الحمد لله وحده والصلاة والسلام على ن بعثه بشيرا نذيرا وسراجا منيرا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وبعد : موضوع اليوم :< حقوق سيدي الخلق على أمته ..>
أيها الناس إن من يمن هذه الأمة أن بعث فيها نبيا رحمة للعالمين وسيد المرسلين والناس أجمعين .فضله ربه وأعطاه من المراتب ما لم ينلها احد وبعثه بشريعة وسعت الناس كلهم لم يهضم فيها حق ولم يبخس فيها نصيب لأحد ولذالك لم يرق لبعض الحاقدين هذه الدرجة العليا والمرتبة الكبرى و المقام الأسمى. فجند قلمه وسخر رسومه للنيل من صاحب الشفاعة والمقام المحمود واللئيم من لايخفي ما يضمره من الحقد لأعظم رجل عرفته البشرية
هذا وإن المنصفين من الغربيين عرفوا عظمة وقيمة هذا النبي صلى الله عليه وسلم فداه أبي وأمي وأدلوابهذه الشهادة فهاك بعضهم
1ـ مهاتما غاندي : الإسلام لم ينتشر بالسيف بل بإخلاص الرسول محمد وصدقه وشجاعته.
2ـ مايكل هارت: محمد هو الوحيد في التاريخ الذي نجح على المستويين الديني والدنيوي
3ـ جورج برناردشو: لو تولى محمد أمر العالم اليوم لتمكن من حل مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة
4ـ المستشرق ميشون : بفضل تعاليم محمد لم يمس عمر بن الخطاب النصارى بسوء حين فتح القدس
5ـ غوستاف لوبون : محمد أعظم من عرفهم التاريخ
6ـ المفكر الفرنسي ألفونس دو لا مارتين : لا أحد من عظماء التاريخ يضاهي النبي محمدا .
إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد في عبقريته فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات فلم يجنوا إلا أمجاد بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانيهم لكن هذا الرجل { يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم} لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ .
{2611}
ليس هذا فقط بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة لقد صبر النبي محمد وتجلد حتى نال النصر وكان طموحه موجها بالكلية إلى هدف واحد فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه ووفاته وانتصاره حتى بعد موته كل ذلك لا يدل على الغش والخداع بل يدل على اليقين الصادق الذي أعطى هذا النبي الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين الإيمان بوحدانية الله والإيمان بمخالفة الله للحوادث وبالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية أود أن أتساءل هل هناك من هو أعظم من النبي محمد { من كتاب تاريخ تركيا . باريس.1854 277ـ276/2}
7ـ الأديب الألماني غوته : النبي محمد أعلى مثل للبشرية ولن يتقدم عليه أحد
8ـ الأديب الروسي تولستوي: شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة
9ـ المؤرخ توماس كارليل: أحب محمدا البراءة طبعه من الرياء والتصنع ولأنه لا يدعى ما ليس فيه
10ـ المستشرق الأمريكي واشنطن إيرفنغ : رحمة محمد حين فتح مكة تدل على أنه نبي مرسل
11ـ المؤرخ البلجيكي جورج سارتون : النبي محمد انتصر انتصارا لم يتح لأي نبي من قبل
12ـ الكاتبة الإنجليزية كارين أرمسترونغ : محمد حين دخل مكة لم يرغم أهلها على اعتناق الإسلام اهـ جريدة السبيل بعنوان نصرة رسول الله ص
هذا وإن للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - على أمته حقوقا عظيمة :
منها : ألا يخاطب كما يخاطب سائر الناس ، بل يخاطب باحترام وأدب ، فيقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يقال : محمد ، أو محمد بن عبد الله ، ونحو ذلك ، يقول الله تعالى : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } (1) الآية
كل أحد من الناس يقول: أنا أحب الله، فالمرتشي يقول: أنا أحب الله.
والجاهل يقول: أنا أحب الله.
والعاصي يقول: أنا أحب الله.
فهل صدقوا في حبهم؟! لقد قال الله جل وعلا: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } [آل عمران:31]، فالله تبارك وتعالى يحب أهل الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ) اتبعوا من؟ اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم: {
{2612}
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [آل عمران:31] الآية، فمن حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا أن نطيعه فيما أمر، وأن ننتهي عن كل ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وزجر.
وتدبر معي قول الله تبارك وتعالى وهو يبين هذين الحقين العظيمين للرسول صلى الله عليه وسلم في آية واحدة جامعة، فيأمر الله سبحانه وتعالى ويقول: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ) أمر، وهذا حجة على من ينكر سنة النبي عليه الصلاة والسلام ويقول: نحن يجب علينا أن نكتفي بالقرآن، ها هو القرآن يأمر الجميع أن يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى امتثال أمره: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الحشر:7] أمر من الله سبحانه وتعالى، فالرسول عليه الصلاة والسلام له أمر وله نهي، وأمر الله سبحانه وتعالى أهل الإسلام وأهل الإيمان أن يمتثلوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يجتنبوا نهيه، وأن يقفوا عند الحدود التي حدها -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- فقال: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الحشر:7].
فطاعة النبي صلى الله عليه وسلم طاعة لربه العلي، ومعصية النبي صلى الله عليه وسلم معصية لله، واقرأ معي قول الله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) هكذا، من يطع الرسول فقد أطاع الله، آية حاسمة: { وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } [النساء:80] ، وقال جل وعلا: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [آل عمران:132]، { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } [المائدة:92] (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) أي: احذروا أن لا تطيعوا أمره، واحذروا أن تخالفوه.
(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) فوظيفته صلى الله عليه وسلم أن يبلغ، وأن يؤدي ما عليه لله تبارك وتعالى من حق الدعوة والإنذار والبلاغ.
ويقول ربنا وتعالى في آية جميلة يلخص فيها ثمرة الطاعة لحبيبه صلى الله عليه وسلم: { وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [النور:56] ، وقال الله تبارك وتعالى: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب:71].
ومن أرق ما ثبت من الأحاديث الصحيحة ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى )، فهل يوجد أناس يكرهون دخول الجنة؟ نعم بنص الحديث: ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى )، والذي لا يريد أن يدخل هو حر، ( قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟! ) من الذي يكره أن يدخل الجنة؟! فقال صلى الله عليه وسلم: ( من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى )، فمسألة الزعم بأننا نحب رب العزة ونحب النبي عليه الصلاة والسلام دون أن نمتثل أمر النبي، ودون أن نجتنب نهي النبي إنما هو زعم يحتاج إلى قدم وساق، ويحتاج إلى أدلة على أرض الواقع.
{2613}
وفي صحيح البخاري من حديث جابر بن عبد الله -وهذا حديث جميل- ( أن ملائكة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم -أي: بعض الملائكة-: إنه نائم.
وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان )، وهذه من خصائص سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان إذا نام تنام عينه ولا ينام قلبه.
( جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم.
وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان.
فقال بعضهم: إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً.
قالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدبة -وليمة- وبعث داعية -أي: بعث داعية يدعو الناس ليدخلوا الدار وليأكلوا من المأدبة- فمن أجاب الداعية دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعية لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة.
