من الذاكرة التربوية ،السياسية، النقابية، الحقوقية، الإنسانية: السي البشير البخاري: الهدوء والالتزام والوقار. بقلم عبد الكريم التابي

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية من الذاكرة التربوية ،السياسية، النقابية، الحقوقية، الإنسانية: السي البشير البخاري: الهدوء والالتزام والوقار. بقلم عبد الكريم التابي

من الذاكرة التربوية ،السياسية، النقابية، الحقوقية، الإنسانية: السي البشير البخاري: الهدوء والالتزام والوقار. بقلم عبد الكريم التابي

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٥‏ أشخاص‏، ‏‏أشخاص يقفون‏‏‏



(سلاما يا وشاح الشمس، يا منديل جنتنا
ويا قسم المحبة في أغانينا
سلاما يا ربيعا راحلا في الجفن ! يا عسلا بغصتنا
ويا سهر التفاؤل في أمانينا)
الكبير محمود درويش.
لم يسقط السي البشير من ذاكرتي، بل كان من الأولين الذين جئت على ذكرهم في سلسلة ما اصطلح عليه المتتبعون في ابن جرير، بالنبش في بعض من الذاكرة الجماعية المتعددة الأطراف والاهتمامات، والتي همت الأحداث والمجال والتعبيرات السياسية والنقابية والثقافية والجمعوية والرياضية والفنية وغيرها، والتي طبعت جزءا من تاريخ ابن جرير، وخاصة تلك التي كان صاحب النبش شاهدا عليها وفي أحيان كثيرة فاعلا فيها وقريبا من الفاعلين فيها رجالا ونساء ووقائع وأحداثا وشخوصا. إلا أنه من سوء طالعي ضاع ذلك المنشور كما ضاع غيره بعد أن تم إيقاف حسابي الأول من طرف إدارة الفايسبوك.
لما استحضرت ذاكرة السي البشير في بداياتي الأولى، كان الاستحضار عابرا وغير موغل في تفاصيل ومسار الرجل، ما جعلني اليوم أشعر أن المنشور المقتضب الذي خصصته له، لم يوف الرجل حقه كما يلزم أن يكون عليه الأمر.
ليست "البرابيش" مجالا جغرافيا من الرحامنة المتعددة، نخضعه للدراسة التاريخية والإثنوغرافية والسوسيولوجية فحسب، لكنها مَفْرَخ ٌ لعديد من النخب السياسية والنقابية والثقافية، والتي سيفقص بيضها بابن جرير منذ سبعينيات القرن الماضي وبعضها الآخر قبل ذلك، وستتقدم المشهد السياسي والنقابي والحقوقي وخاصة ما يرتبط باليسار تحديدا..
وإذا كان فؤاد عالي الهمة من الجيل الثاني الذي يمكن اعتباره بمعيار ما، أهم ما ومن خرج من رحم البرابيش، وأسعفه حظه أن يلج المدرسة المولوية ليجاور ولي عهد البلاد آنذاك، ثم يتدرج في المسؤوليات حتى اليوم الذي غدا مستشارا للملك وصديقه المقرب في نفس الوقت، فإن الجيل الأول ممن ألقت بهم البرابيش إلى ابن جرير، وانخرطوا في حراكها السياسي، نذكر منهم على سبيل المثال المرحوم الحاج ادريس البصري الذي يعتبر واحدا من مؤسسي الحركة الشعبية بابن جرير، وأول برلماني عن الرحامنة عن هيئة المستشارين، والذي خلف بدوره أبناء انخرطوا ولازالوا في الشأن السياسي الحزبي من خلال تعبيرات سياسية متنوعة كما هي حال السي عبد الخليد البصري (البرلماني الحالي عن حزب البيجيدي) وأشقائه توفيق وعبد الرحمان الصحفي بجريدة أخبار اليوم . إلا أن من ارتبط أكثر بذاكرة ابن جرير السياسية والنقابية والحقوقية، هم كثيرون ارتبطوا أغلبهم باليسار (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الطليعة لاحقا( المرحوم عبيدة المستعين وأبناؤه ـ عبد الله نجباح ـ ادريس لغريب ـ حسن مصطلح ـ لحسن الصفريوي ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي بدرجة أقل في شخص المصطفى مصطلح ) دون أن ننسى بعض الأسماء التي تتحدر من نفس المنطقة كالبرلماني السابق عبد الفتاح كمال باسم البام، والمرحوم حمدي الذي شغل رئيسا لجماعة المحرة، ومحمد حمدي مدير مجموعة "شعلة"، والمرحوم حسن الناصري (والد باسط) والمرحوم سعيد بلحبشية المناضلان المعروفان عن حزب الاستقلال والأستاذ عبد الخالق مساعد الذي صدر له مؤخرا كتاب تحت عنوان: " البرابيش بنو حسان، من شمال مراكش إلى شمال مالي".
وإلى جانب هؤلاء، يوجد السي البشير البخاري الذي يعتبر واحدا من أهم ما أنتجت البرابيش في المجال المتعلق بالنضال السياسي والنقابي والحقوقي، ولكن في الجانب وبالغايات والوسائل التي تسعى إلى تحقيق المغرب الآخر المختلف، مغرب الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الإنسان.
