التوبة رحمة تسع كل العصاة بقلم المرحوم عبد الحميد امين امام وخطيب مسجد الهلالي بابن جرير رحمه الله

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية التوبة رحمة تسع كل العصاة بقلم المرحوم عبد الحميد امين امام وخطيب مسجد الهلالي بابن جرير رحمه الله

التوبة رحمة تسع كل العصاة بقلم المرحوم عبد الحميد امين امام وخطيب مسجد الهلالي بابن جرير رحمه الله

نتيجة بحث الصور عن صور عبد الحميد امين امام مسجد الهلاليالحمد لله الكثير فضله العميم إحسانه له الثناء الحسنوالشك الكثير نحمده ونثني عليه الخير على آلائه ونعمائه وإفضاله سبحانه من رب رحيم وإله ودود وخالق عظيم لاإله إلا هو الملك القدوس السلام المومن المهيمن العزيز الجبار الموتكل .والصلاة والسلام على من بعثه الله بشيرا ونذيرا وقمرا منيرامحمد الهادي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا .وبعد "التوبة رحمة .....>
أيها الناس من عاد إلى الصواب واتخذ طريق الحق وحط الرحال بباب الكريم لاتخفر له ذمة ولا يطرد من كرم ولا يحرم عناية ولا يخيب له أمل ولا يرد له طلب قال طلحة بن عمر قلت لعطاء إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة وأنا رجل في حدة فأقول لهم بعض القول الغليظ فقال لا تفعل يقول الله تعالى } وقولوا للناس حسنا قال عطاء فدخل في هذا اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي وقال شريك بن سنان لسعيد بن جبير رحمه الله المجوسي يوليني من نفسه ويسلم علي أفأرد عليه فقال سعيد سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن نحو ذلك فقال لو قال لي فرعون خيرا لرددت عليه.
دخل أحد الأعراب على هارون الرشيد، الخليفة العباسي الكبير، فقال الأعرابي: يا هارون، قال: نعم، قال: إن عندي كلاماً شديداً قاسياً فاستمع له: قال هارون: والله لا أسمع، والله لا أسمع، والله لا أسمع، قال: ولم؟ قال: لأن الله أرسل من هو خيرٌ منك، إلى من هو شر مني، ثم قال له: فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى [طه:44]. فاللين في الدعوة مطلوب، وأدب الحوار مطلوب، وإنزال الناس منازلهم مطلوب، ومراعاة شعور الآخرين مطلوبة.
كان العلاء بن زياد رحمه الله تعالى يذكر النار فقال رجل لم تقنط الناس قال وأنا أقدر أن أقنط الناس والله سبحانه وتعالى يقول } قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم الزمر ويقول {وأن المسرفين هم أصحاب النار غافر ولكنكم تحبون أن تبشروا بالجنة على مساوىء أعمالكم وإنما بعث الله محمدا مبشرا بالجنة لمن أطاعه ومنذرا بالنار لمن عصاه الخائفون إذا سمعوا آيات الله تتلى وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تروى لانت قلوبهم واقشعرت جلودهم وانهمرت دموعهم قال تعالى } الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد الزمر فالقلب الصافي يحركه أدنى مخافة والقلب الجامد تنبو عنه كل المواعظ فهنيئا للخاشعين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبدا أخرجه أحمد والترمذي .الخائفون لا يسكن حالهم ولا يهدأ روعهم حتى يجوزوا الأهوال قال معاذ بن جبل رضي الله عنه إن المؤمن لا يسكن روعه حتى يترك جسر جهنم وراءه الخائفون إذا وسوس لهم الشيطان وزين الحرام لا يبيعون دينهم ولا يغضبون ربهم في سبيل لذة عاجله أو شهوة آثمة تكون وبالا عليهم ونقمة على مجتمعهم يقول أحدهم كما وصف المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله
2709
ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله> رواه البخاري ومسلم لا يقيم الخائفون على معصية ولا يبيتون على مفسدة بل يتطهرون بالتوبة وتلمس الرحمة والمغفرة أقض الذنب مضجع أحدهم وأطار الوجل رقاده فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا طهرني يا رسول الله فيقام عليه الحد ويطهر من الذنب
