الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلامعلى سيد المرسلين وآله الغر الميامين وبعد :موضوع اليوم < أسباب خذلان...>
أيها الناس نرى ونلاحظ من خلال ما تمر به الأمة الإسلامية في القديم والحديث انها عندما تخلت عند دينها أو ضعفت فيه رأت من اساب خذلان الله لها وتخليه عنها مالا ينكره إلا مكابر أو جاهل حتى أصبحت ذليلة حقيرة في أعين عدوها يتلاعب بها كيفمكا يحلو له يصفعها فتدير له الجهة الأخرى ترى في مهانتها أنه المخلص من عثراتها وتخبطها ترى في النكاية ببني جلدتها إرضاء له ومع ذالك لن يحصل على شيء ألا ماشبه الليلة بالبارحة كفعل الشريف حسين الذي تقدم بجيوشه لقتل المسليمن ومحاربة الأتراك ومن ورائه جيوش الإنجليز طامحا بذلك أن يتولى رئاسة القومية العربية كما وعاوده بذلك وبالتالي سجنوه في جزيرة قبرص حتى مات كمدا .لقد بلغ من انحطاطنا أن ظهر في الصف المسلم من خانوا أمتهم وباعوا بلادهم للعدو وتطوعوا في جنود العدو يفتحون بلادهم كابن العلقمي قديما سلم بغداد للتتر فخانوه.كما سلمت أفغانستان للسبيات حديثا وكفعل ابن عرفة الذي تواطأ مع المستعمر ضد بلده المغرب وغيره ممن سجل التاريخ اسماءهم في القوائم السوداء وصاروا بعد حين إلى مزبلة التاريخ وحينما تركوا باب الله تركهم وانفسهم فكان ذالك سبب سقوط كثير من الحضرات كالحضارة الأموية والحضارة العباسية والحضارة الأندلسية وغير ذالك ممن طفحت بذكره كتب التاريخ .ففي المعجم الكبير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:سَيَجِيءُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَقْوَامٌ يَكُونُ وُجُوهُهُمْ وُجُوهَ الآدَمِيِّينَ، وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبَ الشَّيَاطِينِ، أَمْثَالُ الذِّئَابِ الضَّوَارِيِّ، لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ شَيْءٌ مِنَ الرَّحْمَةِ، سفَّاكُونَ لِلدِّمَاءِ، لا يَرْعَوُونَ عَنْ قَبِيحٍ، إِنْ تابَعْتَهُمْ وَارْبُوكَ، وَإِنْ تَوَارَيْتَ عَنْهُمُ اغْتَابُوكَ، وَإِنْ حَدَّثُوكَ كَذَبُوكَ، وَإِنِ ائْتَمَنْتَهُمْ خَانُوكَ، صَبِيُّهُمْ عَامِرٌ وَشابُّهُمْ شاطرٌ وَشَيْخُهُمْ لا يَأْمُرُ بِمَعْرُوفٍ وَلا يَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ، الاعْتِزَازُ بِهِمْ ذُلٌّ، وَطَلَبُ مَا فِي أَيْدِيهِمْ فَقْرٌ، الْحَلِيمُ فِيهِمْ غاوٍ، وَالآمِرُ بِالْمَعْرُوفِ فِيهِمْ مُتَّهَمٌ، الْمُؤْمِنُ فِيهِمْ مُسْتَضْعَفٌ، وَالْفَاسِقُ فِيهِمْ مُشَرَّفٌ، السُّنَّةُ فِيهِمْ بِدْعَةٌ، وَالْبِدْعَةُ فِيهِمْ سُنَّةٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِمْ شرارُهُمْ، وَيَدْعُو خِيَارُهُمْ فَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ.
الفرق بين التوفيق والخذلان التوفيق: عند أهل السنة والجماعة هو إمداد الله - عز وجل - بعونه، إمداد الله - عز وجل - العبد بعونه -يعني بإعانته- وتسديده وتيسير الأمر وبذل الأسباب المعينة عليه.فإذاً التوفيق فَضْلْ لأنَّهُ إعانة.* وأما الخذلان: فهو سلب التوفيق، فهو سلب الإعانة.يعني التوفيق إعطَاءٌ، مَنٌّ، كَرَمٌ.وأما الخذلان فهو عَدْلٌ وسلبٌ.
