الحمد لله والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على رسول الله وبعد : موضوع اليوم "خصال ليست من سلوك المسلم>> أيها الناس إن ديننا الحنيف جاء بأخلاق راقية سمحة سلسلة لاغلو فيها ولا إجحاف ولا شطط فيها ولا انتكاس سعد بها الصدر الأول لما عضوا عليها بالنواجذ وانتكس بسبب التفريط فيها الخلف فلما ابتعدوا عن ظواهر النصوص وانجروا للتأويل استجابة لأهوائهم تفرق جمعهم وانهالت عليهم رياح التحزب والتصدع فمن ثم التناحر والتقاتل فابتلوا بعدو حانق أرعن ملك أرضهم واستعبد رجالهم فما يصاب بالعياء حتى ينبعث آخر من جديد يذيقهم سوء العذاب وما الحملات الصليبية التسعة بمنسية علينا ولا الحملة الاستعمارية وليدة القرن العشرين بغائبة عن عقولنا فرياحها الشمطاء ما تزال طرية لم تختف بعد خاصة وقد تأثر بها معظم مفكرينا وأعجبوا بها خرجت جحافيل المستعمر تجر أذيالها راضية عن أدائها الذي لم يخطئ فمن يومئذ يزدادون قوة ونزداد تأخرا إلى الوراء لسبب واحد وهو غياب " العدل" الذي أمرنا به ربنا بقوله : " إن الله يامر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى >تجاهلناه فنبتت فينا نابتة تحسن الدهاء وتعده تطورا وتتبارى في الاحتيال وتحسبه نجاحا وتتسابق نحوالتطفيف وتراه حضارة حتى اختلطت لدينا المفاهيم فظللنا نرى الشاطر فينا من يحظى بالصفقات ذوت الأرقام الخيالية التي لم تعد أمانة ذات حرمة ليست من كده ولا ورثها عن جده غير أنه ابتلي بها فظنها لجهله فرسة العمر وناذرة الدهر لذا سولت له نفسه تمريرها لحسابه. لما تربت الأجيال على هذه الأفكار لم يعد من الخيانة إخلاف الوعد ولا من التعدي إتلاف المال الخاص أو العام بل أصبح للحيلة دارسين ومؤطرين .إن سبب هذا النهم المتنامي والشره العاتي هو طلب الربح السريع على حساب تبعات الآخرين من عرقهم وجهود سواعدهم ورحم الله سلفنا الصالح فقد طلبوا الرزق بتأن ولم يستعجلوا رغبة في الثراء الفاحش حيث علموا من القرآن والسنة ما غفلنا عنه فنجوا حتى طفروا ببر الأمان وغرق معظم الجيل الحاضر في مستنقعات شتى لا حد لها ولا عد فلقد سئل الحسين بن الفضل: هل تجد في كتاب الله الحلال لا يأتيك إلا قوتا، والحرام يأتيك جزفا جزفا ؟ قال: نعم، في قصة داود وأيلة " إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ".اهـ القرطبي .وليس طلب الرزق بطرقه المشروعة بمحظور وإنما المحظور من تطلع لمال غيره احتيالا
وقد أعجبت بموقف أحد موظفي إحدى الشركات التي فوضته سيارة مع شيك لملء البنزين على حسابها عند الحاجة فجاءه بعض المقربين إليه فقال اشحن سيارتي بالبنزين على حساب شركتك فرفض وأعطاه من ماله تفاديا لسرقة مال الشركة
أولا>>ليس من خلق المسلم عدم الوفاء بالعهد .ترى في أمتنا اليوم من يقترض من الآخرين وعند انتهاء الأجل يختفي عن الأنظار أو يفر إلى الخارج .أليس لهم في هدي النبوة قدوة ألا نتأمل ما يلي / .1>>ـ روى مسلم حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قَالَ
مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ قَالَ فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالُوا إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا فَقُلْنَا مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ انْصَرِفَا نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ>>
قل النووي فِي هَذَا الْحَدِيث : جَوَاز الْكَذِب فِي الْحَرْب ، وَإِذَا أَمْكَنَ التَّعْرِيض فِي الْحَرْب فَهُوَ أَوْلَى ، وَمَعَ هَذَا يَجُوز الْكَذِب فِي الْحَرْب وَفِي الْإِصْلَاح بَيْن النَّاس ، وَكَذِب الزَّوْج لِامْرَأَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيث الصَّحِيح .
وَفِيهِ : الْوَفَاء بِالْعَهْدِ ، وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْأَسِير يُعَاهِد الْكُفَّار أَلَّا يَهْرَب مِنْهُمْ ، فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَالْكُوفِيُّونَ : لَا يَلْزَمهُ ذَلِكَ ، بَلْ مَتَى أَمْكَنَهُ الْهَرَب هَرَبَ ، وَقَالَ مَالِك : يَلْزَمهُ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهُوهُ فَحَلَفَ لَا يَهْرَب لَا يَمِين عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَه . وَأَمَّا قَضِيَّة حُذَيْفَة وَأَبِيهِ فَإِنَّ الْكُفَّار اِسْتَحْلَفُوهُمَا لَا يُقَاتِلَانِ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غُزَاة بَدْر ، فَأَمَرَهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَفَاءِ ، وَهَذَا لَيْسَ لِلْإِيجَابِ ، فَإِنَّهُ لَا يَجِب الْوَفَاء بِتَرْكِ الْجِهَاد مَعَ الْإِمَام وَنَائِبه ، وَلَكِنْ أَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَشِيع عَنْ أَصْحَابه نَقْض الْعَهْد ، وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمهُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُشِيع عَلَيْهِمْ لَا يَذْكُر تَأْوِيلًا .
.2>>وفي سن أبي داود : عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ أَخْبَرَهُ قَالَ
بَعَثَتْنِي قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُلْقِيَ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَاللَّهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ وَلَا أَحْبِسُ الْبُرُدَ وَلَكِنْ ارْجِعْ فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِكَ الَّذِي فِي نَفْسِكَ الْآنَ فَارْجِعْ قَالَ فَذَهَبْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمْتُ>في عون المعبود \...( لَا أَخِيس ): بِكَسْرِ الْخَاء الْمُعْجَمَة بَعْدهَا تَحْتِيَّة أَيْ لَا أَنْقُض الْعَهْد ، مِنْ خَاسَ الشَّيْء فِي الْوِعَاء إِذَا فَسَدَ....( وَلَا أَحْبِس ): بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَالْمُوَحَّدَة......( الْبُرُد ): بِضَمَّتَيْنِ ، وَقِيلَ بِسُكُونِ الرَّاء جَمْع بَرِيد وَهُوَ الرَّسُول . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُشْبِه أَنْ يَكُون الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الرِّسَالَة تَقْتَضِي جَوَابًا وَالْجَوَاب لَا يَصِل إِلَى الْمُرْسِل إِلَّا مَعَ الرَّسُول بَعْد اِنْصِرَافه ، فَصَارَ كَأَنَّهُ عَقَدَ لَهُ الْعَقْد مُدَّة مَجِيئِهِ وَرُجُوعه . قَالَ وَفِي قَوْله لَا أَخِيس بِالْعَهْدِ أَنَّ الْعَهْد يُرَاعَى مَعَ الْكَافِر كَمَا يُرَاعَى مَعَ الْمُسْلِم ، وَأَنَّ الْكَافِر إِذَا عَقَدَ لَك عَقْد أَمَان فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْك أَنْ تُؤَمِّنهُ وَلَا تَغْتَالهُ فِي دَم وَلَا مَال وَلَا مَنْفَعَة اِنْتَهَى
3>>في سنن أبي داودعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ.......4>>محمد بن مسلمة:فقد اشترى زيتا إلى أجل وبالتالي وجد فيه فأرا ميتا فذهب بالزيت إلى الصحراء فألقاه هناك ولما حل الأجل لم يجد ما يسدد به الدين فألقي عليه القبض فأودع في السجن فجاء السحاب بالليل وقال له يا إمام إذا أردت أن تذهب إلى أهلك ليلا ثم ترجع في الصباح فلتفعل فقال له يا هذا <لا أريد أن أعينك على خيانة الولي>وفي هذه الأثناء مات أنس بن مالك وجاء في ضمن وصيته أن الذي يتولى غسله هو محمد بن مسلمة فبلغ الخبر إلى الوالي فأمر بإخراجه لإنقاذ الوصية فأبى وقال <حتى يأذن لي صاحب الحق ولما أذن له خرج فغسل أنس بن مالك ثم عاد إلى السجن من دون أن يزور أهله>وهذا السلوك إنما يفعله من يرى الله نصب عينيه ويستحضر جلاله وعظمته لا من يرى البشر.إنها قصة رائعة توحي بمدى التزام الصدر الأول بالوفاء وعدم تهربهم من الحقوق كما يفعل الناس اليوم يقضمون حقوق غيرهم بالرشا والوسائط فقد أخبرني من أثق فيه أن أحد المحامين أخبره أن رجلا قتل آخر فأدخل السجن ثم أفرج عنه بغرامة رشوة تقدر بثمانين مليونا منها ستون صرفت لأحد وزراء العدل والباقي قسم على الطبيب الذي صاغ له شهادة المجنون والقضاة الذين أفرجوا عنه فإلى أين نحن من الصدر الأول
5>>ـ .قال تعالى { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا } وروى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ{ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا }إِلَى آخِرِ الْآيَةِفَدَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالُوا كَذَا وَكَذَا قَالَ فِيَّ أُنْزِلَتْ كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ قُلْتُ إِذًا يَحْلِفُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ
6>>وفي شعب الإيمان \عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : أدوا إذا ائتمنتم ، وأوفوا إذا عاهدتم ، واصدقوا إذا حدثتم ، واحفظوا فروجكم ، وغضوا أبصاركم ، وكفوا أيديكم »..كفوا أيديكم : احفظوها من أذية الناس.
