الحمد لله وكفى سلام على عباده الذين اصطفى وبعد < موضوع اليوم فضل الذين يعملون في الخفاء ...>
أيها الناس إن ديننا الإسلامي من أعظم المبادئ التي جاء بها مبدأالتضامن ونفع الناس من ثم شرع ربنا فريضة الزكاة التي سبقت النظام الإجتماعي الغربي في وضع التضامن مواساة للفقراء والمحرومين فإن الغرب لم يفكر فيه إلا في زمن قريب وذلك سنة 1941 إسترضاء لثوارث شعوبها وأول دولة بدأت بتنظيم الضمان الإجتماعي هي ألمانيا فقد أصدرت أول قانون في هذا الشأن سنة 1833للميلاد. كما شرع زكاة الفطر وكفارة الظهار والحلف وغير ذالك وجعل في مال الأغنياء حقوقا غير الزكاة وأنذر سيد الخلق غير المبالين بالمحرومين فقال فيما رواه أحمد عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرِئَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى>
هذا وإن الناس في أموالهم نوعين منهم من علم الحق فوفق له فصرف ماله في وجهه اللائق به أطعم به البطون الجائعة وكسى به الأجسام العارية وخفف به عن الذمم المكروبة ونوع ثان لم يوفق للحكمة من المال فصرفه تلبية لرغباته وأهوائه فتراه يبدر علي الليالي الحمراء وموائد القمار وفروج الباغيا الشيء الكثير أو تراه يطعم به البطون المثخنة بالثراء طلبا للحظوة أو على التوافه التي إن نظر إليها بعين الشريعة تعد من قبيل لهو الصبية أو طيش المعتوهين .هذا وإن في هذه الأمة وإن كانوا قلة ليصنفون في مصاف كبار السلف في الإخلاص وابتغاء الخير والاهتمام بالأمة يعملون في الخفاء همهم البحث عن المكروبين للتخفيف عنهم والمرضى لإعانتهم والجياع لسد حاجاتهم لايتطلعون لشهرة ليكتسبوا بذالك عقول الآخرين ولا يريدون مدحا ولا شكورا وإنما الدافع لهم أن يحظوا برضا الواحد الأحد.والآن وبعد هذ ه الجولة فإلى فضل الذين ينفعون العباد .
أولا>>الفضل الأول :التجاوز عنهم جزاء وفاقا يوم لاينفع مال ولا بنون روى البخاري ومسلم عن حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّتْ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالُوا أَعَمِلْتَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا قَالَ كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنْ الْمُوسِرِ قَالَ قَالَ فَتَجَاوَزُوا عَنْه>
قال النووي : وَالتَّجَاوُز وَالتَّجَوُّز مَعْنَاهُمَا الْمُسَامَحَة فِي الِاقْتِضَاء وَالِاسْتِيفَاء وَقَبُول مَا فِيهِ نَقْص يَسِير ، كَمَا قَالَ : وَأَتَجَوَّز فِي السِّكَّة .
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث فَضْل إِنْظَار الْمُعْسِر ، وَالْوَضْع عَنْهُ إِمَّا كُلّ الدَّيْن ، وَإِمَّا بَعْضه مِنْ كَثِير أَوْ قَلِيل ، وَفَضْل الْمُسَامَحَة فِي الِاقْتِضَاء وَفِي الِاسْتِيفَاء ؛ سَوَاء اُسْتُوْفِيَ مِنْ مُوسِر أَوْ مُعْسِر ، وَفَضْل الْوَضْع مِنْ الدَّيْن ، وَأَنَّهُ لَا يَحْتَقِر شَيْء مِنْ أَفْعَال الْخَيْر ؛ فَلَعَلَّهُ سَبَب السَّعَادَة وَالرَّحْمَة .وَفِيهِ جَوَاز تَوْكِيل الْعَبِيد وَالْإِذْن لَهُمْ فِي التَّصَرُّف ، وَهَذَا عَلَى قَوْل مَنْ يَقُول : شَرْع مَنْ قَبْلنَا شَرْع لَنَا .
ثانيا>>الفضل الثاني : إرواؤهم من عين مزج ماؤها بالكافور قال تعالى \إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ
{2290}
يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا>
هذا الشراب الذي مزج من الكافور هو عين يشرب منها عباد الله، يتصرفون فيها، ويُجْرونها حيث شاؤوا إجراءً سهلا. هؤلاء كانوا في الدنيا يوفون بما أوجبوا على أنفسهم من طاعة الله، ويخافون عقاب الله في يوم القيامة الذي يكون ضرره خطيرًا، وشره فاشيًا منتشرًا على الناس، إلا مَن رحم الله، ويُطْعِمون الطعام مع حبهم له وحاجتهم إليه، فقيرًا عاجزًا عن الكسب لا يملك من حطام الدنيا شيئًا، وطفلا مات أبوه ولا مال له، وأسيرًا أُسر في الحرب من المشركين وغيرهم، ويقولون في أنفسهم: إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله، وطلب ثوابه، لا نبتغي عوضًا ولا نقصد حمدًا ولا ثناءً منكم. إنا نخاف من ربنا يومًا شديدًا تَعْبِس فيه الوجوه، وتتقطَّبُ الجباه مِن فظاعة أمره وشدة هوله.اهـ الميسر .في الخازن : قوله تعالى : { يوفون بالنذر } لما وصف الله تعالى ثواب الأبرار في الآخرة وصف أعمالهم في الدنيا التي يستوجبون بها هذا الثواب والمعنى كانوا في الدنيا يوفون بالنذر والنذر الإيجاب . والمعنى يوفون بما فرض الله عليهم فيدخل فيه جميع الطاعات من الأيمان والصلاة ، والزكاة والصوم والحج ، والعمرة ، وغير ذلك من الواجبات ، وقيل النذر في عرف الشرع واللغة أن يوجب الرجل على نفسه شيئاً ليس بواجب عليه ، وذلك بأن يقول : لله عليَّ كذا وكذا من صدقة أو صلاة أو صوم أو حج أو عمرة يعلق ذلك بأمر يلتمسه من الله . وذلك بأن يقول إن شفى الله مريضي أو قدم غائبي كان لله عليَّ كذا ، ولو نذر في معصية لا يجب الوفاء به ( روى البخاري ) عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من نذر أن يطيع الله فليف بنذره ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يف به » وفي رواية « فليطعه ولا يعصه ».قال ابن كثير " أي: هذا الذي مُزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفا بلا مزج ويَرْوَوْنَ بها؛ ولهذا ضمن يشرَب "يروى" حتى عداه بالباء، ونصب { عَيْنًا } على التمييز.