ومن حكم لقمان أنه قال لابنه يا بني ارج الله رجاء لا يجرئك على معصيته وخف الله خوفا لا يؤيسك من رحمته .قال ابن القيم -رحمه الله- الرجاء حاد يحدو به في سيره إلى الله فلولا الرجاء لما سار أحد فإن الخوف وحده لا يحرك العبد وإنما يحركه الحب ويزعجه الخوف ويحدوه الرجاء وإذا علم حد الرجاء الشرعي وعلم حسن الظن بالله على مفهومه الصحيح فقد كان للسلف رحمهم الله أقوال ومأثورات في تطميع الناس بفضل الله وسعة رحمته وعدم الانقطاع عن رجائه والوقوف ببابه بل كانوا يحذرون من تيئيس الناس وتقنيطهم من رحمة الله فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين دخل عليها عبيد بن عمير قالت أعمير بن قتادة قالوا نعم قالت أحدث أنك تجلس ويجلس إليك قال بلى يا أم المؤمنين فقالت فإياك وإملال الناس وتقنيطهم ومر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على قاص وهو يذكر فقال يا مذكر لا تقنط الناس ثم قرأ } قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا وليس الأمر قصرا على عائشة وابن مسعود في تطميع الناس بفضل الله وعدم تقنيطهم بل كان ديدن الصحابة رضوان الله عليهم عدم التشديد حتى قال عمير بن إسحاق كان ممن أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن سبقني فما رأيت قوما أهون سيرة ولا أقل تشديدا منهم وما بالهم لا يكونون كذلك وهذا قدوتهم ومعلم البشرية وهاديها بإذن ربها يقول وقد خرج على رهط من أصحابه وهم يتحدثون والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا فلما انصرفوا أوحى الله إليه يا محمد لم تقنط عبادي فرجع إليهم فقال أبشروا وقاربوا وسددوا قال البيهقي -رحمه الله- ففي هذا دلالة على أنه لا ينبغي أن يكون خوفه بحيث يؤيسه ويقنطه من رحمة الله كما لا ينبغي أن يكون رجاؤه بحيث يأمن مكر الله أو بجرئه على معصية الله عز وجل وينبغي أن تكون هذه وتلك منهجا لمن يتصدرون لتعليم الناس وتوجيههم...وبعد هذه المقدمة اللطيفة نوجه عنياتكم إلى التالي :ـ
**أولا>>فضائل التوبة وشروطها ومناقبها وهي :
1>ـ جاء في الحديث الحض على التوبة :عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ> رواه مسلم ...2ـ قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنْ الذُّنُوبِ وَإِنْ تَكَرَّرَتْ الذُّنُوبُ وَالتَّوْبَةُعنْ أَبِي هُرَيْرَةَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي
2710
فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى لَا أَدْرِي أَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ> مسلم . قَوْله عَزَّ وَجَلَّ لِلَّذِي تَكَرَّرَ ذَنْبه : ( اِعْمَلْ مَا شِئْت فَقَدْ غَفَرْت لَك )
مَعْنَاهُ : مَا دُمْت تُذْنِب ثُمَّ تَتُوب غَفَرْت لَك..3ـ قبول توبة القاتل : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً
وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ لَا فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ قَالَ قَتَادَةُ فَقَالَ الْحَسَنُ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ> مسلم...3ـ شروط التوبة ....1>الإسلام..قال تعالى {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا>...2>الإخلاص فمن ترك الذنب خوف تعيير الناس له فليس بمخلص في توبته لأن التوبة قيدت بات تكون لله قال تعالى <إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما>والخطاب لحفصة وعائشة.....3>الإعتراف بالذنب لقوله ص> لعائشة في قصة الإفك<....قَالَ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ..> البخاري...4>.الندم..فلا تتحقق التوبة إلا به .عَنْ ابْنِ مَعْقِلٍ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّدَمُ تَوْبَةٌ فَقَالَ لَهُ أَبِي أَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ النَّدَمُ تَوْبَةٌ قَالَ نَعَم ْ> ابن ماجه وصححه الحاكم والألباني في صحيح الجامع
فيجب على النادم المفرط أن يئوب إلى ربه فيقبل الله ندمه ، قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾( سورة الزمر : 53) وقال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾( سورة التحريم : 8)

2711
قال بعض العلماء: التوبة النصوح ندم في القلب، واستغفار باللسان، وإقلاع عن الذنب. وفي الحديث القدسي:عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: (( قال الله: يا ابن آدم، إِنَّكَ ما دَعَوْتَني ورَجَوْتَني، غفرتُ لك على ما كانَ مِنكَ، ولا أُبالِي، يا ابنَ آدم، لو بلغتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السماءِ، ثم استَغْفَرتَني، غَفَرْتُ لك، ولا أُبالي، يا ابنَ آدم، إِنَّكَ لو أتيتني بِقُرابِ الأرض خَطَايا، ثم لَقِيتَني لا تُشْرِكُ بي شيئاً، لأَتَيْتُكَ بِقُرابِها مَغْفِرَة ))[ حديث حسن، أخرجه الترمذي **ثانيا>ذكرعصاة من الأقدمين والمحدثين .
