الأرض
<2336>
1>ـ تنعدم الثقة بين الناس .2>ـ تنموا الجريمة وتعشش وتفرخ 3>ـ تكون الغلبة للأقوياء 4>ـ تهضم الحقوق وينعدم العدل ويندثر .5>ـ يكثر البغاء وتنمحي الفضيلة من أخلاق الكثيرين .6>ـ تنقلب الحقائق رسا على عقب فيصدق الكاذب ويكذب الصادق .7>ـ تقسوا القلوب وتنمحي الرحمة من الناس للناس.8>ـ يفشو أبناء الزنا بدليل هذه الدور المعدة للأبناء المتخلى عنهم .9>>ـ ينمو السكر والعهر والمخدرات وتنمو ظاهرة الزنا .
ومن الآيات القرآنية التي ينبغي للمؤمن أن يقف عندها في سياق ذكر الإصلاح قوله عز وجل: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) [الأعراف/56].ويلاحظ في هذه الآية الكريمة أن الله عز وجل لم ينه عن الفساد نهيا مطلقا، وإنما نهى عن الإفساد بعد الإصلاح، وهو معنى زائد عن مجرد عن النهي عن الإفساد، وفي ذلك دلالة على أن الأصل في الأرض هو الصلاح وأن الفساد هو الطارئ، لأن الله تعالى خلق الخلق كلهم فأحسن خلقهم بما في ذلك الأرض وما فيها.وفيه دلالة على أن الإفساد بعد الصلاح أعظم جرما وأشد قبحا من مجرد الإفساد، فلا يستوي من أحدث الفساد بعد الصلاح مع من وجد الناس على فساد فسار على طريقهم، ويدل على ذلك قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شيء" رواه مسلم (1017)
ومما لا يُشك فيه أن جرم من كان فساده متعديا إلى غيره أعظم ممن كان فساده على نفسه، وأن جرم من حارب دعوة الرسل واضطهد أتباع الرسل وسعى في الإفساد في الأرض أعظم من إفساد من لم يفعل ذلك.
5>>أنواع الفساد:\
يخطئ من يظنّ أنّ الفساد في الأرض نوع واحد فقط أو نوعان... إنّ للفساد أنواعاً كثيرة مختلفة، ولكلّ نوع منها صور عديدة ومتنوعة.. وقد اجتهدت في استقصاء أصول أنواع الفساد ليكون المسلم منها على حذر، فيحذرها على نفسه أوّلاً، ثمّ يحذر من أهلها، كفانا الله شرّ الفساد والمفسدين، فمنها:
1. أولها ـ وهو أعظمها ـ الفساد العقدي، وهو اعتناق دين غير دين الإسلام الحقّ، من يهودية أو نصرانية أو غيرها من الأديان الأخرى، قال تعالى: { ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }[آل عمران: 85]. ومن صور هذا الفساد أيضاً: الشرك، وهو إشراك غير الله معه في العبادة وإن ادّعى صاحبه أنّه مسلم، فكلّ من دعا غير الله أو استغاث بغيره من الأموات والغائبين، أو نذر أو ذبح لغير الله .. الخ، فهو فاسد مشرك عياذاً بالله تعالى قال تعالى: { ومن أضلّ ممّن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون }[الأحقاف: 5].
2.ثانيها الفساد المذهبي أو الطائفي، وهو اعتناق مذهب غير مذهب أهل السنّة والجماعة وسلف الأمّة، من باطنية أو خارجية، أو اعتزالية أو أو صوفية أو غير ذلك من المذاهب المنحرفة الضالّة..
<2337>
3.ثالثها الفساد الفكري، وهو خلل في التفكير ناتج عن الثقة المفرطة في العقل بحيث يظنّ صاحبه أنّه على صواب وهو على خطأ، وأحياناً يتبيّن له الحقّ لكنّه يكابر ويتعامى عنه لهوى في نفسه، والمذاهب الفكرية كثيرة ومتنوّعة أشهرها ( اللادينية )، وهو ما يعرف بالعَلمانية، ثمّ جرى تخفيفها إلى ما يسمّى بالليبرالية ليتقبّلها الناس، وهي التي يرى أصحابها ضرورة فصل الدين عن الحكم، وعن جميع مناحي الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخ، بحيث يصبح الدين مجرّد علاقة محدودة بين العبد وربّه. ولذا فهم يطالبون بإقامة ما يسمّونه بالدولة المدنية (اللادينية).
4.رابعها الفساد الإداري، وهو خلل في الإدارة ناتج عن استغلال المسؤول الإداري منصبه لتحقيق مصالح شخصية أو حزبية، منها: تقديم غير الأكفاء على الأكفاء إمّا لقرابة أو صداقة أو تزلّف لمسؤول أكبر أو لتوافق في الفكر ونحو ذلك، وهو ما يسمّى في لغة العامّة بالمحسوبية، أو بحسب التعبير النبوي الشريف: ( أن يوسّد الأمر إلى غير أهله )، وقد ذكر عليه الصلاة والسلام أنّ ذلك من علامات قرب قيام الساعة. ومنها: انشغال المسؤول الإداري بأمور أخرى شخصية خارج نطاق العمل، ممّا يتسبب في الإهمال والتأخير وضياع مصالح الناس والدولة أو تأخرها. ومنها: ضعف المتابعة والرقابة على الأعمال والموظّفين وترك محاسبة المقصّرين منهم، مّا يشجعهم على الاستمرار والتمادي ..
5. خامسها الفساد المالي، وهو فرع عن الفساد الإداري، وهو أن يستغلّ المسؤول الإداري منصبه للحصول على مكاسب مالية والاتّجار غير المشروع، ومن صوره: الاختلاس والارتشاء والغلول ( الهدايا المشبوهة ) والشراكة غير المشروعة. وهذا النوع من أكثر أنواع الفساد انتشاراً في هذا الزمن، حتى بات الكثيرون يشتكون منه
6.سادسها الفساد الأخلاقي والسلوكي، وهو من أشهر أنواع الفساد بحيث لا يحتاج إلى تعريف، وهو يعتمد ـ في الغالب ـ على إخراج المرأة من بيتها، وتشجيعها على التبرّج والسفور والاختلاط بالرجال الأجانب والتمرّد على الأخلاق والدين والقيم، والتمرّد على وليّها، وذلك من شأنه إفساد المجتمع بأكمله، وانشغال أفراده بالشهوات والحرام، ولذا قال قطب من أقطاب الماسونية: "علينا أن نكسب المرأة، فمتى ما مدّت إلينا يدها فزنا بالحرام، وتبدّد جيش المنتصرين للدين". ويقول آخر: " كأس وغانية يفعلان في تحطيم الأمّة المحمّدية أكثر من ألف مدفع، فأغرقوها في حبّ الشهوات ".. وهذا هو السرّ في حرص المفسدين على إخراج المرأة من بيتها ودعوتها إلى الاختلاط المحرّم والتبرج والسفور، كما أنّ أصحاب هذا النوع من الفساد يحرصون ـ مكراً منهم ـ على التقليل من شأن هذا الفساد بل تبريره وتطبيعه، في الوقت الذي يضخّمون فيه خطر بعض الأنواع الأخرى من الفساد، كالفساد الإداري والمالي لحاجة في نفوسهم، بل هي مكشوفة، وهي استمرار سعيهم في أفساد المرأة وتغريبها دون نكير . هذا ما ظهر لي من أنواع الفساد التي يجب مكافحتها والقضاء عليها، لإقامة مجتمع نظيف طاهر آمن متقدم، وهي كلّها ذنوب تجب التوبة منها جميعاً، وهي من أسباب وقوع العقوبات والكوارث الخاصّة والعامّة، وليس ذلك مقصوراً
<2337>
على بعضها دون بعض كما يظنّ كثير من الناس، لكن إذا اجتمعت أو اجتمع بعضها كان ذلك أدعى لوقوع العقوبة والكارثة، والله ولي التوفيق،وهو الهادي إلى سواء السبيل.د. محمّد بن عبد العزيز المسند 6/3/1432هـ
ثامنها>> الغش فساد كنقص الكيل والتلاعب بالأسعار والغرر ، \\في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا
تاسعا>>رمي الأزبال في الأماكن العامة فساد وقلع الأشجار فساد وردالترهيب في تلويث البيئة: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ > أبو داود . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ قَالُوا لِقَتَادَةَ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ قَالَ كَانَ يُقَالُ إِنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ}أحمد وأبو داود
عاشرها>>زرع المخدرات وبيعها فساد لجمال طبيعة الأرض وبيئة القلوب . شيوع المخدرات في المجتمع هذا الداء الخطير الذي يلتهم شبابنا كل يوم ويوقعهم في مستنقعات المشاكل ودوامة الصراعات والإلقاء بهم وراء القضبان ناهيك عن الكثيرين ممن فقدوا عقولهم ويتموا صغارهم وضيعوا بيوتهم كما حدث لأحدهم ممن له بنتان وولد أدمن على المخدرات حتى ضاعت الوظيفة منه وضاعت النفقة وتهدم البيت وعلى إثر هذا فقد عمره لكن من العجيب أن قامت زوجته من بعده فسددت ديونه من خلال ما تجمعه من أقاربها ومن المحسنين وبالتالي حجت عنه هل يتسحق زوج كهذا هذا الوفاء اهـ الإنهيار الأسرى لمحمد صالح المنجد ....وقد جاء في كتاب المخدرات للعلامة مخيمر ما يلي: ففي صحيفة البلاد السعودية تحت عنوان{المخدرات دمرت أسرتي}وذلك عام 1990 إن شابا جاء إلى الصحفي وعيناه مملؤتان بالدموع قائلا:كنت مع أبي وأمي وأختين صغيريتن فكان أبي موظفا في إحدى الدوائر الحكومية وكان يحسن إلينا حتى ألمت به رفقة سيئة بدأ يتعاطى معهم للمخدرات يعني حقن الهروين والمورفين ففصل عن الوظيفة وضاعت الأسرة فكانت أمي أولى ضحايا المخدرات لما عمد إلى قتلها فكان مصيره السجن المؤبد وأحيلت الصغيرتان إلى دار الأيتام وكان نصيبي أنا وأخي دار أيتام أخرى فكبرنا وفي يوم من الأيام ساقني قدماي إلى امرأة سيئة جمعت بيني وبين فتاة وسيمة لا تعرف الابتسامة فقلت لها كأن لك قصة فذكرت ما حلت بأسرتنا فصحت ماذا تقولي أنت هناء قالت نعم وكيف عرفت اسمي قلت لها أنت أختي وأنا أخوك سمير.......مشهد مؤثر سببه ذيوع المخدرات في المجتمع ولقد بين النبي{ص}أن من علامة حلول البلاء بالمجتمع فشو الخمر والمخدرات به عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة ، حل بها البلاء » . قالوا : يا رسول الله ، وما هي ؟ قال : « إذا كان الفيء دولا ، والأمانة مغنما ، والزكاة مغرما ، وأطاع الرجل زوجته ، وعق أمه ، وارتفعت الأصوات في المساجد ، وبر الرجل صديقه ، وجفا أباه ، وأكرم الرجل مخافة شره ، وكان زعيم القوم أرذلهم ،واتخذت القيان ، والمعازف ، وشربوا الخمور ، ولبسوا الحرير ،