ثانيا>ليس من خلق المسلم أن يكون نهابا للمال العام ولا الخاص . النَّهْب بوَزْن الضَّرْب الغَنِيمة والجَمْع النِّهَاب بالكسر
1>>ـ .روى مالك في الموطإ والبخاري عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَرَ مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعِرَّانَةَ سَأَلَهُ النَّاسُ حَتَّى دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ حَتَّى نَزَعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ أَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنْ الْأَرْضِ وَبَرَةً مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ>> في المنتقى للباجي \ أَدُّوا الْخَائِطَ وَالْمِخْيَطَ يُرِيدُ لَمَّا نَزَلَ مِنْ مَرْكَبِهِ وَلَعَلَّ نُزُولَهُ كَانَ بِالْجِعِرَّانَةِ لِقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ .... وَأَمَّا الْخَائِطُ وَالْمِخْيَطُ فَإِنَّ الْخَائِطَ وَاحِدُ الْخُيُوطِ وَالْمِخْيَطَ الْإِبْرَةُ وَمَنْ رَوَاهُ الْخِيَاطَ فَقَدْ يَكُونُ الْخِيَاطُ الْخُيُوطَ وَيَكُونُ الْإِبْرَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَمَعْنَى ذَلِكَ الْأَمْرُ بِأَدَاءِ الْقَلِيلِ التَّافِهِ وَإِذَا وَجَبَ رَدُّ الْقَلِيلِ فَبِأَنْ يَجِبَ رَدُّ الْكَثِيرِ الَّذِي لَهُ الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ أَوْلَى وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إلَيْك وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إلَيْك فَمَنْ أَدَّى الْقِنْطَارَ فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الدِّينَارَ وَمَنْ لَمْ يُؤَدِّ الدِّينَارَ فَهُوَ أَبْعَدُ إِلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْقِنْطَارَ فَإِذَا وَجَبَ أَدَاءُ الْخَيْطِ وَالْإِبْرَةِ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَبِأَنْ يَجِبَ أَدَاءُ الثَّوْبِ وَالْعَيْنِ أَوْلَى وَأَحْرَى ...قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْغُلُولُ السَّرِقَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ فَمَنْ خَانَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَدْ غَلَّ وَأَمَّا الشَّنَارُ فَهُوَ بِمَعْنَى الْعَيْبِ وَالْعَارِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : الشَّنَارُ الْعَيْبُ وَالْعَارُ وَأَنْشَدَ لِلْقَطَامِيِّ وَنَحْنُ رَعِيَّةٌ وَهُمْ رُعَاةٌ وَلَوْلَا رَعْيُهُمْ شَنَعَ الشَّنَارُ فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَدَاءِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الْمَغْنَمِ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَهُوَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ ....وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنْ الْأَرْضِ وَبَرَةً مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا يُرِيدُ مَا هُوَ غَايَةٌ فِي النِّذَارَةِ وَالْقِلَّةِ وَالْقَذَرِ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ يُرِيدُ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لَهُمْ لَا حَقّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُ الْخُمُسِ فَهُوَ لَهُ بِمَعْنَى التَّصَرُّفِ وَالِاجْتِهَادِ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِمْ وَلِذَلِكَ قَالَ : وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ يُرِيدُ ذَلِكَ الْخُمُسَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ يُوصَفُ بِالْخُمُسِ يَنْفَرِدُ بِحُكْمٍ غَيْرَ الْخُمُسِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ إنَّمَا يَصْرِفُهُ الْإِمَامُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى مِنْ اجْتِهَادِهِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ مُعَيَّنٌ لِأَحَدٍ .
2>>روى مالك في الموطإ ومسلمعَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ قَالُوا وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ>.. ( قَضِيبًا )أَيْ عُودًا...( مِنْ أَرَاك )بِالْفَتْحِ شَجَرَة مَعْرُوفَة .قال النووي \ فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ اِقْتَطَعَ حَقّ اِمْرِئٍ مُسْلِم بِيَمِينِهِ إِلَى آخِره )فِيهِ لَطِيفَة وَهِيَ أَنَّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَقّ اِمْرِئٍ ) يَدْخُل فِيهِ مَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْر مَال كَجِلْدِ الْمَيْتَة وَالسِّرْجِين وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَات الَّتِي يُنْتَفَع بِهَا ، وَكَذَا سَائِر الْحُقُوق الَّتِي لَيْسَتْ بِمَالٍ كَحَدِّ الْقَذْف ، وَنَصِيب الزَّوْجَة فِي الْقَسْم وَغَيْر ذَلِكَ .وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى لَهُ النَّار وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّة )فَفِيهِ الْجَوَابَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ الْمُتَكَرِّرَانِ فِي نَظَائِره أَحَدهمَا أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى الْمُسْتَحِلّ لِذَلِكَ إِذَا مَاتَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكْفُر وَيُخَلَّد فِي النَّار ، وَالثَّانِي مَعْنَاهُ فَقَدْ اِسْتَحَقَّ النَّار ، وَيَجُوز الْعَفْو عَنْهُ ، وَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ دُخُول الْجَنَّة أَوَّل وَهْلَة مَعَ الْفَائِزِينَ . وَأَمَّا تَقْيِيده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُسْلِمِ فَلَيْسَ يَدُلّ عَلَى عَدَم تَحْرِيم حَقّ الذِّمِّيّ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْوَعِيد الشَّدِيد وَهُوَ أَنَّهُ يَلْقَى اللَّه تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان لِمَنْ اِقْتَطَعَ حَقّ الْمُسْلِم . وَأَمَّا الذِّمِّيّ فَاقْتِطَاع حَقّه حَرَام لَكِنْ لَيْسَ يَلْزَم أَنْ تَكُون فِيهِ هَذِهِ الْعُقُوبَة الْعَظِيمَة . هَذَا كُلّه عَلَى مَذْهَب مَنْ يَقُول بِالْمَفْهُومِ ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَقُول بِهِ فَلَا يَحْتَاج إِلَى تَأْوِيل . وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : تَخْصِيص الْمُسْلِم لِكَوْنِهِمْ الْمُخَاطَبِينَ وَعَامَّة الْمُتَعَامِلِينَ فِي الشَّرِيعَة ، لَا أَنَّ غَيْر الْمُسْلِم بِخِلَافِهِ ، بَلْ حُكْمه حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَم . ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَة لِمَنْ اِقْتَطَعَ حَقّ الْمُسْلِم وَمَاتَ قَبْل التَّوْبَة . أَمَّا مَنْ تَابَ فَنَدِمَ عَلَى فِعْله وَرَدَّ الْحَقّ إِلَى صَاحِبه وَتَحَلَّلَ مِنْهُ وَعَزَمَ عَلَى أَنْ لَا يَعُود فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْإِثْم وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَذْهَبِ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَالْجَمَاهِير أَنَّ حُكْم الْحَاكِم لَا يُبِيح لِلْإِنْسَانِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى .وَفِيهِ بَيَان غِلَظ تَحْرِيم حُقُوق الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَا فَرْق بَيْن قَلِيل الْحَقّ وَكَثِيره لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنْ قَضِيب مِنْ أَرَاك ) .
ثالثا >>. ليس من خلق المسلم الكذب المتعمد وتزييف الحقائق .في الموطإ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا فَقَالَ لَا.
أيها الناس إن آفة اللسان خطيرة على المجتمع لذا فلتأمل ما جاء عن السلف في شأن خطره أي لما كانت آفات اللسان كثيرة، ولها في القلب حلاوة، ولها بواعث من الطبع؛ فلا نجاة من خطرها إلا بالصمت.. عن عقبة بن عامر قال: قلتُ: يا رسول الله! ما النجاة؟ قال: "أمسِكْ عليكَ لسانَكَ، وليَسَعْكَ بيتُكَ، وابكِ على خطيئتِكَ" [رواه الترمذي وابن أبي الدنيا والبيهقي، وقال الألباني: صحيح لغيره]قال أبو حاتم: [لسان العاقل يكون وراء قلبه، فإذا أراد القول رجع إلى القلب، فإن كان له قال، وإلا فلا.. والجاهل قلبه في طرف لسانه، ما أتى على لسانه تكلم به.. وما عَقَلَ دينه مَن لم يحفظ لسانه.والعاقل يحفظ أحواله من ورود الخلل عليها في الأوقات، وإن من أعظم الخلل المفسد لصحة السرائر والمُذهب لصلاح الضمائر: الإكثار من الكلام، وإن أبيح له كثرة النطق، ولا سبيل للمرء إلى رعاية الصمت إلا بترك ما أبيح له من النطق.وإذا تكلم المرء ربما ندم، وإن لم يقل لم يندم، وهو على رد ما لم يقل أقدر منه على رد ما قال، والكلمةُ إذا تكلّم بها ملكته، وإن لم يتكلم بها ملكها، والعجب ممن يتكلم بالكلمة، إن هي رُفِعتْ ربما ضَرَّته، وإن لم ترفع لم تضره، كيف لا يصمت؟ ورُبَّ كلمة سَلبتْ نعمة!والعاقل لا يبتدئ الكلام إلا أن يُسأل، ولا يقول إلا لمن يَقبل، ولا يجيب إذا شوتم، ولا يجازي إذا أُسمع؛ لأن الابتداء بالصمت وإن كان حسنًا، فإن السكوت عن القبيح أحسن منه. فإذا لم يوفق العبد لاستعمال اللسان فيما يُجدي عليه نفعه في الآخرة كان وجوب الإمساك عن السوء أولى به.] [روضة العقلاء (بتصرف)]فإنَّ لسانَ المرءِ ما لم تكن له حَصاةٌ؛ على عوراتِهِ لدليلُ قال الإمام النووي في "الأذكار": اعلم أنه لكلّ مكلّف أن يحفظَ لسانَه عن جميع الكلام إلا كلامًا تظهر المصلحة فيه، ومتى استوى الكلامُ وتركُه في المصلحة فالسنّة الإِمساك عنه؛ لأنه قد ينجرّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، بل هذا كثير أو غالب في العادة، والسلامة لا يعدلُها شيء. ال أبو الدرداء: لا خير في الحياة إلا لأحد رجلين: منُصْت واعٍ، أو متكلم عالم.وروي عن معاذ بن جبل t أنه قال: كلِّم الناس قليلاً، وكلِّم ربك كثيرًا؛ لعل قلبك يرى الله تعالى.قال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أنه قال: ما صلح منطق رجل إلا عُرف ذلك في سائر عمله.قال سفيان الثوري: أول العبادة الصمت، ثم طلب العلم، ثم العمل به، ثم حفظه، ثم نشره.قال علي بن بكار: جعل الله تعالى لكل شيء بابين، وجعل للسان أربعة أبواب: فالشفتان مصراعان، والأسنان مصراعان.