فقال بعض الملائكة: أولوها له يفقهها -أي: وضحوا له الرؤية هذه وفسروا له هذا المثل- فقالوا: الدار الجنة، والداعي هو محمد، فمن أجاب الداعية -أي: من أجاب محمداً صلى الله عليه وسلم وامتثل أمره وأطاعه واجتنب نهيه وسار على طريقه- دخل الدار -أي: دخل الجنة- وأكل من المؤدبة فاستمتع بنعيمها، ومن لم يجب الداعية -أي: من أعرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن منهجه- لم يدخل الدار ) لم يدخل الجنة، ولم يستمتع بنعيمها، فمحمد فرق بين الناس أو فرق بين الناس، فمن آمن بالله ورسوله فهذا هو الذي وعده الله بالسعادة والنعيم المقيم في الدنيا والآخرة، ومن كفر بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم فهؤلاء -نعوذ بالله من الخذلان- هم أهل الشقاء والضلال في الدنيا والآخرة، حتى وإن اغتر بعض الناس بسعادة وهمية لهؤلاء المجرمين من الكفرة بالدنيا، لا والله، فقد صدق ربي إذ يقول: { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى } [طه:123-127]، فشعار المؤمن الصادق أن يقول لله ولرسوله القالة الجميلة قالة السابقين الأولين: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [البقرة:285].
اهـ سلسلة إيمانيات للشيخ : محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن حسان
أول الحقوق :: سؤال الله الوسيلة له - صلى الله عليه وسلم - ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم - : « ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا ه
و ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ») رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما
{2614}
ثاني الحقوق: : الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - ، وهي في الصلاة واجبة ، بل عدها بعض العلماء ركنا لا تصح الصلاة إلا بها .
وتتأكد عند ذكره - صلى الله عليه وسلم - ، ويوم الجمعة ، وليلتها ، وعند الدعاء ، إلى غير ذلك .
قال الله - عز وجل - : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } سورة الأحزاب الآية 56من حقوق النبي عليه الصلاة والسلام علينا أن نصلي ونسلم عليه، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( من صلى علي صلاةً؛ صلى الله عليه بها عشراً ) وهذا من حقوقه علينا، قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [الأحزاب:56]، فنحن مأمورون بالصلاة على الحبيب، وهذا من أعظم حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا، وأنت الرابح؛ يقول الحبيب: ( من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً )، والحديث رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو .
ومن الأحاديث الجميلة ما رواه الإمام أحمد والإمام أبو داود وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، وإن صلاتكم معروضة علي فيه؛ فأكثروا علي من الصلاة فيه، قالوا: كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟! يعني: بليت- فقال: إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء ).
فيجب علينا أن نجعل ورداً يومياً للصلاة والسلام على الحبيب صلى الله عليه وسلم، وألا نغفل عن أن نسأل الله عز وجل الوسيلة لنبيه صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي؛ فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً؛ ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ، وأرجو أن أكون أنا هو؛ فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي ).
مداخلة: بعد ما سمعنا حق الرسول صلى الله عليه وسلم علينا، فعلينا أن نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، ونأتمر بأمره، وننتهي عن نهيه، ونحب الرسول صلى الله عليه وسلم أشد من حبنا لأنفسنا، وأولادنا، وأموالنا، وإذا كانت نفسي تأمرني بشيء، والرسول صلى الله عليه وسلم يأمرني بشيء آخر، فعلي أن أقدم ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم على ما تهواه نفسي.اهـسلسلة إيمانيات: للشيخ \محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن حسان
ثالث الحقوق\ محبته - صلى الله عليه وسلم - ونصرته وموالاته وتعظيمه ، وبعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - تكون النصرة لسنته صلى الله عليه وسلم .
فدليل محبته - صلى الله عليه وسلم - قوله - صلى الله عليه وسلم - : « فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده » صحيح البخاري ] ( 1 \ 9 ) ،
{2615}
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه) وفي حديث أنس عنه - صلى الله عليه وسلم - : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين » متفق عليه) [ صحيح مسلم وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما » صحيح البخاري ] ( 1 \ 9 ، 10 ) و ( 8 \ 56 ) ، واللفظ له ، [ صحيح مسلم ] ( 1 \. . . الحديث
وتوعد الله - سبحانه - من قدم محبة أحد - كائنا من كان -
) على محبة الله ورسوله ، فقال - سبحانه - : { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } (1)
ولما « قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والله يا رسول الله ، لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا نفسي ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون عنده أحب إليه من نفسه " . قال عمر : فأنت الآن والله أحب إلي من نفسي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الآن يا عمر »( [ مسند الإمام أحمد ] ( 4 \ 336 ) واللفظ له ، و [ صحيح البخاري
ودليل النصرة والتعظيم قوله تعالى : { فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (1) وقال - سبحانه - : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } (2) { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } (3) ويقول - سبحانه - : { ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ }
ووصف طائفة من المؤمنين ، وأثنى عليهم بقوله - سبحانه - : { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } (5) ويقول - سبحانه - : { إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ } (1) ويقول - سبحانه - : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } (2)
ودليل الولاية قوله تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } (3) { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }
والخلاصة أن من حقوق النبي -صلى الله عليه وسلم- محبته، وقد ورد الأمر بها في القرآن. قال الله ـ تعالى ـ: {قُلْ إن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].
وموضع الشاهد: ما في الآية من الوعيد، لمن كانت محبته لشيء، أكثر من محبته لله ـ تعالى ـ ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، في كلمتين هما:
{2616}
أولاً: قوله: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} والتربص هنا للعقوبة، ولا تكون العقوبة إلا لترك واجب.
ثانياً: قوله: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} فقد وصفهم بالفسق؛ وذلك لا يكون إلا بفعل كبيرة فما فوقها، من كفر وشرك، لا في صغيرة.
فمن قدّم شيئاً من المحبوبات على محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو فاسق، متربص ببلية تنزل عليه.
وقد اقترنت محبته -صلى الله عليه وسلم- بمحبة الله تعالى؛ وذلك يفيد التعظيم، كاقتران طاعته بطاعة الله تعالى.
وثمة نصوص نبوية صريحة، في وجوب تقديم محبته ـ عليه الصلاة والسلام ـ على كل المحبوبات الدنيوية:
3 النص الأول:كان النبي آخذاً بيد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقال له عمر:
- «يا رسول الله! لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي.
- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا، والذي نفسي بيده! حتى أكون أحب إليك من نفسك.- فقال له عمر: فإنه الآن والله! لأنت أحب إليَّ من نفسي.- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الآن يا عمر!». [البخاري، الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبي].
النفي المؤكد بالقسم يدل على وجوب تقديم محبته ـ عليه الصلاة والسلام ـ على النفس.
فأَمْرُه بتأخير محبة النفس، وتقديم هذه المحبة النبوية عليها ـ مع كون محبة النفس جِبِلَّة في الإنسان، يقدمها على كل شيء، ولا يُلامُ على ذلك في أصل الأمر، إلا إذا تجاوز بها إلى محظور ـ دليل وجوب، لا استحباب.
إذ لا يؤمَر الإنسان بترك فِطرة فُطِرَ عليها، وليست مذمومة في أصلها، إلا إذا قادته إلى محظور. وتقديم محبة النفس على محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، تقود إلى فعل المحظورات، كما هو مجرّب، فلذا وجب التقديم.
أمر ثانٍ: النفس هالكة لولا فضل الله ـ تعالى ـ على الناس بهذا النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو سبب نجاتها، فمحبته أحق بالتقديم.3 النص الثاني:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» [البخاري، الإيمان].
هذا نص في وجوب أن يكون ـ عليه الصلاة والسلام ـ أحب إلى المرء من كل شيء دنيوي، وذلك لأمور:- كونه نفى حصول الإيمان إلا بكونه أحب شيء، والإيمان واجب، وما تعلق به فهو واجب.