1>الجهينية ـ في صحيح مسلم عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَى فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا فَقَالَ أَحْسِنْ إِلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا فَفَعَلَ فَأَمَرَ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ فَقَالَ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى
2> الغامدية وروى مسلم أيضا عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَزَنَيْتُ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي فَرَدَّهُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَالُوا مَا نَعْلَمُهُ إِلَّا وَفِيَّ الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نُرَى فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بِعَقْلِهِ فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ قَالَ فَجَاءَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي وَإِنَّهُ رَدَّهَا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرُدُّنِي لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا فَوَاللَّهِ إِنِّي لَحُبْلَى قَالَ إِمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ قَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا فَقَالَ مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ>..بما ان الشرع مغيب والقانون هو الذي يقضى به فيهذا النازلة وامثالها فالواجب على النادمين التوبة والاستغفار فقط والرب رحيم.
في شرح ابن بطال للبخاري\ أجمع العلماء أنه من أصاب ذنبًا فيه حد أنه لا ترفعه التوبة ولا يجوز للإمام العفو عنه إذا بلغه. ومن التوبة عندهم أن يطهر ويكفر بالحد إلا الشافعى، ذكر عنه ابن المنذر أنه قال: إذا تاب قبل أن يقام عليه الحد سقط عنه، فأما من أصاب ذنبًا دون الحد ثم جاء تائبًا فتوبته تسقط عنه العقوبة، وليس للسلطان الاعتراض عليه بل يؤكد بصيرته فى التوبة، ويأمره بها لينتشر ذلك، فيتوب المذنب
2712
ألا ترى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لما فهم من المواقع أهله فى رمضان الندم على فعله من صورة فزعه وقوله: احترقت. لم يعاقبه النبى - صلى الله عليه وسلم - ولا أنبهُ بل أعطاه ما يكفر به.وأما حديث أبى عثمان عن ابن مسعود الذى أشار إليه البخارى ولم يذكره فهو أبين شىء فى هذا الباب، وقد ذكره فى باب مواقيت الصلاة فى باب الصلاة كفارة.قال ابن مسعود: إن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبى - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فنزل: {أقم الصلاة طرفى النهار وزلفًا} [هود: 114] الآية فقال الرجل: إلى هذا يا رسول الله؟ قال: « لجميع أمتى كلهم » وروى يحيى عن التيمى بإسناده أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال له: « قم فصل ركعتين » وروى علقمة والأسود هذا الحديث عن ابن مسعود وبينا فيه ما دل أنه جاء الرجل تائبًا نادمًا.
وقال ابن مسعود: جاء رجل إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: « إنى عالجت امرأة فأصبت منها ما دون أن أمسها وأنا ها ذا فأقم على ما شئت. فقال له عمر: قد ستر الله عليك فلو سترت على نفسك... » .
وحجة جماعة الفقهاء فى أن التوبة لا تسقط الحد قول النبى - صلى الله عليه وسلم - فى المرأة الجهينية: « لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أن جادت بنفسها » . وقال فى الغامدية: « لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له » . فإقامة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الحد على هاتين مع توبتهما دليل قاطع على أن سقوط الحد بالتوبة إنما خص به المحاربون دون غيرهم. باب إِذَا أَقَرَّ بِالْحَدِّ وَلَمْ يُبَيِّنْ، هَلْ لِلإمَامِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ؟
- فيه: أَنَسِ، قَالَ: « كُنْتُ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّى أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْهُ عَلَىَّ، قَالَ: وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ، قَالَ وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةَ، قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّى أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْ فِىَّ كِتَابَ اللَّهِ، قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ » . قال المهلب وغيره: لما أقر الرجل عند النبى - صلى الله عليه وسلم - بأنه أصاب حدا، ولم يبين الحدَّ، ولم يكشفه النبى - صلى الله عليه وسلم - عنه ولا استفسره - صلى الله عليه وسلم - ؛ فدل على أن الكشف عن الحدود لا يحل فإن الستر أولى. وكأنه - صلى الله عليه وسلم - رأى أن الكشف عن ذلك ضرب من التجسس المنهى عنه فلذلك أضرب عنه وجعلها شبهة درأ بها الحد؛ لأنه كان بالمؤمنين رءوفًا رحيمًا.
وجائز أن يكون الرجل ظن أن الذى أصاب حدا وليس بحد فيكون ذلك مما يكفر بالوضوء والصلاة، ولما لم تجز إقامة الحدود بالكناية دون الإفصاح وجب ألا يكشف السلطان عليه؛ لأن الحدود لا تقام بالشبهات بل تدرأ بها، وهذا يوجب على المرء أن يستر على نفسه إذا واقع ذنبًا ولا يخبر به أحدًا لعلَّ الله تعالى أن يستره عليه وقد جاء فى هذا الحديث عن النبى - صلى الله عليه وسلم - : « من ستر مسلمًا ستره الله » فستر المرء على نفسه أولى به من ستره على غيره.
.
