صور من رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للعالمين منخطب امين عبد الحميد امام وخطيب مسجد الهلالي بابن جرير رحمه الله

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية صور من رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للعالمين منخطب امين عبد الحميد امام وخطيب مسجد الهلالي بابن جرير رحمه الله

صور من رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للعالمين منخطب امين عبد الحميد امام وخطيب مسجد الهلالي بابن جرير رحمه الله

نتيجة بحث الصور عن صور الشيخ عبد الحميد امين خطيب مسجد الهلاليالحمد لله الذي بعث سيدنا محمدا رحمة للعالمين ومبشرا للمومنين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده نحمده كما يليق بجلاله ونشكره لإنعامه وإفضاله ونصلي على الرحمة المهداة والنعمة المسداة سدينا محمد بن عبد سيد الأولين والآخرين وعلى آله ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وبعد< صور من رحمة سيد الأولين للناس أجمعين >>
أيها الناس إن ربنا بعث على فترة من الرسل نبينا محمدا خاتم النبيئين ورحمة للعالمين من الخسف والمسخ والزلازل والعذاب طبقا لما أصاب الأمم الغابرة فقد قال مما رواه مسلم عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّي قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا>
فهَذَا الْحَدِيث فِيهِ مُعْجِزَات ظَاهِرَة ، وَقَدْ وَقَعَتْ كُلّهَا بِحَمْدِ اللَّه كَمَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.رأينا في فترات تاريخ الأمة الإسلامية أحيانا تجتمع فيه كل ما كان سببا لهلاك الأمم السالفة ومع ذالك لطف الله حليفها لم يطرأ ما يبيدها من الكرة الأرضية حسبما مضى وغنما ياتي العقاب خفيفا على شكل قحط غير أنه لا يَعُمّ بَلْ إِنْ وَقَعَ فَيَكُون فِي نَاحِيَة يَسِيرَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي بِلَاد الْإِسْلَام .فلله الحمد. إن خلق الرحمة وصف الله به رسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن في قوله تعالى: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، وقوله تبارك وتعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، هذا الخلق من أخلاقه العظيمة صلى الله عليه وآله وسلم التي تجلت مع كل العالمين، ليس مع المؤمنين فقط، ولكن كان رحمة لجميع الأمم وجميع العالمين، الجن والإنس والدواب والطيور والحيوانات، فالنبي صلى الله عليه وسلم رحمة لهم أجمعين. لقد آذوه واضطهدوه وهو يقول صلى الله عليه وسلم (اللهم! اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) يتمثل قول نبي سابق قال لقومه كذا. وهذا ملك الجبال جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعدما آذاه قومه فقال له: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين. فيجيب صلى الله عليه وسلم قائلاً: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً). وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: (إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطيلها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من وجد أمه من بكائه)،
قال الله تعالى :( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )(سورة التوبة آية : 128 .) ، فقد بعث الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم للناس كافة ، وهو من أنفس المؤمنين خاصة ، يعرفون حاله ، ويتمكنون من الأخذ عنه ، وهو في غاية النصح لهم ، والسعي في مصالحهم ، ويشق عليه الأمر الذي يشق عليهم ، ويحب لهم الخير ، ويسعى جاهدًا في إيصاله إليهم ، ويحرص على هدايتهم إلى الإيمان ، ويكره لهم الشر ، وهو شديد الرأفة والرحمة بهم ، أرحم بهم من والديهم ؛ ولهذا كان حقُّهُ مُقدَّمًا على سائر حقوق الخلق ، وواجب على الأمة الإيمان به ، وتعظيمه ، وتعزيره وتوقيره(وقال الله عزوجل( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا )(سورة الأحزاب آية : 6 .)، أقرب مال للإنسان نفسه ، فالرسول أولى به من نفسه ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم بذل لهم النصح والشفقة والرأفة ؛ فلذلك وجب على العبد إذا تعارض مراد نفسه مع مراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُقدِّمَ مُراد الرسول صلى الله عليه وسلم وأن لا يُعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس ، كائنًا من كان ، وأن يُقدِّم محبَّته على محبَّة الناس كلهم (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، ص659 .) .
وقال سبحانه وتعالى :(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )(سورة آل عمران آية : 159 .). وقد قال صلى الله عليه وسلم{ اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه ، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به } (مسلم الإمارة (1828) ، أحمد (6/258) .) وقالصلى الله عليه وسلم{ أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاءً فعلينا قضاؤُهُ ، ومن ترك مالًا فهو لورثته } (البخاري الفرائض (6350)
جاءفي منتدى أهل الحديث وغيره ما هذا مختصره \:التعريف اللغوي للرحمة :قال ابن منظور: رحم: الرحمة: الرقة والتعطف...والمغفرة.وفي الشرع: اسم جامع للعطف والشفقة ورقة القلب والمغفرة والإحسان والصلة ولين المعاملة.: هذه الرحمة هي التي كان يدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإتصاف بها، ويحث عليها ونجد هذا التوجيه النبوي في كثير من أحاديثه عليه الصلاة والسلام من ذلك:
1- ما روى البخاري ومسلم عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:̏ من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل˝ وزاد أحمد:̏ ومن لا يغفر لا يغفر له̏ وفي رواية الطبراني:̏ من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء˝.