- ثم إن الخطاب جاء في حق الأعيان في قوله: «أحدكم»، فكل مؤمن مخاطب بهذه المحبة.
- ثم إنه أتى بصيغة التفضيل: «أحب»، وهو صريح في تقديم محبته مطلقاً على كل شيء دنيوي. وهذه المحبة الواجبة من فرّط فيها فهو آثم مذنب، ومن قدّم عليه محبة: الآباء، أو الأبناء، أو الإخوان، أو الأزواج، أو شيء من متاع الدنيا، فهو آثم فاسق،
{2617}
مستحق للعقوبة، فقوله: «لا يؤمن أحدكم...» نفي للإيمان الواجب، بمعنى أن من فعل ذلك فقد نقص إيمانه نقصاً يستحق به الإثم والعقوبة.
فالشارع لا ينفي واجباً، ثبت وجوبه، إلا لترك واجب فيه.
والإيمان واجب، ولا ينفي بقوله: «لا يؤمن.. .» إلا لترك واجب فيه، كالصلاة لا تنفى إلا لترك واجب فيها، كقوله: «لا صلاة لمن لا وضوء له» [أخرجه أحمد].
والإثم والعقوبة متفاوت بحسب نوع التقديم:
فتارة يكون كفراً، وذلك في حالين:
- الأول: إذا كان التقديم مطلقاً، فلا يتعارض شيء مع محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا قدّم ذلك الشيء، وهكذا في كل شيء، فهذا يعبد هواه، ولا يعبد الله ـ تعالى ـ في شيء.
- الثاني: إذا كان التقديم في بعض الأحوال، لكن في أمور كفرية، ينقض بها أصل دينه، فيقدم محبة الأمور الكفرية على محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كمن نصر الكافرين على المسلمين.
- وتارة يكون كبيرة، وذلك إذا قدّم محبة الكبائر على محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فشرِبَ الخمر وزنى، ولم يطع النبي -صلى الله عليه وسلم- في نهيه عنها، فهذا قدّم محبة هذه الكبائر.- وتارة صغيرة، وذلك إذا فعل الصغائر، فقدم حبها على حبه النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وطاعتَه.< عبودية لا إلهية:وليس فوق محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا محبة الله تعالى؛ فإن محبة الله ـ تعالى ـ هي أعلى المحبوبات وأوجبها على الإطلاق، ولا يجوز أن يساوى بينه ـ تعالى ـ وبين غيره في المحبة، حتى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن محبته وإن كانت عظيمة مقدمة على المحبوبات الدنيوية، لكنها تبقى في مرتبة البشرية، لا تبلغ مرتبة الألوهية؛ فلله ـ تعالى ـ محبة تخصه تسمى: محبة التألُّه، والخلة. ويقال كذلك: المحبة الذاتية. فلا يجب محبة شيء لذاته إلا الله تعالى.
ومن هنا يُفهَم خطأ من بالغ في محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى جعله كمحبة الله تعالى، فنسب إليه خصائص الخالق سبحانه، من:- علم الغيب.- وتدبير الخلق.- ونسبة إجابة الدعوات إليه.- ودعائه والاستغاثة به من دون الله ـ تعالى ـ في قضاء الحوائج، وتفريج الكربات.- وسؤاله شيئاً لا يقدر عليه إلا الله تعالى.فإن محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن اقترنت بمحبة الله ـ تعالى ـ إلا أنها كاقتران طاعته بطاعته. أما المحبة الإلهية فشيء وراء المحبة البشرية، وما أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا ليعلّق القلوب بالله تعالى، ويخلص الناس محبتهم لله ـ تعالى ـ فلا يشركون فيها معه غيره، وهذه هي العبودية، التي قال ـ تعالى ـ فيها:ـ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، أي: ليخلصوا المحبة والخضوع والطاعة لله تعالى.
وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذا المسلك غاية التحذير، وحرص على منع كل ذريعة تفضي إلى مساواته بالله ـ تعالى ـ في المحبة، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ:
{2618}
- «لا تُطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم؛ فإنما أنا عبده، فقولوا: عبدُ الله ورسوله».ومعنى الأثر: لا تبالغوا في مدحي، وتغلوا فيّ كغلوِّ النصارى في عيسى عليه السلام.اهـ موسوعة الخطب والدروس
رابع الحقوق: التسليم له - صلى الله عليه وسلم - ، وتحكيم شرعه ، والتحاكم إليه ، والرضا به ،
والدليل قوله تعالى : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } (1)
وقال - سبحانه - في صفة المؤمنين مثنيا عليهم ومشيدا بهم : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (2)
وقال - سبحانه - واصفا المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون : { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ } (3) { وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ } (4) { وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } (5) { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (6)
وقال - سبحانه - أيضا فاضحا أمرهم ، مشددا في ترك طريقهم : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا } (1) { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا } (2)
فتحكيم شرع الله وما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل صغيرة وكبيرة ، الأفراد على أنفسهم ، وكذلك الحكام وولاة الأمر على رعاياهم ومن تحت أيديهم - واجب فرض متحتم ، لا محيد عنه لمؤمن مسلم ، بل هو من حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله
خامس الحقوق\ الاقتداء والتأسي به - صلى الله عليه وسلم - ، واتباع سنته ، والرد إليه في حياته عند التنازع ، وإلى سنته بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ، وتقديم سنته على رأي كل أحد كائنا من كان ، والحذر من مخالفته ومشاقته ومحادته صلى الله عليه وسلم .
يقول الله - عز وجل - : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } (1) ويقول - عز وجل - : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } (2)
ولما ادعى أقوام محبة الله - سبحانه - أنزل آية الامتحان في سورة آل عمران ، وهي قوله تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } (1)
{2619}
ويقول أيضا - جل وعلا - : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } (2) ويقول - عز وجل - : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (3) ويقول - سبحانه وتعالى - : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } (4) وقال - سبحانه وتعالى - : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول : قال رسول الله ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر ؟ !
وقال الشافعي - يرحمه الله - : أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أن يدعها لقول أحد .
وقال الإمام أحمد - رضي الله عنه - : عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته ، يذهبون إلى رأي سفيان ، والله تعالى يقول : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (1) أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة : الشرك ، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك . أ هـ .
هذا قول أحمد فيمن اتبع رأي سفيان ، وهو : الثوري الإمام الزاهد العابد الثقة الفقيه ، إذا كان رأيه يخالف الحديث فكيف بمن هو دونه ؟ !
ويقول الله - عز وجل - : { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } (2)
_________وقال - سبحانه - : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (1) ويقول - عز وجل - : { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ } اهـ خطب ومقالات للشيخ عبد العزيز آل الشيخ
سادس الحقوق دراسة سيرته صلى الله عليه وسلم وفهمها واستخراج العبر والعظات منها وإسقاطها على وضعنا المعاصر لأن كل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وحي ينبغي لنا إتباعه فيه .
سابع الحقوق: ومن حقه علينا أيضاً نشر سنته بين الناس وتعليمهم سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وافخارهم بنبيهم وسنته عليه السلام .
ولنتمثل بقول القائل :
وإنه مما زادني فخراً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن بعثت لي أحمداً نبياً
ثامن الحقوق\الأدب مع النبي عليه الصلاة والسلام
{2620}
من أعظم حقوق النبي عليه الصلاة والسلام علينا أن نتأدب معه بأبي هو وأمي وروحي، وأرجو ألا يظنن أحد أن التأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم كان في حضرته فقط! بل إن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته واجب من أعظم الواجبات، يجب على كل من آمن بالله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يتأدب مع الحبيب، تدبر معي واسمح لي أن أكرر بما كنت قد ذكرته لك في لقاء سابق حينما قلت: بأننا لم نر نبياً من الأنبياء إلا وقد ناداه ربنا جل وعلا باسمه المجرد، إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال الله: { يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا } [هود:48].
{ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا } [الصافات:104-105].
{ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ } [طه:11-12].
{ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } [آل عمران:55].
{ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ } [مريم:12].
{ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ } [ص:26].
{ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ } [مريم:7].
إلا المصطفى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } [الأحزاب:45]، { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ } [المائدة:41]، وينادي عليه بصفته: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا } [المزمل:1-2]، { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ } [المدثر:1-2].
وما ذكر الله اسم النبي مجرداً قط إلا مقترناً بصفة النبوة والرسالة: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ } [الفتح:29].
{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ } [آل عمران:144].
{ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ } [الأحزاب:40].
فهذا هو خطاب ملك الملوك وجبار السموات والأرض لنبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم؛ ليعلم الله جل في علاه الصحابة رضوان الله عليهم -بل وأهل الأرض جميعاً- كيف يتأدبون مع الحبيب؟ وكيف ينادونه؟ وكيف يتكلمون في حضرته؟ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ } [الحجرات:2]، إلى هذا الحد؟ نعم.
ثم يقول ربنا بعد ذلك: { إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } [الحجرات:3]، وعاب ربنا جل وعلا على أولئك الذين ينادون الحبيب صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته: يا محمد! يا محمد! اخرج إلينا، اخرج إلينا، عاب الله عليهم ذلك وقال سبحانه وتعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الحجرات:4-5].
هذه دروس في التربية، دروس من رب العزة إلى الصحابة وإلى البشر جميعاً في التأدب مع رسول الله. أدب الصحابة مع رسول الله
{2621}
كيف كان الصحابة يتعاملون مع حبيب الله جل جلاله؟ كيف كانوا يتعاملون مع أكرم نفس خلقها ربنا تبارك وتعالى؟ قال ابن عباس : ما خلق الله نفساً وما برأ نفساً هي أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، من أجل ذلك ترى القرآن يعلم الصحابة كيف يخاطبون رسول الله؟ كيف يتكلمون معه؟ كيف يتأدبون معه؟ كيف يستأذنونه؟ كيف يدخلون بيته؟ كيف يجلسون عنده؟ إن دل هذا فإنما يدل على أن قدر نبينا عند ربنا عظيم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } [الحجرات:2].
ستعجب وسيعجب إخواني إذا علموا أن هذه الآية الكريمة الجليلة قد نزلت في حق الخيرين الجليلين الكبيرين العظيمين أبي بكر و عمر ، والدليل ما رواه البخاري عن ابن أبي مليكة قال: ( كاد الخيران أن يهلكا )، لارتفاع أصواتهما في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما أقبل على النبي وفد بني تميم في عام الوفود، وكان في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر و عمر والصحابة رضوان الله عليهم، فأراد الصديق أن يختار النبي صلى الله عليه وسلم على وفد بني تميم أميراً، وأراد عمر بن الخطاب أن يختار النبي على وفد بني تميم أميراً آخر.
فقال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: ( يا رسول الله! أمر عليهم القعقاع بن معبد ).
وقال عمر رضوان الله عليه: ( لا يا رسول الله! بل أمر عليهم الأقرع بن حابس )، فالتفت الصديق إلى عمر ، وقال له : ما أردت إلا خلافي يا عمر ! فالتفت عمر إلى الصديق وقال: والله ما أردت خلافك يا أبا بكر ! هذا هو الحوار كله دون زيادة أو نقصان، فأنزل الله الآية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ } [الحجرات:2].
قال الصديق رضوان الله عليه بعدما سمعها: ( والله لقد آليت على نفسي يا رسول الله! ألا أكلمك بعد اليوم إلا كأخي السرار ) أي: كمن يكلم آخر بسر لا يسمعه من بجواره، أما عمر فقد جاء في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يكلم عمر بعد ذلك حتى يستفهمه لانخفاض صوت عمر .
انظر إلى الأدب! وانظر إلى الإجلال والتوقير من الصحابة رضوان الله عليهم للبشير النذير صلى الله عليه وسلم.
وهناك صحابي آخر -وحديثه في الصحيحين- اسمه ثابت بن قيس رضوان الله عليه، ظن أن هذه الآية نزلت فيه! وكان ثابت بن قيس لا يسمع إلا بصعوبة، ومن المعلوم أن من يسمع بعسر يرفع صوته، ويخيل إليه أنه لا يسمع الآخرين إلا بنفس ما يريد أن يسمعوه به، فكان يرفع صوته، فحبس نفسه في البيت اختياراً، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين ثابت بن قيس ؟ قالوا: يا رسول الله! نأتيك بخبره، وذهب أحد
{2622}
الصحابة إليه فأخبره، فقال: لقد حبط عملي، وحبط جهادي، وهذه الآيات قد نزلت فيّ؛ لأنني أرفع صوتي على رسول الله، فعاد هذا الصحابي الجليل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بما قال ثابت ، فقال له النبي: ( لا، بل ارجع إليه وقل له: لست منهم )، وبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، ( قل له: يقول لك رسول الله: أنت لست منهم، ويبشرك رسول الله بالجنة ).
بل ستعجب -أخي الحبيب- إذا علمت أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا لا يجيبون على النبي صلى الله عليه وسلم بما يعرفون خشية أن يخطئوا! ففي حجة الوداع سأل النبي الصحابة وهم في منى -والحديث رواه البخاري و مسلم - فقال لهم: ( أيَّ يوم هذا؟ فقال الصحابة: الله ورسوله أعلم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أليس يوم النحر؟ قالوا: بلى أي: نحن نعرف ذلك- لكن خشوا أن يجيبوا فيخطئوا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أي شهر هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس ذا الحجة؟ قالوا: بلى، قال عليه الصلاة والسلام: أيُّ بلد هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس البلد الحرام؟ قالوا: بلى، فقال صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا )، إنه الأدب الجم من أصحاب رسول الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم! روى الإمام البخاري رحمه الله عن السائب بن يزيد رضي الله عنه أنه قال: كنت في المسجد -أي: المسجد النبوي- فحصبني رجل بحصاة -يعني رماني بحصاة في المسجد النبوي- قال: فنظرت فرأيت عمر بن الخطاب ، فأشار إليّ فذهبت إليه، فقال عمر للسائب بن يزيد : ائتني بهذين الرجلين، وأشار له عمر على رجلين، فذهب السائب بن يزيد وطلب من الرجلين أن يحضرا إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه، فسألهما عمر بن الخطاب وقال: من أين أنتما؟ قالا: من الطائف، قال: والله لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما، أترفعان الصوت في مسجد رسول الله؟! لا ينبغي على الإطلاق أن يظن أحد أن رسول الله بعد موته لا يرد صلاتنا عليه وسلامنا، لا كما سأبين ذلك إن شاء الله تعالى في اللقاء المقبل بإذنه جل جلاله، بل لا ينبغي لأحد أن يرفع الصوت أو أن يسيء الأدب أو أن يجهل في المسجد النبوي بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا لا يليق بأحد يحب الله ويحب الصادق رسول الله، فالتأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم في حياته واجب، والتأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته واجب، بل ومع سنته: مع قوله، مع فعله، مع أمره، مع نهيه، مع حده.
أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا التأدب مع نبينا وحبيبنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.اهـ سلسلة إيمانيات للشيخ محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن حسان .مصدر الكتاب : دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية. جمع حميد أمين تولاه الله
أيها الناس إن من يمن هذه الأمة أن بعث فيها نبيا رحمة للعالمين وسيد المرسلين والناس أجمعين .فضله ربه وأعطاه من المراتب ما لم ينلها احد وبعثه بشريعة وسعت الناس كلهم لم يهضم فيها حق ولم يبخس فيها نصيب لأحد ولذالك لم يرق لبعض الحاقدين هذه الدرجة العليا والمرتبة الكبرى و المقام الأسمى. فجند قلمه وسخر رسومه للنيل من صاحب الشفاعة والمقام المحمود واللئيم من لايخفي ما يضمره من الحقد لأعظم رجل عرفته البشرية
هذا وإن المنصفين من الغربيين عرفوا عظمة وقيمة هذا النبي صلى الله عليه وسلم فداه أبي وأمي وأدلوابهذه الشهادة فهاك بعضهم
1ـ مهاتما غاندي : الإسلام لم ينتشر بالسيف بل بإخلاص الرسول محمد وصدقه وشجاعته.
2ـ مايكل هارت: محمد هو الوحيد في التاريخ الذي نجح على المستويين الديني والدنيوي
3ـ جورج برناردشو: لو تولى محمد أمر العالم اليوم لتمكن من حل مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة
4ـ المستشرق ميشون : بفضل تعاليم محمد لم يمس عمر بن الخطاب النصارى بسوء حين فتح القدس
5ـ غوستاف لوبون : محمد أعظم من عرفهم التاريخ
6ـ المفكر الفرنسي ألفونس دو لا مارتين : لا أحد من عظماء التاريخ يضاهي النبي محمدا .
إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد في عبقريته فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات فلم يجنوا إلا أمجاد بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانيهم لكن هذا الرجل { يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم} لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ .
{2611}
ليس هذا فقط بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة لقد صبر النبي محمد وتجلد حتى نال النصر وكان طموحه موجها بالكلية إلى هدف واحد فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه ووفاته وانتصاره حتى بعد موته كل ذلك لا يدل على الغش والخداع بل يدل على اليقين الصادق الذي أعطى هذا النبي الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين الإيمان بوحدانية الله والإيمان بمخالفة الله للحوادث وبالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية أود أن أتساءل هل هناك من هو أعظم من النبي محمد { من كتاب تاريخ تركيا . باريس.1854 277ـ276/2}
7ـ الأديب الألماني غوته : النبي محمد أعلى مثل للبشرية ولن يتقدم عليه أحد
8ـ الأديب الروسي تولستوي: شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة
9ـ المؤرخ توماس كارليل: أحب محمدا البراءة طبعه من الرياء والتصنع ولأنه لا يدعى ما ليس فيه
10ـ المستشرق الأمريكي واشنطن إيرفنغ : رحمة محمد حين فتح مكة تدل على أنه نبي مرسل
11ـ المؤرخ البلجيكي جورج سارتون : النبي محمد انتصر انتصارا لم يتح لأي نبي من قبل
12ـ الكاتبة الإنجليزية كارين أرمسترونغ : محمد حين دخل مكة لم يرغم أهلها على اعتناق الإسلام اهـ جريدة السبيل بعنوان نصرة رسول الله ص
هذا وإن للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - على أمته حقوقا عظيمة :
منها : ألا يخاطب كما يخاطب سائر الناس ، بل يخاطب باحترام وأدب ، فيقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يقال : محمد ، أو محمد بن عبد الله ، ونحو ذلك ، يقول الله تعالى : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } (1) الآية
كل أحد من الناس يقول: أنا أحب الله، فالمرتشي يقول: أنا أحب الله.
والجاهل يقول: أنا أحب الله.
والعاصي يقول: أنا أحب الله.
فهل صدقوا في حبهم؟! لقد قال الله جل وعلا: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } [آل عمران:31]، فالله تبارك وتعالى يحب أهل الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ) اتبعوا من؟ اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم: {
{2612}
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [آل عمران:31] الآية، فمن حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا أن نطيعه فيما أمر، وأن ننتهي عن كل ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وزجر.
وتدبر معي قول الله تبارك وتعالى وهو يبين هذين الحقين العظيمين للرسول صلى الله عليه وسلم في آية واحدة جامعة، فيأمر الله سبحانه وتعالى ويقول: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ) أمر، وهذا حجة على من ينكر سنة النبي عليه الصلاة والسلام ويقول: نحن يجب علينا أن نكتفي بالقرآن، ها هو القرآن يأمر الجميع أن يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى امتثال أمره: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الحشر:7] أمر من الله سبحانه وتعالى، فالرسول عليه الصلاة والسلام له أمر وله نهي، وأمر الله سبحانه وتعالى أهل الإسلام وأهل الإيمان أن يمتثلوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يجتنبوا نهيه، وأن يقفوا عند الحدود التي حدها -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- فقال: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الحشر:7].
فطاعة النبي صلى الله عليه وسلم طاعة لربه العلي، ومعصية النبي صلى الله عليه وسلم معصية لله، واقرأ معي قول الله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) هكذا، من يطع الرسول فقد أطاع الله، آية حاسمة: { وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } [النساء:80] ، وقال جل وعلا: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [آل عمران:132]، { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } [المائدة:92] (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) أي: احذروا أن لا تطيعوا أمره، واحذروا أن تخالفوه.
(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) فوظيفته صلى الله عليه وسلم أن يبلغ، وأن يؤدي ما عليه لله تبارك وتعالى من حق الدعوة والإنذار والبلاغ.
ويقول ربنا وتعالى في آية جميلة يلخص فيها ثمرة الطاعة لحبيبه صلى الله عليه وسلم: { وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [النور:56] ، وقال الله تبارك وتعالى: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب:71].
ومن أرق ما ثبت من الأحاديث الصحيحة ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى )، فهل يوجد أناس يكرهون دخول الجنة؟ نعم بنص الحديث: ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى )، والذي لا يريد أن يدخل هو حر، ( قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟! ) من الذي يكره أن يدخل الجنة؟! فقال صلى الله عليه وسلم: ( من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى )، فمسألة الزعم بأننا نحب رب العزة ونحب النبي عليه الصلاة والسلام دون أن نمتثل أمر النبي، ودون أن نجتنب نهي النبي إنما هو زعم يحتاج إلى قدم وساق، ويحتاج إلى أدلة على أرض الواقع.
{2613}
وفي صحيح البخاري من حديث جابر بن عبد الله -وهذا حديث جميل- ( أن ملائكة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم -أي: بعض الملائكة-: إنه نائم.
وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان )، وهذه من خصائص سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان إذا نام تنام عينه ولا ينام قلبه.
( جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم.
وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان.
فقال بعضهم: إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً.
قالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدبة -وليمة- وبعث داعية -أي: بعث داعية يدعو الناس ليدخلوا الدار وليأكلوا من المأدبة- فمن أجاب الداعية دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعية لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة.