<2338>
فانتظروا مسخا ، وخسفا » لم يرو هذا الحديث عن يحيى إلا فرج بن فضالة> الفيء : ما يؤخذ من العدو من مال ومتاع بغير حرب ..قوله القيان : جمع قينة ، وهي : الجارية المغنية .رواه الطبراني في المعجم الأوسط ورواه الترمذي وقال حديث غريب فرغم ضعفه فإن ما فيه يصدقه الواقع الأليم للأمة والمراد بالبلاء هو المصايب والأزمات والحروب وسائر المنغصات فهذه بلادنا قد بدأ نا قوس الخطر يدق فيها لما أصبح من كثرة متكاثرة ممن يتجرون فيه نظرا لا رتفاع معدل البطالة بنسبة عالية في وسط الصغار والكبار بل مناطقنا الشمالية أصبحت أرضا خصبة لزراعة المخدرات مما ينذر بحرب جنونية ستأتي على معظم الشباب الطائش وفي هذه الأثناء وأنا أكتب هذا الموضوع تلقيت مكالمة هاتيفية من طرف أبي يخبرني بأن أحد اخوتي ممن لهم اليد الطويلة قي الإدمان على المخدرات هو في المستشفى جراء خلل عقلي تعرض له نتيجة إدمانه فإلى الله المشتكى
حادي عشر>\عدم العدل وهضم الحقوق إفساد في الأرض كما هو الشان في زماننا الذي بسبب انتشار الرشوة أسدل الستار على كم هائل من المطالب.
ثاني عشر >>الغيبة والنميمة من الإفساد في الأرض إذ يختلط بسببهما المفاهيم على الناس فيصبح الظالم مظلوما والمظلوم ظالما وهكذا. أما تعريفهما : فهما نقلُ كلام الناس بعضِهم إلى بعضٍ على جهةِ الإِفساد . هذا بيانهما .وأما حكمهما، فهما محرَّمتان بإجماع المسلمين، وقد تظاهرَ على تحريمهما الدلائلُ الصريحةُ من الكتاب والسنّة وإجماع الأمة، قال اللّه تعالى : { وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [ الحجرات : 12 ] وقال تعالى : { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } [ الهمزة : 1 ] وقال تعالى : { هَمَّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ } [ القلم : 11 ] (18)وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن حذيفة رضي اللّه عنه عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال : " لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ " . (19)
وروينا في صحيحيهما، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛أنَّ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم مرّ بقبرين فقال : " إنَّهُما يُعَذَّبانِ ومَا يُعَذَّبانِ في كَبير " قال : وفي رواية البخاري : " بلى إنَّه كَبيرٌ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ، وأما الآخَرُ فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ " .)قلتُ : قال العلماء : معنى وما يُعذّبان في كبير : أي في كبير في زعمهما أو كبير تركه عليهما .وروينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : " أتَدْرُونَ ما الغِيْبَةُ ؟ " قالوا : اللَّهُ ورسولُه أعلمُ، قال : " ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكْرَهُ " قيل : أفرأيتَ إنْ كانَ في أخي ما أقولُ ؟ قال : " إنْ كانَ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ " قال الترمذي : حديث حسن صحيح .
ثالث عشر \إخلاف الوعد \\عن عبادة بن الصامت أن رسول الله e قال: "اضمنوا لي ستًّا أضمنْ لكمُ الجنةَ: اصدُقوا إذا حَدَّثتم، وأوفوا إذا وَعدتم، وأدوا إذا ائتُمِنتم، واحفظوا فروجَكم، وغضوا أبصارَكم ،
<2339>
وكُفُّوا أيديكم". [رواه أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي، وقال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب": صحيح لغيره] ] [الزواجر عن اقتراف الكبائر (ملخصًا)]
رابع عشر النصب والاحتيال \\في الموطأ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَرَ مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعِرَّانَةَ سَأَلَهُ النَّاسُ حَتَّى دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ حَتَّى نَزَعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ أَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ....في كتاب خطب معاصرة \\ثمة ما يستحق التنبيه ويستوجب الحذر إذا تصدر بعض المؤسسات الأجنبية مستندات تندرج تحت بادرة النصب والإحتيال مثل ما يسمى بمسابقات لعبة الدولار الصاروخي التي تجريها بعض الشركات والمؤسسات وتشتمل على أكل أموال الناس بالباطل والتغرير بهم لذا فإنني أحذر كل مسلم من هذه المستندات المشبوهة وأوصيه بالإبتعاد عن المعاملات المحرمة وما شابهها فإنها من أعظم كبائر الذنوب لما تشتمل عليه من ربا الفضل وربا النسيئة وكلاهما محرم بإجماع المسلمين وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من تحريم الربا والميسر والقمار ما هو حاضر ومعلوم للعامة والخاصة يا أخا الإسلام ! حري بك أن تحفظ نفسك ومن تحت رعايتك من الحرام وأن ترعى الأمانة التي تحملتها واسمع هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وليكن منك دائما على البال
فقد أخرج الإمام أحمد وغيره بأسانيد حسنة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا حفظ الأمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفة في طعمة> كن طيبا أيها المسلم في حديثك ومطعمك وفي صدورك وورودك وفي شأنك كله فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ويوم القيامة تكون حسن العاقبة للطيبين أعوذ الله من الشيطان الرجيم {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون
خامس عشر مطل الأغنياء\ روى مالك والبخاري \عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ>
سادس عشر فساد في المعاملات.
<2340>
الإنسان مخلوق اجتماعي بفطرته، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا...﴾ ( ) فهو يأنس بجنسه ( )، وتكاليف الحياة تلزم الإنسان أن يقيم علاقات وتعاملات مع أخيه الإنسان لتحقق الهدف السامي للحياة، قال تعالى: ﴿...نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً...َ﴾ ( )، وقد جاءت الشريعة الإسلامية الغراء لتنظم للناس علاقاتهم ومعاملاتهم بما يحفظ لهم حياة كريمة خالية من البغي والظلم والعدوان، قال تعالى: ﴿...لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾ ( )، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ ( ) .
لذا فإن كل معاملة بين الناس مادية أو إنسانية تناقض هذه النُظُمَ التي وضعتها الشريعة الإسلامية وحضت عليها هي معاملة فاسدة، وقد دعت الشريعة أتباعها لاجتنابها والبعد عنها، ووصفت من يتلبسون بها بالمفسدين.وهناك الكثير من المعاملات الفاسدة التي تناولتها الآيات الكريمة ودعت المؤمنين إلى هجرها والبعد عنها، ويمكن بيان طائفة منها خلال هذا البحث على النحو التالي:
1ـ قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾ ( )، وقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ ( ) تعرض الآيتان الكريمتان خصلتين من السلوك الفاسد الذي يختص بها المفسدون، وهاتان الخصلتان هما:
أ ـ نقض عهد الله بعد ميثاقه، وعهود الله تعالى التي أخذها على عباده كثيرة، وقد أمر سبحانه وتعالى بالوفاء بها، وقد جمع سبحانه بين نقض العهد مع الله والفساد في الأرض في سياق واحد، مما يفيد أن نقض العهود نوع من أنواع الفساد في الأرض، فمن تجرأ على عهود الله تبارك وتعالى فقد تجرأ على كل عهد، بل عهود العباد أهون عليه وهو إلى نقضها أسرع، وهذا يعطل الحياة والمعاش ويفقد الناس الثقة في تعاملاتهم ( (.
ويرى الباحثان أن نقض العهود بعد توثيقها يفقد الثقة بين الناس، فتتمزق ألفتهم، وتضطرب علاقاتهم، ويفسد هدف الحياة السامي القائم على الألفة والأنس والتعاون والمحبة بين الناس، وقد حذر النبي من نقض العهود وجعلها من صفات المنافقين حيث قال: [أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر] ( ) لذلك نري أن احترام العهود والمواثيق بين الناس هي أساس للعلاقات الطيبة السليمة التي تبنى عليها حياة المجتمعات البشرية، والعهود ركيزة أساسية في أمن المجتمعات واستقرارها، فإن فسدت العهود وقع الفساد الشامل، ولم تَعُد هنالك فضيلة ولا ركيزة يحتكم إليها الناس، فتفسد كل الأواصر والروابط ويعيش الناس حالة من الفوضى والفساد العارم، قال : [ألا أخبركم بأفضل من درجة
<2341>
ا لصيام والصلاة والصدقة، قالوا: بلى قال: صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة] ( ) .