2- روى أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:̏ الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء˝.
3- روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:̏ لا تنزع الرحمة إلا من شقي˝.
4- روا الحاكم في المستدرك عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:̏ لن تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على ما تحابوا عليه، قالوا بلى يا رسول الله، قال: أفشوا السلام بينكم تحابوا، والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تراحموا، قالوا: يارسول الله، كلنا رحيم، قال: إنه ليس برحمة أحدكم، (أي صاحبه) ولكن رحمة العامة، رحمة العامة.˝
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث عليها فحسب بل كان متصفا بها مجبولا عليها قبل البعثة، وازدادت بعدها فيه، وهذا مصداق قول الله عز وجل:̏ فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك...̏، ثم إن الله سبحانه وتعالى وصف حرصه عليه الصلاة والسلام ورأفته ورحمته بالمؤمنين فقال:̏ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم˝، واختصر ربنا جل وعلا بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته بكلمة واحدة فقال:̏ وما أرسلناك إلا رحمة للعاملين˝، وقال سبحانه:̏ إنا كنا مرسلين رحمة من ربك˝ ، لو علم الخلق قدرها وأيقنوا عظمتها لما حادوا عنها ولا استبدلوها بغيرها، ولعاشوا في كنف الخير ورغد العيش، وقد صدق ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله كما في مسند الدارمي من حديث أبي هريرة:̏ يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة ˝ وقد سماه ربه بنبي الرحمة كما أخبرنا عن نفسه وهو يعدد أسماءه التي سماه الله بها فقال كما في صحيح مسلم من حديث أبي موسى:̏ أنا محمد وأحمد والمقفّي والحاشر ونبي التوبة، ونبي الرحمة ˝،
بل كان عليه الصلاة والسلام – بأبي هو وأمي وروحي – أرحم من الأم والأب .
إذ سكنات النبي صلى الله عليه وسلم وحركاته وأقواله وأفعاله وتصرفاته كلها كان مبعثها وأساسها رحمته صلى الله عليه وسلم،
وقد تعددت صور الرحمة في حياته عليه السلام، فشملت الكبار والصغار والنساء والرجال والعبيد والأحرار والمساكين والضعفاء والأهل والأقارب والأباعد بل حتى الأبرار والفجار والمسلمين والكفار، والحيوان والجماد، كان صلى الله عليه وسلم رحمة حال السلم والحرب وحال السفر والحضر، حال الشدة والرخاء والعسر واليسر والفرح والحزن، والرضا والغضب، كان بكل شيء رحيما بالإنس والجن والحيوان والجماد، تشريعه رحمة ومبعثه رحمة وقرآنه رحمة، ودعوته رحمة، تبسمه رحمة وبكاؤه رحمة وحياته كلها رحمة، بل حتى موته رحمة،
وبيان ذلك فيما روى مسلم عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:̏ إن الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها ، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر، فأقر عينيه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره ˝ وهذا أول ما نذكره من صور الرحمة وهو:
أولا>>- رحمته بأمته عموما: من رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته تبليغ الرسالة وأداء الأمانة والنصح للأمة، فما ترك خيرا إلا دل عليه وما ترك شرا إلا حذر منه، قال الله عز وجل:̏ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ˝ عزيز عليه ما عنتم، أي: يشق عليه ما تلقون من المكروه والعنت، حريص عليكم، أي: على إيمانكم وصلاح شأنكم، ويبين هذا ما أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبه:̏ أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي، >>˝
وإن سيدنا محمدا دعا ربه أن يقلب لعنه وسبه وجلده لأفراد من أمته كفارة ورحمة وقربة وصلاة لهم، فقد روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ شَتَمْتُهُ لَعَنْتُهُ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ>>، وورد الحديث بألفاظ أخرى تؤدي نفس المعنى الذي ذكر.
وإن من أعظم صور رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته، موقفه يوم القيامة أمام ربه وخالقه، يستشفع لأمته، والرب قد غضب غضبا شديدا روى البخاري < عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَشَ مِنْهَا نَهْشَةً ثُمَّ قَالَ أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنْ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ فَيَقُولُ النَّاسُ أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُولُونَ لَهُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ آدَمُ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي......... فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ عِيسَى إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتِمُ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى
ثانيا>>- رحمته في تشريعاته: فكثيرا ما كان يدع الشيء مخافة أن يفرض أو يتحرى به الخلوة، كما ثبت ذلك عن أم المؤمنين عائشة:̏ وما خير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ˝وكما ثبت في موطأ مالك عن عائشة، وكان يدفع المشقة عن أمته ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وكان يقول كما في الموطأ وصحيح مسلم:̏ ذروني ما تركتكم ˝ وفي الموطإ أيضا:̏ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ
.. وإن الصلاة قد فرضت خمسين، فما زال عليه الصلاة والسلام يراجع ربه في التخفيف حتى صارت خمسا في الأداء وخمسين في الأجر والثواب، ومن ذلك أيضا صلاة التراويح التي تركها خشية الوجوب، ومن ذلك شربه في السفر وإفطاره، ومن ذلك قوله في الحج كما في الصحيحين:̏ لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم˝ ولم يكن رحيما في تشريعاته فحسب بل وفي تبليغها أيضا وهي الصورة الثالثة.