وأيضا مفهوم التوفيق والخذلان :ابن القيم رحمه الله يكرر كثيراً في كتبه هذا القول: ( وقد أجمع العارفون بالله: أن "التوفيق" هو أن لا يكلك الله إلى نفسك وأن "الخذلان" هو أن يخلى بينك وبين نفسك فالعبيد متقلبون بين توفيقه وخذلانه بل العبد في الساعة الواحدة ينال نصيبه من هذا وهذا ، فيطيعه ويرضيه ويذكره ويشكره بتوفيقه له ، ثم يعصيه ويخالفه ويسخطه ويغفل عنه بخذلانه له ، فهو دائر بين توفيقه وخذلانه ) [مدارج السالكين ] ، والتوفيق والخذلان هو -في الأصل- مبحث عقدي ،يندرج في مباحث القضاء والقدر ، [لمعة الاعتقاد] ، و(التوفيق عندنا يشمل شيئين:
الأول : إعانة خاصة على الإرادة أو القدرة.والثاني : إضعاف أو إبطال أو تعطيل الأسباب المثبطة عن العمل. هذا هو التوفيق عند أهل السنة.
أما الخذلان فإن الخذلان ترك العبد ونفسه ؛ أن تُتْرَكَ أنت ، تُعامَل بالعدل ، لا تُعان بإرادة ولا قُدرة ولا تُثَبَّطْ عنك الأسباب ، أو تُضْعَف ، أو تُبطَل ، أو تُعَطَّل - الأسباب المانعة - ؛ فإذا خُذِل العبد تسلطت عليه الشياطين - شياطين الإنس والجن - وتسلطت عليه الشهوات وخُذِلَ فوُكِلَ إلى نفسه) اهـ [صالح آل الشيخ-شرح العقيدة الواسطية ] ،
وايضا ما السبب في أن مليارا وخمسامئة مليون مسلم لا وزن لهم في هذه الأيام ؟ أين الخلل ؟
***********أولا>>>أسباب الخذلان\\
السبب الأول : الفساد الخلقي\ الفساد الخلقي هو صنو الفساد العقدي، وهو سبب من أسباب الخذلان.قدم وفد على عمر بن الخطاب بفتح، فقال: متى لقيتم عدوكم؟ قالوا: أول النهار؛ قال: فمتى انهزموا؟ قالوا: آخر النهار؛ فقال: إننا لله! أوقام الشرك للإيمان من أول النهار إلى آخره!! والله إن كان هذا إلا عن ذنب أحدثتموه بعدي، أوأحدثته بعدكم، ولقد استعملت يَعْلى بن أمية على اليمن أستنصر لكم بصلاحه.فالمعاصي بريد الكفر.
لقد انتشر الفساد الخلقي، فقد خرجت النساء كاسيات عاريات، واختلطن بالرجال في المدرجات، والحافلات، والاحتفالات، وانتشرت الملاهي، واستحل الغناء والموسيقى، بل أقيمت إذاعات خاصة للسماع بنوعيه الصوفي وغيره، وزينت الشوارع والمحال بالصور العاريات.فإذا أردنا النصر على الأعداء فلابد من إيقاف هذا كله، ونهي الناس عن ذلك، وردع المصرين عليه، وحبس القائمين عليه.
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
عندما سئل مالك عن الغناء قال: إنما يفعله عندنا الفساق؛ وقال عنه أحمد: ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل؛ وقد أجمعت الأمة على تحريمه، ونقل الإجماع العديد من أهل العلم، منهم ابن القيم، ومنهم ابن حجر الهيثمي، والطرطوشي المالكي، وغيرهم كثير.