2713
3>ـ عمر ووأده لابنته وندمه . وفي أضواء البيان: وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلُهُ: أَمْرَانِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. أَحَدُهُمَا يُبْكِينِي وَالْآخِرُ يُضْحِكُنِي. أَمَّا الَّذِي يُبْكِينِي: فَقَدْ ذَهَبْتُ بِابْنَةٍ لِي لِوَأْدِهَا، فَكُنْتُ أَحْفِرُ لَهَا الْحُفْرَةَ وَتَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ لِحْيَتِي، وَهِيَ لَا تَدْرِي مَاذَا أُرِيدُ لَهَا، فَإِذَا تَذَكَّرْتُ ذَلِكَ بَكَيْتُ. وَالْأُخْرَى: كُنْتُ أَصْنَعُ إِلَهًا مِنَ التَّمْرِ أَضَعُهُ عِنْدَ رَأْسِي يَحْرُسُنِي لَيْلًا، فَإِذَا أَصْبَحْتُ مُعَافًى أَكَلْتُهُ، فَإِذَا تَذَكَّرْتُ ذَلِكَ ضَحِكْتُ مِنْ نَفْسِي.>...
لكن بعد هذا تحول عمر بعد توبته إلى مبشر بالجنة والرجل الثاني في الرتبة بعد أبي بكر رضي الله عنهما ...ففي صحيح البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ فَقَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ>
والخلاصة أن من العادات القبيحة التي ذمها القرآن عادة وأد البنات قال تعالى:<< قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين >>، فكانت بعض القبائل تئد البنات والأولاد خشية الفقر، وبضعهم يئدها خشية العار، أو ما عسى أن يصيبها من ذل أو سباء. وكان الوأد يتم في صورة قاسية. إذ كانت البنت تدفن حية! وكانوا يفتنون في هذا بشتى الطرق. فمنهم من كان إذا ولدت له بنت تركها حتى تكون في السادسة من عمرها، ثم يقول لأمها: طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها! وقد حفر لها بئراً في الصحراء، فيبلغ بها البئر، فيقول لها: انظري فيها. ثم يدفعها دفعاً ويهيل التراب عليها! وعند بعضهم كانت الوالدة إذا جاءها المخاض جلست فوق حفرة محفورة. فإذا كان المولود بنتاً رمت بها فيها وردمتها. وإن كان ابناً قامت به معها! وبعضهم كان إذا نوى ألا يئد الوليدة أمسكها مهينة إلى أن تقدر على الرعي، فيلبسها جبة من صوف أو شعر ويرسلها في البادية ترعى له إبله! فأما الذين لا يئدون البنات ولا يرسلونهن للرعي، فكانت لهم وسائل أخرى لإذاقتها الخسف والبخس.
دعا الإسلام إلى حفظ النفس:
ونهى - عن قتلها وإزهاقها بغير حق، فقال تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا} [النساء: 29]. وجعل قتل المسلم لأخيه المسلم من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب؛ قال تعالى: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا} [النساء: 93]
ونهى عن وأد البنات - قتلهم أحياء- وحذر من ذلك، فقال تعالى: {وإذا الموءودة سئلت. بأي ذنب قتلت} [التكوير: 8 - 9]. ،
عن المغيرة بن شعبة قال
قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات. وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال
أخرجه مسلم في الأقضية باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة. . رقم 593

2714
قوله {عقوق الأمهات) أصل العقوق القطع أطلق على الإساءة للأم وعدم الإحسان إليها لما في ذلك من قطع حقوقها وخص الأمهات بالذكر وإن كان يستوي في ذلك الآباء والأمهات لأن الجرأة عليهن أكثر في الغالب. (وأد البنات) دفنهن وهن أحياء. (ومنع وهات) منع الواجبات من الحقوق وأخذ ما لا يحل لكم من الأموال أو طلب ما ليس لكم فيه حق]
والشريعة السمحة تبين لنا أن الإنسان إذا أشرف على الهلاك ولم يجد ما يأكله إلا ميتة فعليه أن يأكلها، وإن هلك ولم يأكلها كان من الآثمين؛ لأنه لم يحافظ على حياته. والله -عز وجل- يخفف على الإنسان في كثير من الأمور لحفظ حياته، فقد أباح الله -عز وجل- للمسافر والمريض أن يفطرا خوفًا من المشقة والهلاك .... ورخص للمريض في التيمم إن خاف الضرر
فقد روى البخاري أبو داود واللفظ له: عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الِاغْتِسَالِ وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا.