ثالثا- رحمته في دعوته صلى الله عليه وسلم: ففي صحيح مسلم عن أَنَس بْن
مَالِكٍ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْ مَهْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَمَرَ رَجُلًا مِنْ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ>..وروى البخاري \\ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ>

في الفتح قَوْله : " لَا تُزْرِمُوهُ "بِضَمِّ أَوَّله وَسُكُون الزَّاي وَكَسْر الرَّاء مِنْ الْإِزْرَام ، أَيْ لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَوْله ، يُقَال : زُرِمَ الْبَوْل إِذَا اِنْقَطَعَ وَأَزْرَمْتُهُ قَطَعْته ، وَكَذَلِكَ يُقَال فِي الدَّمْع .وروى مسلم أيضا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي قَالَ إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم>> ففي الحديث سنية الرفق في التعليم وتبليغ النص برفق ليقبله المخالف وهناك من الدعاة من ينفرون الناس بسبب إبلاغهم المشحون بالعنف والقسوة
˝ وحتى إن العصاة من أمته الذين يخالفون بعض تعاليمه وأوامره فإنه يأخذهم بالرفق واللين والرحمة وهي الصورة الرابعة.
رابعا- رحمته بالعصاة من أمته صلى الله عليه وسلم: وقد رأينا تصرف النبي صلى الله عليه وسلم قبل وقوع المعصية مع الشاب الذي استأذنه في الزنا،.روى أحمد \ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا مَهْ مَهْ فَقَالَ ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ فَجَلَسَ قَالَ أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ>
ومن أمثلة رحمته بالعصاة ذالك الذي وقع على امرأته فعرض عليه الكفارة فزعم أنه غير مستطيع فأعطاه عطاء يكفر به عن غلطه فادعى الحاجة إليه هو
ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَمَا أَهْلَكَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ قَالَ هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا قَالَ ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا قَالَ أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ
: ومن أمثلة رحمته بأصحاب المعاصي: نهيه صلى الله عليه وسلم الصحابة عن سب وشتم ولعن شارب الخمر الذي حده،النبي صلى الله عليه وسلم روى البخاري عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْعَنُوهُ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَه>
في الفتح\وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد جَوَاز التَّلْقِيب وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ فِي كِتَاب الْأَدَب ، وَهُوَ مَحْمُولٌ هُنَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَكْرَههُ ، أَوْ أَنَّهُ ذُكِرَ بِهِ عَلَى سَبِيل التَّعْرِيف لِكَثْرَةِ مَنْ كَانَ يُسَمَّى بِعَبْدِ اللَّه ، أَوْ أَنَّهُ لَمَّا تَكَرَّرَ مِنْهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْفِعْل الْمَذْكُور نُسِبَ إِلَى الْبَلَادَة فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ اِسْمُ مَنْ يَتَّصِفُ بِهَا لِيَرْتَدِعَ بِذَلِكَ . وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ كَافِرٌ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْ لَعْنِهِ وَالْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ لَهُ . وَفِيهِ أَنْ لَا تَنَافِيَ بَيْن اِرْتِكَاب النَّهْي وَثُبُوت مَحَبَّة اللَّه وَرَسُوله فِي قَلْب الْمُرْتَكِب لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُوله مَعَ وُجُود مَا صَدَرَ مِنْهُ . وَأَنَّ مَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الْمَعْصِيَةُ لَا تُنْزَعُ مِنْهُ مَحَبَّةُ اللَّهِ وَرَسُوله ، وَيُؤْخَذ مِنْهُ تَأْكِيدُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ نَفْي الْإِيمَان عَنْ شَارِب الْخَمْر لَا يُرَاد بِهِ زَوَاله بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ نَفْيُ كَمَالِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون اِسْتِمْرَار ثُبُوت مَحَبَّة اللَّه وَرَسُوله فِي قَلْب الْعَاصِي مُقَيَّدًا بِمَا إِذَا نَدِمَ عَلَى وُقُوع الْمَعْصِيَة وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ فَكَفَّرَ عَنْهُ الذَّنْبَ الْمَذْكُورَ ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَقَع مِنْهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ بِتَكْرَارِ الذَّنْبِ أَنْ يُطْبَع عَلَى قَلْبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يُسْلَبَ مِنْهُ ذَلِكَ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ . وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ الْأَمْرِ الْوَارِدِ بِقَتْلِ شَارِب الْخَمْر إِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ إِلَى الرَّابِعَة أَوْ الْخَامِسَة ، فَقَدْ ذَكَرَ اِبْن عَبْد الْبَرّ أَنَّهُ أُتِيَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ مَرَّة ، وَالْأَمْر الْمَنْسُوخ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيّ فِي رِوَايَة حَرْمَلَة عَنْهُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَابْن الْمُنْذِر وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ " إِذَا سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ ، ثُمَّ إِذَا سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ ، ثُمَّ إِذَا سَكِرَ فَاجْلِدْهُ ، ثُمَّ إِذَا سَكِرَ فَاقْتُلُوهُ " وَلِبَعْضِهِمْ " فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ "
، ومن ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم في التي رجمت في الزنا ̏. وقد صلى عليها" لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم،