السبب الثاني من أهم أسباب الخذلان والهزيمة: هو الانحراف عن الصراط المستقيم: سواء كان هذا الانحراف انحرافاً عقدياً، أو انحرافاً عملياً، يعني سواء كانت المعاصي في باب الاعتقاد: بالإلحاد في أسماء الله وصفاته.. بالشرك الأكبر والشرك الأصغر، أو كان بالردة الكاملة باعتناق المذاهب الكافرة كالشيوعية، والقومية، والعلمانية، أو كان من باب الأعمال أي المعاصي العملية.والمتتبع للقرآن يجد أن هذا هو سبب هلاك الأمم:{ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[40]}[سورة العنكبوت] . فالأمم السابقة أخذت بسبب ذنوبها، وظلمها لأنفسها، والأدلة على هذا كثيرة، وما عليك إلا أن تقرأ كتاب ربك وستجد ذلك واضحاً، وعلى سبيل المثال:
اقرأ قصة أصحاب سبأ، واقرأ قصة أصحاب السبت، واقرأ سبب إغراق قوم نوح، واقرأ سبب إهلاك قوم عاد وثمود وقوم لوط، وما حصل لقوم موسى، وما حصل لغيرهم من الأمم؛ فستجد الذنوب هي السبب في ذلك .
السبب الثالث :الانحراف العقدي وأثره: سنضرب على الانحراف في العقيدة مثلين هما شاهد حي على أن الأمة إذا انحرفت اعتقاديا،ً فإنها تضعف وتذل وتهان على الله ويتخلى الله عنها :
الشاهد الأول من القرن الرابع الهجري: فقد شهد مداً رافضياً شديداً، فقامت دول رافضية في شرق الجزيرة في البحرين والأحساء قامت دولة القرامطة، وفي بلاد فارس والعراق دولة بني بويه، وفي بلاد الشام الحمدانيون- أبو فراس الحمداني وجماعته كانوا رافضة- وفي بلاد المغرب قامت الدولة العبيدية الإسماعيلية القرمطية، والتي تسمى زوراً وبهتاناً بالدولة الفاطمية، ثم بعد ذلك انطلقت فأخذت مصر، ثم الحجاز. والقرامطة أهل البحرين وصلوا إلى الحجاز، وأخذوا في ذلك القرن الحجر الأسود وبقي عندهم اثنتان وعشرون سنة، ووصلوا إلى دمشق، ولم يبق من بلدان المسلمين سالماً من المد الرافضي إلا القليل، وأذكر لكم ما قاله الإمام ابن كثير رحمه الله في حوادث حصلت في ذلك الزمن ثم انظروا إلى تعليقاته رحمه الله على تلك الحوادث .إنه مع قيام تلك الدول الضالة الرافضية تقدم النصارى من بلاد الروم، فأخذوا بعض بلاد المسلمين، وفعلوا من الجرائم البشعة ما تقشعر له الأبدان، يذكر الحافظ ابن كثير بعض هذه الحوادث، ثم يعلق عليها، فيقول في حوادث سنة 359 للهجرة:'وفيها دخلت الروم أنطاكية فقتلوا من أهلها الشيوخ والعجائز، وسبوا من أهلها الشيوخ والأطفال نحواً من عشرين ألفاً فإنا لله وإنا إليه راجعون' ثم يعلق على ذلك بقوله:'وكل هذا في ذمة ملوك الأرض أهل الرفض الذين قد استحوذوا على البلاد وأظهروا فيها الفساد قبحهم الله'. ثم يذكر أيضاً في حوادث سنة359 هـ أيضاً أن ملك الروم فعل أعظم من ذلك في طرابلس الشام، وفي السواحل الشامية وحمص وغيرها، يقول رحمه الله :'ومكث ملك الروم شهرين يأخذ ما أراد من البلاد ويأسر ما قدر عليه، ثم عاد إلى بلده ومعه من السبي نحو مائة ألف إنسان ما بين صبي وصبية وكان سبب عوده إلى بلاده كثرة الأمراض في جيشه واشتياقهم إلى أولادهم'. تصوروا عدو من أعداء المسلمين يأتي ويأخذ مائة ألف أسير من المسلمين ولا يرجع إلا بسبب الأمراض التي فتكت بجيشه ولم يحاربه أحد من ملوك الرافضة الذين كانوا ملوك الأرض في ذلك الوقت، تذكروا ما ذكرناه في أول