5>>>>ـ قاتل تسع وتسعين نفسا . روى البخاري ومسلم. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ لَا فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ قَالَ قَتَادَةُ فَقَالَ الْحَسَنُ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ> مسلم
6>>ـ سحرة آل فرعون وسعتهم رحمة التوبة لحظة ندمهم ورجوعهم إلى الصواب سحرة آل فرعون آمنوا بموسى فهددهم قائلا: ((لأ قطعن أيديكم وأرجلكم من خلاص ولأ أصلبنكم)) فأجابوا ((قالوا لا ضير إنا إلى ربنا لمنقلبون) وقول السحرة: { إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ } أي: قد تحققنا أنا إليه راجعون، وعذابه أشد من عذابك، ونكاله (2) ما تدعونا إليه، وما أكرهتنا عليه من السحر، أعظم (3) من نكالك، فلنصبرن اليوم على عذابك لنخلص من عذاب الله، لما قالوا: { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } أي: عمنا بالصبر على دينك، والثبات عليه، { وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } أي: متابعين لنبيك موسى، عليه السلام. وقالوا لفرعون: { فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا
2715
تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُالدَّرَجَاتُ الْعُلا } [طه:72-75] فكانوا في أول النهار سحرة، فصاروا في آخره (4) شهداء بررة.
قال ابن عباس، وعُبَيد بن عُمَيْر، وقتادة، وابن جُرَيْج: كانوا في أول النهار سحرة، وفي آخره شهداء.
قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: بعث الله كل نبي من الأنبياء بما يناسب أَهْلَ زَمَانِهِ، فَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى زَمَانِ مُوسَى عليه اسلام السِّحْرُ وَتَعْظِيمُ السَّحَرَةِ، فَبَعَثَهُ اللَّهُ بِمُعْجِزَةٍ بَهَرَتِ الْأَبْصَارَ وَحَيَّرَتْ كُلَّ سحَّار، فَلَمَّا اسْتَيْقَنُوا أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ الْعَظِيمِ الْجَبَّارِ، انْقَادُوا لِلْإِسْلَامِ وَصَارُوا من عباد الله الْأَبْرَارِ اهـ ابن كثير
وَفِي الصَّحِيحِ: «عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلَاسِلِ»، يَعْنِي الْأَسَارَى الَّذِينَ يقدم بهم بلاد الإسلام في الوثاق وَالْأَغْلَالِ وَالْقُيُودِ وَالْأَكْبَالِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُسْلِمُونَ وَتَصْلُحُ أَعْمَالُهُمْ وَسَرَائِرُهُمْ فَيَكُونُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أنَس أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ: «أَسْلِمْ»، قَالَ: إِنِّي أَجِدُنِي كَارِهًا، قَالَ: «وَإِنْ كُنْتَ كَارِهًا»، فَإِنَّهُ ثلاثي صحيح، لكن لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُكْرِهْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ بل دعاه إليه، فأخبره أَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَتْ قَابِلَةً لَهُ بَلْ هِيَ كَارِهَةٌ، فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ وَإِنْ كُنْتَ كَارِهًا، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَرْزُقُكَ حُسْنَ النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ. اهـ ابن كثير
7>ـ الفضيل بن عياض عابد الحرمين: قال فيه الذهبي في سير إعلام البلاء: قال أبو عمار الحسين بن حريث، عن الفضل بن موسى، قال: كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينا هو يرتقي الجدران إليها، إذا سمع تاليا يتلو (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم..) [ الحديد: 16 ] فلما سمعها، قال: بلى يا رب، قد آن، فرجع، فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: حتى [ نصبح ] (1) فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا.
قال: ففكرت، وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين هاهنا، يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لارتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام. اهـ وفيه أيضا
وقال بعضهم أعدلوا بالقافلة إلى هذه القرية فإن الفضيل يقطع الطريق فسمع الفضيل ذلك فأرعد فقال "يا قوم جوزوا والله لأجتهدون أن لا عصى الله اهـ..وفي سير أعلام النبلاء أيضا \ وقال إبراهيم بن الليث: حدثنا المحدث علي بن خشرم قال: أخبرني رجل من جيران الفضيل من أبيورد، قال: كان الفضيل يقطع الطريق وحده، فبينا هو ذات لليلة، وقد انتهت إليه القافلة، فقال بعضهم: اعدلوا بنا إلى هذه القرية، فإن الفضيل يقطع الطريق.
فسمع ذلك، فأرعد، فقال: يا قوم جوزوا، والله لاجتهدن أن لا أعصي الله.وروي نحوها من وجه آخر، لكنه في الاسناد ابن جهضم، وهو هالك.