في صحيح مسلم: عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَى فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا فَقَالَ أَحْسِنْ إِلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا فَفَعَلَ فَأَمَرَ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ فَقَالَ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى.ولا يظنن ظان أن الحدود ليست من الرحمة في شيء، بل هي عين الرحمة للأمة ولمن أقيمت عليه، فهي للناس كالتطعيم للطفل، ولو في حد الرجم
خامسا- رحمته صلى الله عليه و سلم بالمساكين و الفقراء و المحتاجين : كان صلى الله عليه و سلم إذا رأى فقيرا أو محتاجا رق قلبه و تغير لونه،روى مسلم عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوْ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ{ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ }تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ حَتَّى قَالَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ قَالَ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْء.>
وأورد الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أتته صدقة بعث بها إليهم أهل الصفة،ولم يتناول منها شيئا،و إذا أتته هدية أرسل إليهم و أصاب منها و أشركهم فيها،
سادسا- رحمته بالنساء:كثيرا ما كان صلى الله عليه و سلم يوصي بالنساء عموما فيقول.روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا>
وأوصى بالأمهات أعظم الوصايا.حين سئل من رجل ..روى البخاري\ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ>
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه و سلم قال "إتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله و استحللتم فروجهن بكلمة الله"
وأوصى بالبنات و الأخوات و رتب على الإحسان إليهن أعلى الدرجات، و جعلها من أفضل القربات،روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال،قال رسول الله صلى الله عليه و سلم"من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان، فأحسن صحبتهن، و اتقى الله فيهن فله الجنة" و في رواية "كن له حجابا من النار يوم القيامة"، و خص من النساء الأرامل بإحسان أكثر فقال.روى مسلم \ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ
سابعا\_ رحمته صلى الله عليه و سلم بالأطفال:كان يمسح رؤوسهم و يداعبهم و يسلم عليهم و يلطف بهم،روى البخاري أَبِي قَتَادَةَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ
،روى الترمذي عن أنس قال "خدمت النبي صلى الله عليه و سلم عشر سنين، فما قال لي أف قط ، و ما قال لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته، وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحسن الناس خلقا" و قال عنه صلى الله عليه و سلم كما في مسند ابي يعلى "خدمت رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر سنين، فما ضربني ضربة ولا سبني سبة، ولا إنتهرني، ولا عبس في وجهي...". و خص صلى الله عليه و سلم من بين الأطفال الأيتام و شدد في رعايتهم و رحمتهم و الرأفة بهم و حذر من إذايتهم فقال صلى الله عليه و سلم كما في صحيح الموطأ و البخاري من حديث سهل بن سعد"أنا و كافل اليتيم في الجنة هكذا، و قال بإصبعيه السبابة و الوسطى" و روى الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال "اني أحرج عليكم حق الضعيفين، اليتيم و المرأة"
.روى البخاري عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمًا وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا>
في الفتح\ فِيهِ جَوَاز الْمُمَازَحَة وَتَكْرِير الْمَزْح وَأَنَّهَا إِبَاحَة سُنَّة لَا رُخْصَة ، وَأَنَّ مُمَازَحَة الصَّبِيّ الَّذِي لَمْ يُمَيِّز جَائِزَة ، وَتَكْرِير زِيَارَة الْمَمْزُوحِ مَعَهُ . وَفِيهِ تَرْك التَّكَبُّر وَالتَّرَفُّع
ثامنا\- رحمته بالعبيد: كان صلى الله عليه و سلم يكثر من الوصية بهم خيرا،
في الصحيحين لأبي ذر رضي الله عنه"...إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده ، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه"
تاسعا\- رحمته بالمريض:كان صلى الله عليه و سلم يعود المرضى ليؤنسهم و يدعو لهم و رغب في ذلك و رتب عليه أجزل الثواب، روى البخاري عن إبن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل على أعرابي يعوده، وكان إذا دخل على مريض يعوده قال"لابأس طهور إن شاء الله" و في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعود بعض أهله يمسح بيده اليمنى و يقول " اللهم رب الناس أذهب البأس،إشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما"،
و قد عاد غلاما يهوديا،ودعاه للإسلام \ روى البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ
عاشرا- رحمته بجيرانه عليه الصلاة و السلام: كما في الصحيحين من حديث إبن عمر"و مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" ولا شك انه كان يتفقد أحوالهم و يحترم كبيرهم و يرحم صغيرهم ويكسب معدومهم و يعين ضعيفهم و يعود مريضهم. في المستدرك عنأَنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ.>
وروى مسلم \ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ>
حادي عشر- رحمته بأهل بيته صلى الله عليه و سلم:إذا كان صلى الله عليه و سلم رحيما بالبعيد و بعموم أمته، فإن حاله مع آل بيته يكون أعظم فقد قال عليه الصلاة و السلام كما في سنن إبن ماجة من حديث إبن عباس" خيركم خيركم لأهله و أنا خيركم لأهلي"، كان نعم الزوج و نعم الأب ما ضرب زوجة قط و لا خادما، كما صح عن أم المؤمنين، وكان يكون في مهنة أهله،وفي صحيح مسلم \ .عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ>
وروى البخاري عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ>
لم تقتصر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته بل تعدت إلى الكفار.
