عبد الرحمان سلامة: استقلاليا كان، استقلاليا لازال، استقلاليا سيبقى كما بقي الراحلون وكما لازال بعض الباقين من الجيل الأول.
تذكير لابد منه اليوم وغدا:
(هذه الذاكرة وغيرها مما سلف وما سيأتي، لا تنتصر سوى للحد الأقصى الممكن من موضوعية استعادة بعض ذاكرة ابن جرير، على الرغم أنني لا أخفي انتمائي لتعبير سياسي اسمه الحزب الاشتراكي الموحد. وبه إعادة التذكير).
كانت الذاكرة المتعلقة بقدامى حزب الاستقلال، ستبدو للقراء والمتابعين مبتورة ناقصة بشكل فاضح، وهي لا تستحضر اسم واحد من أعلامها البارزين في منطقة ابن جرير على الأقل، إلى جانب من أتينا على ذكرهم في نبوش مبكرة مسترسلة همت تباعا المرحوم محمد الطاهري بن الطاهر وعبد القادر الحنين والمرحوم الحاج سعيد بلحبشية والمرحوم الحاج عزوز عامر والمرحوم عبد الله بوستة والمرحوم حسن الناصري الخياط المعروف ب (صدام) والد الفتى المعروف (باسط) وكذا المرحومة الحاجة القربابية، إضافة إلى عبد الوهاب بنطالب (ولد الحاج المدني) الذي جئت على ذكره متأخرا، كما أن الأمر سيبقى منقوصا أيضا إذا لم نستحضر الحاج المدني نفسه كواحد ممن يجب أن يكون حضوره شرطا لازما لا مبرر لنسيانه أو تناسيه، اعتبارا للمركز الاعتباري الذي كان يشغله في منطقة الرحامنة من باب حزب الاستقلال، واعتبارا لما كان يشكله من ثقل سياسي واقتصادي داخل نفس الحزب، بل أن الصراع الذي كان يخوضه الحزب محليا ضد الحركة الشعبية بالأساس خلال كل المرحلة الفاصلة من وجوده، كان الحاج المدني في قلبه، وكانت الثنائية المتضادة التي تجري على لسان العامة بابن جرير، هي ثنائية الحاج كبور والحاج المدني.
وعلى الرغم من أن الارتباط الأبدي بحزب ما، ليس معطى مطلقا لإثبات مدى صدقية نضالية شخص ما، وذلك لتعدد غايات ذلك الارتباط، فإنه في حالات معينة وبالخصوص التي يبدو للناس والمتتبعين، أن استمرار ذلك الشخص متعلقا بذلك الحزب، هو ترجمة لقناعة مبدئية وتعلق وجداني متأصل كما كانت الحال عند كثير من مناضلي حزب الاستقلال القدامى بابن جرير، الذين أمضى عدد منهم عمره رهن إشارة ما يعتقده صوابا، في خدمة الحزب دون أن يظهر عليهم أنهم كانوا يستفيدون من منافع مادية ذات بال، بل أن منهم من عاش على الكفاف وآخرون على العوز والتشرد أحيانا كما هي حالة المرحوم حسن الناصري (صدام).
وعودة إلى شخصية هذه الذاكرة السياسية الاستقلالية التي تعنينا اليوم، فالسي عبد الرحمان سلامة الذي ولج عالم النضال الحزبي من بوابة حزب الاستقلال، هو السي عبد الرحمان الذي لازال "أسير" ذلك الفضاء الحزبي الذي لم يبرحه منذ أن التحق به بداية السبعينيات في ذلك السياق السياسي المغربي المضطرب الذي شهد كثيرا من الأحداث الوطنية الصعبة في وضع استبدادي مطلق عرف النظام من خلاله هزات قوية تمثلت في المحاولتين الانقلابيتين وأحداث مولاي بوعزة والاعتقالات الواسعة التي شملت حركات اليسار التقليدي من جهة وما سمي باليسار الجديد من جهة أخرى. وعلى الصعيد المحلي كانت ابن جرير في كماشة الحركة الشعبية التي لم يكن لها من خصم شرس في ذلك الوقت سوى حزب الاستقلال (وبدرجة قريبة الاتحاد الاشتراكي في زمنه المتوهج) ومناضليه الذين خاضوا ضدها حروبا مباشرة في عدد من المحطات وحروبا نفسية وكلامبة كانت محور أحاديث الناس، ولم تخفت إلا بعد ظهور فاعلين جدد، وبعد النهاية الدراماتيكية للحركة الشعبية وانحسار حزب الاستقلال وانكماشه لفترة طويلة.