ب ـ قطع ما أمر الله بوصله، وهو يحتمل كل قطيعة لا يرضاها الله تعالى كقطع الرحم، وترك موالاة المؤمنين، ورفض الخير، مما يؤدي لقطع صلة العبد بربه ( )، ومَنْ قَطَعَ مابينه وبين ربه هان عليه ما بينه وبين أهله وجنسه والناس أجمعين، مما يترتب عليه فساد المعاملات بين الناس وفساد الحياة البشرية برمتها.
2 ـ قال تعالى: ﴿وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ ( )، وقد تناولت الآيات الكريمة جملة من السلوكيات التي يمقتها الله عز وجل، وتوعد فاعليها بالعذاب يوم القيامة في أكثر من موضع في كتابه العزيز، ثم ختم الآيات بوصف فاعليها بالمفسدين، ويمكن حصر هذه السلوكيات في النقاط التالية:
أ ـ العدوان، هو التطاول على الناس وظلمهم، وقد نهى الله عن ذلك فقال: ﴿...وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ ( ) فهل هناك أفسد من عمل يُفقِد صاحبه محبة الله عز وجل؟.
ب ـ أكل السحت، وهو أكل أموال الناس بغير حق، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ...﴾ ( ) كالرشوة والربا والاحتيال على الناس في أخذ أموالهم بالخديعة وغيرها، وقد نهى الله عن ذلك فحرم الربا، وأعلن الحرب على آخذيها حيث قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ( ) .
ج ـ عدم التناهي عن المنكرات، فلا يعظ أهلُ العلمِ السفهاءَ والوالغين في المعاصي، بل يسكتون عنهم ويأخذون الرشوة للسكوت على باطلهم ويكتمون الحق وهم يعلمون ( )، والله عز وجل لعن من رأى المنكر ولم ينه عنه فقال: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ ( ) .
د ـ العداوة والتباغض، الأصل في العلاقة بين الناس أن تسود روح المحبة والرحمة بينهم، ولكن من وصفهم الله بالمفسدين في الأرض قد اسْتُبدِلَت كل صفات الخير في نفوسهم إلى نقيضها، فأقاموا علاقاتهم على أساس من الفرقة والكراهية والتنافر، قال تعالى: ﴿...تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى...﴾ ( ) .
هـ ـ إشعال الحروب، ثم هم بعد ذلك كله يشعلون الحروب لتعميق القطيعة بين الأمم والشعوب، ويفسدون الحياة على الناس عامة.
فأي فساد في المعاملات والسلوك أعظم من أن يتلبس المرء أو القوم بواحدة من هذه الأعمال؟ فكيف إذا تلبس بها جميعاً؟!
<2342>
3ـ قال تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ ( )، في هذه الآية الكريمة يحث شعيبٌ قومه على ترك جملة من السلوكيات والمعاملات الفاسدة التي أقام عليها القوم حتى أصبحت علماً عليهم، كنقص الميزان عند البيع واستيفائه عند الشراء، وبخس الناس ما يملكون بالتزهيد فيها والمخادعة عند شرائها، وتخويف الناس بسلب أمتعتهم وأخذ المكس ( ) منهم على الطرقات عنوة، والصد عن سبيل الله ( ) .
و هذه المعاملات الفاسدة تدمر العلاقة بين الناس، وتفسد عليهم صفو الحياة الكريمة التي نشدتها شريعة الإسلام، وأرست قواعدها بين الناس، ولكن المفسدين يقلبون المعايير ويستبدلون الخبيث بالطيب، مراعاة لنفوسهم المريضة التي تعيث في الأرض فساداً وهي تظن أنها تحسن صنعاً، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ﴾ ( ).
4 ـ قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ ( ) فالسحرة يفسدون على الناس حياتهم بسحرهم الذي يأتون به، وهم يستخدمونه في التفريق والوقيعة بين الناس لتعكير صفو حياتهم، قال تعالى: ﴿...فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ...﴾ ( )، فهذه هي طبيعة السحر، وهذا هو فعل السحرة الخبيث، فأي عمل أفسد من التفريق بين الزوجين وتمزيق ألفتهم ؟
5 ـ قال تعالى: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ ( )، فإخوة يوسف متهمون بالسرقة، وهم يدافعون عن أنفسهم، وينفون عن ذواتهم السرقة، ويعبرون عنها بالفساد، ويؤكدون أنهم ما جاءوا ليجترعوا هذا الفساد الذي يخلخل الثقة والعلاقات في المجتمعات ( )، فالسرقة والاعتداء على أموال الناس فساد كما تصرح بذلك الآية الكريمة.
سابع عشر \ فساد في الشهوات والرغبات.
خلق الله تعالى الإنسان وأودع فيه شهوات وجعل له رغبات، لا تقوم حياته ولا تستمر إلا بها، كالطعام والشراب والنكاح والأمن وكل ما يوصل إلى ذلك، وحاجة الإنسان إليها بالقدر الذي يحقق له استمرار الحياة الكريمة، وأودع الله تعالى فيها الشهوة حتى يمارسها برغبة وإقبال، وحددت الوسائل التي يصل بها الإنسان لتحقيق هذه الشهوات والرغبات، واعتبرت تجاوز هذه الوسائل شكلاً من أشكال الفساد، قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ ( )، وقد تناولت الآيات الكريمة العديد من الأعمال الفاسدة التي يمارسها بعض الناس جرياً وراء شهواتهم وإشباعاً لرغباتهم، نبين بعضاً منها فيما يلي:
1 ـ الجشع في جمع المال من غير حقه، ونضرب لذلك مثالين:
<2343>
أ ـ قال تعالى: ﴿...وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ...﴾ ( ) وتأتي هذه الآية في سياق الحديث عن رعاية الأيتام وإدارة أموالهم، فمن استرعاه الله يتيماً فصان ماله وزهد فيه، وجعل مخافة الله بين عينيه، واتقى ظلمهم كان من المصلحين، ومن اشبع شهوة جمع المال على حساب اليتامى فأكل أموالهم، فهو من المفسدين الذين توعدهم الله بالنار يوم القيامة قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ ( )، فهل هناك أفسد عملاً ممن يشبع رغبته في جمع المال فيتطاول على مال اليتيم ؟ فالنفس الكريمة تميل إلى العطف والحنان والعطاء لمن فقد عطف الأبوة وحنانها، لكن المفسدين تجردوا من كل هذه المعاني، فاستحقوا هذا الوعيد من الله عز وجل.
ب ـ قال تعالى: ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ ( )، ففساد القوم تمثل في رغبتهم في جمع المال وحيازته بالتطفيف الذي حرمه الله، وجعله إمعاناً في الفساد في الأرض، وهم قد فعلوا ذلك نتيجة حرصهم على إشباع رغبتهم في حب المال ولو بطريق فاسد مقيت.
2 ـ الشذوذ في الشهوة الجنسية، قال تعالى: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ * قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ﴾ ( ) ومن خطاب لوط لقومه يظهر عظم الفساد الذي يمارسونه، فهم يطلبون شهوتهم بطريقة فاحشة شاذة لم يسبقهم بها أحد من العالمين: يأتون الرجال من دون النساء، وهي فاحشة قذرة تدل على انحراف الفطرة وفساد عميق في نفوسهم
3 ـ الغلو في شهوة المأكل والمسكن، قال تعالى: ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي * وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ ( )، تتناول الآيات الكريمة نصح صالح لقومه، حيث عدد لهم ما آلت إليه حالهم من الركون إلى الدنيا وزينتها من مطعم ومشرب ومسكن، وكيف طابت نفوسهم إلى حياة الرغد والترف، حتى صرفهم ذلك عن الاستجابة لدعوة الله عز وجل، كما حذر صالح عامة قومه من طاعة المسرفين الذين فسد حالهم في الدنيا.
وقد اشتهر قوم صالح ببناء البيوت الفارهة العظيمة الجميلة عن غير حاجة إليها، بل إن الرجل منهم ليبني البيت لمجرد الرغبة في امتلاكه بطراً، يظهر من خلاله قوته، ويشبع شهوة كامنة في نفسه ( ) بل إن الرجل منهم ليزهق عمره في بناء البيت ولا يسكنه، فأي فساد هذا الذي يزهق المرء فيه حياته دون فائدة ترجى سوى إشباع شهوة أو رغبة لا تعود عليه بنفع
6>>أقسام الإفساد عند المنافقين
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } [البقرة:11] في الآية إخبار وحصر قال أهل العلم إفساد المنافقين: بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، والتشكيك في رسالته، والاستهزاء به من خلفه.
<2344>
1/ تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم:
الرسول عليه الصلاة والسلام في الخندق يحفر وبه من الجوع ما لا يعلمه إلا الله، وضع حجرين على بطنه، والصحابة وضعوا حجراً حجراً فأتى الصحابة يشتكون إليه ورفعوا عن بطونهم فرأى الحجر فتبسم صلى الله عليه وسلم ورفع ثوبه عن بطنه فإذا.ينزل صلى الله عليه وسلم والأعداء من حوله حلقة، الكفار والمنافقون واليهود والمشركون: { وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا } [الأحزاب:10] أي القلوب التي في الصدور أصبحت في الحنجرة من كثرة الخوف، ومع ذاك الخوف يأتي صلى الله عليه وسلم يأخذ المعول فيضرب به الصخرة فيلمع الشرر في الجو، فيقول: هذه قصور كسرى! فتحها الله عليَّ فيتضاحك المنافقون ويتغامزون، فقالوا: أحدنا لا يستطيع أن يبول من العدو ويقول: يفتح الله عليه قصور كسرى { وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً } [الأحزاب:12] فيأتي صلى الله عليه وسلم فيضرب الثانية فيلمع الشرر في الجو، فيقول: هذه قصور هرقل يعني ملك الروم وسوف يفتح الله عليَّ الأبيضين: الأبيض والأحمر يعني الذهب والفضة، فيضحكون ويقولون: يفتح الله عليه قصور هرقل ! وبعد خمس وعشرين سنة يفتحها الله عليه.