سمعت عنه في مرحلتي الابتدائية لما كنت تلميذا عند شقيقه المرحوم السي عبد الخالق خلال الموسم الدراسي 1969/ 1970، وفيما بعد استرعى اهتمامي كونه شقيق خديجة التي ارتبطت في سبعينيات القرن بالمنظمة السرية الماركسية اللينينية (23 مارس) والتي اعتقلت من خلالها ثلاث سنوات إلى جانب مناضلات أخريات على رأسهن بطبيعة الحال الشهيدة سعيدة المنبهي وفاطنة لبيه. وزادت معرفتي به عن قرب بعد أن التحقت بسلك التعليم، وجاورته في عديد من اللقاءات التربوية واللقاءات الخاصة بالمهرجانات الربيعية، كما جاورته ايضا في عديد من اللقاءات المشتركة سواء في إطار المبادرات المشتركة لأحزاب اليسار أو في إطار الحركات الاحتجاجية من خلال الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وأيضا من خلال حضوره الدائم لكل الأنشطة التي كانت تنظمها جمعية الإقلاع الثقافي الذي كان واحدا ممن ساهموا في تأسيسها، وقبلها كان واحدا ممن كان حاضرا ضمن الفاعلين الذين كانوا بصدد تأسيس أول جمعية لم تتمكن من الولادة بسبب منعها من قبل سلطات ذلك الزمن الرديء.
ومن خلال كل ما سلف، فالسي البشير البخاري، لم يكن يمثل سوى ذلك الوجه المضيء لنبل السياسي والنقابي والجمعوي والحقوقي الذي كان لفترات رئيسا للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بهدوئه ورزانته والتزامه ومشاركاته الإيجابية بما يلزم ذلك من الروية الحكمة والتبصر دون تشنج أو انفعال.
لست الوحيد ممن تنطبع شخصية السي البشير البخاري في ذاكرته تلك ويحفظ تفاصيلها التي تجمع كلها على سمو ورفعة أخلاق الرجل، وخاصة في المجال التربوي التعليمي الذي نجح فيه بامتياز وأنهى المهمة بكل نزاهة واقتدار وإخلاص للضمير المهني الذي ينتصر للتعليم كقضية مجتمعية ورسالة سامية نبيلة أكثر منها وظيفة يتحصل منها على أجر في آخر الشهر.
ما سمعته قط منفعلا ولا غاضبا ولا متعسفا ولا مستبدا خلال اللقاءات الكثيرة التي أوجدتنا فيها قضايا المغرب السياسية والاجتماعية والثقافية تحت سقف واحد سواء في المقرات المتربة أو في دار الشباب أو حجرات الدرس أو في الساحات والميادين وشوارع مسيرات فاتح ماي وفلسطين والعراق.
السي البشير يعشق اللغة العربية، ويتكلمها بسلاسة في كل المناسبات والأنشطة الجماهيرية التي كان يحضرها ويساهم فيها بما يراه وجهة نظر، لا تروق له إلا إذا طرَّزها بلغته العربية البسيطة الواضحة التي تفي بالمراد دون تكلف أو تصنع.
لم يستكن إلى مكتسباته السابقة كما يفعل عديد من رجال ونساء التعليم القدامى أو الجدد، بل كان حديثه العربي الفصيح إضافة إلى مداومته على القراءة والاطلاع، محفزا له على ولوج مجال الكتابة والتأليف الذي كان من نتائج جهده إصداره لمؤلف تحت عنوان: " شرف المقاومة يتجدد من خلال تساؤلات الأغنية الشعبية".
منذ سنة أو أكثر اتصل بي، فهنأته بصدق على مؤلفه واعتبرته انتصارا للحياة ومباهجها الجميلة كما هو مساهمة مهمة في بناء معمار ذاكرتنا المشتركة، ومن جانبه أعلمني أنه يحتفظ لي بنسخة من الكتاب.
أملي أن تتحسن أحواله الصحية بعدما علمت أنه في وضع حرج حسب ما أخبرني أصدقائي الذين عادوه صبيحة هذا اليوم.
لرفاقه في الدرب النضالي الذين غيبهم الموت (السي عبيدة المستعين والسي لحسن مبروم) الطمأنينة الأبدية، ولرفاقه الذين لازالوا يقاومون ( السي صالح بلكاضي والسي الحنفي و السي عبد المجيد الفارسي وادريس لغريب) كل الصحة والعافية، ولباقي رفاقه من جيلنا (نجباح ومصطلح وبلقايد والزوين وغيرهم) كل التحيات، ولرفاقه من الجيل الذي تبعنا (خالد مصباح وبرامي عبد الصادق وغيرهم ممن نكون قد أغفلنا أسماءهم) كل المحبات.
(في الصورة السي البشير الأول من اليسار إلى جانب الجالس المصطفى مصطلح صحبة الواقفين من اليسار إلى اليمين السي الحنفي السي عبد الخليد البصري السي لحسن الصفريوي المرحوم لحسن مبروم وأخيرا المرحوم عبيدة المستعين).

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button