2716
8>>ـ عصاة حمامات التدليك .ذالك أن بعض المسلمين يتخذون حمامات خاصة للمترفين ورجال الأعمال يستحم فيها الرجال والنساء عرايا أو ربما تدلك المرأة للرجل وهو للأنثى .فهؤلاء لحبهم للمال وما يحشدون من أموال كثيرة بنوا هذه الأوكار فلو تابوا وابدلوها للعامة أو هدموها لوجدوا الله قد قبلهم
9>>ـ عصاة الملاهي الليلية
10>>ـ عصاة أكلة عرق جبين الناس
11>>ـ عصاة تتبع العورات
12>>ـ عصاة بث الوشايات بين الناس
ثالثا>> علامات الصدق في التوبة وهي كالتالي:
العلامة الأولى: الإقلاع الفعلي والأخذ في مقابله من أعمال الطاعة وهذا يدل على حساسية القلب وشعوره بالذنب ورغبته في التوبة وخير دليل على هذا هو ما رواه البخاري ومسلم عن النبي (ص) حيث قال: {كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب..الخ... العلامة الثانية: استدراك ما فات من رد المظالم إلى أهلها واستحلال أهلها منها وهذا يدل على تعظيم الله في قلبه وشد خوفه منه العلامة الثالثة: عدم الأمن من مكر الله: فيصحبه الخوف طيلة عمره حتى يبشرعند الموت ومن هنا كان السلف يشتد قلقهم من سوء الخواتيم وكان سفيان يبكي الليل كله ويقول: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيا وأخاف: {أن أسلب الإيمان عند الموت} .....
رابعا>>ـ الوسائل المعينة على التوبة وهي كالتالي:
الوسيلة الألى - > الابتعاد عن قرناء السوء واستبدالهم بقرناء صالحين لقوله (ص): {من ولاه الله عز وجل من أمر المسلمين شيئا فأراد به خيرا جعل له وزير صدق إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه} رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ولقوله: (ص) {مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير} مسلم
الوسيلة الثانية - >محاسبة النفس على الأمور التي ينبغي أن يعملها من أعمال اليوم والليلة كالذكر والصلاة في الجماعة وأذكار الصباح والسنن الراتبة والتوبة والاستغفار من الذنب ليومه لما في الصحيح أن النبي (ص) كان يستغفر الله في اليوم مائة مرة)) وقد جاء في التاريخ ((أن توبة بن الصمة: قتيل المحاسبة كان من المحاسبين لأنفسهم فحسب يوما فإذا هو ابن الستين سنة فحسب أيامها فإذا أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم فصرخ وقال: {يا ويلتي أألقى ربي بأحد وعشرين ألف ذنب كيف وفي اليوم آلاف من الذنوب ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت فسمعوا قائلا يقول: {يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى}
وعلامة الصدق أيضا كثرة الإلحاح ودوام الطلب وكثرة الاستغفار، فارفع يديك إليه وناجه وتوسل إليه بقول ابن ناصر المغربي الدرعي.
يا من يرى ما في الضمير ويسمع .. أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجّى للشدائد كلها .. يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن فضله في قول كن .. امنن فإن الخير عندك أجمع
2717
مالي سوى فقري إليك وسيلة .. فبالافتقار إليك فقري أدفع
مالي سوى قرعي لبابك حيلة .. فإذا رددت فأي باب أقرع
ومن الذي أرجو وأهتف باسمه .. إن كان جودك عن فقيرك يمنع
حاشا لفضلك أن تقنط راجيا .. الجود أجزل والمواهب أوسع
***الوسيلة الثالثة - معرفة شرف الزمان
فالوقت هو الحياة، وهو رأس مالك الذي تتاجر فيه مع الله، وتطلب به السعادة وكل جزء يفوت من هذا الوقت خاليًا من العمل الصالح يفوت على العبد من السعادة بقدره قال ابن الجوزي: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف وقيمة وقته فلا يضيع فيه لحظة في غير قربة.
إذا كان رأس المال عمرك فاحترز .. ... .. عليه من الإنفاق في غير واجب
ورمضان من أنفس لحظات العمر، ومما يجعل الإنسان لا يفرط في لحظة منه أن يتذكر وصف الله له بأنه "أيامًا معدودات" وهي إشارة إلى أنها قليلة وأنها سرعان ما تنتهي، وهكذا الأيام الغالية والمواسم الفاضلة سريعة الرحيل، وإنما يفوز فيه من كان مستعدًا له مستيقظا إليه.
ولقد دعا النبي (ص) إلى انتهاز فرصة الفراغ فقال لرجل وهو يعظه. في صحيح الحاكم عن ابن عباس أن رسول الله e قال لرجل وهو يعظه: "اغتنِمْ خمسًا قبلَ خمسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصحتَكَ قبلَ سَقمِكَ، وغِناكَ قبلَ فقرِكَ، وفَراغَكَ قبلَ شُغلِكَ، وحياتَكَ قبلَ موتِكَ".