الموضوع أن من أسباب النصر القيادة المؤمنة، ويعلق ابن كثير على ما كان يفعله الروافض في ذلك القرن من سب الصحابة، وما يفعلونه من البدع والضلالات، فيقول في حوادث سنة 351 هـ بعد أن ذكر غارات الروم وقتلهم ما لايحصى من المسلمين قال:' وفيها كتبت العامة من الروافض على أبواب المساجد لعنة الله علي معاوية بن أبي سفيان، وكتبوا أيضا:ً ولعن الله من غصب فاطمة حقها-يعنون أبا بكر رضي الله عنه-، ومن أخرج العباس من الشورى -يعنون عمر رضي الله عنه-ومن نفى أبا ذر-يعنون عثمان رضي الله عنه- 'يقول ابن كثير رحمه الله:' رضي الله عن الصحابة وعلى من لعنهم لعنة الله' . ثم تكلم قليلاً ثم قال:'ولما بلغ ذلك جميعه معز الدولة-يقصد ابن بويه وكان رافضياً- لم ينكره ولم يغيره قبحه الله وقبح شيعته من الروافض'.انظروا إلى تعليق ابن كثير وهو المراد في هذه المحاضرة يقول:'لا جرم أن الله لا ينصر هؤلاء وكذلك سيف الدولة ابن حمدان بحلب فيه تشيع وميل إلى الروافض لا جرم أن الله لا ينصر أمثال هؤلاء، بل يديل عليهم أعداءهم لمتابعتهم أهواءهم، وتقليدهم سادتهم وكبراءهم وآباءهم، وتركهم أنبياءهم وعلماءهم، ولهذا لما ملك الفاطميون بلاد مصر والشام وكان فيهم الرفض وغيره استحوذ الإفرنج على سواحل الشام وبلاد الشام كلها حتى بيت المقدس ولم يبق مع المسلمين سوى حلب وحمص وحماة ودمشق، وجميع السواحل وغيرها مع الإفرنج والنواقيس النصرانية والطقوس الإنجيلية تضرب في شواهق الحصون والقلاع، وتكفر في أماكن الإيمان من المساجد وغيرها من شريف البقاع' - ثم بعد ذلك صور حال المسلمين-' والناس معهم في حصر عظيم وضيق من الدين وأهل هذه المدن-يقصد دمشق وحلب وحمص وحماة- التي في يد المسلمين في خوف شديد في ليلهم ونهارهم من الإفرنج فإنا لله وإنا إليه راجعون وكل ذلك من بعض عقوبات المعاصي والذنوب وإظهار سب خير الخلق بعد خير الأنبياء'.هذا نتيجة الانحراف العقائدي الذي استحوذ على هذه الأمة في القرن الرابع الهجري بل استحوذ على حكامها وقادتها في ذلك الوقت.
أما الشاهد الثاني، فأضربه لكم من عصرنا هذا: فقد هُزم العرب أمام اليهود رغم أنه لا تناسب بين العددين، ورغم ما كان يتشدق به طواغيت العصر في الشام، وفي مصر من أنهم سيلقون باليهود في البحر، وسيفعلون وسيفعلون، كان أولئك يرفعون لواء القومية، ولواء الاشتراكية، ويحاربون الإسلام وكان طاغوتهم الأكبر قد قتل سيد قطب رحمه الله قبل المعركة بسنة، ثم لما جاءت المعركة كانت إذاعاتهم ترفع النشيد الآتي تقول موجهة الخطاب لطائرات اليهود:
ميراج طيارك هرب خايف من نسر العرب
والميج علت واعتلت في الجو تتحدى القدر
هذا كانت تتغنى به إذاعة دمشق في ذلك الوقت، إذن كانت تلك الهزيمة الساحقة التي أخذ فيها ما تبقى من فلسطين، وأخذت أضعاف أرض فلسطين مثل سيناء والجولان كانت بسبب تلك القيادات الفاجرة المنحرفة التي تسلطت على رقاب المسلمين، وكانت سببا من أهم أسباب الخذلان والهزيمة
السبب الرابع : الانحراف في ناحية المعاصي العملية، وبالإمكان أن نقسمها إلى ثلاثة أقسام:
1- معاصي تؤثر أثناء المعركة: كمعصية أمر القائد في أثناء المعركة مثل ما حصل في يوم أحد لما ترك الرماة الجبل، وخالفوا أمر النبي، فحصل ما حصل مما تعرفونه.