وقال بعضهم: تعلم الصمت، كما تتعلم الكلام؛ فإنْ كان الكلام يهديك، فإن الصمت يقيك.قال وهب بن منبه: في حكمة آل داود: حق على العاقل أن يكون عارفًا بزمانه، حافظًا للسانه، مُقبلاً على شأنه.وكم ببن عبد يسكت تصاونًا عن الكذب والغيبة. وبين عبد يسكت لاستيلاء سلطان الهيبة عليه.قال الغزالي في "الإحياء": [فإنْ قلتَ: هذا الفضل الكبير للصمت ما سببه؟ فاعلم أن سببه كثرة آفات اللسان؛ من الخطأ والكذب، والغيبة والنميمة، والرياء والنفاق، والفحش والمراء، وتزكية النفس، والخوض في الباطل، والخصومة، والفضول والتحريف، والزيادة والنقصان، وإيذاء الخلق وهتك العورات.فهذه آفات كثيرة، وهي لا تثقل على اللسان، ولها حلاوة في القلب، وعليها بواعث من الطبع ومن الشيطان، والخائض فيها قلما يقدر أن يمسك اللسان؛ فيطلقه بما يحب ويكفه عما لا يحب؛ فإن ذلك من غوامض العلم. ففي الخوض خطر وفي الصمت سلامة؛ فلذلك عظمت فضيلته، هذا مع ما فيه من جمع الهم ودوام الوقار، والفراغ للفكر والذكر والعبادة، والسلامة من تبعات القول في الدنيا ومن حسابه في الآخرة.] أ.هـ (ملخصًا)اغتنِمْ ركعتينِ زُلفَى إلى اللهِ إذا كنتَ فارغًا مستريحَاوإذا ما هممتَ بالنُّطْقِ بالباطلِ فاجعَلْ مكانَهُ تسبيحَاإنّ بعضَ السكوتِ خيرٌ مِنَ النُّطْقِ وإنْ كنتَ بالكلامِ فصيحَامن بديع أقوالهم في حفظ اللسان:عن مالك بن دينار عن الأحنف بن قيس قال: قال عمر بن الخطاب: يا أحنف! مَن كثر كلامه كثر سَقطه، ومَن كثر سقطه قَلَّ حياؤه، ومَن قلّ حياؤه قل ورعه، ومَن قلّ ورعه مات قلبه.قال أبو الدرداء: كفى بك كذبًا أن لا تزال محدِّثًا؛ إلا حديثًا في ذات الله تبارك وتعالى.عن كعب قال: العافية عشرة أجزاء؛ تسعة منها في السكوت.قال عمر بن عبد العزيز: مَن لم يعد كلامه مِن عمله كثرت خطاياه.قال الفضيل بن عياض: شيئان يقسيان القلب: كثرة الكلام، وكثرة الأكل.قال عطاء: فضول الكلام ما عدا تلاوة القرآن، والقول بالسنة عند الحاجة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأن تنطق في أمر لا بدَّ لك منه في معيشتك، أما يستحيي أحدكم أن لو نشرت عليه صحيفته التي أملاها صدر نهاره أن يرى أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه؟! قال عمرو بن العاص: زلّة الرِّجْل عظم يُجبَر، وزلّة اللسان لا تُبقِي ولا تذر. وصدق القائل:
وليس يُصابُ المرءُ مِن عَثْرَةِ الرِّجْلِ ++وعَثْرَتُهُ بالرِّجْلِ تَبْرَأُ على مَهْلِ ... ... يُصابُ الفتى مِن عَثْرَةٍ بلسانِهِ ++ فعَثْرَتُهُ في القولِ تُذهِبُ رأسَهُ
قال مالك بن أنس: كل شيء ينتفع بفضله إلا الكلام؛ فإن فَضْله يَضُرُّ.قال أبو حاتم: اللهُ جل وعز رفع جارحةَ اللسان على سائر الجوارح، فليس منها شيء أعظمُ أجرًا منه إذا أطاع، ولا أعظم ذنبًا منه إذا جنى.قال أبو الدرداء: أنصف أذنيك من فيك؛ فإنما جُعل لك أذنان وفم واحد؛ لتسمع أكثر مما تتكلم.قال ابن مسعود: والله الذي لا إله غيره؛ ما شيء أحق بطول سجْن من لسان. قال الإمام النووي في "الأذكار": بلغنا أن قسَّ بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثر من أن تُحصى، والذي أحصيتُه ثمانية آلاف عيب، ووجدتُ خصلة إن استعملتها سترتَ العيوبَ كلَّها! قال: ما هي؟ قال: حفظ اللسان.قال بعض البلغاء: الزم الصمت؛ فإنه يُكْسِبك صَفْوَ المحبة، ويُؤمنُك سُوء الْمَغَبَّة، ويُلبسك ثوبَ الوقار، ويَكفيكَ مَئُونَة الاعتذار.قال الفضيل بن عياض يقول: مَن عَدَّ كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.قال الأوزاعي: ما ابتُلِيَ أحد في دينه ببلاء أضر عليه من طلاقة لسانه.قال بعض الفصحاء: اعقل لسانك إلا عن حق توضحه، أو باطل تدحضه، أو حكمة تنشرها، أو نعمة تذكرها.
وعقوبة الكذاب في الآخرة جاء فيها قوله صلى الله عليه وسلم {وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنَاهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرَاهُ إِلَى قَفَاهُ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذِبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاق} إن سبب تقطيع شدقيه بالمقراض هوخلط وتغيير المفاهيم لدى الناس بلسانه حتى أصبحوا يعتقدون أن هناك قولا يقال وفعلا يفعل خاصة لدى الأطفال فإنهم كثيرا ما يتربون على هذا الخلق الذميم. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا> مسلم
4>>ـ ليس من خلق المسلم الحسد .و الغيبة .و النميمة.وسوء الظن. ورمي الآخرين بالتهم الباطلة . أما الحسد فلأنه مذموم في الشرع والعرف ذم الحاسد قال {ص}:{الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب}رواه أبو داود وقال {ص}{لا تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا}متفق عليه وقال {ص}{دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضة هي الحالقة لا أقول جالقة الشعر ولكن حالقة الدين والذي نفس محمد بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا إلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم أفشوا للسلام بينكم}الترمذي..وقال {ص}{أخوف ما أخاف على أمتي أن يكثر فيهم المال فيتحاسدون ويقتتلون}أخرجه ابن أبي الدنيا وفيه ثابت ابن ثابت جهله أبو حاثم وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد بلفظ أخر ولأحمد والبراز من حديث عمر وفيه{لا تفتح الدنيا على أحد إلا ألقي الله بينهم العدواة والبغضاء إلى يوم القيامة}ودوافعه: أمران لا ثالث لهما بريدان للحسد إن وجدا وجد الحسد وهما الغضب والحقد. جاء ذم الغضب فيما يلي:قال تعالى{إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينة على رسوله على المؤمنين}والحمية كما قال السيد قطب رحمه الله إنما حمية الكبر والفخر والبطر والتعنت والحمية الجاهلية من التي جعلت المشركين يقفون في وجه رسول اله ليمنعوه من الدخول إلى الحرام وقال الصابوني الحمية هي الألفة والكبرياء بالباطل والغطرسة والعصبية الجاهليةوروى أبو هريرة أن رجلا قال:{يا رسول الله مرني بعمل وأقلل لا تغضب ثم أعاد عليه فقال لا تغضب }رواه البخاري.......أما الغيبةوالنميمة\\ففي الموطإ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبَ الْمَخْزُومِيَّ أَخْبَرَهُ
أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْغِيبَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَذْكُرَ مِنْ الْمَرْءِ مَا يَكْرَهُ أَنْ يَسْمَعَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ حَقًّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُلْتَ بَاطِلًا فَذَلِكَ الْبُهْتَانُ>...وروى مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا بِكِسْرَتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ فَجَعَلَ كِسْرَةً فِي قَبْرِ هَذَا وَكِسْرَةً فِي قَبْرِ هَذَا فَقَالَ لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا
أما سوء الظن\فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا روى أبو داودعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَصْرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حُسْنُ الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ من المعاول سوء الظن قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ...> في قوله تعالى : { اجتنبوا كثيراً من الظن } تأديب عظيم يبطل ما كان فاشياً في الجاهلية من الظنون السيئة والتهم الباطلة وأن الظنون السيئة تنشأ عنها الغيرة المفرطة والمكائد والاغتيالات ، والطعن في الأنساب ، والمبادأة بالقتال حذراً من اعتداء مظنون ظناً باطلاً ، كما قالوا : خذ اللص قبْلَ أن يَأخُذَك .وما نجمت العقائد الضالة والمذاهب الباطلة إلا من الظنون الكاذبة قال تعالى : { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } [ آل عمران : 154 ] وقال : { وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون } [ الزخرف : 20 ] وقال : { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرَّمنا من شيء } [ الأنعام : 148 ] ثم قال : { قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون } [ الأنعام : 148 ] .