وقال غنيم بن قيس: كنا نتواعظ في أول الإسلام: ابن آدم! اعمل في فراغك قبل شغلك، وفي شبابك لكبرك، وفي صحتك لمرضك، وفي دنياك لآخرتك، وفي حياتك
لموتك. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة t عن النبي e: " بادروا بالأعمالِ سِتًّا: طلوعَ الشمسِ مِن مغربِها، والدخانَ، والدجالَ، والدابةَ، وخاصةَ أحدِكم، وأمرَ العامةِ" (1). أي: سابقوا ست آيات دالة على وجود القيامة قبل وقوعها وحلولها؛ فإن العمل بعد وقوعها وحلولها لا يُقبل ولا يُعتبر.

والمراد من هذا أن هذه الأشياء كلها تعوق عن الأعمال، فبعضها يشغل عنه إما في خاصة الإنسان، كفقره وغناه، ومرضه وهرمه وموته، وبعضها عام كقيام الساعة، وخروج الدجال، وكذلك الفتن المزعجة، وجاء في حديث آخر: "بادروا بالأعمالِ فِتَنًا كقِطَعِ الليلِ المظلمِ".وبعض هذه الأمور العامة لا ينفع بعدها عمل، .....
عن أبي بزرة الأسلمي t قال: قال رسول الله e: " لا تزولُ قدمَا عبدٍ حتى يُسألَ عن: عمرِهِ فيمَ أفناهُ، وعن علمِهِ ما عملَ فيهِ، وعن مالِهِ من أين اكتسبهُ وفيمَ أنفقهُ، وعن جسمه فيمَ أبلاه". [رواه الطبراني، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"]
[إن شأن الناس في الدنيا غريب؛ يلهون والقَدَر معهم جاد، وينسون وكل ذرة من أعمالهم محسوبة .. ومن الخداع أنْ يحسب المرء نفسه واقفًا والزمن يسير! إنه خداع النظر حين يخيل لراكب القطار أنّ الأشياء تجري وهو جالس، والواقع أن الزمن يسير بالإنسان نفسه إلى مصيره العتيد.

2718
إن عمرك رأس مالك الضخم، ولسوف تُسأل عن إنفاقك منه، وتصرفك فيه .. والإسلام نظر إلى قيمة الوقت في كثير من أوامره ونواهيه؛ فعندما جعل الإعراض عن اللغو من معالم الإيمان كان حكيمًا في محاربة طوائف المتبطلين؛ الذين ينادي بعضهم بعضًا: تعالَ نقتل الوقت بشيء من التسلية!! وما درى الحمقى أن هذا لعب بالعمر، وأنّ قتل الوقت على هذا النحو إهلاك للفرد، وإضاعة للجماعة.
قال الحسن البصري: ما مِن يوم ينشق فجره إلا نادى منادٍ: يا ابن آدم! أنا خَلْقٌ جديد، وعلى عملك شديد، فتزوَّدْ مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
وإنه لمن فضل الله ودلائل توفيقه أنْ يُلهَم المرء استغلال كل ساعة من عمره في العمل، والاستجمام من جهد استعدادًا لجهد آخر .. وصدق رسول الله e: " نعمتانِ مغبونٌ فيهِما كثيرٌ من الناسِ: الصحةُ والفراغُ" [متفق عليه].
**ومن استغلال الإسلام للوقت بأفضل الوسائل حثه على مداومة العمل وإنْ كان قليلاً، في الحديث: "يا أيها الناسُ خذوا مِنَ الأعمالِ ما تُطيقون، فإنَّ اللهَ تعالى لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا، وإنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى اللهِ ما دامَ وإنْ قَلََّ". [متفق عليه]
خامسا التوبة نوعان \\
توبة تتعلق بحق الله .وتوبة تعلق بحقوق العباد .أما الأولى فقد سبقت الإشارة إليها بما فيه الكفاية والثانية لاتقل اهمية عن الأولى فامرها عظيم إذظلم العباد والأسرموقعه وخيم هو سبب كبير في تحول العافيات وزوال النعم وحلول النقم وشتات الفكر وظلمة القلب ألا نذكر يوم شاهد ابن جهور ملكه يزولمن تحت يديه وهو يحمل أمتعته فارا بنفسه من بطش المعتمد ابن عباد الذي صادر ماله، وقتل منهم من قتل، وسجن منهم من سجن، فخرج بنو جهور،، بلا مال ولا جاه ولا سلطان، ذليل خائفا مذعورا
خرج وهو يلتفت إلى هذا البلدة التي طالما تمتع بحكمها، وعرف أنه لم يخرج منها إلا بسبب دعوات المظلومين، وبسبب الدماء التي سالت ظلماً وعدواناً، وبسبب الأموال التي أخذت بغير حق، وبسبب ظلمه للناس وحيفه في معاملتهم، عرف ابن جهور هذا فالتفت إلى قرطبة، فرفع يديه إلى السماء وقال:\
: اللهم كما أجبت الدعاء علينا، فأخرجتنا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كنا فيها فاكهين، فأجب الدعاء لنا فإننا اليوم مسلمون مظلومون.