ثاني عشر- رحمته صلى الله عليه وسلم بالكافرين : قال الله عز وجل " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" قال ابن عباس في تفسيرها :" من ء امن بالله ورسوله تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة ومن لم يؤمن بالله ورسوله عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف فذلك الرحمة في الدنيا " ومصداق هذا في كتاب الله عز وجل حيث قال :"وإذ قالو اللهم ان كان هذا هو الحق من ......وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم....".
وكان صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص على إسلامهم وترك كفرهم . حتى كاد يهلك من شدة ما يجد من الأسى والأسف فعاتبه ربه فقال :" ولا يحزنك كفرهم""فلا تأس على القوم الكافرين""لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين" " فلعلك باخع نفسك على أثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا" "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" وكان صلى الله عليه وسلم يدعو الكثير منهم بالهداية و الإيمان وإن أذوه وعادوه وكذبوه وصدوا عنه ومن ذلك ما ثبت في مسلم عن أبي هريرة قال:قيل: يا رسول الله ادع على المشركين .قال :"إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة" .وروى الشيخان أن الطفيل بن عمرو الدوسي قدم وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله . إن دوسا عصت وأبت .فادع الله عليهم .فقال: "اللهم أهد دوسا وأت بهم" . ومن العجيب الذي لا يستطيعه أحد من الناس ما حدث له صلى الله عليه وسلم في الطائف من تكذيب واستهزاء وإهانة وتعذيب
روى البخاري \ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ
أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا
ومن دعاء النبي الذي دعا به يوم الطائف : [ اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتى وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى إلا من تكلني إلى بعيد يتجهمني ؟ أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك أو أن ينزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك > ]
فأرسل ربه تبارك وتعالى إليه ملك الجبال يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة وهما جبلاها اللذان هي بينهما فقال : [ لا بل أستأني بهم لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئااهـ زاد المعاد . قال محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله في بدائع الفوائد قوله << أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات // إسناده قابل للتحسين.
.وإن تعجب فعجب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي بن سلول واستغفاره له وهو المنافق البغيض الذي ما ترك دسيسة ولا كيدا إلا بذله في قتل محمد صلى الله عليه وسلم ودحر دينه روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر قال :لما توفي عبد الله ابن أبي .جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه .ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما خيرني الله" فقال: "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم...." وسأزيد على سبعين " قال إنه منافق . فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل "ولا تصلي على أحد منهم مات أبدا...."
وحتى حال قتاله لهم صلى الله عليه وسلم فقد انتهج أسلوب الرحمة. إذ القتال ليس غاية في حد ذاته إنما هو وسيلة يلجأ إليها عند عدم وجود خيار آخر وهذا ما سيذكر في النقطة الموالية.
ثالث عشر- رحمته صلى الله عليه وسلم في جهاده : في الصحيحين عن سهل بن سعد في فتح خيبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الراية علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وقال له " أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم .ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه . فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم" . كان الرسول الكريم بخلاف ما كانت عليه أعراف الحروب في ذلك العصر وفي كل عصر من الخيانة والخديعة بل كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد إنهاء الهدنة أو نقض العهد أعلم عدوه بذلك وكان صلى الله عليه وسلم إذا أمر رجلا على سرية أوصاه كما في سنن ابن ماجة في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا فقال: "اغزوا باسم الله وفي سبيل الله قاتلو من كفر بالله .اغزوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا أنت لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خلال أو فصال فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم...." ونهى صلى الله عليه وسلم عن قتل نسائهم وشيوخهم إلا المقاتلين منهم ونهى عن التعرض لرهبانهم الذين هم في صوامعهم .ونهى صلى الله عليه وسلم عن قطع الأشجار وتخريب البنايات وتحريق الزروع إلا في حالة الضرورة. وهذا رحمة منه صلى الله عليه وسلم أما الأسرى فكانت لهم معاملة خاصة. أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالإحسان إليهم وإطعامهم مما يطعمون.
رابع عشر- رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان: تعدت رحمته بني جنسه إلى الحيوانات و البهائم ففي رواية للشيخين :البخاري ومسلم واللفظ له : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا فَقَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ>
وقد أخذ بعض الصحابة فرخين لطائر يسمى الحمّرة فجعلت ترفرف وتحوم حول المكان حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم وقال كما عند أبي داود:̏ من فجع هذه بولدها، ردّوا ولدها إليها ˝، ونهى صلى الله عليه وسلم أن يتخذ الحيوان هدفا للرمي، وغرضا للعبث واللعب، وعن الوسم والكي، ومن أبين وأدل رحمة الله بالحيوان ما ثبت في سنن أبي داود عن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطا لرجل من الأنصار ، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح ذرفاه فسكت، فقال صلى الله عليه وسلم:̏ لمن هذا الجمل˝ فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي، يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم:̏ أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتُدئبُه˝ أي تتعبه.