2/ الاستهزاء بالصالحين:من استهزائهم ما قاله عبد الله بن أبي حين اختلف أجيران أحدهما أنصاري والآخر مهاجري على ماء فتضاربا فكسع المهاجري الأنصاري فقال عبد الله بن أبي : صدق القائل: (سمن كلبك يأكلك، وجوع كلبك يتبعك) يعني: أن الصحابة لما أتوا من مكة كانوا جياعاً، فأطعمناهم حتى سمنوا فأكلونا، فذهبوا بكلامه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.ويقول أيضاً: { يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ } [المنافقون:8] يقول: إذا رجعنا سوف نخرج هؤلاء المهاجرين، فوصل الكلام إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فسكت، فقال عمر : يا رسول الله اقتله فإنه منافق، فقال صلى الله عليه وسلم: سوف يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه. فأتى ابنه البار الراشد ابن عبد الله هذا واسمه عبد الله لكن الله { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ } [الأنعام:95] أرأيت الشوك يوم يخرج منه الورد، هذا المنافق أتى من صلبه مؤمن يحمل السيف، ويقول: يا رسول الله، لا تأمر أحداً بقتل أبي فوالله الذي لا إله إلا هو، لا أطمئن في الحياة ولا أمشي على الأرض وأنا أرى قاتل أبي إلا قتلته، ولكن إن تريد رأس أبي هذا اليوم فوالله الذي لا إله إلا هو لآتينك برأسه، قال صلى الله عليه وسلم: { أإنك قاتله؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو إن أمرتني بقتله لأقتلنه الآن -وصدق- فقال صلى الله عليه وسلم: بل نترفق به } يعني نصاحبه معروفاً، انظر إلى بعد النظر،اهـ القرني
جمع حميد أمين
إن من يتأمل بلاد المسلمين الآن في هذه الأزمان التي تخلوا فيها عن هدي القرآن والسنة واكتفوا بما تهواه أنفسهم فقط و مدى الانحطاط في الفضيلة والعدوان في السلوك ليدرك عقوبة الله لهم بسبب قبولهم بالفتاة فقط من هدي القرآن والسنة وتسيبهم في الأخلاق بما لم يسبق له مثيل في تاريخهم .
.إذن ما هو الإفساد في الأرض؟ الإفساد في الأرض على قسمين: إفساد بتعطيل الديانات، وإفساد بإرهاق الأنفس وقتلها، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة آل عمران: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ } [البقرة:204-205إن الإصلاح والإفساد خلقان متضادان حث الإسلام على الأول ونهى عن الآخر واعتبره من الآثام العظيمة ، وقد ورد لفظ الفساد أو الإفساد وما اشتق منهما في القرآن الكريم نحو اثنان وأربعين موضعاً منها : قوله تعالى في وصف المنافقين : " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون " . وقد وصفت الملائكة الكرام بني آدم بأنهم مفسدون وأعلمهم الله أن فيهم المصلحون فقال عز وجل : " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون " ، وغيرها من المواضع التي ذمت المفسدين وأظهرت سوء خلقهم بهذا الإفساد .ومقابل الإفساد : الإصلاح لغة: ضد الإفساد وهو من الصلاح المقابل للفساد ، وللسيئة.. وفى القرآن الكريم:{خلطوا عملا صالحا وآخرسيئا}التوبة:102 ، {ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها}الأعراف:56. فالإصلاح هو التغيير إلى الأفضل ،
<2332>
فالحركات الإصلاحية هي الدعوات التى تحرك قطاعات من البشر لإصلاح مافسد ، فى الميادين الاجتماعية المختلفة ، انتقالا بالحياة إلى درجة أرقى فى سلم التطور الإنسانى.
أولا>>>> الترهيب من الفساد وقد جاء في الأحاديث الشريفة ما يبين عظم إثم الإفساد وشره فقد روى الإمام أحمد في مسنده " عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة قالوا بلى قال إصلاح ذات البين ، وفساد ذات البين هي الحالقة " ، والحالقة عباد الله هي التي تحلق الدين أو تحلق الحسنات .وإن من أعظم ما يدل على عظم وزر الفساد والمفسدين ما جاء في كتاب الله عن قارون سيد المفسدين في الأرض يقول الله تعالى : " إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين * وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين * قال إنما أوتيته على علم عندي " ، وساق الله عز وجل لنا في هذه الآيات مثالاً على المفسدين وهو قارون وقد وهبه الله رزقاً كثيراً فأنكر نعمة الله عليه واد وادعى أن هذا المال بفضل قوته وتعبه في تحصيله لا بفضل الله فتغطرس وتكبر على الله فكانت نهايته كما قال تعالى : " فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله. ثم قدم القرآن الكريم النتيجة التي يجب حملها والفكرة الصحيحة حول الحياة في الأرض فقال : " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين *أيها المسلمون : لنتمثل جميعاً بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم بحديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه : " لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل " ، والخب الذي يفسد بين الناس .قال تعالى : < ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها > أي: و قال : ولا تعثوا في الارض مفسدين >>.وقال تعالى على لسان إخوة يوسف :< ما جئنا لنفسد في الأرض ومكنا سارقين >>وقال : < والله لايحب الفساد >>
2 \ ثانيا>>>> جزاء المفسدين > كقطاع الطرق من اللصوصيين قال تعالى : < إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا >>قال النبي صلى الله عليه وسلم: { مَن سن في الإسلام سنة سيئة فعُمِل بها بعده كُتِب عليه مثل وزر مَن عَمِل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء } رواه مسلم .وفي لفظ لـ مسلم أيضاً: { مَن دعا إلى ضلالة } الحديث. فهذان اللفظان -عباد الله- صريحان كل الصراحة في تحريم سن الأمور السيئة وإشاعتها بين الناس، سواء كان ذلك تعليمَ علمٍ أو أدبٍ أو عبادةً أو غيرَ ذلك، وسواء كان العمل بها في حياته أو بعد مماته: { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ } [النحل:25] { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ } [العنكبوت:13] .ولقد جاء في السنة النبوية ما يدل على نسبة الأحداث إلى محدثها، وأنه يتحمل إثمه إلى يوم القيامة جراء ما أوقع فيه غيره من إخلال بنهج الله وشرعته، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: { ما من نفس
<2333>
تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم كِفل منها؛ لأنه أول من سن القتل } رواه البخاري و مسلم .ويقول صلوات الله وسلامه عليه كما في الصحيحين في قصة صلاة الكسوف: { رأيت عمرو بن لُحَي يجر قُصْبَه في النار؛ لأنه أول من سيب السوائب، وغيَّر دين إبراهيم } .وقد ذكر أهل العلم دروساً كثيرة كانت سبباً في الإحداث بين المسلمين وإضعاف دينهم، بما جلبوه في أوساطهم مما يفرق ولا يجمع، ويضر ولا ينفع:
- كـ ابن سبأ : الذي قتل الخليفة عثمان رضي الله عنه.- و عبد الرحمن بن ملجم : قاتل علي رضي الله عنه.- و الجعد بن درهم ، و الجهم بن صفوان : اللذَين أدخلا الضلال إلى بلاد المسلمين في أصلٍ عظيم من الدين وهو الاعتقاد.
- وكـ المأمون : الذي أنشأ دار الحكمة، والتي ترجم من خلالها كتب فلاسفة اليونان، وناضل عن القول بخلق القرآن، وامتحن الناس في أرواحهم وعقائدهم، حتى قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الله لا يغفل عمل المأمون حينما أدخل علم الكلام، ونصر القول بخلق القرآن، وامتحن الناس فيه.- ومِن بعدِهم كثير وكثير ممن أحدثوا في الدين محدثات سارت بها الركبان وكان لها في الإفساد في الدين في سائر جوانبه كما فعل بولس بدين النصرانية ، وفي بعض المُثُل كفاية وغُنْيَة لمن هم في الفَهم فُحُل.اهـ خطبة سعود الشريم .
