عبد الكريم التابي
إذا وجدتم في هذا الحكي عن ذاكرات ابن جرير اعوجاجا، فقوموه. ولكم الحسنة بعشر أمثالها. عبد الكريم التابي.
على الرغم من أن التجربة الجماعية المنقضية التي رأسها السيد فؤاد عالي الهمة خلال الولاية الجماعية 92 / 97، عرفت تحولا نوعيا في العمل الجماعي لا يمكن إنكاره، قياسا إلى التجارب السابقة واعتبارا أيضا لكون ابن جرير انتقلت من جماعة قروية إلى بلدية، توفرت لها كثير من “المنشطات” اعتبارا كذلك لاسم ومكانة السيد الهمة القادم من محيط القصر والصديق المقرب لولي العهد (محمد السادس)، وعلى الرغم من أن التجربة السابقة تميزت بالإجماع على كل المقررات باستثناء حادثة رفض الحساب الإداري برسم السنة المالية 94/95، وعلى الرغم من كون السيد الهمة اكتسح الانتخابات التشريعية الجزئية لشغل مقعد المتوفى الحاج كبور الشعيبي سنة 95، على الرغم من كل هذا وغيره من الشعبية التي أضحت ملازمة للسيد الهمة، فإن كل ذاك الرصيد لم يشفع له في الانتخابات الجماعية الموالية التي أعقبت تجربته السابقة، وأعادت الحركة الشعبية الكرة كما فعلت في انتخابات 16 أكتوبر 1992، واكتسحت الدوائر بوسائلها وأساليبها الجهنمية الخبيثة التي جعلت منها ماكينة انتخابية شغالة لا تتوقف، بالاعتماد على شراء الذمم الذي توفر له شبكة واسعة من مختلف الشرائح وفي كل الأحياء. وهكذا تمكنت من حصد 13 مقعدا كانت من نصيب الآتية أسماؤهم: محمد الشعيبي ونجلاه جعفر وعادل وبوشتة الكريمي وعبد اللطيف الوردي ومحمد فرتات وحسن العزوزي والحاج أيوب والمحجوب الصغيري والسلامي البشراوي وعبد الرحيم لمهيمر (ولد الراضي) وعبد الهادي بلواد وامبارك سكات.
فيما الطرف الآخر الذي كان متوقعا أن يتحالف مع الهمة، يتكون من : (عن الاتحاد الاشتراكي ) الأستاذ محمد السعيد بنسلام والسكراتي النعيمي والمرحوم محمد الصغيري وادريس لغريب وأيت واحمان والسعيدي ومصطفى رضوان . وعن ( المنظمة ) عبد الجليل معروف وعن حزب (الاستقلال) المحجوب كثمان، و(اللا منتمون ) محمد لعيادي ومحمد المحفوظي.
وبالرجوع إلى بعض المؤشرات المصاحبة للحملة الانتخابية، فقد بدا واضحا أن السلطة غير مطمئنة للوضع الذي سيكون عليه السيد الهمة، خاصة مع ما يستطيع مال الحركة الشعبية من تغيير اتجاه أصوات الناخبين. ولهذا فطنت إلى ثني بعض مرشحي الدائرة الانتخابية الثانية التي تضم أحياء البور (الفرح حاليا) والنور، إلى سحب ترشيحاتهم بمن فيهم مرشح الحركة. ولتأكيد هذا الأمر، فقد اتصل بي شخصيا باشا المدينة آنذاك السيد بنعلي باعتباري مرشحا عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي في نفس الدائرة، وطلب مني أن أسحب ترشيحي كما فعل بقية “الإخوان” على حد قوله، إلا أنني رفضت أن أتمم النقاش معه لما علمت ما دعاني لأجله.