خامس عشر\- رحمته صلى الله عليه وسلم بالجماد: كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن قطع الأشجار لغير فائدة، ومن رحمته بالجمادات ما جاء في صحيح البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا قَالَ إِنْ شِئْتِ قَالَ فَعَمِلَتْ لَهُ الْمِنْبَرَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ فَصَاحَتْ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ تَنْشَقُّ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ قَالَ بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ الذِّكْرِ
فتسكيته صلى الله عليه وسلم وضمه لها رحمة منه عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
من منتدى شبوة\ما يلي\
سادس عشر : عموم رحمته للإنس والجن والمؤمنين والكافرين والحيوان

قال الله تعالى :(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )(سورة الأنبياء آية : 107 .) ، فالمؤمنون به(صلى الله عليه وسلم) قبلوا هذه الرحمة ، وشكروها ، وغيرهم كفرها ، وبدَّلوا نعمة الله كفرًا ، وأبوا رحمة الله ونعمته (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان ، للسعدي ، ص532 ) . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( من آمن بالله واليوم الآخر كتب له الرحمة في الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن بالله ورسوله عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف )(أخرجه الطبري في تفسيره جامع البيان ، 18/552 .) .
قال الإمام الطبري رحمه الله :( أولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي رُوي عن ابن عباس : وهو أن الله أرسل نبيه محمدًا (صلى الله عليه وسلم)رحمة لجميع العالم : مؤمنهم وكافرهم ، فأما مؤمنهم فإن الله هداه به وأدخله بالإيمان به وبالعمل بما جاء به من عند الله الجنة ، وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذبة رسلها من قبله ) (جامع البيان للطبري ، 18/552 .) .
ومما يدل على أن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم عامة للعالم ؛ حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال :{ قيل : يا رسول الله ! ادعُ على المشركين ، قال : إني لم أُبعث لَعَّانًا وإنما بُعِثْتُ رحمةً }(مسلم البر والصلة والآداب (2599) .)
وحديث حذيفة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :{ أيُّما رجل من أمتي سببته سبةً أو لعنته لعنةً في غضبي ؛ فإنما أنا من ولد آدم ، أغضب كما يغضبون ، وإنما بعثني رحمة للعالمين ، فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة }(مسلم ، برقم 1955 )
وجاء في الحديث عن أبي هريرةرضى الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :{ إنما أنا رحمةٌ مهداةٌ }(الدارمي المقدمة (15) .)
وقد قال صلى الله عليه وسلم :{ أنا محمد ، وأحمد ، والمُقَفِّي ، والحاشر ، ونبي التوبة ، ونبي الرحمة }(مسلم الفضائل (2355) ، أحمد (4/395) .)
سابع عشر:رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه في الجهاد :
وقد شملت رحمته صلى الله عليه وسلم الأعداء حتى في قتالهم ومجاهدتهم ؛ فإن قوة الجهاد في سبيل الله تعالى في شريعته صلى الله عليه وسلم لها ضوابط ينبغي أن يلتزم بها المجاهدون في سبيل الله – تعالى – ومن ذلك قوله تعالى : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )(سورة البقرة آية : 190 .) ، فيدخل في ذلك ارتكاب المناهي : من المثلة ، والغلول ، وقتل النساء ، والصبيان ، والشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال ، والرُّهبان ، والمرضى ، والعُمي ، وأصحاب الصَّوامع ؛ لكن من قاتل من هؤلاء أو استعان الكفَّار برأيه قتل (انظر : المغني لابن قدامة 13/175 - 179 .) .
ويدخل في ذلك قتل الحيوان لغير مصلحة ، وتحريق الأشجار ، وإفساد الزُّروع والثِّمار ، والمياه ، وتلويث الآبار ، وهدم البيوت(انظر : تفسير ابن كثير 1/227 وعناصر القوة في الإسلام ص212 .) وقد«وُجدت امرأةٌ مقتولة في بعض مغازي رسول الله r فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان» (البخاري برقم 3014 ، ورقم 3015 ) ؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيش أوسريَّة أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا ، ثم قال : { اغزوا بسم الله في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ، ولا تُمثِّلوا ، ولا تقتلوا وليدًا ، وإذا لقيت عدوَّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال . . . }(مسلم الجهاد والسير (1731))ثم بيَّنها صلى الله عليه وسلم كالآتي :
( أ ) الإسلام والهجرة ، أو إلى الإسلام دون الهجرة ، ويكونون كأعراب المسلمين .
( ب ) فإن أبوا الإسلام دعاهم إلى بذل الجزية .
( ج ) فإن امتنعوا عن ذلك كله استعان بالله وقاتلهم مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث (زاد المعاد 3/100 ) .
ثامن عشر :وفاؤه بالعهد مع أعدائه صلى الله عليه وسلم :
من أعظم الضوابط في الجهاد الوفاء بالعهد وعدم الخيانة ؛ لقول الله تعالى :( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ )(سورة الأنفال آية : 58 .) .