5>>ـ ليس من خلق المسلم العمل رياء طلبا للحظوة عند الآخرين فمن كان يحب أن يعطى له لقب الحاج ويتكدر إن لم ينادى به فهو مراء . فمن بديع أقوال سلفنا الصالح في الإخلاص :قال السوسي: الإخلاص فقد رؤية الإخلاص، فإنّ مَن شاهد في إخلاصه الإخلاص فقد احتاج إخلاصه إلى إخلاص.قال سهل: الإخلاص أن يكون سكون العبد وحركاته لله تعالى خاصة.قيل لسهل: أي شىء أشد على النفس؟ فقال: الإخلاص إذ ليس لها فيه نصيب!قال رويم: الإخلاص في العمل هو أن لا يريد صاحبه عليه عوضًا..وسُئل بعض السلف: ما غاية الإخلاص؟ قال: أنْ لا تُحبَّ مَحْمَدَةَ الناس. قال ابن القيم في "الفوائد: بين العبد وبين الله والجنة قنطرة تُقطَع بخطوتين: خطوة عن نفسه، وخطوة عن الخلق.. فيُسقِط نفسه ويُلغيها فيما بينه وبين الناس.. ويُسقط الناس، ويُلغيهم فيما بينه وبين الله.. فلا يلتفت إلا إلى مَن دَلَّه على الله وعلى الطريق الموصِّلة إليه.روى مسلم في صحيحه عن أبي بُرْدَة عن أبي موسى قال: خرجنا مع رسول الله e في غَزَاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نَعتَقِبُه، قال: فَنَقِبَتْ أقدامنا(1)، فنَقِبَتْ قدمايَ، وسقطت أظفاري، فكنا نَلُفُّ على أرجلنا الْخِرَقَ؛ فسميت غزوة "ذات الرِّقاع" لِمَا كنا نُعَصِّبُ على أرجلنا من الْخِرَقِ. قال أبو بُرْدَة: فحدَّث أبو موسى بهذا الحديث، ثُم كره ذلك، قال: كأنه كره أنْ يكون شيئًا من عمله أفشاه. قال محمد بن أعين -وكان صاحب ابن المبارك في أسفاره-: كنا ذات ليلة ونحن في غزو الروم، فذهب عبد الله بن المبارك ليضع رأسه ليريني أنه ينام، فوضعت رأسي على الرمح لأريه أني أنام كذلك.. فظن أني قد نمت؛ فقام فأخذ في صلاته، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر وأنا أرمُقُه.. فلما طلع الفجر أيقظني، وظن أني نائم، وقال: يا محمد! فقلتُ: إني لم أنم.. فلما سمعها مني ما رأيته بعد ذلك يُكلمني، ولا ينبسط إليّ في شيء من غزاته كلها؛ كأنه لم يعجبه ذلك مني لما فطنتُ له من العمل! فلم أزل أعرفها فيه حتى مات، ولم أر رجلاً أسرَّ بالخير منه.
++قال عبد العزيز بن أبي رواد: جاورتُ هذا البيت ستين سنة، وحججتُ ستين حجة.. فما دخلتُ في شىء من أعمال الله تعالى إلا وحاسبتُ نفسي؛ فوجدتُ نصيب الشيطان أوفى مِن نصيب الله؛ ليتَه لا ليّ، ولا عليّ!!وقال الغزالي في "الإحياء": إذن علاج الإخلاص كسر حظوظ النفس، وقطع الطمع عن الدنيا، والتجرد للآخرة بحيث يغلب ذلك على القلب؛ فإذا ذاك يتيسر الإخلاص.وهذا بكر بن عبد الله يقول: إن رأيتُ مَن هو أكبر مني سنًّا قلتُ: سبقني بالإيمان والعمل الصالح؛ فهو خير مني.. وإنْ رأيتُ مَن هو أصغر مني فأقول: سبقتُه إلى الذنوب والمعاصي؛ فهو خير مني.. وإنْ أكرمني إخوتي قلتُ: تفضلوا عليّ؛ فجزاهم ربي خيرًا.. وإنْ أهانني إخوتي قلتُ: ذاك لذنب أصبتُه، وعهد بيني وبين الله ضيعتُه..قال ابن القيم [ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية من ذلك أمرًا لم أشاهده من غيره. وكان يقول كثيرا: ما لي شيء، ولا مني شيء، ولا فيّ شيء.وكان إذا أُثني عليه في وجهه يقول: "والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقت، وما أسلمتُ بعد إسلامًا جيدًا"!
6>> ليس من خلق المسلم أن يكون غشاشا ولا خائنا ولا متلبسا له وجوه شتى 1>ـ .لما في صحيح مسلم.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا> ....2...>>.في مصنف عبد الرزاق عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من رجل ينكح امرأة بصداق ، وليس في نفسه أن يؤديه إليها ، إلا كان عند الله زانيا (3) ، ومامن رجل يشتري من رجل بيعا ، وليس في نفسه أن يؤديه إليه ، إلا كان عند الله خائنا......3>>.روى ابن ماجه . عَنْ ابْنِ عُمَرَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ عَبْدًا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ فَإِذَا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا رَجِيمًا مُلَعَّنًا فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا رَجِيمًا مُلَعَّنًا نُزِعَتْ مِنْهُ رِبْقَةُ الْإِسْلَامِ>... قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 7 /44 :/ موضوع/أخرجه ابم ماجه (2/ 500-501) من طريق سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن أبي شجرة كثير بن مرة عن ابن عمر مرفوعاً قلت : وهذا موضوع ؛ آفته سعيد بن سنان وهو أبو مهدي الحنفي الحمصي ، قال الدارقطني :"يضع الحديث" . وقال الجوزجاني :"أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة" . وقال البخاري :"منكر الحديث" . وقال النسائي : "متروك الحديث" .وأما قول البوصيري في "الزوائد" (247/ 2) :"هذا إسناد ضعيف ؛ لضعف سعيد بن سنان ، والاختلاف في اسمه" .ففيه أمور :الأول : أن الإسناد أسوأ حالاً مما ذكر ، كما يتبين لك من كلمات الأئمة المذكورين .الثاني : أنه لا اختلاف في اسمه أصلاً ، لعله اختلط عليه بغيره .4>>في تهذيب الآثار للطبري عن محمد بن سيرين : أن صهرا لعمر بن الخطاب قدم على عمر ، فعرض له أن يعطيه من بيت المال ، فانتهره عمر وقال : « أردت أن ألقى الله ملكا خائنا ؟ » فلما كان بعد ذلك أعطاه عمر من صلب ماله عشرة آلاف>انتهره : زجره ونهاه وعنفه... . 5>>في تهذيب الأثار للطبري عن الأعمش ، قال : دخل علينا رجل بواسط ، فذكرته بعد ونعته ، فقالوا : هذا الحسن البصري ، فسمعته يقول : قال أبو الدرداء : « الورع (1) أمانة ، والتاجر فاجر ، والله ما أحب أن لي غلاما صواغا (2) خائنا بدرهمين ، ولا أمة (3) بغيا (4) بدرهمين ، ولا خياطا خائنا بدرهمين » وبنحو الذي قال من ذكرت ، وقلنا في السبب الذي قلنا : « إن التاجر يستحق به اسم الفجور » وردت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) الورع : في الأصْل : الكَفُّ عن المَحارِم والتَّحَرُّج مِنْه، ثم اسْتُعِير للكفّ عن المُباح والحلال .(2) الصواغ : صائغ الحلي(3) الأمة : الجارية المملوكة(4) البغي : الزانية التي تجاهر بالزنا وتتكسب منه ......6>>++في شعب الإيمان للبيهقي عن المسيب بن واضح قال : سمعت ابن المبارك ، في طريق الروم يقول : يا مسيب ، إن فساد العام من قبل الخاص ، والناس على خمس طبقات : من أولهم الزهاد وهم ملوك هذه الأمة ، الثاني : العلماء وهم ورثة الأنبياء ، والثالث : الولاة وهم الرعاة ، والرابع : التجار وهم أمناء الله في الأرض ، والخامس : الغزاة وهم سيف الله في الأرض ، وإذا كان الزاهد راغبا فبمن يقتدي الناس ، وإذا كان العالم طامعا فبمن يهتدي الناس ؟ وإذا كان الراعي جائرا فإلى من يلتجئ الناس ؟ وإذا كان التاجر خائنا فبمن يأمن الناس ؟ وإذا كان الغازي مرائيا فمتى يرجو الظفر ؟> 1>الجور : البغي والظلم والميل عن الحق(2) المرائي : يُرَائي الناس بقوله وعمله، لا يكون وعْظُه وكلامه ...7>>++في الموطإ والبخاري \ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ>وفي رواية البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ>
في الفتح " قَالَ الْقُرْطُبِيّ : إِنَّمَا كَانَ ذُو الْوَجْهَيْنِ شَرّ النَّاس لِأَنَّ حَاله حَال الْمُنَافِق ، إِذْ هُوَ مُتَمَلِّق بِالْبَاطِلِ وَبِالْكَذِبِ ، مُدْخِلٌ لِلْفَسَادِ بَيْنَ النَّاس . وَقَالَ النَّوَوِيّ : هُوَ الَّذِي يَأْتِي كُلّ طَائِفَة بِمَا يُرْضِيهَا ، فَيُظْهِر لَهَا أَنَّهُ مِنْهَا وَمُخَالِف لِضِدِّهَا ، وَصَنِيعه نِفَاق وَمَحْض كَذِب وَخِدَاع وَتَحَيُّل عَلَى الِاطِّلَاع عَلَى أَسْرَار الطَّائِفَتَيْنِ ، وَهِيَ مُدَاهَنَة مُحَرَّمَة . قَالَ : فَأَمَّا مَنْ يَقْصِد بِذَلِكَ الْإِصْلَاح بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ فَهُوَ مَحْمُود . وَقَالَ غَيْره : الْفَرْق بَيْنَهمَا أَنَّ الْمَذْمُوم مَنْ يُزَيِّن لِكُلِّ طَائِفَة عَمَلهَا وَيُقَبِّحهُ عِنْدَ الْأُخْرَى وَيَذُمّ كُلّ طَائِفَة عِنْدَ الْأُخْرَى ، وَالْمَحْمُود أَنْ يَأْتِي لِكُلِّ طَائِفَة بِكَلَامٍ فِيهِ صَلَاح الْأُخْرَى وَيَعْتَذِر لِكُلِّ وَاحِدَة عَنْ الْأُخْرَى ، وَيَنْقُل إِلَيْهِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْجَمِيل وَيَسْتُر الْقَبِيح . وَيُؤَيِّد هَذِهِ التَّفْرِقَة رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق اِبْن نُمَيْر عَنْ الْأَعْمَش " الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ هَؤُلَاءِ " وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِره جَمَاعَة وَهُوَ أَوْلَى ، وَتَأَوَّلَهُ قَوْم عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهِ مَنْ يُرَائِي بِعَمَلِهِ فَيُرِي النَّاس خُشُوعًا وَاسْتِكَانَة وَيُوهِمهُمْ أَنَّهُ يَخْشَى اللَّه حَتَّى يُكْرِمُوهُ وَهُوَ فِي الْبَاطِن بِخِلَافِ ذَلِكَ ، قَالَ : وَهَذَا مُحْتَمَل لَوْ اِقْتَصَرَ فِي الْحَدِيث عَلَى صَدْره فَإِنَّهُ دَاخِل فِي مُطْلَق ذِي الْوَجْهَيْنِ ، لَكِنْ بَقِيَّة الْحَدِيث تَرُدّ هَذَا التَّأْوِيل وَهِيَ قَوْله : " يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ " قُلْت : وَقَدْ اِقْتَصَرَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَلَى صَدْر الْحَدِيث ، لَكِنْ دَلَّتْ بَقِيَّة الرِّوَايَات عَلَى أَنَّ الرَّاوِي اِخْتَصَرَهُ ، فَإِنَّهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيّ مِنْ رِوَايَة الْأَعْمَش ، وَقَدْ ثَبَتَ هُنَا مِنْ رِوَايَة الْأَعْمَش بِتَمَامِهِ ، وَرِوَايَة اِبْن نُمَيْر الَّتِي أَشَرْت إِلَيْهَا هِيَ الَّتِي تَرُدّ التَّأْوِيل الْمَذْكُور صَرِيحًا ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " لَا يَنْبَغِي لِذِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُون أَمِينًا " . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث عَمَّار بْن يَاسِر قَالَ : " قَالَ رَسُول اللَّه : مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا كَانَ لَهُ يَوْم الْقِيَامَة لِسَانَانِ مِنْ نَار " وَفِي الْبَاب عَنْ أَنَس أَخْرَجَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ بِهَذَا اللَّفْظ ، وَهَذَا يَتَنَاوَل الَّذِي حَكَاهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ عَمَّنْ ذَكَرَهُ بِخِلَافِ حَدِيث الْبَاب فَإِنَّهُ فَسَّرَ مَنْ يَتَرَدَّد بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنْ النَّاس ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم .
وقد أعجبت بموقف أحد موظفي إحدى الشركات التي فوضته سيارة مع شيك لملء البنزين على حسابها عند الحاجة فجاءه بعض المقربين إليه فقال اشحن سيارتي بالبنزين على حساب شركتك فرفض وأعطاه من ماله تفاديا لسرقة مال الشركة
أولا>>ليس من خلق المسلم عدم الوفاء بالعهد .ترى في أمتنا اليوم من يقترض من الآخرين وعند انتهاء الأجل يختفي عن الأنظار أو يفر إلى الخارج .أليس لهم في هدي النبوة قدوة ألا نتأمل ما يلي / .1>>ـ روى مسلم حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قَالَ
مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ قَالَ فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالُوا إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا فَقُلْنَا مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ انْصَرِفَا نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ>>
قل النووي فِي هَذَا الْحَدِيث : جَوَاز الْكَذِب فِي الْحَرْب ، وَإِذَا أَمْكَنَ التَّعْرِيض فِي الْحَرْب فَهُوَ أَوْلَى ، وَمَعَ هَذَا يَجُوز الْكَذِب فِي الْحَرْب وَفِي الْإِصْلَاح بَيْن النَّاس ، وَكَذِب الزَّوْج لِامْرَأَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيث الصَّحِيح .
وَفِيهِ : الْوَفَاء بِالْعَهْدِ ، وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْأَسِير يُعَاهِد الْكُفَّار أَلَّا يَهْرَب مِنْهُمْ ، فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَالْكُوفِيُّونَ : لَا يَلْزَمهُ ذَلِكَ ، بَلْ مَتَى أَمْكَنَهُ الْهَرَب هَرَبَ ، وَقَالَ مَالِك : يَلْزَمهُ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهُوهُ فَحَلَفَ لَا يَهْرَب لَا يَمِين عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَه . وَأَمَّا قَضِيَّة حُذَيْفَة وَأَبِيهِ فَإِنَّ الْكُفَّار اِسْتَحْلَفُوهُمَا لَا يُقَاتِلَانِ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غُزَاة بَدْر ، فَأَمَرَهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَفَاءِ ، وَهَذَا لَيْسَ لِلْإِيجَابِ ، فَإِنَّهُ لَا يَجِب الْوَفَاء بِتَرْكِ الْجِهَاد مَعَ الْإِمَام وَنَائِبه ، وَلَكِنْ أَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَشِيع عَنْ أَصْحَابه نَقْض الْعَهْد ، وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمهُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُشِيع عَلَيْهِمْ لَا يَذْكُر تَأْوِيلًا .
.2>>وفي سن أبي داود : عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ أَخْبَرَهُ قَالَ
بَعَثَتْنِي قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُلْقِيَ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَاللَّهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ وَلَا أَحْبِسُ الْبُرُدَ وَلَكِنْ ارْجِعْ فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِكَ الَّذِي فِي نَفْسِكَ الْآنَ فَارْجِعْ قَالَ فَذَهَبْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمْتُ>في عون المعبود \...( لَا أَخِيس ): بِكَسْرِ الْخَاء الْمُعْجَمَة بَعْدهَا تَحْتِيَّة أَيْ لَا أَنْقُض الْعَهْد ، مِنْ خَاسَ الشَّيْء فِي الْوِعَاء إِذَا فَسَدَ....( وَلَا أَحْبِس ): بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَالْمُوَحَّدَة......( الْبُرُد ): بِضَمَّتَيْنِ ، وَقِيلَ بِسُكُونِ الرَّاء جَمْع بَرِيد وَهُوَ الرَّسُول . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُشْبِه أَنْ يَكُون الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الرِّسَالَة تَقْتَضِي جَوَابًا وَالْجَوَاب لَا يَصِل إِلَى الْمُرْسِل إِلَّا مَعَ الرَّسُول بَعْد اِنْصِرَافه ، فَصَارَ كَأَنَّهُ عَقَدَ لَهُ الْعَقْد مُدَّة مَجِيئِهِ وَرُجُوعه . قَالَ وَفِي قَوْله لَا أَخِيس بِالْعَهْدِ أَنَّ الْعَهْد يُرَاعَى مَعَ الْكَافِر كَمَا يُرَاعَى مَعَ الْمُسْلِم ، وَأَنَّ الْكَافِر إِذَا عَقَدَ لَك عَقْد أَمَان فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْك أَنْ تُؤَمِّنهُ وَلَا تَغْتَالهُ فِي دَم وَلَا مَال وَلَا مَنْفَعَة اِنْتَهَى
3>>في سنن أبي داودعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ.......4>>محمد بن مسلمة:فقد اشترى زيتا إلى أجل وبالتالي وجد فيه فأرا ميتا فذهب بالزيت إلى الصحراء فألقاه هناك ولما حل الأجل لم يجد ما يسدد به الدين فألقي عليه القبض فأودع في السجن فجاء السحاب بالليل وقال له يا إمام إذا أردت أن تذهب إلى أهلك ليلا ثم ترجع في الصباح فلتفعل فقال له يا هذا <لا أريد أن أعينك على خيانة الولي>وفي هذه الأثناء مات أنس بن مالك وجاء في ضمن وصيته أن الذي يتولى غسله هو محمد بن مسلمة فبلغ الخبر إلى الوالي فأمر بإخراجه لإنقاذ الوصية فأبى وقال <حتى يأذن لي صاحب الحق ولما أذن له خرج فغسل أنس بن مالك ثم عاد إلى السجن من دون أن يزور أهله>وهذا السلوك إنما يفعله من يرى الله نصب عينيه ويستحضر جلاله وعظمته لا من يرى البشر.إنها قصة رائعة توحي بمدى التزام الصدر الأول بالوفاء وعدم تهربهم من الحقوق كما يفعل الناس اليوم يقضمون حقوق غيرهم بالرشا والوسائط فقد أخبرني من أثق فيه أن أحد المحامين أخبره أن رجلا قتل آخر فأدخل السجن ثم أفرج عنه بغرامة رشوة تقدر بثمانين مليونا منها ستون صرفت لأحد وزراء العدل والباقي قسم على الطبيب الذي صاغ له شهادة المجنون والقضاة الذين أفرجوا عنه فإلى أين نحن من الصدر الأول
5>>ـ .قال تعالى { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا } وروى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ{ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا }إِلَى آخِرِ الْآيَةِفَدَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالُوا كَذَا وَكَذَا قَالَ فِيَّ أُنْزِلَتْ كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ قُلْتُ إِذًا يَحْلِفُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ
6>>وفي شعب الإيمان \عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : أدوا إذا ائتمنتم ، وأوفوا إذا عاهدتم ، واصدقوا إذا حدثتم ، واحفظوا فروجكم ، وغضوا أبصاركم ، وكفوا أيديكم »..كفوا أيديكم : احفظوها من أذية الناس.
ثانيا>ليس من خلق المسلم أن يكون نهابا للمال العام ولا الخاص . النَّهْب بوَزْن الضَّرْب الغَنِيمة والجَمْع النِّهَاب بالكسر
1>>ـ .روى مالك في الموطإ والبخاري عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَرَ مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعِرَّانَةَ سَأَلَهُ النَّاسُ حَتَّى دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ حَتَّى نَزَعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ أَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنْ الْأَرْضِ وَبَرَةً مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ>> في المنتقى للباجي \ أَدُّوا الْخَائِطَ وَالْمِخْيَطَ يُرِيدُ لَمَّا نَزَلَ مِنْ مَرْكَبِهِ وَلَعَلَّ نُزُولَهُ كَانَ بِالْجِعِرَّانَةِ لِقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ .... وَأَمَّا الْخَائِطُ وَالْمِخْيَطُ فَإِنَّ الْخَائِطَ وَاحِدُ الْخُيُوطِ وَالْمِخْيَطَ الْإِبْرَةُ وَمَنْ رَوَاهُ الْخِيَاطَ فَقَدْ يَكُونُ الْخِيَاطُ الْخُيُوطَ وَيَكُونُ الْإِبْرَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَمَعْنَى ذَلِكَ الْأَمْرُ بِأَدَاءِ الْقَلِيلِ التَّافِهِ وَإِذَا وَجَبَ رَدُّ الْقَلِيلِ فَبِأَنْ يَجِبَ رَدُّ الْكَثِيرِ الَّذِي لَهُ الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ أَوْلَى وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إلَيْك وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إلَيْك فَمَنْ أَدَّى الْقِنْطَارَ فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الدِّينَارَ وَمَنْ لَمْ يُؤَدِّ الدِّينَارَ فَهُوَ أَبْعَدُ إِلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْقِنْطَارَ فَإِذَا وَجَبَ أَدَاءُ الْخَيْطِ وَالْإِبْرَةِ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَبِأَنْ يَجِبَ أَدَاءُ الثَّوْبِ وَالْعَيْنِ أَوْلَى وَأَحْرَى ...قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْغُلُولُ السَّرِقَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ فَمَنْ خَانَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَدْ غَلَّ وَأَمَّا الشَّنَارُ فَهُوَ بِمَعْنَى الْعَيْبِ وَالْعَارِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : الشَّنَارُ الْعَيْبُ وَالْعَارُ وَأَنْشَدَ لِلْقَطَامِيِّ وَنَحْنُ رَعِيَّةٌ وَهُمْ رُعَاةٌ وَلَوْلَا رَعْيُهُمْ شَنَعَ الشَّنَارُ فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَدَاءِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الْمَغْنَمِ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَهُوَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ ....وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنْ الْأَرْضِ وَبَرَةً مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا يُرِيدُ مَا هُوَ غَايَةٌ فِي النِّذَارَةِ وَالْقِلَّةِ وَالْقَذَرِ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ يُرِيدُ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لَهُمْ لَا حَقّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُ الْخُمُسِ فَهُوَ لَهُ بِمَعْنَى التَّصَرُّفِ وَالِاجْتِهَادِ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِمْ وَلِذَلِكَ قَالَ : وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ يُرِيدُ ذَلِكَ الْخُمُسَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ يُوصَفُ بِالْخُمُسِ يَنْفَرِدُ بِحُكْمٍ غَيْرَ الْخُمُسِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ إنَّمَا يَصْرِفُهُ الْإِمَامُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى مِنْ اجْتِهَادِهِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ مُعَيَّنٌ لِأَحَدٍ .