ثالثا>>الفضل الثاني : تنفيس كرباتهم يوم يشتد الكرب على الناس .روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ> قال النووي : فِيهِ : فَضْل قَضَاء حَوَائِج الْمُسْلِمِينَ ، وَنَفْعهمْ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ عِلْم أَوْ مَال أَوْ مُعَاوَنَة أَوْ إِشَارَة بِمَصْلَحَةٍ أَوْ نَصِيحَة وَغَيْر ذَلِكَ ، وَفَضْل السَّتْر عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيله ، وَفَضْل إِنْظَار الْمُعْسِر ، وَفَضْل الْمَشْي فِي
{2291}
طَلَب الْعِلْم ، وَيَلْزَم مِنْ ذَلِكَ الِاشْتِغَال بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيّ ، بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِد بِهِ وَجْه اللَّه تَعَالَى ، إِنْ كَانَ هَذَا شَرْطًا فِي كُلّ عِبَادَة ، لَكِنَّ عَادَة الْعُلَمَاء يُقَيِّدُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَة بِهِ ، لِكَوْنِهِ قَدْ يَتَسَاهَل فِيهِ بَعْض النَّاس ، وَيَغْفُل عَنْهُ بَعْض الْمُبْتَدِئِينَ وَنَحْوهمْ .
ثالثا>>الفضل الثالث: أستراحتهم تحت ظل العرش يوم يختنق المفرطون وتنصهرجودهم من شدة القيض .روى أحمد عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ نَفَّسَ عَنْ غَرِيمِهِ أَوْ مَحَا عَنْهُ كَانَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ>.
وفي وصف هذا اليوم الرهيب روى مسلم عنالْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَدِ قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ أَمْ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ قَالَ فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا قَالَ وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ.
رابعا >الفضل الرابع دخولهم الجنة وإلإكرام فيهابأنواع الملاذ. وروى البخاري : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ> الثرى : التراب النَّدِيٌّ، وقيل : هو التراب الذي إِذا بُلَّ يصير طينا فإذا كانت رحمة العجماوات تؤهل صاحبها بدخول الجنة فإن رحمة البشر تضاعف الدرجات فيها وروى البخاري ومسلم : أيضا : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ>ففي الفتح : قَوْله : ( بَغِيّ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَكَسْر الْمُعْجَمَة هِيَ الزَّانِيَة ، وَتُطْلَق عَلَى الْأَمَة مُطْلَقًا .قَوْله : ( مُوقهَا )بِضَمِّ الْمِيم وَسُكُون الْوَاو بَعْدهَا قَاف هُوَ الْخُفّ ، وَقِيلَ مَا يُلْبَس فَوْق الْخُفّ .قَوْله : ( فَغُفِرَ لَهَا )زَادَ الْكُشْمِيهَنِيُّ " بِهِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى هَذَا الْحَدِيث مَشْرُوحًا فِي كِتَاب الشُّرْب ، لَكِنْ وَقَعَ هُنَاكَ وَفِي الطَّهَارَة أَنَّ الَّذِي سَقَى الْكَلْب رَجُل ، وَأَنَّهُ سَقَاهُ فِي خُفّه ، وَيَحْتَمِل تَعَدُّد الْقِصَّة .
وقال تعالى مبينا صفات المكرمين في جنت النعيم بأنواع الملاذ<) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ>
وأنواع الإكرام كثير فمنه:
{2292}
1> تحية الملائكة لهم لقوله تعالى < والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عيك بما صبرتم .ومنها .2>ـ رضاء الله عليهم روى البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ فَيَقُولُ هَلْ رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ فَيَقُولُ أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا
3>>ـ السلام من الرب على أهل الجنة قال تعالى< سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } قال ابن جريج: قال ابن عباس في قوله: { سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } فإن الله نفسه سلام على أهل الجنة. وهذا الذي قاله ابن عباس كقوله تعالى: { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ } [الأحزاب : 44]وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثا ، وفي إسناده نظر، ... عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أهل الجنة في نعيمهم، إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة. فذلك قوله: { سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } . قال: "فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته عليهم وفي ديارهم".اهـ ابن كثير...4>>ـ ـ استقبال الملائكة لهم بالتهنئة قال تعالى : لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.قوله ( وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ) يقول: وتستقبلهم الملائكة يهنئونهم يقولون( هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) فيه الكرامة من الله والحِباء والجزيل من الثواب على ما كنتم تنصَبون في الدنيا لله في طاعته.اهـ ابن جرير
خامسا>> نماذج من سلفنا الصالح في نفعهم للناس \\