2- معاصي تؤثر من قبل المعركة: وهذه سنطيل في الحديث عنها، فنتركها إلى الأخير.
3- وهناك معاصي تؤدي إلى ضرب الذلة على الأمة المؤمنة ضرباً مؤبداً:وهذه المعاصي تؤثر تأثيراً مباشراً في هزيمة الأمة أمام أعدائها، وقد بينها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: [إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ] حديث صحيح بمجموع طرقه، رواه أبوداود وأحمد.
والعينة نوع من أنواع الربا والربا قد انتشر الآن في بلدان المسلمين فحقت عليهم الذلة، [وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ] يعني: الإخلاد إلى الدنيا والالتفات إليها.[وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ] من أسباب ضرب الذلة، [سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا]، ليس الذل على اليهود فقط، بل الذل يضرب أيضاً على هذه الأمة إذا عصت أمر ربها، [سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ] لا يرفعه إلى متى؟ ليس إلى أن يصبح عندكم مليون جندي، ولا أن يصبح عندكم ألف طائرة، ولا أن يصبح عندكم خمسة آلاف دبابة، لا.. وإنما [حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ] فإذا رجعتم إلى دينكم يرفع الله عنكم الذلة، بهذا الشرط الوحيد، وهو أن ترجعوا إلى دينكم كله من أوله إلى آخره، لا تقولوا: هذه قشور وهذا لباب، ولا تقولوا: هذه سنن وهذه وهذه ، ولا تقولوا: هذه تفرق المسلمين إذا بحثت أمور العقائد بين السنة والروافض، أو بين السنة والأشعرية وغيرهم . بل تأخذ هذا الدين كاملاً كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه، تأخذ به كاملاً نقياً صافياً.. فعند ذلك يمنح لك النصر، ويمنح لك الظفر على العدو .ننتقل إلى المسألة الثانية:وهي المعاصي التي توعد عليها بأنها سبب من أسباب الهزيمة فمن ذلك مايلي:
1ـ أ ] الظلم: الظلم ليس سببًا من أسباب الهزيمة فحسب، بل هو سبب من أسباب هلاك الأمم وسقوط الدول، وتغير الأحوال، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلمة استقرائية ماتعة يقول:' إن الدول تبقى مع العدل وإن كانت كافرة، وتسقط مع الظلم وإن كانت مسلمة'. [انظر:السياسة الشرعية] .
2ـ ب] ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهو سبب من أسباب الهلاك ونزول العذاب، يقول الله:{ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ[116]وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ[117]}[سورة هود] . إذا كان أهلها يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا يهلكهم الله، أما إذا تركوا ذلك، وانتشرت الرذائل، وأصبحت علانية، فليسوا مهددين بالهزيمة بل بأعظم من ذلك، وهو أن يهلكهم الله، ويحل بهم العذاب، وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه: أَنَّهُ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ[105]}[سورة المائدة] . وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ] رواه الترمذي وأبوداود وابن ماجة وأحمد.
كما أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب من أسباب الاختلاف، وسبب من أسباب التفرق، وهذا من أهم أسباب الهزيمة.