2>>روى مالك في الموطإ ومسلمعَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ قَالُوا وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ>.. ( قَضِيبًا )أَيْ عُودًا...( مِنْ أَرَاك )بِالْفَتْحِ شَجَرَة مَعْرُوفَة .قال النووي \ فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ اِقْتَطَعَ حَقّ اِمْرِئٍ مُسْلِم بِيَمِينِهِ إِلَى آخِره )فِيهِ لَطِيفَة وَهِيَ أَنَّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَقّ اِمْرِئٍ ) يَدْخُل فِيهِ مَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْر مَال كَجِلْدِ الْمَيْتَة وَالسِّرْجِين وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَات الَّتِي يُنْتَفَع بِهَا ، وَكَذَا سَائِر الْحُقُوق الَّتِي لَيْسَتْ بِمَالٍ كَحَدِّ الْقَذْف ، وَنَصِيب الزَّوْجَة فِي الْقَسْم وَغَيْر ذَلِكَ .وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى لَهُ النَّار وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّة )فَفِيهِ الْجَوَابَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ الْمُتَكَرِّرَانِ فِي نَظَائِره أَحَدهمَا أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى الْمُسْتَحِلّ لِذَلِكَ إِذَا مَاتَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكْفُر وَيُخَلَّد فِي النَّار ، وَالثَّانِي مَعْنَاهُ فَقَدْ اِسْتَحَقَّ النَّار ، وَيَجُوز الْعَفْو عَنْهُ ، وَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ دُخُول الْجَنَّة أَوَّل وَهْلَة مَعَ الْفَائِزِينَ . وَأَمَّا تَقْيِيده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُسْلِمِ فَلَيْسَ يَدُلّ عَلَى عَدَم تَحْرِيم حَقّ الذِّمِّيّ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْوَعِيد الشَّدِيد وَهُوَ أَنَّهُ يَلْقَى اللَّه تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان لِمَنْ اِقْتَطَعَ حَقّ الْمُسْلِم . وَأَمَّا الذِّمِّيّ فَاقْتِطَاع حَقّه حَرَام لَكِنْ لَيْسَ يَلْزَم أَنْ تَكُون فِيهِ هَذِهِ الْعُقُوبَة الْعَظِيمَة . هَذَا كُلّه عَلَى مَذْهَب مَنْ يَقُول بِالْمَفْهُومِ ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَقُول بِهِ فَلَا يَحْتَاج إِلَى تَأْوِيل . وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : تَخْصِيص الْمُسْلِم لِكَوْنِهِمْ الْمُخَاطَبِينَ وَعَامَّة الْمُتَعَامِلِينَ فِي الشَّرِيعَة ، لَا أَنَّ غَيْر الْمُسْلِم بِخِلَافِهِ ، بَلْ حُكْمه حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَم . ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَة لِمَنْ اِقْتَطَعَ حَقّ الْمُسْلِم وَمَاتَ قَبْل التَّوْبَة . أَمَّا مَنْ تَابَ فَنَدِمَ عَلَى فِعْله وَرَدَّ الْحَقّ إِلَى صَاحِبه وَتَحَلَّلَ مِنْهُ وَعَزَمَ عَلَى أَنْ لَا يَعُود فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْإِثْم وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَذْهَبِ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَالْجَمَاهِير أَنَّ حُكْم الْحَاكِم لَا يُبِيح لِلْإِنْسَانِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى .وَفِيهِ بَيَان غِلَظ تَحْرِيم حُقُوق الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَا فَرْق بَيْن قَلِيل الْحَقّ وَكَثِيره لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنْ قَضِيب مِنْ أَرَاك ) .
ثالثا >>. ليس من خلق المسلم الكذب المتعمد وتزييف الحقائق .في الموطإ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا فَقَالَ لَا.
أيها الناس إن آفة اللسان خطيرة على المجتمع لذا فلتأمل ما جاء عن السلف في شأن خطره أي لما كانت آفات اللسان كثيرة، ولها في القلب حلاوة، ولها بواعث من الطبع؛ فلا نجاة من خطرها إلا بالصمت.. عن عقبة بن عامر قال: قلتُ: يا رسول الله! ما النجاة؟ قال: "أمسِكْ عليكَ لسانَكَ، وليَسَعْكَ بيتُكَ، وابكِ على خطيئتِكَ" [رواه الترمذي وابن أبي الدنيا والبيهقي، وقال الألباني: صحيح لغيره]قال أبو حاتم: [لسان العاقل يكون وراء قلبه، فإذا أراد القول رجع إلى القلب، فإن كان له قال، وإلا فلا.. والجاهل قلبه في طرف لسانه، ما أتى على لسانه تكلم به.. وما عَقَلَ دينه مَن لم يحفظ لسانه.والعاقل يحفظ أحواله من ورود الخلل عليها في الأوقات، وإن من أعظم الخلل المفسد لصحة السرائر والمُذهب لصلاح الضمائر: الإكثار من الكلام، وإن أبيح له كثرة النطق، ولا سبيل للمرء إلى رعاية الصمت إلا بترك ما أبيح له من النطق.وإذا تكلم المرء ربما ندم، وإن لم يقل لم يندم، وهو على رد ما لم يقل أقدر منه على رد ما قال، والكلمةُ إذا تكلّم بها ملكته، وإن لم يتكلم بها ملكها، والعجب ممن يتكلم بالكلمة، إن هي رُفِعتْ ربما ضَرَّته، وإن لم ترفع لم تضره، كيف لا يصمت؟ ورُبَّ كلمة سَلبتْ نعمة!والعاقل لا يبتدئ الكلام إلا أن يُسأل، ولا يقول إلا لمن يَقبل، ولا يجيب إذا شوتم، ولا يجازي إذا أُسمع؛ لأن الابتداء بالصمت وإن كان حسنًا، فإن السكوت عن القبيح أحسن منه. فإذا لم يوفق العبد لاستعمال اللسان فيما يُجدي عليه نفعه في الآخرة كان وجوب الإمساك عن السوء أولى به.] [روضة العقلاء (بتصرف)]فإنَّ لسانَ المرءِ ما لم تكن له حَصاةٌ؛ على عوراتِهِ لدليلُ قال الإمام النووي في "الأذكار": اعلم أنه لكلّ مكلّف أن يحفظَ لسانَه عن جميع الكلام إلا كلامًا تظهر المصلحة فيه، ومتى استوى الكلامُ وتركُه في المصلحة فالسنّة الإِمساك عنه؛ لأنه قد ينجرّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، بل هذا كثير أو غالب في العادة، والسلامة لا يعدلُها شيء. ال أبو الدرداء: لا خير في الحياة إلا لأحد رجلين: منُصْت واعٍ، أو متكلم عالم.وروي عن معاذ بن جبل t أنه قال: كلِّم الناس قليلاً، وكلِّم ربك كثيرًا؛ لعل قلبك يرى الله تعالى.قال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أنه قال: ما صلح منطق رجل إلا عُرف ذلك في سائر عمله.قال سفيان الثوري: أول العبادة الصمت، ثم طلب العلم، ثم العمل به، ثم حفظه، ثم نشره.قال علي بن بكار: جعل الله تعالى لكل شيء بابين، وجعل للسان أربعة أبواب: فالشفتان مصراعان، والأسنان مصراعان.