فإذا كان بين المسلمين والكفار عهد أو أمان فلا يجوز للمسلمين الغدر حتى ينقضي الأمد ، فإن خاف المسلمون من أعدائهم خيانةً ، بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير تصريح منهم بالخيانة ، فيحنئذٍ يخبرهم المسلمون أنه لا عهد بيننا وبينكم حتى يستوي علم المسلمين وعلم أعدائهم بذلك .
ودلت الآية على أنه إذا وُجِدَت الخيانة المحققة من الأعداء لم يحتج أن يُنبذ إليهم عهدهم ؛ لأنه لم يُخَف منهم بل عُلم ذلك .
ودل مفهوم الآية أيضًا أنه إذا لم يُخف منهم خيانة ؛ بأن لم يوجد منهم ما يدل على ذلك ، أنه لا يجوز نبذ العهد إليهم ، بل يجب الوفاء إلى أن تتم مدته(انظر : تفسير ابن كثير 2/321 ، وتفسير السعدي 3/183 - 184 .) .
ولهذا قال سليم بن عامر : كان بين معاوية وبين الروم عهد ، وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى عهدهم غزاهم ، فجاء رجل على فرس أو بِرْذَونٍ وهو يقول : الله أكبر ، وفاء لا غدر . فنظروا فإذا عمرو بن عبسة ، فأرسل إليه معاوية – رضى الله عنه – فسأله ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(من كان بينه وبين قومٍ عهدٌ فلا يشدُّ عقدة ولا يحلها حتى ينقضيَ أمَدُها أو ينبذ إليهم على سواء )(الترمذي السير (1580) ) فرجع معاوية (أبو داود ، كتاب الجهاد ) . وهذا كلُّه يدلُّ على أن الهدف والمراد من الجهاد هو إعلاء كلمة الله عزَّ وجل .
تاسع عشر : رحمته للكبار والصبيان\\:



1 - عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال :جاء شيخٌ يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأبطأ القوم عنه أن يُوسِّعوا له فقال النبي صلى الله عليه وسلم :{ ليس مِنَّا من لم يرحم صغيرنا ، ويوقِّرُ كبيرنا }(الترمذي البر والصلة (1919) ) .
2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ليس مِنَّا من لم يرحم صغيرنا ، ويعرف شرف كبيرنا } (الترمذي البر والصلة (1920) ، أحمد (2/222) .).
العشرون:رحمتهُ للبنات\\
1 - عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{ لا يكون لأحد ثلاث بنات ، أو ثلاث أخوات ، أو بنتان ، أو أختان فيتقي الله فيهنَّ ويحسن إليهنَّ إلا دخل الجنة }(الترمذي البر والصلة (1912) ، أبو داود الأدب (5147) .) .
2 - وعن أنس رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{ مَن عال بنتين أو ثلاثًا ، أو أختين أو ثلاثًا حتى يَبِنَّ(حتى يَبِنَّ : أي ينفصلن عنه بتزويج أو موت ) أو يموت عنهن كُنتُ أنا وهو في الجنة كهاتين وأشار بأصبعه الوسطى والتي تليها } (أحمد في المسند ، 19/481 ، برقم 12498 ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ، 2/428 ) .
الواحد والعشرون :رحمته لطلاب العلم والشفقة عليهم\\
1 - عن أبي سعيد رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( سيأتيكم أقوامٌ يطلبون العلم ، فإذا رأيتموهم فقولوا : مرحبًا مرحبًا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقنوهم )قلت للحكم : ما أقنوهم ؟ قال : علِّموهم(الترمذي ، برقم 2650 ، 2651 ، وابن ماجه برقم 247 ، وحسَّنه الألباني في صحيح ابن ماجه 1/98 .) .
2 - عن مالك بن الحويرث رضى الله عنه قال :(أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شَبَبَةٌ متقاربون فأقمنا عنده عشرين يومًا وليلة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رفيقًا ، فلما ظنَّ أنَّا قد اشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا ( وفي رواية : فلما رأى شوقنا إلى أهالينا ) سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه ، قال : ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم ، وعلِّموهم ، ومروهم ، . . . وصلُّوا كما رأيتموني أصلي ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذِّن لكم أحدُكم وليؤمُّكم أكبَرُكُم )(البخاري الأذان (605) ، مسلم المساجد ومواضع الصلاة (674) ، النسائي الأذان (635) ، أحمد (5/53) ، الدارمي الصلاة (1253) .) وهذا فيه شفقة النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته لطلاب العلم .
الثاني والعشرون :رحمته للأسرى \
عن أبي موسى رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فُكُّوا العاني - يعني الأسير - وأطعموا الجائع ، وعُودوا المريض } (البخاري الجهاد والسير (2881) ) وهذا الحديث فيه رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للأسرى المسلمين ، والأمر بفَكِّهم ، والأمر بإطعام الجائع ، وعيادة المريض .
الثالث والعشرون :رحمته للمرضى والشفقة عليهم \
1 - عن أبي هريرة رضى الله عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ قيل : ما هُنَّ يا رسول الله ؟ قال : إذا لقيته فسلِّم عليه ، وإذا دعاك فأجبه ، وإذا استنصحك فانصح له ، وإذا عطس فحمد الله فشمته ، وإذا مرض فعده ، وإذا مات فاتبعه } (البخاري الجنائز (1183) ) .