في هذه الأجواء سيلتحق الإطار الفوسفاطي عبد الرحمان سلامة بحزب الاستقلال، وسيكون له وضعه الاعتباري نظرا لكونه من "أنتلجنسيا" الحزب محليا إذا صحت العبارة قياسا بباقي المناضلين ذوي التكوين الدراسي المحدود أو المنعدم بالنسبة للبعض من جيل المؤسسين. ولأن وضعه السابق أيضا كموظف عمل مفتشا للطرق بالأشغال العمومية بوجدة ومكناس، ولاحقا إطارا بالمكتب الشريف للفوسفاط، فكان لابد أن يتجه تفكيره وتفكير الحزب إلى خلق الذراع النقابية بالقطاع، الشي الذي كان على درجة عالية من الخطورة في ذلك الزمن الاستبدادي لامبراطورية الفوسفاط، التي كان مجرد التفكير في تأسيس النقابة أو الانضواء تحت نقابة قائمة، يعد جرما يستحق عقوبة الطرد أو الإبعاد أو التنقيل التعسفي بعيدا عن الأسرة كما حدث لمناضلي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بان جرير في عز قوتها وشموخها، وكما سيحدث للسي عبد الرحمان حين تم إبعاده من ابن جرير إلى اليوسفية ومنها ثانية إلى الجديدة بالذريعة المشهورة "من أجل المصلحة".
ولما ضاقت به الحال بقطاع الفوسفاط، أحال نفسه على التقاعد النسبي ليؤسس لنفسه مقاولة للبناء، تحرره نسبيا من القيود التي تكبل حركيته، ليجد بعض مساحات بناء الذات من القطاع الحر، ويجد بالتالي بعضا من الوقت لالتزاماته السياسية مع الحزب محليا ووطنيا.
خاض السي عبد الرحمان الانتخابات الجماعية لسنة 1976 بالجماعة القروية ابن جرير، وفاز بمقعده في المجلس القروي عن الدائرة الانتخابية الرابعة بالزاوية الدرقاوية بشايب عينو، وشكل إلى جانب زملائه في الحزب معارضة شرسة لأغلبية الحركة الشعبية التي كان على رأسها المرحوم الحاج كبور الشعيبي ، كما فاز بنفس المقعد عن نفس الدائرة في الانتخابات الموالية ل 10 يونيو 1983 التي آلت رئاستها بادئ الأمر للسيد عبد الكبير الصغيري عن الاتحاد الدستوري، قبل أن تقلب عليه الحركة الشعبية الطاولة في السنة الثانية من الولاية الجماعية، بعد أن قامت بشراء عضوين من الائتلاف الذي كان يعزز أغلبية الصغيري. وكان السي عبد الرحمان بمعية باقي أعضاء حزب الاستقلال والأعضاء الآخرين في موقع المعارضة.
عند قدوم السيد فؤاد عالي الهمة سنة 1992، سيفوز السي عبد الرحمان بمقعده المعتاد، وسينضم إلى تحالف الهمة الذي تمثل فيه حزب الاستقلال بخمسة أعضاء وهم ( عبد الرحمان سلامة وعبد القادر الحنين وعبد الوهاب بنطالب وسعيد ملوك وعبد العزيز الزرزوري). كانت تلك الولاية الجماعية التي تابعت دوراتها كلها عادية أو استثنائية وغطيتها جميعها عبر جريدة "أنوال" وبعدها "الأنوار" لسان منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، مناسبة تعرفت فيها على السي عبد الرحمان عن كثب حيث كانت تدخلاته تتميز بالهدوء والرزانة في طرح القضايا ومناقشتها والإنصات بكل احترام للطرف الآخر (الحركة الشعبية) التي تحولت بقوة المخزن إلى صف المعارضة على الرغم من حصولها على الأغلبية في الانتخابات.
تدرج السي عبد الرحمان في حزب الاستقلال، ومكنته تجربته من ضمان مقعد له بالمجلس الوطني للحزب من 1976 إلى 1996. وفي سنة 1986 تم انتخابه عضوا باللجنة المركزية للحزب، جاور خلال تواجده بالهياكل الوطنية، وجوها كثيرة من قبادات الحزب ورموزه الأوائل خاصة على عهد الأمين العام المرحوم امحمد بوستة.
بعد كل هذا المسار الطويل، لم ينزو السي عبد الرحمان إلى الخلف بصفة نهائية، لكنه أبقى على صلاته بالحزب من خلال تشريفه وتكليفه من الجيل الجديد الذي يقود الفرع المحلي، ليكون واحدا ممن سموهم بحكماء الحزب إلى جانب السادة عبد القادر الحنين وعمر المعتقد، لدعم التجربة الحالية وضخ أوكسجين الحيوية والإقدام في أجساد الوافدين الجدد من الجيل الجديد.
لست ربوت