وقال بعضهم: تعلم الصمت، كما تتعلم الكلام؛ فإنْ كان الكلام يهديك، فإن الصمت يقيك.قال وهب بن منبه: في حكمة آل داود: حق على العاقل أن يكون عارفًا بزمانه، حافظًا للسانه، مُقبلاً على شأنه.وكم ببن عبد يسكت تصاونًا عن الكذب والغيبة. وبين عبد يسكت لاستيلاء سلطان الهيبة عليه.قال الغزالي في "الإحياء": [فإنْ قلتَ: هذا الفضل الكبير للصمت ما سببه؟ فاعلم أن سببه كثرة آفات اللسان؛ من الخطأ والكذب، والغيبة والنميمة، والرياء والنفاق، والفحش والمراء، وتزكية النفس، والخوض في الباطل، والخصومة، والفضول والتحريف، والزيادة والنقصان، وإيذاء الخلق وهتك العورات.فهذه آفات كثيرة، وهي لا تثقل على اللسان، ولها حلاوة في القلب، وعليها بواعث من الطبع ومن الشيطان، والخائض فيها قلما يقدر أن يمسك اللسان؛ فيطلقه بما يحب ويكفه عما لا يحب؛ فإن ذلك من غوامض العلم. ففي الخوض خطر وفي الصمت سلامة؛ فلذلك عظمت فضيلته، هذا مع ما فيه من جمع الهم ودوام الوقار، والفراغ للفكر والذكر والعبادة، والسلامة من تبعات القول في الدنيا ومن حسابه في الآخرة.] أ.هـ (ملخصًا)اغتنِمْ ركعتينِ زُلفَى إلى اللهِ إذا كنتَ فارغًا مستريحَاوإذا ما هممتَ بالنُّطْقِ بالباطلِ فاجعَلْ مكانَهُ تسبيحَاإنّ بعضَ السكوتِ خيرٌ مِنَ النُّطْقِ وإنْ كنتَ بالكلامِ فصيحَامن بديع أقوالهم في حفظ اللسان:عن مالك بن دينار عن الأحنف بن قيس قال: قال عمر بن الخطاب: يا أحنف! مَن كثر كلامه كثر سَقطه، ومَن كثر سقطه قَلَّ حياؤه، ومَن قلّ حياؤه قل ورعه، ومَن قلّ ورعه مات قلبه.قال أبو الدرداء: كفى بك كذبًا أن لا تزال محدِّثًا؛ إلا حديثًا في ذات الله تبارك وتعالى.عن كعب قال: العافية عشرة أجزاء؛ تسعة منها في السكوت.قال عمر بن عبد العزيز: مَن لم يعد كلامه مِن عمله كثرت خطاياه.قال الفضيل بن عياض: شيئان يقسيان القلب: كثرة الكلام، وكثرة الأكل.قال عطاء: فضول الكلام ما عدا تلاوة القرآن، والقول بالسنة عند الحاجة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأن تنطق في أمر لا بدَّ لك منه في معيشتك، أما يستحيي أحدكم أن لو نشرت عليه صحيفته التي أملاها صدر نهاره أن يرى أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه؟! قال عمرو بن العاص: زلّة الرِّجْل عظم يُجبَر، وزلّة اللسان لا تُبقِي ولا تذر. وصدق القائل:
وليس يُصابُ المرءُ مِن عَثْرَةِ الرِّجْلِ ++وعَثْرَتُهُ بالرِّجْلِ تَبْرَأُ على مَهْلِ ... ... يُصابُ الفتى مِن عَثْرَةٍ بلسانِهِ ++ فعَثْرَتُهُ في القولِ تُذهِبُ رأسَهُ
قال مالك بن أنس: كل شيء ينتفع بفضله إلا الكلام؛ فإن فَضْله يَضُرُّ.قال أبو حاتم: اللهُ جل وعز رفع جارحةَ اللسان على سائر الجوارح، فليس منها شيء أعظمُ أجرًا منه إذا أطاع، ولا أعظم ذنبًا منه إذا جنى.قال أبو الدرداء: أنصف أذنيك من فيك؛ فإنما جُعل لك أذنان وفم واحد؛ لتسمع أكثر مما تتكلم.قال ابن مسعود: والله الذي لا إله غيره؛ ما شيء أحق بطول سجْن من لسان. قال الإمام النووي في "الأذكار": بلغنا أن قسَّ بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثر من أن تُحصى، والذي أحصيتُه ثمانية آلاف عيب، ووجدتُ خصلة إن استعملتها سترتَ العيوبَ كلَّها! قال: ما هي؟ قال: حفظ اللسان.قال بعض البلغاء: الزم الصمت؛ فإنه يُكْسِبك صَفْوَ المحبة، ويُؤمنُك سُوء الْمَغَبَّة، ويُلبسك ثوبَ الوقار، ويَكفيكَ مَئُونَة الاعتذار.قال الفضيل بن عياض يقول: مَن عَدَّ كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.قال الأوزاعي: ما ابتُلِيَ أحد في دينه ببلاء أضر عليه من طلاقة لسانه.قال بعض الفصحاء: اعقل لسانك إلا عن حق توضحه، أو باطل تدحضه، أو حكمة تنشرها، أو نعمة تذكرها.
وعقوبة الكذاب في الآخرة جاء فيها قوله صلى الله عليه وسلم {وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنَاهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرَاهُ إِلَى قَفَاهُ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذِبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاق} إن سبب تقطيع شدقيه بالمقراض هوخلط وتغيير المفاهيم لدى الناس بلسانه حتى أصبحوا يعتقدون أن هناك قولا يقال وفعلا يفعل خاصة لدى الأطفال فإنهم كثيرا ما يتربون على هذا الخلق الذميم. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا> مسلم
4>>ـ ليس من خلق المسلم الحسد .و الغيبة .و النميمة.وسوء الظن. ورمي الآخرين بالتهم الباطلة . أما الحسد فلأنه مذموم في الشرع والعرف ذم الحاسد قال {ص}:{الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب}رواه أبو داود وقال {ص}{لا تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا}متفق عليه وقال {ص}{دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضة هي الحالقة لا أقول جالقة الشعر ولكن حالقة الدين والذي نفس محمد بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا إلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم أفشوا للسلام بينكم}الترمذي..وقال {ص}{أخوف ما أخاف على أمتي أن يكثر فيهم المال فيتحاسدون ويقتتلون}أخرجه ابن أبي الدنيا وفيه ثابت ابن ثابت جهله أبو حاثم وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد بلفظ أخر ولأحمد والبراز من حديث عمر وفيه{لا تفتح الدنيا على أحد إلا ألقي الله بينهم العدواة والبغضاء إلى يوم القيامة}ودوافعه: أمران لا ثالث لهما بريدان للحسد إن وجدا وجد الحسد وهما الغضب والحقد. جاء ذم الغضب فيما يلي:قال تعالى{إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينة على رسوله على المؤمنين}والحمية كما قال السيد قطب رحمه الله إنما حمية الكبر والفخر والبطر والتعنت والحمية الجاهلية من التي جعلت المشركين يقفون في وجه رسول اله ليمنعوه من الدخول إلى الحرام وقال الصابوني الحمية هي الألفة والكبرياء بالباطل والغطرسة والعصبية الجاهليةوروى أبو هريرة أن رجلا قال:{يا رسول الله مرني بعمل وأقلل لا تغضب ثم أعاد عليه فقال لا تغضب }رواه البخاري.......أما الغيبةوالنميمة\\ففي الموطإ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبَ الْمَخْزُومِيَّ أَخْبَرَهُ
أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْغِيبَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَذْكُرَ مِنْ الْمَرْءِ مَا يَكْرَهُ أَنْ يَسْمَعَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ حَقًّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُلْتَ بَاطِلًا فَذَلِكَ الْبُهْتَانُ>...وروى مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا بِكِسْرَتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ فَجَعَلَ كِسْرَةً فِي قَبْرِ هَذَا وَكِسْرَةً فِي قَبْرِ هَذَا فَقَالَ لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا
أما سوء الظن\فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا روى أبو داودعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَصْرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حُسْنُ الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ من المعاول سوء الظن قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ...> في قوله تعالى : { اجتنبوا كثيراً من الظن } تأديب عظيم يبطل ما كان فاشياً في الجاهلية من الظنون السيئة والتهم الباطلة وأن الظنون السيئة تنشأ عنها الغيرة المفرطة والمكائد والاغتيالات ، والطعن في الأنساب ، والمبادأة بالقتال حذراً من اعتداء مظنون ظناً باطلاً ، كما قالوا : خذ اللص قبْلَ أن يَأخُذَك .وما نجمت العقائد الضالة والمذاهب الباطلة إلا من الظنون الكاذبة قال تعالى : { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } [ آل عمران : 154 ] وقال : { وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون } [ الزخرف : 20 ] وقال : { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرَّمنا من شيء } [ الأنعام : 148 ] ثم قال : { قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون } [ الأنعام : 148 ] .
5>>ـ ليس من خلق المسلم العمل رياء طلبا للحظوة عند الآخرين فمن كان يحب أن يعطى له لقب الحاج ويتكدر إن لم ينادى به فهو مراء . فمن بديع أقوال سلفنا الصالح في الإخلاص :قال السوسي: الإخلاص فقد رؤية الإخلاص، فإنّ مَن شاهد في إخلاصه الإخلاص فقد احتاج إخلاصه إلى إخلاص.قال سهل: الإخلاص أن يكون سكون العبد وحركاته لله تعالى خاصة.قيل لسهل: أي شىء أشد على النفس؟ فقال: الإخلاص إذ ليس لها فيه نصيب!قال رويم: الإخلاص في العمل هو أن لا يريد صاحبه عليه عوضًا..وسُئل بعض السلف: ما غاية الإخلاص؟ قال: أنْ لا تُحبَّ مَحْمَدَةَ الناس. قال ابن القيم في "الفوائد: بين العبد وبين الله والجنة قنطرة تُقطَع بخطوتين: خطوة عن نفسه، وخطوة عن الخلق.. فيُسقِط نفسه ويُلغيها فيما بينه وبين الناس.. ويُسقط الناس، ويُلغيهم فيما بينه وبين الله.. فلا يلتفت إلا إلى مَن دَلَّه على الله وعلى الطريق الموصِّلة إليه.روى مسلم في صحيحه عن أبي بُرْدَة عن أبي موسى قال: خرجنا مع رسول الله e في غَزَاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نَعتَقِبُه، قال: فَنَقِبَتْ أقدامنا(1)، فنَقِبَتْ قدمايَ، وسقطت أظفاري، فكنا نَلُفُّ على أرجلنا الْخِرَقَ؛ فسميت غزوة "ذات الرِّقاع" لِمَا كنا نُعَصِّبُ على أرجلنا من الْخِرَقِ. قال أبو بُرْدَة: فحدَّث أبو موسى بهذا الحديث، ثُم كره ذلك، قال: كأنه كره أنْ يكون شيئًا من عمله أفشاه. قال محمد بن أعين -وكان صاحب ابن المبارك في أسفاره-: كنا ذات ليلة ونحن في غزو الروم، فذهب عبد الله بن المبارك ليضع رأسه ليريني أنه ينام، فوضعت رأسي على الرمح لأريه أني أنام كذلك.. فظن أني قد نمت؛ فقام فأخذ في صلاته، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر وأنا أرمُقُه.. فلما طلع الفجر أيقظني، وظن أني نائم، وقال: يا محمد! فقلتُ: إني لم أنم.. فلما سمعها مني ما رأيته بعد ذلك يُكلمني، ولا ينبسط إليّ في شيء من غزاته كلها؛ كأنه لم يعجبه ذلك مني لما فطنتُ له من العمل! فلم أزل أعرفها فيه حتى مات، ولم أر رجلاً أسرَّ بالخير منه.