الظلم وخيم المرتع، سيئ العاقبة، هو منبع الرذائل، ومصدر الشرور، إذا فشا في أمة أهلكها، وإذا حل بقوم فرقهم، به تخرب الديار، وتزول القرى والأمصار، وتنتشر الفوضى ويعم الهرج.
وما تزول الدول ولا يضطرب الحال إلا بسب الظلم والتعسف والجور: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} [الكهف:59] {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ} [هود:102 - 103]. وفي الحديث الصحيح: {من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال رجل: يا رسول الله وإن كان يسيراً؟ قال: وإن كان قضيباً من أراك} رواه مسلم.

2719
وبعض الناس قد يتوهم أن حكم الحاكم له بحق أخيه يبيحه له ويعفيه من مسئوليته، وهذا غلط فاحش، وفهم خاطئ، وغفلة مهلكة، وقلة فقه في الدين، فإن الحاكم بشر يخطئ ويصيب، وقد قال عليه الصلاة والسلام: {إنما أنا بشر، وإنما يأتيني الخصم فلعل أحدكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صادق؛ فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار فليحملها أو يذرها}.
وفي الحديث الآخر: {من خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى يرجع} رواه أبو داود، ويل لهؤلاء الظلمة من ثِقل الأوزار، وويل لهم وقد امتلأت بمظالمهم الديار، وأين المفر من ديان يوم الدين؟ يوم تنشق سماء عن سماء، ويأتي الرب لفصل القضاء، وتجتمع عند الله الخصوم: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18] {وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} [آل عمران:151].
جاء في الصحيحين من رواية ابن عباس لما أرسل النبي صلى الله عليه معاذاً إلى اليمن قال: {وإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} ^ وفي السنن في الحديث الحسن قال صلى الله عليه وسلم: {ثلاثة لا ترد دعوتهم: -ومنهم- والمظلوم يرفع الله دعوته فوق الغمام، ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين} ^.سجن هارون الرشيد أبا العتاهية الشاعر وكان مظلوماً فأرسل له رقعة يقول فيها:
إلى الديان يوم العرض نمضي** وعند الله تجتمع الخصوم
فأخرجه وبكى هارون الرشيد من هذه الرقعة.
وعلى هذا فواجب رد المظالم إلى أهلها\
، وهي المظالم التي أخذت من الأعراض والأموال والحقوق وذلك بأن ترد على أصحابها قبل ألا يكون درهم ولا دينار ولكن حسنات وسيئات، يؤخذ من سيئات الناس وتوضع عليك ويؤخذ من حسناتك وتدفع إلى الناس وهذه هي المقاصة عند الله يوم القيامة فلا درهم ولا دينار.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم, إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته, وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)) رواه البخاري.
روى مسلم\ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ>
روى مسلم عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّ أَرْوَى خَاصَمَتْهُ فِي بَعْضِ دَارِهِ فَقَالَ دَعُوهَا وَإِيَّاهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا قَالَ فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ تَقُولُ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ

2720
سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشِي فِي الدَّارِ مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِي الدَّارِ فَوَقَعَتْ فِيهَا فَكَانَتْ قَبْرَهَا
خامسا خاتمة \\
1> لما حضرت الوفاة عبد الله بن المبارك فتح عينيه وضحك ثم قال: ((لمثل هذا فليعمل العاملون)) اهـ تذكير النفوس المؤمنة لأحمد فريد:
2>قال محمد بن راشد: رأيت عبد الله بن المبارك فقلت: أليس قد مت: قال: بلى قلت ما فعل الله بك. قال: غفر لي مغفرة أحاطت بكل ذنب)) اهـ حسن الخاتمة لمحمود المصري
3>وكان مطرف يقول: {إني لا أعجب ممن هلك كيف هلك وإنما أعجب ممن نجا كيف نجا وما أنعم الله على عبد بنعمة أفضل من أن يميته على الإسلام اهـ وقال الفضيل بن عياض رحمه الله من السلف <عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين> اهـ مدارج السالكين لابن القيم ... 4>، وعَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا قَالَ نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ} سنن الترمذي.)5> وبكى بعض أصحاب النبي (ص) عند موته فسئل عن ذلك فقال: (سمعت رسول الله (ص) يقول {إن الله تعالى قبض خلقه قبضتين فقال هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار ولا أدري في أي القبضتين كنت} ...6> وكان سفيان يشتد قلقه من السوابق والخواتيم فكان يبكي ويقول: {أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيا ويبكي ويقول: {أخاف أن أسلب الإيمان عند الموت}الحمد لله أولا وآخرا
جمع حميد أمين أثابه الله وستر عيبه وغفر ذنوبه آمين.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button