راحة_المؤلف بقلم صفية الودغيري

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية راحة_المؤلف بقلم صفية الودغيري

راحة_المؤلف بقلم صفية الودغيري

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏شخص أو أكثر‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏ا
الكتابة منحة ومحنة، فهي الشهد والمر، واللون الأبيض والأسود، والربيع والخريف والفصول المتقلبة على صفحات الحياة وسطور العمر ..
والكتابة هي أصعب اختيار وأصعب قرار يتخذه الكاتب، فهي النّضال والكفاح الشاقّ العسير، والجهاد الطّويل المُسْتميت في ساحات الحرف الموصول بالخوف، وخوض معارك الكلمة في سبيل نشر رسالتها وانتصارها على الباطل، وإيصال الحقيقة بلا زيادة ولا نقصان ..
فعلى من يتقدّم لحمل القلم ويتصدّر للكتابة والتأليف والنشر أن يعلم أن الكلمة أمانة، تلزم حاملها بأداء واجب التّكليف بحفظها والذّود عنها، والالتزام بمسؤولية رعايتها تشريفا وتكليفا يطهّره من سعار رغباته ومطامحه المادية، وأهوائه ونزواته، وشطحات مطامعه ..
فالكلمة الصادقة الخالصة تصنع تاريخها ومجدها، وتصنع عزّها وشرفها وخلودها، من غير أن يفرط الكاتب في الصّراخ والثرثرة، ويثير عاصفة وزوبعة حوله، ويسمع جعجعة ولا يرى له طِحْنًا، أو يجعل أسمى غاياته أن يجمع حول قلمه الحلق والجماهير من المغردين، والطَّبالين، والمنشدين، والمدَّاحين، من ينفثون في روعه وقلمه سموم الكذب والنفاق، وينفخون في أوداجه بزمير العُجب والخيلاء، فيتوهَّم أنه صار قمّة وهو ما زال في القاع يتدحرج، ويصدق أنه فريد عصره وأوانه، قد أدرك ما وراء الشمس وأمسك النجوم والثريا، وهو ما زال يتخبّط في الثَّرى، وفي الطين يدقِّق فكرا، ويخال نفسه كما قال الشاعر عمر الخيام:
يدقِّق ذلك الخَزَّاف فِكرا ... بصُنْعِ الطِّيْنِ تَدْقِيقَ الْفَهِيمِ
إِلاَمَ يَسُوْمُهُ دَوْساً وَلَكْماً ... يَخَالُ الطِّينَ غَيْرَ ثَرَى الْجُسُومِ ؟
وقديما قال بعض حكماء العرب : إِنِّي امْتَحَنْتُ خِصَالَ النَّاسِ؛ فَوَجَدْتُ أَشْرَفَهَا صِدْقَ اللِّسَانِ، وَمَنْ عَدِمَ فَضِيلَةَ الصِّدْقِ مِنْ مَنْطِقِهِ؛ فَقَدْ فُجِعَ بِأَكْرَمِ أَخْلاقِهِ، وَإيِّاكَ وَالْغَدَّارَ؛ فَإِنَّهُ لا أَمَانَةَ لَهُ. ثُمَّ أَنْشَدَ يَقُولُ:
الْكِذْبُ شَيْنٌ لِمَنْ أَمْسَى يَدِينُ بِهِ ... وَالصِّدْقُ زَيْنٌ فَلا تَعْدِلْ بِهِ خُلُقَا
وَأَنْشَدَ:
مَا أَقْبَحَ الْكَذِبَ الْمَنْقُوصَ صَاحِبُهُ ... وَأَحْسَنَ الصِّدقَ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ
وقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَيْسَ غِنًى أَغْنَى مِنْ سُكُونِ الْقَلْبِ، وَلَيْسَ فَقْرٌ أَفْقَرَ مِنَ اضْطِرَابِ الْقَلْبِ، وَلَيْسَ عِزٌّ أَعَزَّ مِنَ الزُّهْدِ، وَلَيْسَ ذُلٌّ أَذَلَّ مِنَ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالطَّمَعِ، وَلَيْسَ شَرَفٌ أَشْرَفَ مِنَ الْيَقِينِ، وَلَيْسَ دَرَجَةٌ أَعْلَى مِنَ الصَّبْرِ، وَلَيْسَ حَلاوَةٌ أَحْلَى مِنْ مَحَبَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَيْسَ مَرَارَةٌ أَمَرَّ مِنْ سَخْطِهِ، وَلَيْسَ زَيْنٌ أَزْيَنَ مِنَ التَّوَاضُعِ، وَلَيْسَ جَهْلٌ أَجْهَلَ مِنَ الْكِبْرِ، وَلَيْسَ قُوَّةٌ أَقْوَى مِنَ الْجُوعِ، وَلَيْسَ دَاءٌ أَدْوَى مِنَ التَّعَرُّضِ لِسَخْطِ اللهِ، وَلَيْسَ كَلامٌ أَحْسَنَ مِنْ قَوْلِ لا إِلَهَ إِلا الله .
وقديما كتب أحد مؤلّفي الجرائد في آخر جريدة نشرها ما يأتي وهو : <<قد عزمت على توقيف أشغال التّأليف إذ قد وجدت أنّ كلّ شيء في هذا العالم باطلٌ، وفضلاً عن ذلك أقول: إنّني منذ شروعي في نشر صحيفتي إلى الآن لم يُطلب منّي كتابة شيءٍ خالٍ من الكذب، وكنت كلّما كتبت شيئُا دون زيادةٍ ولا نُقصان يزيد عدد أعدائي، وينقص عدد المشتركين في جريدتي، فلذلك قد عزمت على توقيف عمل التّأليف، والتّفرغ للتّكفير عن الخَطايا السّالفة، والله يُثيب التّائبين>> .
وأنا أقول سائلة نفسي ومن يقرأ مقالتي :
ألم يئن لنا بعد أن نكفّر عن خطايانا، ونحن نشهد هذه المحن العِظام والشّدائد الجِسام، وانتشار هذا المرض الذي يفتك بالأرواح والأجسام ؟ !!
ألم يئن لهذه الألسُن والأقلام أن تتفرّغ للتّكفير عن خطاياها السّالفة، وأن تتفرّغ لتعقيم كلامها المكتوب والمسموع والمقروء ؟ !!
ألم يئن لها أن تتحرّى الصّدق والإنصاف، وتنشد الحق والإخلاص فيما تكتبه وتنشره، فتراقب كلّ كلام وحديث قبل أن تتلفّظ به، وتحتاط لكلّ خبر قبل أن تذيعه وتشيعه، فما أكثر الإشاعات الزّائفة والمغرضة في زمن كورونا، والتي صارت مرضا فتّاكا خطيرا كخطر مرض كورونا؟ !!

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button