1>>ـ ففي مجال الإيثار والمواساة ما يلي: روى الطبراني في الكبير أن عمر بن الخطاب أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة ثم قال لغلامه اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تشاغل في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع فذهب بها الغلام إليه فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك فقال أبو عبيدة وصل الله عمر ورحمه ثم قال:أي أبو عبيدة تعالي يا جارة اذهبي بهذه السيعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره ووجده قد عد مثلها لمعاد بن جبل فقال:اذهب بها إلى معاد وتشاغل في البيت حتى تنظر ماذا يصنع فذهب بها إليه فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في حاجتك فقال رحمه الله ووصله تعالى يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا واذهبي إلى بيت فلان بكذا فاطلعت امرأة معاذ وقالت نحن والله مساكين فأعطنا فلم يبق في الخرقة إلا ديناران فرمى بهما إليها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك فقال إنهم إخوة بعضهم من بعض}....وفي عهد عمر أصاب الناس مجاعة وشدة وكانت قافلة من الشام مكونة من ألف جمل عليها أصناف الطعام واللباس قد حلت لعثمان {ض}فتراكض التجار عليا يطلبون أن يبيعهم هذه القافلة فقال لهم كم تعطوني ربحا قالوا خمسة في المائة قال إني وجدت
{2293}
من يعطيني أكثر فقالوا ما نعلم في التجار من يدفع أكثر من هذا الربح فقال لهم عثمان إني وجدت من يعطيني على الدرهم سبعمائة فأكثر وجدت الله يقول{مثل الدين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتث سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء}أشهدكم يا معشر التجار أن القافلة وما فيها من برودقيق وزيت وسمن وهبتها لفقراء المدينة وأنها صدقة على المسلمين
وروى مسلم قال {جاء أعرابي النبي{ص}بناقة مخطومة فقال يا رسول الله هذه في سبيل الله فقال{ص}{لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة} وروى البخاري في الأدب المفرد عن ابن عمر{ض}قال:لقد أتى علينا زمان وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم} وعن ابن عمر{ض}قال أهدي إلى رجل من أصحاب رسول الله{ص}رأس شاة فقال فلان أحوج والله مني فبعث به إليه فبعث هو أيضا إلى آخر يراه أحوج منه فلم يزل يبعث واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول بعد أن تداوله سبعة}ذكره الغزالي في الإحياء ومن عجائب الإيثار ما ذكره العدوي كما روى القرطبي: وقال حذيفة العدوي: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي- ومعي شي من الماء- وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، فإذا أنا به، فقلت له: أسقيك، فأشار برأسه أن نعم فإذا أنا برجل يقول: آه! آه! فأشار إلي ابن عمي أن انطلق إليه، فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فأشار أن نعم. فسمع آخر يقول: آه! آه! فأشار هشام أن انطلق إليه فجئته فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات. فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات. وقال أبو يزيد البسطامي: ما غلبني أحد ما غلبني شاب من أهل بلخ! قدم علينا حاجا فقال لي: يا با يزيد، ما حد الزهد عندكم؟ فقلت: إن وجدنا أكلنا. وإن فقدنا صبرنا . فقال: هكذا كلاب بلخ عندنا. فقلت: وما حد الزهد عندكم؟ قال: إن فقدنا شكرنا، وإن وجدنا آثرنا.ولقد مدح الله الأنصار لأنهم آثروا المهاجرين على أنفسهم فقال تعالى:{يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}وروي أن أحد الخلفاء أمر بضرب رقاب ثلاثة من الصالحين فيهم أبو الحسين النوري فتقدم أبو الحسين ليكون أول من تضرب عنقه فعجب الخليفة لذلك وسأله عن سببه فقال أبو الحسين ليكون أول من تضرب عنقه فعجب الخليفة لذلك وسأله عن سببه فقال أبوالحسين رحمه الله إني أجبت أن أوثر إخواني بالحياة في هذه اللحظات فكان ذلك سبب نجاتهم جميعا}اهـ الإخوة لناصح علوان
2>>ـ أم هانئ قامت بشفاعة لأحدهم أجرته وهذا من التعاون المحمود الذي يبعث في الأمة روح الأخوة والتقارب .فروى البخاري عن أُم هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ قَالَتْ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانَ ابْنَ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَاكَ ضُحًى> .وقال النووي : وَاسْتَدَلَّ بَعْض أَصْحَابنَا وَجُمْهُور الْعُلَمَاء بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى صِحَّة أَمَان الْمَرْأَة
{2294}
3>>جاء في كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: عن عبد الله بن رجاء الغداني قال: كان لأبي حنيفة جار بالكوفة إسكاف يعمل نهاره أجمع حتى إذا جنه الليل رجع إلى منزله وقد حمل لحماً فطبخه أو سمكة فيشويها ثم لا يزال يشرب حتى إذا دب الشراب فيه غنى بصوت وهو يقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم وكان أبو حنيفة يسمع جلبته وأبو حنيفة كان يصلي الليل كله ففقد أبو حنيفة صوته فسأل عنه فقيل: أخذه العسس منذ ليال وهو محبوس فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غد وركب بغلته واستأذن على الأمير قال: الأمير إيذنوا له واقبلوا به راكبا ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط ففعل ولم يزل الأمير يوسع له من مجلسه وقال ما حاجتك؟ قال: لي جار إسكاف أخذه العسس منذ ليال يأمر الأمير بتخليته فقال: نعم وكل من أخذه بتلك الليلة إلى يومنا هذا فأمر بتخليتهم أجمعين فركب أبو حنيفة والإسكافي يمشي وراءه فلما نزل أبو حنيفة