فقال بعض الملائكة: أولوها له يفقهها -أي: وضحوا له الرؤية هذه وفسروا له هذا المثل- فقالوا: الدار الجنة، والداعي هو محمد، فمن أجاب الداعية -أي: من أجاب محمداً صلى الله عليه وسلم وامتثل أمره وأطاعه واجتنب نهيه وسار على طريقه- دخل الدار -أي: دخل الجنة- وأكل من المؤدبة فاستمتع بنعيمها، ومن لم يجب الداعية -أي: من أعرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن منهجه- لم يدخل الدار ) لم يدخل الجنة، ولم يستمتع بنعيمها، فمحمد فرق بين الناس أو فرق بين الناس، فمن آمن بالله ورسوله فهذا هو الذي وعده الله بالسعادة والنعيم المقيم في الدنيا والآخرة، ومن كفر بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم فهؤلاء -نعوذ بالله من الخذلان- هم أهل الشقاء والضلال في الدنيا والآخرة، حتى وإن اغتر بعض الناس بسعادة وهمية لهؤلاء المجرمين من الكفرة بالدنيا، لا والله، فقد صدق ربي إذ يقول: { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى } [طه:123-127]، فشعار المؤمن الصادق أن يقول لله ولرسوله القالة الجميلة قالة السابقين الأولين: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [البقرة:285].
اهـ سلسلة إيمانيات للشيخ : محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن حسان
أول الحقوق :: سؤال الله الوسيلة له - صلى الله عليه وسلم - ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم - : « ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا ه
و ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ») رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما
{2614}
ثاني الحقوق: : الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - ، وهي في الصلاة واجبة ، بل عدها بعض العلماء ركنا لا تصح الصلاة إلا بها .
وتتأكد عند ذكره - صلى الله عليه وسلم - ، ويوم الجمعة ، وليلتها ، وعند الدعاء ، إلى غير ذلك .
قال الله - عز وجل - : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } سورة الأحزاب الآية 56من حقوق النبي عليه الصلاة والسلام علينا أن نصلي ونسلم عليه، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( من صلى علي صلاةً؛ صلى الله عليه بها عشراً ) وهذا من حقوقه علينا، قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [الأحزاب:56]، فنحن مأمورون بالصلاة على الحبيب، وهذا من أعظم حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا، وأنت الرابح؛ يقول الحبيب: ( من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً )، والحديث رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو .
ومن الأحاديث الجميلة ما رواه الإمام أحمد والإمام أبو داود وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، وإن صلاتكم معروضة علي فيه؛ فأكثروا علي من الصلاة فيه، قالوا: كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟! يعني: بليت- فقال: إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء ).
فيجب علينا أن نجعل ورداً يومياً للصلاة والسلام على الحبيب صلى الله عليه وسلم، وألا نغفل عن أن نسأل الله عز وجل الوسيلة لنبيه صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي؛ فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً؛ ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ، وأرجو أن أكون أنا هو؛ فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي ).
مداخلة: بعد ما سمعنا حق الرسول صلى الله عليه وسلم علينا، فعلينا أن نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، ونأتمر بأمره، وننتهي عن نهيه، ونحب الرسول صلى الله عليه وسلم أشد من حبنا لأنفسنا، وأولادنا، وأموالنا، وإذا كانت نفسي تأمرني بشيء، والرسول صلى الله عليه وسلم يأمرني بشيء آخر، فعلي أن أقدم ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم على ما تهواه نفسي.اهـسلسلة إيمانيات: للشيخ \محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن حسان
ثالث الحقوق\ محبته - صلى الله عليه وسلم - ونصرته وموالاته وتعظيمه ، وبعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - تكون النصرة لسنته صلى الله عليه وسلم .
فدليل محبته - صلى الله عليه وسلم - قوله - صلى الله عليه وسلم - : « فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده » صحيح البخاري ] ( 1 \ 9 ) ،
{2615}
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه) وفي حديث أنس عنه - صلى الله عليه وسلم - : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين » متفق عليه) [ صحيح مسلم وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما » صحيح البخاري ] ( 1 \ 9 ، 10 ) و ( 8 \ 56 ) ، واللفظ له ، [ صحيح مسلم ] ( 1 \. . . الحديث
وتوعد الله - سبحانه - من قدم محبة أحد - كائنا من كان -
) على محبة الله ورسوله ، فقال - سبحانه - : { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } (1)
ولما « قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والله يا رسول الله ، لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا نفسي ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون عنده أحب إليه من نفسه " . قال عمر : فأنت الآن والله أحب إلي من نفسي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الآن يا عمر »( [ مسند الإمام أحمد ] ( 4 \ 336 ) واللفظ له ، و [ صحيح البخاري
ودليل النصرة والتعظيم قوله تعالى : { فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (1) وقال - سبحانه - : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } (2) { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } (3) ويقول - سبحانه - : { ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ }
ووصف طائفة من المؤمنين ، وأثنى عليهم بقوله - سبحانه - : { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } (5) ويقول - سبحانه - : { إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ } (1) ويقول - سبحانه - : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } (2)
ودليل الولاية قوله تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } (3) { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }
والخلاصة أن من حقوق النبي -صلى الله عليه وسلم- محبته، وقد ورد الأمر بها في القرآن. قال الله ـ تعالى ـ: {قُلْ إن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].
وموضع الشاهد: ما في الآية من الوعيد، لمن كانت محبته لشيء، أكثر من محبته لله ـ تعالى ـ ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، في كلمتين هما:
{2616}
أولاً: قوله: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} والتربص هنا للعقوبة، ولا تكون العقوبة إلا لترك واجب.
ثانياً: قوله: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} فقد وصفهم بالفسق؛ وذلك لا يكون إلا بفعل كبيرة فما فوقها، من كفر وشرك، لا في صغيرة.
فمن قدّم شيئاً من المحبوبات على محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو فاسق، متربص ببلية تنزل عليه.
وقد اقترنت محبته -صلى الله عليه وسلم- بمحبة الله تعالى؛ وذلك يفيد التعظيم، كاقتران طاعته بطاعة الله تعالى.
وثمة نصوص نبوية صريحة، في وجوب تقديم محبته ـ عليه الصلاة والسلام ـ على كل المحبوبات الدنيوية:
3 النص الأول:كان النبي آخذاً بيد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقال له عمر:
- «يا رسول الله! لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي.
- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا، والذي نفسي بيده! حتى أكون أحب إليك من نفسك.- فقال له عمر: فإنه الآن والله! لأنت أحب إليَّ من نفسي.- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الآن يا عمر!». [البخاري، الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبي].
النفي المؤكد بالقسم يدل على وجوب تقديم محبته ـ عليه الصلاة والسلام ـ على النفس.
فأَمْرُه بتأخير محبة النفس، وتقديم هذه المحبة النبوية عليها ـ مع كون محبة النفس جِبِلَّة في الإنسان، يقدمها على كل شيء، ولا يُلامُ على ذلك في أصل الأمر، إلا إذا تجاوز بها إلى محظور ـ دليل وجوب، لا استحباب.
إذ لا يؤمَر الإنسان بترك فِطرة فُطِرَ عليها، وليست مذمومة في أصلها، إلا إذا قادته إلى محظور. وتقديم محبة النفس على محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، تقود إلى فعل المحظورات، كما هو مجرّب، فلذا وجب التقديم.
أمر ثانٍ: النفس هالكة لولا فضل الله ـ تعالى ـ على الناس بهذا النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو سبب نجاتها، فمحبته أحق بالتقديم.3 النص الثاني:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» [البخاري، الإيمان].
هذا نص في وجوب أن يكون ـ عليه الصلاة والسلام ـ أحب إلى المرء من كل شيء دنيوي، وذلك لأمور:- كونه نفى حصول الإيمان إلا بكونه أحب شيء، والإيمان واجب، وما تعلق به فهو واجب.
- ثم إن الخطاب جاء في حق الأعيان في قوله: «أحدكم»، فكل مؤمن مخاطب بهذه المحبة.
