رحل واعدًا أن «يدعو الريح في كل ليلة للرقص»
كتب في قصيدة له بعنوان : «في حياة ثانية»
في حياة ثانية
ليست مثل هذه.. ليست هنا
سوف أفتح نافذة موصدة
وأطير
سوف أمنح هذا الجسد
مزيداً من الشهوات
وقد أبني بيتاً
بثلاثة أبواب وحجرة واحدة
وأدعو الريح في كل ليلة للرقص
سوف أترك للحواس صفاتها الأُولى
وقد أُعيد اكتشاف بعضها.
في حياة ثانية
سوف أُدرب نفسي على فنون حياكة الوقت
وإطالة التحديق في الجدران:
أنا / هي
أرق المسافة والظلام؟
في حياة ثانية
زرقاء مثل شهوة دفينة
سوف أجلس بهدوء الرهبان على طرف البحيرة
وأقص على الماء حكاية بائسة
عن حياة بعيدة
هذه التي تهرب الآن.
-
من ديوانه «ما يشبه الشعر»
-
ولد نائل بلعاوي في قرية بلعا، في فلسطين المحتلة، عام ١٩٦٦، ونزح رضيعاً مع والدته إلى الأردن في حزيران من السنة التي تليها، إثر دخول القوات الإسرائيلية لقريته «بلعا» القريبة من طولكرم، في الضفة الغربية.
فقد هربت الأُم بابنها الوحيد خوفاً قبل أن يعود زوجها من عمله في مدينة نابلس - كما وصف نائل الحادثة - مما أدى إلى تفرق العائلة الصغيرة. الأب يبحث عن زوجته وابنه في فلسطين والأُم تنتظره في شمال الأردن، حتى أن قررت الأُم إرسال رسالةٍ إلى البرنامج الإذاعي الشهير آنذاك «رسائل شوق»، لتخبر زوجها بمكانها، وبالفعل سمع الزوج الرسالة والتحق بها بعد سنة ونصفها تقريباً.
تردد نائل بلعاوي طويلاً قبل أن يقدم على إصدار مجموعته الشعرية الأُولى بعنوان غير مألوف هو: «ما يشبه الشعر». ولعل تردده يعود إلى تصوراته حول الكتابة والشعر تحديداً، فقد كان يحلم بالأفضل دائماً.
الرغبة بالأفضل دفعته، في منتصف تسعينيات القرن المنصرم، على سحب مجموعة شعرية جاهزة من دار النشر قبل إصدارها، ومن ثم متابعة الكتابة حتى أنجز مجموعةً أُخرى، إضافة إلى كتاب نثري خاص بأدب الرحلات، ولكن ظرفاً قاسياً قاد الكتابين إلى الضياع الكلي في القاهرة عام ٢٠١١.
تابع نائل بلعاوي الكتابة في الصحف والمجلات العربية وعزم على نشر مجموعةً شعرية بعنوان: «قصائد كلارا» ليتفرغ بعدها لمشاريع نثرية أُخرى. فإن نائل بلعاوي، كما يقول عن نفسه، هو «الإبن الوفي لاقتراحات النثر وعوالمه الكبيرة»، مع أن لغته تعتمد الشعر نبعاً دائماً، فهو لا يؤمن بجنسانية صارمة للنصوص، إذ يقول: «أكتب النثر من وحي الشعر، والشعر من وحي النثر أيضاً».
لم تطل إقامة نائل بلعاوي في الأردن فقد غادرها للدراسة والعمل في ڤيينا عام ١٩٨٨، واستمر في العيش هناك حتى يومه الأخير - أمس الثلاثاء ٢١ نيسان - يواصل الكتابة والترجمة عن الألمانية التي يحبها ويشكرها - كما قال - «على منحه فرصاً لا تعد للإطلال على ثقافة كونية عظيمة ومبدعة، تلك التي تمثلها اللغة ألالمانية».
في الوقت عينه لم يقلل من صعوبات البداية في المكان الجديد، «ليس فقط لصعوبة تعلم اللغة الجديدة، بل تتعدى ذلك إلى الاندماج في قلب ثقافة غير معروفة من قبل والدخول في طقوسها واستيعاب إرثها، ثم إقامة حياة شخصية مستقلة لا تستغني عن الثقافة الأُم، ولا تتناقض مع الثقافة الجديدة، وهذا يمكن تحقيقه إن تمتع الشخص بالقدرة على استيعاب الآخر وتقبله واحترامه، ناهيك عن الإيمان بالحرية التي يعتبرها مفتاحاً سحرياً لتخفيف أعباء العيش في الأمكنة الجديدة والتواصل الانساني غير المشروط مع الاخر» - كما قال لميساء سلامة ڤولف (صحيفة «أبواب» الإلكترونية - ألمانيا) قبل عام.
كانت صدرت مجموعة «ما يشبه الشعر» عن «الدار الأهلية للنشر والتوزيع»، في عمان / الأُردن، قبل عام واحد.
آخر اتصال كان لنا - يوم الإثنين، أول أمس ٢٠ نيسان - قبل رحيله بيوم - حين لفتُّ نظره إلى صفحتي البديلة هذه (ذاكرة سهام داوود) فلبّى الإشارة ولم يلحق على مشاهدة تحيتي - كما يبدو لي.
وداعًا أيها الرجل المختلف - فقد حدّثتنا عن «حياتك الثانية». كن هناك بخير، ما أمكن.
سهام داوود
لست ربوت