مضى إليه فقال: يا فتى أضعناك قال: لا بل حفظت ورعيت جزاك الله خيراً عن حرمة الجوار ورعاية الحق وتاب الرجل ولم يعد إلى ما كان.اهـ أين هذا ممن لايهمهم إلا أولادهم وجيوبهم فيرون كل نازلة جانبتهم لاتساوي المداد الذي تكتب به غير أن في أمتنا اليوم من يضاهون السلف في الاهتمام بقضايا الأمة يفدونها بأموالهم وشفاعتهم بل لايقصرن في الدب والمناصرة والسعي في إسعادها وهذه هي مبادئ الإسلام كما جاء بها نبي الرحمة فيما رواه أبو داود عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِه>قَالَ فِي شَرْح السُّنَّة : أَيْ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِذَا آمَنَ كَافِرًا حَرُمَ عَلَى عَامَّة الْمُسْلِمِينَ دَمه وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُجِير أَدْنَاهُمْ مِثْل أَنْ يَكُون عَبْدًا أَوْ اِمْرَأَة أَوْ عَسِيفًا تَابِعًا أَوْ نَحْو ذَلِكَ فَلَا يُخْفَر ذِمَّته.وقوله ( وَهُمْ يَد عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ): قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : أَيْ الْمُسْلِمُونَ لَا يَسَعهُمْ التَّخَاذُل بَلْ يُعَاوِن بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى جَمِيع الْأَدْيَان وَالْمِلَل . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى الْيَد الْمُظَاهَرَة وَالْمُعَاوَنَة إِذَا اِسْتُنْفِرُوا وَجَبَ عَلَيْهِمْ النَّفِير وَإِذَا اسْتُنْجِدُوا أَنْجَدُوا وَلَمْ يَتَخَلَّفُوا وَلَمْ يَتَخَاذَلُوا اِنْتَهَى . وَفِي النِّهَايَة أَيْ هُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ لَا يَسَعهُمْ التَّخَاذُل بَلْ يُعَاوِن بَعْضهمْ بَعْضًا كَأَنَّهُ جَعَلَ أَيْدِيهمْ يَدًا وَاحِدَة وَفِعْلهمْ فِعْلًا وَاحِدًا اِنْتَهَى . والآن فإلى المبادئ التي يتحلى بها المسلم الحي الذي يتفاعل مع أمته .
4>>ـ زين العابدين بن علي كان يحمل الجراب على ظهره بالليل لبيوت الأرامل فكان ناس بالمدينة يطعمون ولا يدرون من يطعمهم فما عرفوا ذلك حتى مات زين العبدين حيث توقفت عنهم النفقة فعلموا أنه هو .
5)ـــ عبد الله بن المبارك كان كثير الاختلاف إلى طرسوس اسم مكان وكان يأتيه شاب يسمع منه الحديث فقدم عبد الله مرة فلم يره فسأل عنه فقيل له : إنه محبوس على عشرة ءالاف درهم فاستدل على صاحب الدين فأعطاه عشرة ءالاف درهم
{2295}
وسدد ما على الشاب فأخرج من السجن فلقيه بن المبارك فقال له أين كنت قال الشاب : في السجن وجاء رجل وسدد عني ديني ولم أدر من هو فقال عبد الله بن المبارك الحمد لله . ولم يعلم الشاب من سدد عنه إلا بعد وفاة بن المبارك .اهـ السلسلة الذهبية . )وأيضا هذا عبد الله بن المبارك الإمام المحدث كان كثير الصدقات حتى إنها لتبلغ في السنة أكثر من مائة ألف دينار خرج مرة إلى الحج مع أصحابه فاجتاز ببعض البلاد فمات طائر فأمر بإلقائه على مزبلة هناك وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم فلما مر بالمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها فأخذت ذلك الطائر الميت فسألها عن ذلك فأخبرته أنها وأخاها فقيران لا يعلم بهما أحد ولا يجدان شيئا فأمر ابن المبارك بردالإحمال إليهما فقال لوكيله :كم معك من النفقة قال:ألف دينار فقال له عد منها عشرين دينارا تكفينا إلى العودة إلى ((مرو)) بالعراق وأعطيها الباقي فهذا أفضل من حجنا في هذا العام ثم رجع فلم يحج اهـ فياليت المعتمرين الآن وما أكثرهم قد حدوا حدوعبد الله الله بن المبارك
6>>ـ عثمان ذو النورين ففي عهد عمر رضي الله عنه أصاب الناس شدة وقحط وكانت قافلة منالشام مكونة من الف جمل عليها أصناف الطعام واللباس قد حلت لعثمان(ض)فتراكض التجار عليه يطلبون أن يبيعهم هذه القافلة فقال لهم:كم تعطوني ربحا قالوا:خمسة في المائة قال:إني وجدت من يعطيني أكثر قالوا:ما نعلم في التجار من يدفع أكثر قال عثمان:إني وجدت الله يقول:((مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم))أشهدكم يا معشر التجار أن القافلة وما فيها من بر ودقيق وزيت وسمن وثياب قد وهبتها لفقراء المدينة وأنها صدقة على المسلمين وروى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ))
وبهذا نعلم أن الإسلام سبق النظام الإجتماعي الغربي في وضع التضامن الإجتماعي مواساة للفقراء والمحرومين فإن الغرب لم يفكر فيه إلا في زمن قريب وذلك سنة 1941 إسترضاء لثوارث شعوبها وأول دولة بدأت بتنظيم الضمان الإجتماعي هي ألمانيا فقد أصدرت أول قانون في هذا الشأن سنة 1833للميلاد ولو عملت الحكومات الإسلامية على تطبيق الزكاة لبلغت إيرادتها الملايين التي سوف تسد حاجات الطبقات المحرومة. ...ومن مواقف عثمان الخيرية ما يلي\
1>ـ تجهيزه جيش العسرةروى الترمذي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ وَاقِعٍ وَكَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِي فِي كُمِّهِ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَيَنْثُرُهَا فِي حِجْرِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ>...2>>ـ حفره بئر رومة \روى البخاري عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَنْشُدُكُمْ
{2296}
اللَّهَ وَلَا أَنْشُدُ إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَحَفَرْتُهَا أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَجَهَّزْتُهُمْ قَالَ فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ> وروى أيضا >>بَاب مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَبِي عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ وَقَالَ مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ.>. والله أعلم .