3ثالثا>>معنى الإفساد في الأرض\\
وإذا سألت عن معنى الصلاح والفساد، فالجواب أن الصلاح هو كل ما شرعه رب العالمين، والفساد ضده وهو كل ما خالف شريعة رب العزة جل جلاله، و معنى قوله تعالى ( ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها) أي :بعد إصلاحها ببعثة الرسل وإنزال الكتب وهداية الناس إلى ما فيه الخير. وقد ذكر المفسرون في تفسير الآية أقوالا متعددة كلها صحيحة داخلة في المعنى العام الذي ذكرنا منها ما ذكر لعظم شأنه ومنها ما ذكر على سبيل ضرب المثال.-فقالوا:"ولا تفسدوا فيها بدعاء غير الله تعالى بعد لإصلاحها بتوحيده"، ولا شك أن الشرك في الدعاء والعبادة أيضا فساد عظيم (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان/13] والآية واردة في سياق ذكر الدعاء كما هو ظاهر وقد قال المولى عز وجل قبلها (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ولكن المعنى أعم من ذلك.-وقالوا :"ولا تفسدوا فيها بالكفر بعد إصلاحها بالإيمان"، ولا فساد أعظم من جحود الخالق جل جلاله وتكذيبه والخروج عن شريعته، بل ذلك أصل الفساد وعموده وذروة سنامه.-وقالوا :"ولا تفسدوا فيها بالمعصية بعد إصلاحها بالطاعة"، والمعاصي ومخالفات العباد فساد معنوي مسبب لفساد آخر حسي، وهو فساد العقوبات الربانية كما قال تعالى : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم/41]
-وقالوا:"ولا تفسدوا فيها بالظلم بعد إصلاحها بالعدل"، أي بظلم الناس والتعدي على حقوقهم.-وقالوا :"ولا تفسدوا فيها بقتل المؤمن بعد إصلاحها ببقائه"، وهذا من معاني الظلم للعباد المذكور في المعنى السابق، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، من أعظم الفساد، قال تعالى : (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة/205]قال ابن عطية (2/477):" ألفاظ الآية
<2334>
عامة تتضمن كل إفساد قل أو كثر بعد إصلاح قل أو كثر والقصد بالنهي هو على العموم، وتخصيص شيء دون شيء في هذا تحكم إلا أن يقال على وجهة المثال، قال الضحاك معناه لا تغوروا الماء المعين ولا تقطعوا الشجر المثمر ضرارا، وقد ورد قطع الدينار والدرهم من الفساد في الأرض، وقد قيل تجارة الحكام من الفساد في الأرض "قال الألوسي (8/140):"نهى عن سائر أنواع الافساد كافساد النفوس والأموال والأنساب والعقول والأديان بعد إصلاحها أي اصلاح الله تعالى لها وخلقها على الوجه الملائم لمنافع الخلق ومصالح المكلفين وبعث فيها الأنبياء بما شرعه من الأحكام". أعظم فساد في الأرض
وإذا كانت الآية عامة لأنواع الفساد شاملة لكل ما قيل فيها وما لم يقل ، فإن إفساد العقائد هو أعظم فساد في الأرض ، لأن التوحيد هو الحقيقة التي أرادها الله من العباد ومن أجلها خلقهم وهو علة بعثة الرسل وإنزال الكتب وهو حق الله تعالى على جميع العباد، قال ابن القيم رحمه الله تعالى:"وبالجملة فالشرك والدعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره ومطاع متبع غير رسول الله هو أعظم الفساد في الأرض ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا أن يكون الله وحده هو المعبود والدعوة له لا لغيره والطاعة والاتباع لرسوله ليس إلا ، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة، فإن الله أصلح الأرض برسوله ودينه وبالأمر بتوحيده ونهي عن إفسادها بالشرك به وبمخالفة رسوله.
ومن تدبير أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو وغير ذلك فسببه مخالفة رسوله والدعوة إلى غير الله ورسوله.ومن تدبر هذا حق التدبر وتأمل أحوال العالم منذ قام إلى الآن، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين؛ وجد هذا الأمر كذلك في خاصة نفسه وفي حق غيره عموما وخصوصا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".المبتدع مفسد في الأرض بعد إصلاحها
ومن أظهر المفسدين في الأرض بعد إصلاحها بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم المبتدعة الذين يغيرون معالم الدين، ويزعمون أنهم يحسنون صنعا، وأنهم يزيدون في التقرب إلى الله تعالى، وهم لا يزدادون منه إلا بعدا، لأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ولأن عمل المبتدع مردود عليه. وإذا كان الشرك والمعاصي من أعظم أسباب ظهور الفساد في الأرض، فكذلك المبتدعة يسببون الفساد في الأرض؛ وذلك أن البدعة في الأزمنة المتأخرة تغلظت وأوصلت أهلها في معظم الأحيان إلى الشرك بالله تعالى، كبدعة التصوف فإنك لا تجد اليوم صوفيا إلا وهو غارق في مظاهر الشرك إضافة إلى تلبسه بأنواع البدع العملية. وإذا نظرنا في تاريخ هؤلاء المبتدعة وأثرهم في بلاد الإسلام وجدناهم كانوا بلاء عظيما عليها من جميع النواحي؛ الدينية والدنيوية والثقافية والاجتماعية، فقد حرفوا الدين ومعنى التدين وصيروه أشبه ما يكون بدين النصارى، وأدخلوا في المجتمعات عادات سلبية وأفكارا سامة كبلت عقول الناس وقتلت هممهم، ولقد كانوا في كثير من الأحيان سببا في زوال دول إسلامية وفي تمكن الاستعمار الصليبي الحديث من بلاد الإسلام.
<2335>
والذين يريدون إحياء الطرق الصوفية بعد ما قبرت ، ومحق دعوة الإصلاح في هذه البلاد بعدما انتشرت من أكبر المفسدين الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة.
وقال تعالى \{ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ } [البقرة:27] الفساد في الأرض قال بعضهم: بقتل الأنفس كما يفعل بعض السفاكين المجرمين, تجده يسفك البشر سفكاً ذريعاً, ويقتل الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء المتهمين، ويعلن حالة الإعدام، والإبادة, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [البقرة:204] إذا تكلم أمام الجماهير فإذا به يتكلم كلاماً معسولاً ولكن كلامه عسل، وضربه أسل, قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } [البقرة:204-206]
ومنهم من يفسد في الأرض بكلامه، فتجده دائماً يزعزع الإيمان في قلوب الناس, إذا رأى شاباً مهتدياً هداه الله وبصره، ودله الله وسدده، بعد أن كان في الظلام وفي حيرة، بعد أن كان مع الأغنية الماجنة، والمجلة الخليعة، ومع رفقاء السوء، والمقاهي والمنتديات، والساعات الحمراء، فلما هداه الله أتى إليه ذاك يقول له: أصبحت متزمتاً؟! متطرفاً؟! شوهت جسمك، وشوهت نفسك، وخربت مستقبلك، وهدمت طريقك, فيبقى يوسوس له حتى يفسده وهذا من الإفساد في الأرض.فكثير من الناس زعزعوا بهذا الكلام, وقد جلسنا مع شباب كثير قد اهتدوا لكن لما جالس المفسدين أضلوه، يأتي إليه الأول فيسخر منه، ثم الثاني فهزه بكلمة، ثم الثالث ثم الرابع حتى ترك الهداية ! فهذا من الإفساد في الأرض..............................
من الإفساد في الأرض إشاعة الفاحشة وتتبع العورات وقيل: من الإفساد في الأرض قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا } [النور:19] الرجل المفسد في الأرض هو الذي يحب الفساد, لذا بعض الناس يكتب في الصحف والمجلات: المرأة مظلومة, المرأة لا تزال مقيدة, المرأة هنا ما عرفت النور, ماذا يريد؟! يريد شراً ويريد جحيماً وفاحشة، لكن ظاهره من قبله الرحمة وباطنه من قبله العذاب, فيظهر للناس أنه يريد الخير للمرأة لكنه يريد التبرج والسفور, ويريد أن تشارك في الأعمال والوظائف ليفسد المجتمع, وقد رأينا جيراننا وما حولنا من القرى ماذا فعلوا، فضاعت شيمهم، وقلوبهم وعقولهم، ومناهجهم يوم خرجت المرأة لتعمل موظفة ورئيسة ووزيرة، حينها ضاعت قلوبهم وأفكارهم وعقولهم.ومن الناس من يفسد في الأرض بأن تجده دائماً في الأسواق يتابع أعراض المسلمين, عينه تزني، وكذا يده، وبطنه، وفرجه, كلما أتى له مدخل فعل ذلك, فهو من المفسدين في الأرض إلى غير ذلك من الأمور التي تشمل الإفساد، فهي كلمة عامة تشمل كل ما يغضب عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويبغضه ولا يحبه من إفساد العامة والخاصة، الظاهر والباطن، من المعاني والمحسوسات، والله المستعان!
اهـ عائض القرني
4>>خطروأثر الإفساد في الأرض
<2336>
1>ـ تنعدم الثقة بين الناس .2>ـ تنموا الجريمة وتعشش وتفرخ 3>ـ تكون الغلبة للأقوياء 4>ـ تهضم الحقوق وينعدم العدل ويندثر .5>ـ يكثر البغاء وتنمحي الفضيلة من أخلاق الكثيرين .6>ـ تنقلب الحقائق رسا على عقب فيصدق الكاذب ويكذب الصادق .7>ـ تقسوا القلوب وتنمحي الرحمة من الناس للناس.8>ـ يفشو أبناء الزنا بدليل هذه الدور المعدة للأبناء المتخلى عنهم .9>>ـ ينمو السكر والعهر والمخدرات وتنمو ظاهرة الزنا .
ومن الآيات القرآنية التي ينبغي للمؤمن أن يقف عندها في سياق ذكر الإصلاح قوله عز وجل: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) [الأعراف/56].ويلاحظ في هذه الآية الكريمة أن الله عز وجل لم ينه عن الفساد نهيا مطلقا، وإنما نهى عن الإفساد بعد الإصلاح، وهو معنى زائد عن مجرد عن النهي عن الإفساد، وفي ذلك دلالة على أن الأصل في الأرض هو الصلاح وأن الفساد هو الطارئ، لأن الله تعالى خلق الخلق كلهم فأحسن خلقهم بما في ذلك الأرض وما فيها.وفيه دلالة على أن الإفساد بعد الصلاح أعظم جرما وأشد قبحا من مجرد الإفساد، فلا يستوي من أحدث الفساد بعد الصلاح مع من وجد الناس على فساد فسار على طريقهم، ويدل على ذلك قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شيء" رواه مسلم (1017)
ومما لا يُشك فيه أن جرم من كان فساده متعديا إلى غيره أعظم ممن كان فساده على نفسه، وأن جرم من حارب دعوة الرسل واضطهد أتباع الرسل وسعى في الإفساد في الأرض أعظم من إفساد من لم يفعل ذلك.