++قال عبد العزيز بن أبي رواد: جاورتُ هذا البيت ستين سنة، وحججتُ ستين حجة.. فما دخلتُ في شىء من أعمال الله تعالى إلا وحاسبتُ نفسي؛ فوجدتُ نصيب الشيطان أوفى مِن نصيب الله؛ ليتَه لا ليّ، ولا عليّ!!وقال الغزالي في "الإحياء": إذن علاج الإخلاص كسر حظوظ النفس، وقطع الطمع عن الدنيا، والتجرد للآخرة بحيث يغلب ذلك على القلب؛ فإذا ذاك يتيسر الإخلاص.وهذا بكر بن عبد الله يقول: إن رأيتُ مَن هو أكبر مني سنًّا قلتُ: سبقني بالإيمان والعمل الصالح؛ فهو خير مني.. وإنْ رأيتُ مَن هو أصغر مني فأقول: سبقتُه إلى الذنوب والمعاصي؛ فهو خير مني.. وإنْ أكرمني إخوتي قلتُ: تفضلوا عليّ؛ فجزاهم ربي خيرًا.. وإنْ أهانني إخوتي قلتُ: ذاك لذنب أصبتُه، وعهد بيني وبين الله ضيعتُه..قال ابن القيم [ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية من ذلك أمرًا لم أشاهده من غيره. وكان يقول كثيرا: ما لي شيء، ولا مني شيء، ولا فيّ شيء.وكان إذا أُثني عليه في وجهه يقول: "والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقت، وما أسلمتُ بعد إسلامًا جيدًا"!
6>> ليس من خلق المسلم أن يكون غشاشا ولا خائنا ولا متلبسا له وجوه شتى 1>ـ .لما في صحيح مسلم.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا> ....2...>>.في مصنف عبد الرزاق عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من رجل ينكح امرأة بصداق ، وليس في نفسه أن يؤديه إليها ، إلا كان عند الله زانيا (3) ، ومامن رجل يشتري من رجل بيعا ، وليس في نفسه أن يؤديه إليه ، إلا كان عند الله خائنا......3>>.روى ابن ماجه . عَنْ ابْنِ عُمَرَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ عَبْدًا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ فَإِذَا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا رَجِيمًا مُلَعَّنًا فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا رَجِيمًا مُلَعَّنًا نُزِعَتْ مِنْهُ رِبْقَةُ الْإِسْلَامِ>... قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 7 /44 :/ موضوع/أخرجه ابم ماجه (2/ 500-501) من طريق سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن أبي شجرة كثير بن مرة عن ابن عمر مرفوعاً قلت : وهذا موضوع ؛ آفته سعيد بن سنان وهو أبو مهدي الحنفي الحمصي ، قال الدارقطني :"يضع الحديث" . وقال الجوزجاني :"أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة" . وقال البخاري :"منكر الحديث" . وقال النسائي : "متروك الحديث" .وأما قول البوصيري في "الزوائد" (247/ 2) :"هذا إسناد ضعيف ؛ لضعف سعيد بن سنان ، والاختلاف في اسمه" .ففيه أمور :الأول : أن الإسناد أسوأ حالاً مما ذكر ، كما يتبين لك من كلمات الأئمة المذكورين .الثاني : أنه لا اختلاف في اسمه أصلاً ، لعله اختلط عليه بغيره .4>>في تهذيب الآثار للطبري عن محمد بن سيرين : أن صهرا لعمر بن الخطاب قدم على عمر ، فعرض له أن يعطيه من بيت المال ، فانتهره عمر وقال : « أردت أن ألقى الله ملكا خائنا ؟ » فلما كان بعد ذلك أعطاه عمر من صلب ماله عشرة آلاف>انتهره : زجره ونهاه وعنفه... . 5>>في تهذيب الأثار للطبري عن الأعمش ، قال : دخل علينا رجل بواسط ، فذكرته بعد ونعته ، فقالوا : هذا الحسن البصري ، فسمعته يقول : قال أبو الدرداء : « الورع (1) أمانة ، والتاجر فاجر ، والله ما أحب أن لي غلاما صواغا (2) خائنا بدرهمين ، ولا أمة (3) بغيا (4) بدرهمين ، ولا خياطا خائنا بدرهمين » وبنحو الذي قال من ذكرت ، وقلنا في السبب الذي قلنا : « إن التاجر يستحق به اسم الفجور » وردت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) الورع : في الأصْل : الكَفُّ عن المَحارِم والتَّحَرُّج مِنْه، ثم اسْتُعِير للكفّ عن المُباح والحلال .(2) الصواغ : صائغ الحلي(3) الأمة : الجارية المملوكة(4) البغي : الزانية التي تجاهر بالزنا وتتكسب منه ......6>>++في شعب الإيمان للبيهقي عن المسيب بن واضح قال : سمعت ابن المبارك ، في طريق الروم يقول : يا مسيب ، إن فساد العام من قبل الخاص ، والناس على خمس طبقات : من أولهم الزهاد وهم ملوك هذه الأمة ، الثاني : العلماء وهم ورثة الأنبياء ، والثالث : الولاة وهم الرعاة ، والرابع : التجار وهم أمناء الله في الأرض ، والخامس : الغزاة وهم سيف الله في الأرض ، وإذا كان الزاهد راغبا فبمن يقتدي الناس ، وإذا كان العالم طامعا فبمن يهتدي الناس ؟ وإذا كان الراعي جائرا فإلى من يلتجئ الناس ؟ وإذا كان التاجر خائنا فبمن يأمن الناس ؟ وإذا كان الغازي مرائيا فمتى يرجو الظفر ؟> 1>الجور : البغي والظلم والميل عن الحق(2) المرائي : يُرَائي الناس بقوله وعمله، لا يكون وعْظُه وكلامه ...7>>++في الموطإ والبخاري \ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ>وفي رواية البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ>
في الفتح " قَالَ الْقُرْطُبِيّ : إِنَّمَا كَانَ ذُو الْوَجْهَيْنِ شَرّ النَّاس لِأَنَّ حَاله حَال الْمُنَافِق ، إِذْ هُوَ مُتَمَلِّق بِالْبَاطِلِ وَبِالْكَذِبِ ، مُدْخِلٌ لِلْفَسَادِ بَيْنَ النَّاس . وَقَالَ النَّوَوِيّ : هُوَ الَّذِي يَأْتِي كُلّ طَائِفَة بِمَا يُرْضِيهَا ، فَيُظْهِر لَهَا أَنَّهُ مِنْهَا وَمُخَالِف لِضِدِّهَا ، وَصَنِيعه نِفَاق وَمَحْض كَذِب وَخِدَاع وَتَحَيُّل عَلَى الِاطِّلَاع عَلَى أَسْرَار الطَّائِفَتَيْنِ ، وَهِيَ مُدَاهَنَة مُحَرَّمَة . قَالَ : فَأَمَّا مَنْ يَقْصِد بِذَلِكَ الْإِصْلَاح بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ فَهُوَ مَحْمُود . وَقَالَ غَيْره : الْفَرْق بَيْنَهمَا أَنَّ الْمَذْمُوم مَنْ يُزَيِّن لِكُلِّ طَائِفَة عَمَلهَا وَيُقَبِّحهُ عِنْدَ الْأُخْرَى وَيَذُمّ كُلّ طَائِفَة عِنْدَ الْأُخْرَى ، وَالْمَحْمُود أَنْ يَأْتِي لِكُلِّ طَائِفَة بِكَلَامٍ فِيهِ صَلَاح الْأُخْرَى وَيَعْتَذِر لِكُلِّ وَاحِدَة عَنْ الْأُخْرَى ، وَيَنْقُل إِلَيْهِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْجَمِيل وَيَسْتُر الْقَبِيح . وَيُؤَيِّد هَذِهِ التَّفْرِقَة رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق اِبْن نُمَيْر عَنْ الْأَعْمَش " الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ هَؤُلَاءِ " وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِره جَمَاعَة وَهُوَ أَوْلَى ، وَتَأَوَّلَهُ قَوْم عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهِ مَنْ يُرَائِي بِعَمَلِهِ فَيُرِي النَّاس خُشُوعًا وَاسْتِكَانَة وَيُوهِمهُمْ أَنَّهُ يَخْشَى اللَّه حَتَّى يُكْرِمُوهُ وَهُوَ فِي الْبَاطِن بِخِلَافِ ذَلِكَ ، قَالَ : وَهَذَا مُحْتَمَل لَوْ اِقْتَصَرَ فِي الْحَدِيث عَلَى صَدْره فَإِنَّهُ دَاخِل فِي مُطْلَق ذِي الْوَجْهَيْنِ ، لَكِنْ بَقِيَّة الْحَدِيث تَرُدّ هَذَا التَّأْوِيل وَهِيَ قَوْله : " يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ " قُلْت : وَقَدْ اِقْتَصَرَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَلَى صَدْر الْحَدِيث ، لَكِنْ دَلَّتْ بَقِيَّة الرِّوَايَات عَلَى أَنَّ الرَّاوِي اِخْتَصَرَهُ ، فَإِنَّهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيّ مِنْ رِوَايَة الْأَعْمَش ، وَقَدْ ثَبَتَ هُنَا مِنْ رِوَايَة الْأَعْمَش بِتَمَامِهِ ، وَرِوَايَة اِبْن نُمَيْر الَّتِي أَشَرْت إِلَيْهَا هِيَ الَّتِي تَرُدّ التَّأْوِيل الْمَذْكُور صَرِيحًا ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " لَا يَنْبَغِي لِذِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُون أَمِينًا " . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث عَمَّار بْن يَاسِر قَالَ : " قَالَ رَسُول اللَّه : مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا كَانَ لَهُ يَوْم الْقِيَامَة لِسَانَانِ مِنْ نَار " وَفِي الْبَاب عَنْ أَنَس أَخْرَجَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ بِهَذَا اللَّفْظ ، وَهَذَا يَتَنَاوَل الَّذِي حَكَاهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ عَمَّنْ ذَكَرَهُ بِخِلَافِ حَدِيث الْبَاب فَإِنَّهُ فَسَّرَ مَنْ يَتَرَدَّد بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنْ النَّاس ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم .
لست ربوت