- ثم إنه أتى بصيغة التفضيل: «أحب»، وهو صريح في تقديم محبته مطلقاً على كل شيء دنيوي. وهذه المحبة الواجبة من فرّط فيها فهو آثم مذنب، ومن قدّم عليه محبة: الآباء، أو الأبناء، أو الإخوان، أو الأزواج، أو شيء من متاع الدنيا، فهو آثم فاسق،
{2617}
مستحق للعقوبة، فقوله: «لا يؤمن أحدكم...» نفي للإيمان الواجب، بمعنى أن من فعل ذلك فقد نقص إيمانه نقصاً يستحق به الإثم والعقوبة.
فالشارع لا ينفي واجباً، ثبت وجوبه، إلا لترك واجب فيه.
والإيمان واجب، ولا ينفي بقوله: «لا يؤمن.. .» إلا لترك واجب فيه، كالصلاة لا تنفى إلا لترك واجب فيها، كقوله: «لا صلاة لمن لا وضوء له» [أخرجه أحمد].
والإثم والعقوبة متفاوت بحسب نوع التقديم:
فتارة يكون كفراً، وذلك في حالين:
- الأول: إذا كان التقديم مطلقاً، فلا يتعارض شيء مع محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا قدّم ذلك الشيء، وهكذا في كل شيء، فهذا يعبد هواه، ولا يعبد الله ـ تعالى ـ في شيء.
- الثاني: إذا كان التقديم في بعض الأحوال، لكن في أمور كفرية، ينقض بها أصل دينه، فيقدم محبة الأمور الكفرية على محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كمن نصر الكافرين على المسلمين.
- وتارة يكون كبيرة، وذلك إذا قدّم محبة الكبائر على محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فشرِبَ الخمر وزنى، ولم يطع النبي -صلى الله عليه وسلم- في نهيه عنها، فهذا قدّم محبة هذه الكبائر.- وتارة صغيرة، وذلك إذا فعل الصغائر، فقدم حبها على حبه النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وطاعتَه.< عبودية لا إلهية:وليس فوق محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا محبة الله تعالى؛ فإن محبة الله ـ تعالى ـ هي أعلى المحبوبات وأوجبها على الإطلاق، ولا يجوز أن يساوى بينه ـ تعالى ـ وبين غيره في المحبة، حتى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن محبته وإن كانت عظيمة مقدمة على المحبوبات الدنيوية، لكنها تبقى في مرتبة البشرية، لا تبلغ مرتبة الألوهية؛ فلله ـ تعالى ـ محبة تخصه تسمى: محبة التألُّه، والخلة. ويقال كذلك: المحبة الذاتية. فلا يجب محبة شيء لذاته إلا الله تعالى.
ومن هنا يُفهَم خطأ من بالغ في محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى جعله كمحبة الله تعالى، فنسب إليه خصائص الخالق سبحانه، من:- علم الغيب.- وتدبير الخلق.- ونسبة إجابة الدعوات إليه.- ودعائه والاستغاثة به من دون الله ـ تعالى ـ في قضاء الحوائج، وتفريج الكربات.- وسؤاله شيئاً لا يقدر عليه إلا الله تعالى.فإن محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن اقترنت بمحبة الله ـ تعالى ـ إلا أنها كاقتران طاعته بطاعته. أما المحبة الإلهية فشيء وراء المحبة البشرية، وما أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا ليعلّق القلوب بالله تعالى، ويخلص الناس محبتهم لله ـ تعالى ـ فلا يشركون فيها معه غيره، وهذه هي العبودية، التي قال ـ تعالى ـ فيها:ـ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، أي: ليخلصوا المحبة والخضوع والطاعة لله تعالى.
وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذا المسلك غاية التحذير، وحرص على منع كل ذريعة تفضي إلى مساواته بالله ـ تعالى ـ في المحبة، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ:
{2618}
- «لا تُطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم؛ فإنما أنا عبده، فقولوا: عبدُ الله ورسوله».ومعنى الأثر: لا تبالغوا في مدحي، وتغلوا فيّ كغلوِّ النصارى في عيسى عليه السلام.اهـ موسوعة الخطب والدروس
رابع الحقوق: التسليم له - صلى الله عليه وسلم - ، وتحكيم شرعه ، والتحاكم إليه ، والرضا به ،
والدليل قوله تعالى : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } (1)
وقال - سبحانه - في صفة المؤمنين مثنيا عليهم ومشيدا بهم : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (2)
وقال - سبحانه - واصفا المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون : { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ } (3) { وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ } (4) { وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } (5) { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (6)
وقال - سبحانه - أيضا فاضحا أمرهم ، مشددا في ترك طريقهم : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا } (1) { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا } (2)
فتحكيم شرع الله وما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل صغيرة وكبيرة ، الأفراد على أنفسهم ، وكذلك الحكام وولاة الأمر على رعاياهم ومن تحت أيديهم - واجب فرض متحتم ، لا محيد عنه لمؤمن مسلم ، بل هو من حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله
خامس الحقوق\ الاقتداء والتأسي به - صلى الله عليه وسلم - ، واتباع سنته ، والرد إليه في حياته عند التنازع ، وإلى سنته بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ، وتقديم سنته على رأي كل أحد كائنا من كان ، والحذر من مخالفته ومشاقته ومحادته صلى الله عليه وسلم .
يقول الله - عز وجل - : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } (1) ويقول - عز وجل - : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } (2)
ولما ادعى أقوام محبة الله - سبحانه - أنزل آية الامتحان في سورة آل عمران ، وهي قوله تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } (1)
{2619}
ويقول أيضا - جل وعلا - : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } (2) ويقول - عز وجل - : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (3) ويقول - سبحانه وتعالى - : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } (4) وقال - سبحانه وتعالى - : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول : قال رسول الله ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر ؟ !
وقال الشافعي - يرحمه الله - : أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أن يدعها لقول أحد .
وقال الإمام أحمد - رضي الله عنه - : عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته ، يذهبون إلى رأي سفيان ، والله تعالى يقول : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (1) أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة : الشرك ، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك . أ هـ .
هذا قول أحمد فيمن اتبع رأي سفيان ، وهو : الثوري الإمام الزاهد العابد الثقة الفقيه ، إذا كان رأيه يخالف الحديث فكيف بمن هو دونه ؟ !
ويقول الله - عز وجل - : { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } (2)
_________وقال - سبحانه - : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (1) ويقول - عز وجل - : { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ } اهـ خطب ومقالات للشيخ عبد العزيز آل الشيخ
سادس الحقوق دراسة سيرته صلى الله عليه وسلم وفهمها واستخراج العبر والعظات منها وإسقاطها على وضعنا المعاصر لأن كل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وحي ينبغي لنا إتباعه فيه .
سابع الحقوق: ومن حقه علينا أيضاً نشر سنته بين الناس وتعليمهم سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وافخارهم بنبيهم وسنته عليه السلام .
ولنتمثل بقول القائل :
وإنه مما زادني فخراً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن بعثت لي أحمداً نبياً
ثامن الحقوق\الأدب مع النبي عليه الصلاة والسلام
{2620}
من أعظم حقوق النبي عليه الصلاة والسلام علينا أن نتأدب معه بأبي هو وأمي وروحي، وأرجو ألا يظنن أحد أن التأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم كان في حضرته فقط! بل إن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته واجب من أعظم الواجبات، يجب على كل من آمن بالله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يتأدب مع الحبيب، تدبر معي واسمح لي أن أكرر بما كنت قد ذكرته لك في لقاء سابق حينما قلت: بأننا لم نر نبياً من الأنبياء إلا وقد ناداه ربنا جل وعلا باسمه المجرد، إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال الله: { يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا } [هود:48].
{ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا } [الصافات:104-105].
{ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ } [طه:11-12].
{ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } [آل عمران:55].
{ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ } [مريم:12].
{ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ } [ص:26].
{ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ } [مريم:7].
إلا المصطفى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } [الأحزاب:45]، { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ } [المائدة:41]، وينادي عليه بصفته: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا } [المزمل:1-2]، { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ } [المدثر:1-2].
وما ذكر الله اسم النبي مجرداً قط إلا مقترناً بصفة النبوة والرسالة: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ } [الفتح:29].
{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ } [آل عمران:144].
{ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ } [الأحزاب:40].
فهذا هو خطاب ملك الملوك وجبار السموات والأرض لنبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم؛ ليعلم الله جل في علاه الصحابة رضوان الله عليهم -بل وأهل الأرض جميعاً- كيف يتأدبون مع الحبيب؟ وكيف ينادونه؟ وكيف يتكلمون في حضرته؟ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ } [الحجرات:2]، إلى هذا الحد؟ نعم.
ثم يقول ربنا بعد ذلك: { إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } [الحجرات:3]، وعاب ربنا جل وعلا على أولئك الذين ينادون الحبيب صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته: يا محمد! يا محمد! اخرج إلينا، اخرج إلينا، عاب الله عليهم ذلك وقال سبحانه وتعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الحجرات:4-5].
هذه دروس في التربية، دروس من رب العزة إلى الصحابة وإلى البشر جميعاً في التأدب مع رسول الله. أدب الصحابة مع رسول الله
{2621}
كيف كان الصحابة يتعاملون مع حبيب الله جل جلاله؟ كيف كانوا يتعاملون مع أكرم نفس خلقها ربنا تبارك وتعالى؟ قال ابن عباس : ما خلق الله نفساً وما برأ نفساً هي أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، من أجل ذلك ترى القرآن يعلم الصحابة كيف يخاطبون رسول الله؟ كيف يتكلمون معه؟ كيف يتأدبون معه؟ كيف يستأذنونه؟ كيف يدخلون بيته؟ كيف يجلسون عنده؟ إن دل هذا فإنما يدل على أن قدر نبينا عند ربنا عظيم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } [الحجرات:2].
ستعجب وسيعجب إخواني إذا علموا أن هذه الآية الكريمة الجليلة قد نزلت في حق الخيرين الجليلين الكبيرين العظيمين أبي بكر و عمر ، والدليل ما رواه البخاري عن ابن أبي مليكة قال: ( كاد الخيران أن يهلكا )، لارتفاع أصواتهما في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما أقبل على النبي وفد بني تميم في عام الوفود، وكان في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر و عمر والصحابة رضوان الله عليهم، فأراد الصديق أن يختار النبي صلى الله عليه وسلم على وفد بني تميم أميراً، وأراد عمر بن الخطاب أن يختار النبي على وفد بني تميم أميراً آخر.
فقال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: ( يا رسول الله! أمر عليهم القعقاع بن معبد ).
وقال عمر رضوان الله عليه: ( لا يا رسول الله! بل أمر عليهم الأقرع بن حابس )، فالتفت الصديق إلى عمر ، وقال له : ما أردت إلا خلافي يا عمر ! فالتفت عمر إلى الصديق وقال: والله ما أردت خلافك يا أبا بكر ! هذا هو الحوار كله دون زيادة أو نقصان، فأنزل الله الآية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ } [الحجرات:2].
قال الصديق رضوان الله عليه بعدما سمعها: ( والله لقد آليت على نفسي يا رسول الله! ألا أكلمك بعد اليوم إلا كأخي السرار ) أي: كمن يكلم آخر بسر لا يسمعه من بجواره، أما عمر فقد جاء في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يكلم عمر بعد ذلك حتى يستفهمه لانخفاض صوت عمر .
انظر إلى الأدب! وانظر إلى الإجلال والتوقير من الصحابة رضوان الله عليهم للبشير النذير صلى الله عليه وسلم.
وهناك صحابي آخر -وحديثه في الصحيحين- اسمه ثابت بن قيس رضوان الله عليه، ظن أن هذه الآية نزلت فيه! وكان ثابت بن قيس لا يسمع إلا بصعوبة، ومن المعلوم أن من يسمع بعسر يرفع صوته، ويخيل إليه أنه لا يسمع الآخرين إلا بنفس ما يريد أن يسمعوه به، فكان يرفع صوته، فحبس نفسه في البيت اختياراً، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين ثابت بن قيس ؟ قالوا: يا رسول الله! نأتيك بخبره، وذهب أحد
{2622}
الصحابة إليه فأخبره، فقال: لقد حبط عملي، وحبط جهادي، وهذه الآيات قد نزلت فيّ؛ لأنني أرفع صوتي على رسول الله، فعاد هذا الصحابي الجليل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بما قال ثابت ، فقال له النبي: ( لا، بل ارجع إليه وقل له: لست منهم )، وبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، ( قل له: يقول لك رسول الله: أنت لست منهم، ويبشرك رسول الله بالجنة ).
بل ستعجب -أخي الحبيب- إذا علمت أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا لا يجيبون على النبي صلى الله عليه وسلم بما يعرفون خشية أن يخطئوا! ففي حجة الوداع سأل النبي الصحابة وهم في منى -والحديث رواه البخاري و مسلم - فقال لهم: ( أيَّ يوم هذا؟ فقال الصحابة: الله ورسوله أعلم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أليس يوم النحر؟ قالوا: بلى أي: نحن نعرف ذلك- لكن خشوا أن يجيبوا فيخطئوا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أي شهر هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس ذا الحجة؟ قالوا: بلى، قال عليه الصلاة والسلام: أيُّ بلد هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس البلد الحرام؟ قالوا: بلى، فقال صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا )، إنه الأدب الجم من أصحاب رسول الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم! روى الإمام البخاري رحمه الله عن السائب بن يزيد رضي الله عنه أنه قال: كنت في المسجد -أي: المسجد النبوي- فحصبني رجل بحصاة -يعني رماني بحصاة في المسجد النبوي- قال: فنظرت فرأيت عمر بن الخطاب ، فأشار إليّ فذهبت إليه، فقال عمر للسائب بن يزيد : ائتني بهذين الرجلين، وأشار له عمر على رجلين، فذهب السائب بن يزيد وطلب من الرجلين أن يحضرا إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه، فسألهما عمر بن الخطاب وقال: من أين أنتما؟ قالا: من الطائف، قال: والله لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما، أترفعان الصوت في مسجد رسول الله؟! لا ينبغي على الإطلاق أن يظن أحد أن رسول الله بعد موته لا يرد صلاتنا عليه وسلامنا، لا كما سأبين ذلك إن شاء الله تعالى في اللقاء المقبل بإذنه جل جلاله، بل لا ينبغي لأحد أن يرفع الصوت أو أن يسيء الأدب أو أن يجهل في المسجد النبوي بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا لا يليق بأحد يحب الله ويحب الصادق رسول الله، فالتأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم في حياته واجب، والتأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته واجب، بل ومع سنته: مع قوله، مع فعله، مع أمره، مع نهيه، مع حده.
أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا التأدب مع نبينا وحبيبنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.اهـ سلسلة إيمانيات للشيخ محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن حسان .مصدر الكتاب : دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية. جمع حميد أمين تولاه الله
لست ربوت