5>>أنواع الفساد:\
يخطئ من يظنّ أنّ الفساد في الأرض نوع واحد فقط أو نوعان... إنّ للفساد أنواعاً كثيرة مختلفة، ولكلّ نوع منها صور عديدة ومتنوعة.. وقد اجتهدت في استقصاء أصول أنواع الفساد ليكون المسلم منها على حذر، فيحذرها على نفسه أوّلاً، ثمّ يحذر من أهلها، كفانا الله شرّ الفساد والمفسدين، فمنها:
1. أولها ـ وهو أعظمها ـ الفساد العقدي، وهو اعتناق دين غير دين الإسلام الحقّ، من يهودية أو نصرانية أو غيرها من الأديان الأخرى، قال تعالى: { ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }[آل عمران: 85]. ومن صور هذا الفساد أيضاً: الشرك، وهو إشراك غير الله معه في العبادة وإن ادّعى صاحبه أنّه مسلم، فكلّ من دعا غير الله أو استغاث بغيره من الأموات والغائبين، أو نذر أو ذبح لغير الله .. الخ، فهو فاسد مشرك عياذاً بالله تعالى قال تعالى: { ومن أضلّ ممّن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون }[الأحقاف: 5].
2.ثانيها الفساد المذهبي أو الطائفي، وهو اعتناق مذهب غير مذهب أهل السنّة والجماعة وسلف الأمّة، من باطنية أو خارجية، أو اعتزالية أو أو صوفية أو غير ذلك من المذاهب المنحرفة الضالّة..
<2337>
3.ثالثها الفساد الفكري، وهو خلل في التفكير ناتج عن الثقة المفرطة في العقل بحيث يظنّ صاحبه أنّه على صواب وهو على خطأ، وأحياناً يتبيّن له الحقّ لكنّه يكابر ويتعامى عنه لهوى في نفسه، والمذاهب الفكرية كثيرة ومتنوّعة أشهرها ( اللادينية )، وهو ما يعرف بالعَلمانية، ثمّ جرى تخفيفها إلى ما يسمّى بالليبرالية ليتقبّلها الناس، وهي التي يرى أصحابها ضرورة فصل الدين عن الحكم، وعن جميع مناحي الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخ، بحيث يصبح الدين مجرّد علاقة محدودة بين العبد وربّه. ولذا فهم يطالبون بإقامة ما يسمّونه بالدولة المدنية (اللادينية).
4.رابعها الفساد الإداري، وهو خلل في الإدارة ناتج عن استغلال المسؤول الإداري منصبه لتحقيق مصالح شخصية أو حزبية، منها: تقديم غير الأكفاء على الأكفاء إمّا لقرابة أو صداقة أو تزلّف لمسؤول أكبر أو لتوافق في الفكر ونحو ذلك، وهو ما يسمّى في لغة العامّة بالمحسوبية، أو بحسب التعبير النبوي الشريف: ( أن يوسّد الأمر إلى غير أهله )، وقد ذكر عليه الصلاة والسلام أنّ ذلك من علامات قرب قيام الساعة. ومنها: انشغال المسؤول الإداري بأمور أخرى شخصية خارج نطاق العمل، ممّا يتسبب في الإهمال والتأخير وضياع مصالح الناس والدولة أو تأخرها. ومنها: ضعف المتابعة والرقابة على الأعمال والموظّفين وترك محاسبة المقصّرين منهم، مّا يشجعهم على الاستمرار والتمادي ..
5. خامسها الفساد المالي، وهو فرع عن الفساد الإداري، وهو أن يستغلّ المسؤول الإداري منصبه للحصول على مكاسب مالية والاتّجار غير المشروع، ومن صوره: الاختلاس والارتشاء والغلول ( الهدايا المشبوهة ) والشراكة غير المشروعة. وهذا النوع من أكثر أنواع الفساد انتشاراً في هذا الزمن، حتى بات الكثيرون يشتكون منه
6.سادسها الفساد الأخلاقي والسلوكي، وهو من أشهر أنواع الفساد بحيث لا يحتاج إلى تعريف، وهو يعتمد ـ في الغالب ـ على إخراج المرأة من بيتها، وتشجيعها على التبرّج والسفور والاختلاط بالرجال الأجانب والتمرّد على الأخلاق والدين والقيم، والتمرّد على وليّها، وذلك من شأنه إفساد المجتمع بأكمله، وانشغال أفراده بالشهوات والحرام، ولذا قال قطب من أقطاب الماسونية: "علينا أن نكسب المرأة، فمتى ما مدّت إلينا يدها فزنا بالحرام، وتبدّد جيش المنتصرين للدين". ويقول آخر: " كأس وغانية يفعلان في تحطيم الأمّة المحمّدية أكثر من ألف مدفع، فأغرقوها في حبّ الشهوات ".. وهذا هو السرّ في حرص المفسدين على إخراج المرأة من بيتها ودعوتها إلى الاختلاط المحرّم والتبرج والسفور، كما أنّ أصحاب هذا النوع من الفساد يحرصون ـ مكراً منهم ـ على التقليل من شأن هذا الفساد بل تبريره وتطبيعه، في الوقت الذي يضخّمون فيه خطر بعض الأنواع الأخرى من الفساد، كالفساد الإداري والمالي لحاجة في نفوسهم، بل هي مكشوفة، وهي استمرار سعيهم في أفساد المرأة وتغريبها دون نكير . هذا ما ظهر لي من أنواع الفساد التي يجب مكافحتها والقضاء عليها، لإقامة مجتمع نظيف طاهر آمن متقدم، وهي كلّها ذنوب تجب التوبة منها جميعاً، وهي من أسباب وقوع العقوبات والكوارث الخاصّة والعامّة، وليس ذلك مقصوراً
<2337>
على بعضها دون بعض كما يظنّ كثير من الناس، لكن إذا اجتمعت أو اجتمع بعضها كان ذلك أدعى لوقوع العقوبة والكارثة، والله ولي التوفيق،وهو الهادي إلى سواء السبيل.د. محمّد بن عبد العزيز المسند 6/3/1432هـ
ثامنها>> الغش فساد كنقص الكيل والتلاعب بالأسعار والغرر ، \\في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا
تاسعا>>رمي الأزبال في الأماكن العامة فساد وقلع الأشجار فساد وردالترهيب في تلويث البيئة: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ > أبو داود . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ قَالُوا لِقَتَادَةَ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ قَالَ كَانَ يُقَالُ إِنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ}أحمد وأبو داود
عاشرها>>زرع المخدرات وبيعها فساد لجمال طبيعة الأرض وبيئة القلوب . شيوع المخدرات في المجتمع هذا الداء الخطير الذي يلتهم شبابنا كل يوم ويوقعهم في مستنقعات المشاكل ودوامة الصراعات والإلقاء بهم وراء القضبان ناهيك عن الكثيرين ممن فقدوا عقولهم ويتموا صغارهم وضيعوا بيوتهم كما حدث لأحدهم ممن له بنتان وولد أدمن على المخدرات حتى ضاعت الوظيفة منه وضاعت النفقة وتهدم البيت وعلى إثر هذا فقد عمره لكن من العجيب أن قامت زوجته من بعده فسددت ديونه من خلال ما تجمعه من أقاربها ومن المحسنين وبالتالي حجت عنه هل يتسحق زوج كهذا هذا الوفاء اهـ الإنهيار الأسرى لمحمد صالح المنجد ....وقد جاء في كتاب المخدرات للعلامة مخيمر ما يلي: ففي صحيفة البلاد السعودية تحت عنوان{المخدرات دمرت أسرتي}وذلك عام 1990 إن شابا جاء إلى الصحفي وعيناه مملؤتان بالدموع قائلا:كنت مع أبي وأمي وأختين صغيريتن فكان أبي موظفا في إحدى الدوائر الحكومية وكان يحسن إلينا حتى ألمت به رفقة سيئة بدأ يتعاطى معهم للمخدرات يعني حقن الهروين والمورفين ففصل عن الوظيفة وضاعت الأسرة فكانت أمي أولى ضحايا المخدرات لما عمد إلى قتلها فكان مصيره السجن المؤبد وأحيلت الصغيرتان إلى دار الأيتام وكان نصيبي أنا وأخي دار أيتام أخرى فكبرنا وفي يوم من الأيام ساقني قدماي إلى امرأة سيئة جمعت بيني وبين فتاة وسيمة لا تعرف الابتسامة فقلت لها كأن لك قصة فذكرت ما حلت بأسرتنا فصحت ماذا تقولي أنت هناء قالت نعم وكيف عرفت اسمي قلت لها أنت أختي وأنا أخوك سمير.......مشهد مؤثر سببه ذيوع المخدرات في المجتمع ولقد بين النبي{ص}أن من علامة حلول البلاء بالمجتمع فشو الخمر والمخدرات به عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة ، حل بها البلاء » . قالوا : يا رسول الله ، وما هي ؟ قال : « إذا كان الفيء دولا ، والأمانة مغنما ، والزكاة مغرما ، وأطاع الرجل زوجته ، وعق أمه ، وارتفعت الأصوات في المساجد ، وبر الرجل صديقه ، وجفا أباه ، وأكرم الرجل مخافة شره ، وكان زعيم القوم أرذلهم ،واتخذت القيان ، والمعازف ، وشربوا الخمور ، ولبسوا الحرير ،
<2338>
فانتظروا مسخا ، وخسفا » لم يرو هذا الحديث عن يحيى إلا فرج بن فضالة> الفيء : ما يؤخذ من العدو من مال ومتاع بغير حرب ..قوله القيان : جمع قينة ، وهي : الجارية المغنية .رواه الطبراني في المعجم الأوسط ورواه الترمذي وقال حديث غريب فرغم ضعفه فإن ما فيه يصدقه الواقع الأليم للأمة والمراد بالبلاء هو المصايب والأزمات والحروب وسائر المنغصات فهذه بلادنا قد بدأ نا قوس الخطر يدق فيها لما أصبح من كثرة متكاثرة ممن يتجرون فيه نظرا لا رتفاع معدل البطالة بنسبة عالية في وسط الصغار والكبار بل مناطقنا الشمالية أصبحت أرضا خصبة لزراعة المخدرات مما ينذر بحرب جنونية ستأتي على معظم الشباب الطائش وفي هذه الأثناء وأنا أكتب هذا الموضوع تلقيت مكالمة هاتيفية من طرف أبي يخبرني بأن أحد اخوتي ممن لهم اليد الطويلة قي الإدمان على المخدرات هو في المستشفى جراء خلل عقلي تعرض له نتيجة إدمانه فإلى الله المشتكى
حادي عشر>\عدم العدل وهضم الحقوق إفساد في الأرض كما هو الشان في زماننا الذي بسبب انتشار الرشوة أسدل الستار على كم هائل من المطالب.