أيها الناس إن ديننا الإسلامي من أعظم المبادئ التي جاء بها مبدأالتضامن ونفع الناس من ثم شرع ربنا فريضة الزكاة التي سبقت النظام الإجتماعي الغربي في وضع التضامن مواساة للفقراء والمحرومين فإن الغرب لم يفكر فيه إلا في زمن قريب وذلك سنة 1941 إسترضاء لثوارث شعوبها وأول دولة بدأت بتنظيم الضمان الإجتماعي هي ألمانيا فقد أصدرت أول قانون في هذا الشأن سنة 1833للميلاد. كما شرع زكاة الفطر وكفارة الظهار والحلف وغير ذالك وجعل في مال الأغنياء حقوقا غير الزكاة وأنذر سيد الخلق غير المبالين بالمحرومين فقال فيما رواه أحمد عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرِئَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى>
هذا وإن الناس في أموالهم نوعين منهم من علم الحق فوفق له فصرف ماله في وجهه اللائق به أطعم به البطون الجائعة وكسى به الأجسام العارية وخفف به عن الذمم المكروبة ونوع ثان لم يوفق للحكمة من المال فصرفه تلبية لرغباته وأهوائه فتراه يبدر علي الليالي الحمراء وموائد القمار وفروج الباغيا الشيء الكثير أو تراه يطعم به البطون المثخنة بالثراء طلبا للحظوة أو على التوافه التي إن نظر إليها بعين الشريعة تعد من قبيل لهو الصبية أو طيش المعتوهين .هذا وإن في هذه الأمة وإن كانوا قلة ليصنفون في مصاف كبار السلف في الإخلاص وابتغاء الخير والاهتمام بالأمة يعملون في الخفاء همهم البحث عن المكروبين للتخفيف عنهم والمرضى لإعانتهم والجياع لسد حاجاتهم لايتطلعون لشهرة ليكتسبوا بذالك عقول الآخرين ولا يريدون مدحا ولا شكورا وإنما الدافع لهم أن يحظوا برضا الواحد الأحد.والآن وبعد هذ ه الجولة فإلى فضل الذين ينفعون العباد .
أولا>>الفضل الأول :التجاوز عنهم جزاء وفاقا يوم لاينفع مال ولا بنون روى البخاري ومسلم عن حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّتْ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالُوا أَعَمِلْتَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا قَالَ كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنْ الْمُوسِرِ قَالَ قَالَ فَتَجَاوَزُوا عَنْه>
قال النووي : وَالتَّجَاوُز وَالتَّجَوُّز مَعْنَاهُمَا الْمُسَامَحَة فِي الِاقْتِضَاء وَالِاسْتِيفَاء وَقَبُول مَا فِيهِ نَقْص يَسِير ، كَمَا قَالَ : وَأَتَجَوَّز فِي السِّكَّة .
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث فَضْل إِنْظَار الْمُعْسِر ، وَالْوَضْع عَنْهُ إِمَّا كُلّ الدَّيْن ، وَإِمَّا بَعْضه مِنْ كَثِير أَوْ قَلِيل ، وَفَضْل الْمُسَامَحَة فِي الِاقْتِضَاء وَفِي الِاسْتِيفَاء ؛ سَوَاء اُسْتُوْفِيَ مِنْ مُوسِر أَوْ مُعْسِر ، وَفَضْل الْوَضْع مِنْ الدَّيْن ، وَأَنَّهُ لَا يَحْتَقِر شَيْء مِنْ أَفْعَال الْخَيْر ؛ فَلَعَلَّهُ سَبَب السَّعَادَة وَالرَّحْمَة .وَفِيهِ جَوَاز تَوْكِيل الْعَبِيد وَالْإِذْن لَهُمْ فِي التَّصَرُّف ، وَهَذَا عَلَى قَوْل مَنْ يَقُول : شَرْع مَنْ قَبْلنَا شَرْع لَنَا .
ثانيا>>الفضل الثاني : إرواؤهم من عين مزج ماؤها بالكافور قال تعالى \إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ
{2290}
يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا>
هذا الشراب الذي مزج من الكافور هو عين يشرب منها عباد الله، يتصرفون فيها، ويُجْرونها حيث شاؤوا إجراءً سهلا. هؤلاء كانوا في الدنيا يوفون بما أوجبوا على أنفسهم من طاعة الله، ويخافون عقاب الله في يوم القيامة الذي يكون ضرره خطيرًا، وشره فاشيًا منتشرًا على الناس، إلا مَن رحم الله، ويُطْعِمون الطعام مع حبهم له وحاجتهم إليه، فقيرًا عاجزًا عن الكسب لا يملك من حطام الدنيا شيئًا، وطفلا مات أبوه ولا مال له، وأسيرًا أُسر في الحرب من المشركين وغيرهم، ويقولون في أنفسهم: إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله، وطلب ثوابه، لا نبتغي عوضًا ولا نقصد حمدًا ولا ثناءً منكم. إنا نخاف من ربنا يومًا شديدًا تَعْبِس فيه الوجوه، وتتقطَّبُ الجباه مِن فظاعة أمره وشدة هوله.اهـ الميسر .في الخازن : قوله تعالى : { يوفون بالنذر } لما وصف الله تعالى ثواب الأبرار في الآخرة وصف أعمالهم في الدنيا التي يستوجبون بها هذا الثواب والمعنى كانوا في الدنيا يوفون بالنذر والنذر الإيجاب . والمعنى يوفون بما فرض الله عليهم فيدخل فيه جميع الطاعات من الأيمان والصلاة ، والزكاة والصوم والحج ، والعمرة ، وغير ذلك من الواجبات ، وقيل النذر في عرف الشرع واللغة أن يوجب الرجل على نفسه شيئاً ليس بواجب عليه ، وذلك بأن يقول : لله عليَّ كذا وكذا من صدقة أو صلاة أو صوم أو حج أو عمرة يعلق ذلك بأمر يلتمسه من الله . وذلك بأن يقول إن شفى الله مريضي أو قدم غائبي كان لله عليَّ كذا ، ولو نذر في معصية لا يجب الوفاء به ( روى البخاري ) عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من نذر أن يطيع الله فليف بنذره ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يف به » وفي رواية « فليطعه ولا يعصه ».قال ابن كثير " أي: هذا الذي مُزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفا بلا مزج ويَرْوَوْنَ بها؛ ولهذا ضمن يشرَب "يروى" حتى عداه بالباء، ونصب { عَيْنًا } على التمييز.