أصبح السيد محمد الشعيبي محمد رئيسا للمجلس الحضري، ونجلاه عادل وجعفر فتوة وفيدورات مكلفين بمهمة الاعتداء اللفظي والجسدي على المعارضة التي كان أعضاؤها الذين ينتمون إلى الاتحاد والمنظمة، غير متعودين على تلك السلوكات الشاذة التي لا تعير للاحترام اعتبارا، فيما بقية الأعضاء المناصرين للسيد الشعيبي، ما وجدوا في ذلك المكان، إلا لرفع الأيادي لمباركة كل المقررات التي تحضر في البيت العامر.
اندحرت صورة المجلس ومعها صورة البلدية جميعها، بعد أن أعيدت خصخصة بشرها وحجرها وآلياتها وممتلكاتها كما كانت عليه قبل “كراطة” المخزن التي وضعت الهمة رئيسا على المجلس رغم حصول الحركة الشعبية آنذاك على 14 مقعدا من أصل 25.
لم تعد دورات المجلس تغري المتتبعين بالحضور، ما دامت لم تعد شأنا عاما، ولم يعد ممثلو الصحافة الوطنية يتوصلون بما يساعدهم على القيام بمهامهم لما لم يعودوا يتسلمون الوثائق والمحاضر كما كان عليه الأمر في الولاية السابقة.وزادت بعض الأحداث والفضائح التي انفجرت ساعتها كقضية “الكسكسو” التي فاقت شهرتها الحدود المحلية والوطنية، إضافة إلى سرقة تجهيزات التبريد وغيرها من المركب التجاري البلدي، و”خوشفة” كثير من الآليات من المستودع البلدي، زادت من غرق البلدية في مستنقع الفساد.
في تلك الأجواء المشحونة التي لا يستطيع كل ذي ذرة من الاحترام أن يتحمل كل تلك السلوكات البلطجية، كانت المعارضة تشتغل بما تستطيع إليه سبيلا، وبما يجنبها التورط في أشكال من البلطجة وقلة “الترابي”. إلا أن أطرف موقف وأشنعه صدر عن تلك المعارضة أو للدقة أحد أعضائها، هو تصويت السيد أيت واحمان المهندس بقطاع الفوسفاط والمحسوب على الاتحاد الاشتراكي لفائدة أحد الحسابات الإدارية بحجة “ترك هامش للتسامح” Marge de tolèrance.
لم أشأ أن أسترسل في سرد كثير من التفاصيل لطبيعة المنشور من جهة، ومن جهة أخرى لأن كل التجربة لم تنتج في مستوياتها العمومية، سوى مظاهر وسلوكات تعود إلى ما قبل 1992، وكان لابد لحركة التاريخ ومنطق الأشياء، أن ينتهي المسار إلى مصير دراماتيكي ألقى بالسيد الرئيس الشعيبي وراء قضبان السجن أثناء وضع الترشيحات للانتخابات الجماعية اللاحقة 2002، وسينتهي المطاف بنجله جعفر هاربا خارج المغرب إلى يوم الناس هذا. وبذلك سنتهي تاريخ الحركة الشعبية التي لم تكن في جوهرها حزبا بمواصفات الحزب، بل كانت عائلة أو مجرد اسم كان “يكجكج” حوله كثير من الذبان.
سيذهب الشعيبي وراء الشمس، وسيتبخر كل ذلك “المجد”، وسيتحول البيت العامر إلى دار خلاء لم يعد أحد يقترب من عتبتها. وانفض الذبان من حوله وتحلق كثير منه حول السيد محمد العيادي الذي سيصبح رئيسا للمجلس بعد أن أمضى وجوده مستشارا إلى جانب السيد محمد الشعيبي، ولم يتكلم طيلة مدة الولاية الجماعية سوى مرة واحدة حول “الكيران” التي لم تعد تقف أمام القهوة ديالهم.
في نبش الذاكرة الجماعية القادمة، تلتقون مع تجربة السيد العيادي 2002 / 2007.
إشارة.
في الصورة من يمين الصورة إلى يسارها في الصف الأمامي: فؤاد عالي الهمة وبجانبه العامل علي الحضرمي فمحمد الشعيبي ثم باشا المدينة السيد بنعلي.
لست ربوت