ثاني عشر >>الغيبة والنميمة من الإفساد في الأرض إذ يختلط بسببهما المفاهيم على الناس فيصبح الظالم مظلوما والمظلوم ظالما وهكذا. أما تعريفهما : فهما نقلُ كلام الناس بعضِهم إلى بعضٍ على جهةِ الإِفساد . هذا بيانهما .وأما حكمهما، فهما محرَّمتان بإجماع المسلمين، وقد تظاهرَ على تحريمهما الدلائلُ الصريحةُ من الكتاب والسنّة وإجماع الأمة، قال اللّه تعالى : { وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [ الحجرات : 12 ] وقال تعالى : { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } [ الهمزة : 1 ] وقال تعالى : { هَمَّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ } [ القلم : 11 ] (18)وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن حذيفة رضي اللّه عنه عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال : " لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ " . (19)
وروينا في صحيحيهما، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛أنَّ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم مرّ بقبرين فقال : " إنَّهُما يُعَذَّبانِ ومَا يُعَذَّبانِ في كَبير " قال : وفي رواية البخاري : " بلى إنَّه كَبيرٌ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ، وأما الآخَرُ فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ " .)قلتُ : قال العلماء : معنى وما يُعذّبان في كبير : أي في كبير في زعمهما أو كبير تركه عليهما .وروينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : " أتَدْرُونَ ما الغِيْبَةُ ؟ " قالوا : اللَّهُ ورسولُه أعلمُ، قال : " ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكْرَهُ " قيل : أفرأيتَ إنْ كانَ في أخي ما أقولُ ؟ قال : " إنْ كانَ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ " قال الترمذي : حديث حسن صحيح .
ثالث عشر \إخلاف الوعد \\عن عبادة بن الصامت أن رسول الله e قال: "اضمنوا لي ستًّا أضمنْ لكمُ الجنةَ: اصدُقوا إذا حَدَّثتم، وأوفوا إذا وَعدتم، وأدوا إذا ائتُمِنتم، واحفظوا فروجَكم، وغضوا أبصارَكم ،
<2339>
وكُفُّوا أيديكم". [رواه أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي، وقال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب": صحيح لغيره] ] [الزواجر عن اقتراف الكبائر (ملخصًا)]
رابع عشر النصب والاحتيال \\في الموطأ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَرَ مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعِرَّانَةَ سَأَلَهُ النَّاسُ حَتَّى دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ حَتَّى نَزَعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ أَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ....في كتاب خطب معاصرة \\ثمة ما يستحق التنبيه ويستوجب الحذر إذا تصدر بعض المؤسسات الأجنبية مستندات تندرج تحت بادرة النصب والإحتيال مثل ما يسمى بمسابقات لعبة الدولار الصاروخي التي تجريها بعض الشركات والمؤسسات وتشتمل على أكل أموال الناس بالباطل والتغرير بهم لذا فإنني أحذر كل مسلم من هذه المستندات المشبوهة وأوصيه بالإبتعاد عن المعاملات المحرمة وما شابهها فإنها من أعظم كبائر الذنوب لما تشتمل عليه من ربا الفضل وربا النسيئة وكلاهما محرم بإجماع المسلمين وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من تحريم الربا والميسر والقمار ما هو حاضر ومعلوم للعامة والخاصة يا أخا الإسلام ! حري بك أن تحفظ نفسك ومن تحت رعايتك من الحرام وأن ترعى الأمانة التي تحملتها واسمع هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وليكن منك دائما على البال
فقد أخرج الإمام أحمد وغيره بأسانيد حسنة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا حفظ الأمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفة في طعمة> كن طيبا أيها المسلم في حديثك ومطعمك وفي صدورك وورودك وفي شأنك كله فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ويوم القيامة تكون حسن العاقبة للطيبين أعوذ الله من الشيطان الرجيم {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون
خامس عشر مطل الأغنياء\ روى مالك والبخاري \عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ>
سادس عشر فساد في المعاملات.
<2340>
الإنسان مخلوق اجتماعي بفطرته، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا...﴾ ( ) فهو يأنس بجنسه ( )، وتكاليف الحياة تلزم الإنسان أن يقيم علاقات وتعاملات مع أخيه الإنسان لتحقق الهدف السامي للحياة، قال تعالى: ﴿...نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً...َ﴾ ( )، وقد جاءت الشريعة الإسلامية الغراء لتنظم للناس علاقاتهم ومعاملاتهم بما يحفظ لهم حياة كريمة خالية من البغي والظلم والعدوان، قال تعالى: ﴿...لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾ ( )، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ ( ) .
لذا فإن كل معاملة بين الناس مادية أو إنسانية تناقض هذه النُظُمَ التي وضعتها الشريعة الإسلامية وحضت عليها هي معاملة فاسدة، وقد دعت الشريعة أتباعها لاجتنابها والبعد عنها، ووصفت من يتلبسون بها بالمفسدين.وهناك الكثير من المعاملات الفاسدة التي تناولتها الآيات الكريمة ودعت المؤمنين إلى هجرها والبعد عنها، ويمكن بيان طائفة منها خلال هذا البحث على النحو التالي:
1ـ قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾ ( )، وقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ ( ) تعرض الآيتان الكريمتان خصلتين من السلوك الفاسد الذي يختص بها المفسدون، وهاتان الخصلتان هما:
أ ـ نقض عهد الله بعد ميثاقه، وعهود الله تعالى التي أخذها على عباده كثيرة، وقد أمر سبحانه وتعالى بالوفاء بها، وقد جمع سبحانه بين نقض العهد مع الله والفساد في الأرض في سياق واحد، مما يفيد أن نقض العهود نوع من أنواع الفساد في الأرض، فمن تجرأ على عهود الله تبارك وتعالى فقد تجرأ على كل عهد، بل عهود العباد أهون عليه وهو إلى نقضها أسرع، وهذا يعطل الحياة والمعاش ويفقد الناس الثقة في تعاملاتهم ( (.
ويرى الباحثان أن نقض العهود بعد توثيقها يفقد الثقة بين الناس، فتتمزق ألفتهم، وتضطرب علاقاتهم، ويفسد هدف الحياة السامي القائم على الألفة والأنس والتعاون والمحبة بين الناس، وقد حذر النبي من نقض العهود وجعلها من صفات المنافقين حيث قال: [أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر] ( ) لذلك نري أن احترام العهود والمواثيق بين الناس هي أساس للعلاقات الطيبة السليمة التي تبنى عليها حياة المجتمعات البشرية، والعهود ركيزة أساسية في أمن المجتمعات واستقرارها، فإن فسدت العهود وقع الفساد الشامل، ولم تَعُد هنالك فضيلة ولا ركيزة يحتكم إليها الناس، فتفسد كل الأواصر والروابط ويعيش الناس حالة من الفوضى والفساد العارم، قال : [ألا أخبركم بأفضل من درجة
<2341>
ا لصيام والصلاة والصدقة، قالوا: بلى قال: صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة] ( ) .
ب ـ قطع ما أمر الله بوصله، وهو يحتمل كل قطيعة لا يرضاها الله تعالى كقطع الرحم، وترك موالاة المؤمنين، ورفض الخير، مما يؤدي لقطع صلة العبد بربه ( )، ومَنْ قَطَعَ مابينه وبين ربه هان عليه ما بينه وبين أهله وجنسه والناس أجمعين، مما يترتب عليه فساد المعاملات بين الناس وفساد الحياة البشرية برمتها.
2 ـ قال تعالى: ﴿وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ ( )، وقد تناولت الآيات الكريمة جملة من السلوكيات التي يمقتها الله عز وجل، وتوعد فاعليها بالعذاب يوم القيامة في أكثر من موضع في كتابه العزيز، ثم ختم الآيات بوصف فاعليها بالمفسدين، ويمكن حصر هذه السلوكيات في النقاط التالية:
أ ـ العدوان، هو التطاول على الناس وظلمهم، وقد نهى الله عن ذلك فقال: ﴿...وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ ( ) فهل هناك أفسد من عمل يُفقِد صاحبه محبة الله عز وجل؟.
ب ـ أكل السحت، وهو أكل أموال الناس بغير حق، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ...﴾ ( ) كالرشوة والربا والاحتيال على الناس في أخذ أموالهم بالخديعة وغيرها، وقد نهى الله عن ذلك فحرم الربا، وأعلن الحرب على آخذيها حيث قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ( ) .
ج ـ عدم التناهي عن المنكرات، فلا يعظ أهلُ العلمِ السفهاءَ والوالغين في المعاصي، بل يسكتون عنهم ويأخذون الرشوة للسكوت على باطلهم ويكتمون الحق وهم يعلمون ( )، والله عز وجل لعن من رأى المنكر ولم ينه عنه فقال: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ ( ) .