ثالثا>>الفضل الثاني : تنفيس كرباتهم يوم يشتد الكرب على الناس .روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ> قال النووي : فِيهِ : فَضْل قَضَاء حَوَائِج الْمُسْلِمِينَ ، وَنَفْعهمْ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ عِلْم أَوْ مَال أَوْ مُعَاوَنَة أَوْ إِشَارَة بِمَصْلَحَةٍ أَوْ نَصِيحَة وَغَيْر ذَلِكَ ، وَفَضْل السَّتْر عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيله ، وَفَضْل إِنْظَار الْمُعْسِر ، وَفَضْل الْمَشْي فِي
{2291}
طَلَب الْعِلْم ، وَيَلْزَم مِنْ ذَلِكَ الِاشْتِغَال بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيّ ، بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِد بِهِ وَجْه اللَّه تَعَالَى ، إِنْ كَانَ هَذَا شَرْطًا فِي كُلّ عِبَادَة ، لَكِنَّ عَادَة الْعُلَمَاء يُقَيِّدُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَة بِهِ ، لِكَوْنِهِ قَدْ يَتَسَاهَل فِيهِ بَعْض النَّاس ، وَيَغْفُل عَنْهُ بَعْض الْمُبْتَدِئِينَ وَنَحْوهمْ .
ثالثا>>الفضل الثالث: أستراحتهم تحت ظل العرش يوم يختنق المفرطون وتنصهرجودهم من شدة القيض .روى أحمد عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ نَفَّسَ عَنْ غَرِيمِهِ أَوْ مَحَا عَنْهُ كَانَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ>.
وفي وصف هذا اليوم الرهيب روى مسلم عنالْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَدِ قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ أَمْ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ قَالَ فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا قَالَ وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ.
رابعا >الفضل الرابع دخولهم الجنة وإلإكرام فيهابأنواع الملاذ. وروى البخاري : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ> الثرى : التراب النَّدِيٌّ، وقيل : هو التراب الذي إِذا بُلَّ يصير طينا فإذا كانت رحمة العجماوات تؤهل صاحبها بدخول الجنة فإن رحمة البشر تضاعف الدرجات فيها وروى البخاري ومسلم : أيضا : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ>ففي الفتح : قَوْله : ( بَغِيّ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَكَسْر الْمُعْجَمَة هِيَ الزَّانِيَة ، وَتُطْلَق عَلَى الْأَمَة مُطْلَقًا .قَوْله : ( مُوقهَا )بِضَمِّ الْمِيم وَسُكُون الْوَاو بَعْدهَا قَاف هُوَ الْخُفّ ، وَقِيلَ مَا يُلْبَس فَوْق الْخُفّ .قَوْله : ( فَغُفِرَ لَهَا )زَادَ الْكُشْمِيهَنِيُّ " بِهِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى هَذَا الْحَدِيث مَشْرُوحًا فِي كِتَاب الشُّرْب ، لَكِنْ وَقَعَ هُنَاكَ وَفِي الطَّهَارَة أَنَّ الَّذِي سَقَى الْكَلْب رَجُل ، وَأَنَّهُ سَقَاهُ فِي خُفّه ، وَيَحْتَمِل تَعَدُّد الْقِصَّة .
وقال تعالى مبينا صفات المكرمين في جنت النعيم بأنواع الملاذ<) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ>
وأنواع الإكرام كثير فمنه:
{2292}
1> تحية الملائكة لهم لقوله تعالى < والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عيك بما صبرتم .ومنها .2>ـ رضاء الله عليهم روى البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ فَيَقُولُ هَلْ رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ فَيَقُولُ أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا
3>>ـ السلام من الرب على أهل الجنة قال تعالى< سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } قال ابن جريج: قال ابن عباس في قوله: { سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } فإن الله نفسه سلام على أهل الجنة. وهذا الذي قاله ابن عباس كقوله تعالى: { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ } [الأحزاب : 44]وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثا ، وفي إسناده نظر، ... عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أهل الجنة في نعيمهم، إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة. فذلك قوله: { سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } . قال: "فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته عليهم وفي ديارهم".اهـ ابن كثير...4>>ـ ـ استقبال الملائكة لهم بالتهنئة قال تعالى : لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.قوله ( وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ) يقول: وتستقبلهم الملائكة يهنئونهم يقولون( هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) فيه الكرامة من الله والحِباء والجزيل من الثواب على ما كنتم تنصَبون في الدنيا لله في طاعته.اهـ ابن جرير
خامسا>> نماذج من سلفنا الصالح في نفعهم للناس \\
1>>ـ ففي مجال الإيثار والمواساة ما يلي: روى الطبراني في الكبير أن عمر بن الخطاب أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة ثم قال لغلامه اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تشاغل في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع فذهب بها الغلام إليه فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك فقال أبو عبيدة وصل الله عمر ورحمه ثم قال:أي أبو عبيدة تعالي يا جارة اذهبي بهذه السيعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره ووجده قد عد مثلها لمعاد بن جبل فقال:اذهب بها إلى معاد وتشاغل في البيت حتى تنظر ماذا يصنع فذهب بها إليه فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في حاجتك فقال رحمه الله ووصله تعالى يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا واذهبي إلى بيت فلان بكذا فاطلعت امرأة معاذ وقالت نحن والله مساكين فأعطنا فلم يبق في الخرقة إلا ديناران فرمى بهما إليها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك فقال إنهم إخوة بعضهم من بعض}....وفي عهد عمر أصاب الناس مجاعة وشدة وكانت قافلة من الشام مكونة من ألف جمل عليها أصناف الطعام واللباس قد حلت لعثمان {ض}فتراكض التجار عليا يطلبون أن يبيعهم هذه القافلة فقال لهم كم تعطوني ربحا قالوا خمسة في المائة قال إني وجدت