2 - عن ثوبان رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{ من عاد مريضًا لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع ، قيل : يا رسول الله ! وما خرفة الجنة ؟ قال : جناها } (مسلم البر والصلة والآداب (2568) ، الترمذي الجنائز (967) ، أحمد (5/281) .).
3 - عن علي رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ما من مسلم يعودُ مسلمًا غدوة إلا صلَّى عليه سبعون ألف ملكٍ حتى يُمسي ، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يُصبح ، وكان له خريفٌ في الجنة } (الترمذي الجنائز (969) ، أبو داود الجنائز (3098) .) .
4 - عن ابن عباس رضي الله عنهما :عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { مَن عاد مريضًا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ، إلاَّ عافاه الله من ذلك المرض }(الترمذي الطب (2083) ، أبو داود الجنائز (3106) ، أحمد (1/352) .) .
وهذه الأحاديث فيها الرحمة الظاهرة من النبي r بالمرضى ، ورغبته العظيمة في نفعهم وشفائهم ، وترغيبه لأمته في العناية بالمرضى وإدخال السرور عليهم .
الرابع والعشرون:رحمتهُ للحيوان والطير والدواب\\
1 - في حديث أبي هريرة{ أن رجلًا وجد كلبًا يأكل الثرى من العطش ، فسقاه فغفر الله له ، قالوا : يا رسول الله ! وإنَّ لنا في البهائم أجرًا ؟ قال : في كُلِّ كبدٍ رطبة أجر } (البخاري المساقاة (2234)) وفي لفظ للبخاري :{ فشكر الله له فأدخله الجنة } (لبخاري الوضوء (172) ، مسلم السلام (2244) ، أبو داود الجهاد (2550) ، أحمد (2/375) ، مالك الجامع (1729) .) .
2 - عن أبي هريرةرضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ غُفِرَ لامرأة مومسةٍ مرَّت بكلبٍ على رأس ركيٍّ كاد يقتله العطش ، فنزعت خُفَّها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغُفر لها بذلك }(البخاري بدء الخلق (3143) ، أحمد (2/510) .) (البخاري برقم 3321 .) .
3 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{ عُذِّبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعًا فدخلت فيها النار ، لا هي أطعمتها ولاسقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض }(البخاري أحاديث الأنبياء (3295) ) (البخاري برقم 2365 ) .
4 - عن أنس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :{ ما من مسلم يغرس غرسًا أو زرعًا ، فيأكل منه طير ، أو إنسان ، أو بهيمة إلا كان له به صدقة }(البخاري المزارعة (2195) ) (البخاري ) .
5 - عن ابن عباس رضي الله عنهما : { أن رجلًا أضجع شاةً وهو يحدُّ شفرته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أَ تُريدُ أن تُميتَها موتاتٍ هَلاَّ أحددتَ شفرتك قبل أن تُضْجِعَهَا ؟ }(الحاكم ، 4/233 ، وصححه على شرط الشيخين ) .
6 - وعن شداد بن أوس رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{ إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَةَ ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِبْحَةَ ، وليُحِدَّ أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته }(مسلم ، برقم 1955 ) .
7 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما يرفعه قال :{ من قتل عصفورًا فما فوقها بغير حقِّها ( إلا سأله ) الله عزوجل عنها يوم القيامة قيل : يا رسول الله فما حقُّها ؟ قال : أن تذبحها فتأكلها ولا تقطع رأسها فَيُرمى بها } (النسائي الضحايا (4445) ، أحمد (2/210) .)يقول ابن باز رحمه الله :( قتل العصفور لا يجوز إذا كان للتلاعب ، أما من قتله ؛ لأكله أو الصدقة به فلا بأس )
8 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما :{ أنه مرَّ بصبيانٍ من قريش قد نصبوا طيرًا أو دجاجةً يترامونها ، وقد جعلوا لصاحب الطير كلَّ خاطئةٍ من نبلهم ، فلما رأوا ابن عمر تفرَّقَوا فقال ابن عمر : من فعل هذا ؟ لعن الله من فعل هذا ؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئًا فيه الروحُ غرضًا (الغرض : بفتح الغين المعجمة والراء : هو ما ينصبه الرماة يقصدون إصابته من قرطاس ونحوه . ( الترغيب والترهيب للمنذري ، 3/153 ) .)}(مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1958) ، أحمد (2/141) ، الدارمي الأضاحي (1973) .) .
وهذه نماذج يسيرة من أنواع رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأعدائه ، وأحبابه ، والمسلم ، والكافر ، والذكر والأنثى ، والصغير ، والكبير ، والإنس ، والحيوان ، والطير ، والنمل ، وغير ذلك كثير لا يحصر في مثل هذا المقام . فصلوات الله وسلامه عليه ما تتابع الليل والنهار . اهـ منتدى شبوة وغيرها. قال حميد أمين \ وفقه الله \هذا الموضوع جمعته من مراجع كثيرة أسأل الله أن ينفع به وأن يكون ممن ساهم في تبيان أحد أهم أخلاق سيد الخلق لنقتفي آثارها تقبل الله هذا العمل

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button