د ـ العداوة والتباغض، الأصل في العلاقة بين الناس أن تسود روح المحبة والرحمة بينهم، ولكن من وصفهم الله بالمفسدين في الأرض قد اسْتُبدِلَت كل صفات الخير في نفوسهم إلى نقيضها، فأقاموا علاقاتهم على أساس من الفرقة والكراهية والتنافر، قال تعالى: ﴿...تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى...﴾ ( ) .
هـ ـ إشعال الحروب، ثم هم بعد ذلك كله يشعلون الحروب لتعميق القطيعة بين الأمم والشعوب، ويفسدون الحياة على الناس عامة.
فأي فساد في المعاملات والسلوك أعظم من أن يتلبس المرء أو القوم بواحدة من هذه الأعمال؟ فكيف إذا تلبس بها جميعاً؟!
<2342>
3ـ قال تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ ( )، في هذه الآية الكريمة يحث شعيبٌ قومه على ترك جملة من السلوكيات والمعاملات الفاسدة التي أقام عليها القوم حتى أصبحت علماً عليهم، كنقص الميزان عند البيع واستيفائه عند الشراء، وبخس الناس ما يملكون بالتزهيد فيها والمخادعة عند شرائها، وتخويف الناس بسلب أمتعتهم وأخذ المكس ( ) منهم على الطرقات عنوة، والصد عن سبيل الله ( ) .
و هذه المعاملات الفاسدة تدمر العلاقة بين الناس، وتفسد عليهم صفو الحياة الكريمة التي نشدتها شريعة الإسلام، وأرست قواعدها بين الناس، ولكن المفسدين يقلبون المعايير ويستبدلون الخبيث بالطيب، مراعاة لنفوسهم المريضة التي تعيث في الأرض فساداً وهي تظن أنها تحسن صنعاً، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ﴾ ( ).
4 ـ قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ ( ) فالسحرة يفسدون على الناس حياتهم بسحرهم الذي يأتون به، وهم يستخدمونه في التفريق والوقيعة بين الناس لتعكير صفو حياتهم، قال تعالى: ﴿...فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ...﴾ ( )، فهذه هي طبيعة السحر، وهذا هو فعل السحرة الخبيث، فأي عمل أفسد من التفريق بين الزوجين وتمزيق ألفتهم ؟
5 ـ قال تعالى: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ ( )، فإخوة يوسف متهمون بالسرقة، وهم يدافعون عن أنفسهم، وينفون عن ذواتهم السرقة، ويعبرون عنها بالفساد، ويؤكدون أنهم ما جاءوا ليجترعوا هذا الفساد الذي يخلخل الثقة والعلاقات في المجتمعات ( )، فالسرقة والاعتداء على أموال الناس فساد كما تصرح بذلك الآية الكريمة.
سابع عشر \ فساد في الشهوات والرغبات.
خلق الله تعالى الإنسان وأودع فيه شهوات وجعل له رغبات، لا تقوم حياته ولا تستمر إلا بها، كالطعام والشراب والنكاح والأمن وكل ما يوصل إلى ذلك، وحاجة الإنسان إليها بالقدر الذي يحقق له استمرار الحياة الكريمة، وأودع الله تعالى فيها الشهوة حتى يمارسها برغبة وإقبال، وحددت الوسائل التي يصل بها الإنسان لتحقيق هذه الشهوات والرغبات، واعتبرت تجاوز هذه الوسائل شكلاً من أشكال الفساد، قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ ( )، وقد تناولت الآيات الكريمة العديد من الأعمال الفاسدة التي يمارسها بعض الناس جرياً وراء شهواتهم وإشباعاً لرغباتهم، نبين بعضاً منها فيما يلي:
1 ـ الجشع في جمع المال من غير حقه، ونضرب لذلك مثالين:
<2343>
أ ـ قال تعالى: ﴿...وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ...﴾ ( ) وتأتي هذه الآية في سياق الحديث عن رعاية الأيتام وإدارة أموالهم، فمن استرعاه الله يتيماً فصان ماله وزهد فيه، وجعل مخافة الله بين عينيه، واتقى ظلمهم كان من المصلحين، ومن اشبع شهوة جمع المال على حساب اليتامى فأكل أموالهم، فهو من المفسدين الذين توعدهم الله بالنار يوم القيامة قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ ( )، فهل هناك أفسد عملاً ممن يشبع رغبته في جمع المال فيتطاول على مال اليتيم ؟ فالنفس الكريمة تميل إلى العطف والحنان والعطاء لمن فقد عطف الأبوة وحنانها، لكن المفسدين تجردوا من كل هذه المعاني، فاستحقوا هذا الوعيد من الله عز وجل.
ب ـ قال تعالى: ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ ( )، ففساد القوم تمثل في رغبتهم في جمع المال وحيازته بالتطفيف الذي حرمه الله، وجعله إمعاناً في الفساد في الأرض، وهم قد فعلوا ذلك نتيجة حرصهم على إشباع رغبتهم في حب المال ولو بطريق فاسد مقيت.
2 ـ الشذوذ في الشهوة الجنسية، قال تعالى: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ * قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ﴾ ( ) ومن خطاب لوط لقومه يظهر عظم الفساد الذي يمارسونه، فهم يطلبون شهوتهم بطريقة فاحشة شاذة لم يسبقهم بها أحد من العالمين: يأتون الرجال من دون النساء، وهي فاحشة قذرة تدل على انحراف الفطرة وفساد عميق في نفوسهم
3 ـ الغلو في شهوة المأكل والمسكن، قال تعالى: ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي * وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ ( )، تتناول الآيات الكريمة نصح صالح لقومه، حيث عدد لهم ما آلت إليه حالهم من الركون إلى الدنيا وزينتها من مطعم ومشرب ومسكن، وكيف طابت نفوسهم إلى حياة الرغد والترف، حتى صرفهم ذلك عن الاستجابة لدعوة الله عز وجل، كما حذر صالح عامة قومه من طاعة المسرفين الذين فسد حالهم في الدنيا.
وقد اشتهر قوم صالح ببناء البيوت الفارهة العظيمة الجميلة عن غير حاجة إليها، بل إن الرجل منهم ليبني البيت لمجرد الرغبة في امتلاكه بطراً، يظهر من خلاله قوته، ويشبع شهوة كامنة في نفسه ( ) بل إن الرجل منهم ليزهق عمره في بناء البيت ولا يسكنه، فأي فساد هذا الذي يزهق المرء فيه حياته دون فائدة ترجى سوى إشباع شهوة أو رغبة لا تعود عليه بنفع
6>>أقسام الإفساد عند المنافقين
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } [البقرة:11] في الآية إخبار وحصر قال أهل العلم إفساد المنافقين: بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، والتشكيك في رسالته، والاستهزاء به من خلفه.
<2344>
1/ تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم:
الرسول عليه الصلاة والسلام في الخندق يحفر وبه من الجوع ما لا يعلمه إلا الله، وضع حجرين على بطنه، والصحابة وضعوا حجراً حجراً فأتى الصحابة يشتكون إليه ورفعوا عن بطونهم فرأى الحجر فتبسم صلى الله عليه وسلم ورفع ثوبه عن بطنه فإذا.ينزل صلى الله عليه وسلم والأعداء من حوله حلقة، الكفار والمنافقون واليهود والمشركون: { وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا } [الأحزاب:10] أي القلوب التي في الصدور أصبحت في الحنجرة من كثرة الخوف، ومع ذاك الخوف يأتي صلى الله عليه وسلم يأخذ المعول فيضرب به الصخرة فيلمع الشرر في الجو، فيقول: هذه قصور كسرى! فتحها الله عليَّ فيتضاحك المنافقون ويتغامزون، فقالوا: أحدنا لا يستطيع أن يبول من العدو ويقول: يفتح الله عليه قصور كسرى { وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً } [الأحزاب:12] فيأتي صلى الله عليه وسلم فيضرب الثانية فيلمع الشرر في الجو، فيقول: هذه قصور هرقل يعني ملك الروم وسوف يفتح الله عليَّ الأبيضين: الأبيض والأحمر يعني الذهب والفضة، فيضحكون ويقولون: يفتح الله عليه قصور هرقل ! وبعد خمس وعشرين سنة يفتحها الله عليه.
2/ الاستهزاء بالصالحين:من استهزائهم ما قاله عبد الله بن أبي حين اختلف أجيران أحدهما أنصاري والآخر مهاجري على ماء فتضاربا فكسع المهاجري الأنصاري فقال عبد الله بن أبي : صدق القائل: (سمن كلبك يأكلك، وجوع كلبك يتبعك) يعني: أن الصحابة لما أتوا من مكة كانوا جياعاً، فأطعمناهم حتى سمنوا فأكلونا، فذهبوا بكلامه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.ويقول أيضاً: { يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ } [المنافقون:8] يقول: إذا رجعنا سوف نخرج هؤلاء المهاجرين، فوصل الكلام إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فسكت، فقال عمر : يا رسول الله اقتله فإنه منافق، فقال صلى الله عليه وسلم: سوف يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه. فأتى ابنه البار الراشد ابن عبد الله هذا واسمه عبد الله لكن الله { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ } [الأنعام:95] أرأيت الشوك يوم يخرج منه الورد، هذا المنافق أتى من صلبه مؤمن يحمل السيف، ويقول: يا رسول الله، لا تأمر أحداً بقتل أبي فوالله الذي لا إله إلا هو، لا أطمئن في الحياة ولا أمشي على الأرض وأنا أرى قاتل أبي إلا قتلته، ولكن إن تريد رأس أبي هذا اليوم فوالله الذي لا إله إلا هو لآتينك برأسه، قال صلى الله عليه وسلم: { أإنك قاتله؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو إن أمرتني بقتله لأقتلنه الآن -وصدق- فقال صلى الله عليه وسلم: بل نترفق به } يعني نصاحبه معروفاً، انظر إلى بعد النظر،اهـ القرني
جمع حميد أمين
لست ربوت