{2293}
من يعطيني أكثر فقالوا ما نعلم في التجار من يدفع أكثر من هذا الربح فقال لهم عثمان إني وجدت من يعطيني على الدرهم سبعمائة فأكثر وجدت الله يقول{مثل الدين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتث سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء}أشهدكم يا معشر التجار أن القافلة وما فيها من برودقيق وزيت وسمن وهبتها لفقراء المدينة وأنها صدقة على المسلمين
وروى مسلم قال {جاء أعرابي النبي{ص}بناقة مخطومة فقال يا رسول الله هذه في سبيل الله فقال{ص}{لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة} وروى البخاري في الأدب المفرد عن ابن عمر{ض}قال:لقد أتى علينا زمان وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم} وعن ابن عمر{ض}قال أهدي إلى رجل من أصحاب رسول الله{ص}رأس شاة فقال فلان أحوج والله مني فبعث به إليه فبعث هو أيضا إلى آخر يراه أحوج منه فلم يزل يبعث واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول بعد أن تداوله سبعة}ذكره الغزالي في الإحياء ومن عجائب الإيثار ما ذكره العدوي كما روى القرطبي: وقال حذيفة العدوي: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي- ومعي شي من الماء- وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، فإذا أنا به، فقلت له: أسقيك، فأشار برأسه أن نعم فإذا أنا برجل يقول: آه! آه! فأشار إلي ابن عمي أن انطلق إليه، فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فأشار أن نعم. فسمع آخر يقول: آه! آه! فأشار هشام أن انطلق إليه فجئته فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات. فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات. وقال أبو يزيد البسطامي: ما غلبني أحد ما غلبني شاب من أهل بلخ! قدم علينا حاجا فقال لي: يا با يزيد، ما حد الزهد عندكم؟ فقلت: إن وجدنا أكلنا. وإن فقدنا صبرنا . فقال: هكذا كلاب بلخ عندنا. فقلت: وما حد الزهد عندكم؟ قال: إن فقدنا شكرنا، وإن وجدنا آثرنا.ولقد مدح الله الأنصار لأنهم آثروا المهاجرين على أنفسهم فقال تعالى:{يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}وروي أن أحد الخلفاء أمر بضرب رقاب ثلاثة من الصالحين فيهم أبو الحسين النوري فتقدم أبو الحسين ليكون أول من تضرب عنقه فعجب الخليفة لذلك وسأله عن سببه فقال أبو الحسين ليكون أول من تضرب عنقه فعجب الخليفة لذلك وسأله عن سببه فقال أبوالحسين رحمه الله إني أجبت أن أوثر إخواني بالحياة في هذه اللحظات فكان ذلك سبب نجاتهم جميعا}اهـ الإخوة لناصح علوان
2>>ـ أم هانئ قامت بشفاعة لأحدهم أجرته وهذا من التعاون المحمود الذي يبعث في الأمة روح الأخوة والتقارب .فروى البخاري عن أُم هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ قَالَتْ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانَ ابْنَ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَاكَ ضُحًى> .وقال النووي : وَاسْتَدَلَّ بَعْض أَصْحَابنَا وَجُمْهُور الْعُلَمَاء بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى صِحَّة أَمَان الْمَرْأَة
{2294}
3>>جاء في كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: عن عبد الله بن رجاء الغداني قال: كان لأبي حنيفة جار بالكوفة إسكاف يعمل نهاره أجمع حتى إذا جنه الليل رجع إلى منزله وقد حمل لحماً فطبخه أو سمكة فيشويها ثم لا يزال يشرب حتى إذا دب الشراب فيه غنى بصوت وهو يقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم وكان أبو حنيفة يسمع جلبته وأبو حنيفة كان يصلي الليل كله ففقد أبو حنيفة صوته فسأل عنه فقيل: أخذه العسس منذ ليال وهو محبوس فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غد وركب بغلته واستأذن على الأمير قال: الأمير إيذنوا له واقبلوا به راكبا ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط ففعل ولم يزل الأمير يوسع له من مجلسه وقال ما حاجتك؟ قال: لي جار إسكاف أخذه العسس منذ ليال يأمر الأمير بتخليته فقال: نعم وكل من أخذه بتلك الليلة إلى يومنا هذا فأمر بتخليتهم أجمعين فركب أبو حنيفة والإسكافي يمشي وراءه فلما نزل أبو حنيفة
مضى إليه فقال: يا فتى أضعناك قال: لا بل حفظت ورعيت جزاك الله خيراً عن حرمة الجوار ورعاية الحق وتاب الرجل ولم يعد إلى ما كان.اهـ أين هذا ممن لايهمهم إلا أولادهم وجيوبهم فيرون كل نازلة جانبتهم لاتساوي المداد الذي تكتب به غير أن في أمتنا اليوم من يضاهون السلف في الاهتمام بقضايا الأمة يفدونها بأموالهم وشفاعتهم بل لايقصرن في الدب والمناصرة والسعي في إسعادها وهذه هي مبادئ الإسلام كما جاء بها نبي الرحمة فيما رواه أبو داود عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِه>قَالَ فِي شَرْح السُّنَّة : أَيْ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِذَا آمَنَ كَافِرًا حَرُمَ عَلَى عَامَّة الْمُسْلِمِينَ دَمه وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُجِير أَدْنَاهُمْ مِثْل أَنْ يَكُون عَبْدًا أَوْ اِمْرَأَة أَوْ عَسِيفًا تَابِعًا أَوْ نَحْو ذَلِكَ فَلَا يُخْفَر ذِمَّته.وقوله ( وَهُمْ يَد عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ): قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : أَيْ الْمُسْلِمُونَ لَا يَسَعهُمْ التَّخَاذُل بَلْ يُعَاوِن بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى جَمِيع الْأَدْيَان وَالْمِلَل . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى الْيَد الْمُظَاهَرَة وَالْمُعَاوَنَة إِذَا اِسْتُنْفِرُوا وَجَبَ عَلَيْهِمْ النَّفِير وَإِذَا اسْتُنْجِدُوا أَنْجَدُوا وَلَمْ يَتَخَلَّفُوا وَلَمْ يَتَخَاذَلُوا اِنْتَهَى . وَفِي النِّهَايَة أَيْ هُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ لَا يَسَعهُمْ التَّخَاذُل بَلْ يُعَاوِن بَعْضهمْ بَعْضًا كَأَنَّهُ جَعَلَ أَيْدِيهمْ يَدًا وَاحِدَة وَفِعْلهمْ فِعْلًا وَاحِدًا اِنْتَهَى . والآن فإلى المبادئ التي يتحلى بها المسلم الحي الذي يتفاعل مع أمته .
4>>ـ زين العابدين بن علي كان يحمل الجراب على ظهره بالليل لبيوت الأرامل فكان ناس بالمدينة يطعمون ولا يدرون من يطعمهم فما عرفوا ذلك حتى مات زين العبدين حيث توقفت عنهم النفقة فعلموا أنه هو .
5)ـــ عبد الله بن المبارك كان كثير الاختلاف إلى طرسوس اسم مكان وكان يأتيه شاب يسمع منه الحديث فقدم عبد الله مرة فلم يره فسأل عنه فقيل له : إنه محبوس على عشرة ءالاف درهم فاستدل على صاحب الدين فأعطاه عشرة ءالاف درهم
{2295}
وسدد ما على الشاب فأخرج من السجن فلقيه بن المبارك فقال له أين كنت قال الشاب : في السجن وجاء رجل وسدد عني ديني ولم أدر من هو فقال عبد الله بن المبارك الحمد لله . ولم يعلم الشاب من سدد عنه إلا بعد وفاة بن المبارك .اهـ السلسلة الذهبية . )وأيضا هذا عبد الله بن المبارك الإمام المحدث كان كثير الصدقات حتى إنها لتبلغ في السنة أكثر من مائة ألف دينار خرج مرة إلى الحج مع أصحابه فاجتاز ببعض البلاد فمات طائر فأمر بإلقائه على مزبلة هناك وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم فلما مر بالمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها فأخذت ذلك الطائر الميت فسألها عن ذلك فأخبرته أنها وأخاها فقيران لا يعلم بهما أحد ولا يجدان شيئا فأمر ابن المبارك بردالإحمال إليهما فقال لوكيله :كم معك من النفقة قال:ألف دينار فقال له عد منها عشرين دينارا تكفينا إلى العودة إلى ((مرو)) بالعراق وأعطيها الباقي فهذا أفضل من حجنا في هذا العام ثم رجع فلم يحج اهـ فياليت المعتمرين الآن وما أكثرهم قد حدوا حدوعبد الله الله بن المبارك
6>>ـ عثمان ذو النورين ففي عهد عمر رضي الله عنه أصاب الناس شدة وقحط وكانت قافلة منالشام مكونة من الف جمل عليها أصناف الطعام واللباس قد حلت لعثمان(ض)فتراكض التجار عليه يطلبون أن يبيعهم هذه القافلة فقال لهم:كم تعطوني ربحا قالوا:خمسة في المائة قال:إني وجدت من يعطيني أكثر قالوا:ما نعلم في التجار من يدفع أكثر قال عثمان:إني وجدت الله يقول:((مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم))أشهدكم يا معشر التجار أن القافلة وما فيها من بر ودقيق وزيت وسمن وثياب قد وهبتها لفقراء المدينة وأنها صدقة على المسلمين وروى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ))
وبهذا نعلم أن الإسلام سبق النظام الإجتماعي الغربي في وضع التضامن الإجتماعي مواساة للفقراء والمحرومين فإن الغرب لم يفكر فيه إلا في زمن قريب وذلك سنة 1941 إسترضاء لثوارث شعوبها وأول دولة بدأت بتنظيم الضمان الإجتماعي هي ألمانيا فقد أصدرت أول قانون في هذا الشأن سنة 1833للميلاد ولو عملت الحكومات الإسلامية على تطبيق الزكاة لبلغت إيرادتها الملايين التي سوف تسد حاجات الطبقات المحرومة. ...ومن مواقف عثمان الخيرية ما يلي\
1>ـ تجهيزه جيش العسرةروى الترمذي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ وَاقِعٍ وَكَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِي فِي كُمِّهِ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَيَنْثُرُهَا فِي حِجْرِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ>...2>>ـ حفره بئر رومة \روى البخاري عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَنْشُدُكُمْ
{2296}
اللَّهَ وَلَا أَنْشُدُ إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَحَفَرْتُهَا أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَجَهَّزْتُهُمْ قَالَ فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ> وروى أيضا >>بَاب مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَبِي عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ وَقَالَ مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ.>. والله أعلم .
لست ربوت