3ـ ج] نقض عهد الله وعهد رسوله: فقد جاء في حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ... فذكرها، ومنها: [ وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ] حديث صحيح رواه ابن ماجة وغيره . ومن المعلوم أن العدو لن يستطيع أن يأخذ بعض ما في أيدي المسلمين من الأموال، أو من الأراضي، أو من غيرها إلا بعد أن يهزم المسلمون، ويستذلوا.
4ـ د] الغلول: والغلول المراد به أخذ مال المسلمين بغير حق : جاء في الموطأ عَنْ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:' مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبُ...' . ومن المعلوم أنه إذا ألقى الله الرعب في قلوب قوم فإنهم لن يواجهوا العدو وسيهزمون ويولون الأدبار هذا أمر لا شك فيه ..
5ـ هـ ] من المعاصي التي توعد الله عليها بأن أصحابها يهزمون ولا ينصرون، البطر والفخر والغرور والعجب: قال سبحانه:{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[47]}[سورة الأنفال]. فهذا الرياء والبطر والكبر في الأرض، ثم الصد عن سبيل الله أي: الصد عن دينه حتى ولو عن جزئية من جزئيات الدين، الصد عنها منذر بوقوع الهزيمة كما دلت عليه هذه الآيات . وكذلك العجب قال الله:{ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ[25]}[سورة التوبة] . فلما أعجب الصحابة بأنفسهم وبكثرتهم، وقالوا: لن نغلب هذا اليوم من قلة؛ ما أغنت عنهم كثرتهم شيئاً، وبعض الروايات تقول: إن هوازن لم يتجاوزوا الثلاثة آلاف رجل . والصحابة كانوا عدة أضعاف لهوازن، ومع ذلك ولوا مدبرين لما أعجبوا بأنفسهم، ونسوا الاعتماد على ربهم عز وجل.
وهنا ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي: أنك عندما تقرأ في القرآن في أعقاب ذكر غزوات النبي؛ لا تجد أبداً أن الله يمدح المؤمنين، ويشيد ببطولاتهم، إنما يبين لهم أن هذا النصر الذي تحقق إنما هو فضل منه:{ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ[126]}[سورة آل عمران]. { وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[10]}[سورة الأنفال].بل إنك تجد أن الله ينبه المؤمنين إلى أخطاء وقعت منهم، وهم منتصرون، فيقول لهم يوم بدر:{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ...[67]}[سورة الأنفال] .{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ...} ثم قال لهم بعد:{... فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[1]}[سورة الأنفال] . كأن هذا إشارة إلى أن اختلافكم في قسمة الغنائم والأنفال ليس بجيد، فاحذروا أن تخالفوا أمر الله وأمر رسوله.فإذن: ما قال لهم لقد أحسنتم وفعلتم وفعلتم.. ما أشاد بهذه البطولات التي فعلها الصحابة يوم بدر، بل نبههم على أخطاء، وذكرهم بأن لا يعتمدوا على أنفسهم، وأن لا يعجبوا بأنفسهم، إنما النصر من عند الرب وحده لا شريك له. كذلك في أحد عندما تقرأ قصة أحد تجد أن الله نبههم على مكمن الخطأ وسبب ما حاق بهم وما حصل لهم . فالله سبحانه ينبهنا على أن المسلم دائماً يجب أن يكون خاشعاً لله، معتمداً عليه، مستنصراً به، مخلصاً له، يعلم أن النصر من عنده ليس بعدد ولا بعدة .
6>ـ من أسباب الهزيمة:الفرقة والاختلاف: تفرق المسلمين وتشتت أحوالهم سبب من أسباب الهزيمة الماحقة، يقول الله:{ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[46]}[سورة الأنفال]. وهذا الأمر بالإضافة إلى الأمر السابق وهو المعصية كان من أعظم أسباب سقوط الأندلس. ج ] من أسباب الهزيمة في تاريخنا الإسلامي: موالاة الكافرين والمنافقين، وعدم الحذر منهم: لقد حذرنا الله من ذلك تحذيراً شديداً، وأبدأ وأعاد حتى قال العلامة الشيخ حمد بن عتيق من أئمة الدعوة رحمه الله:'لم يرد في القرآن الكريم بعد الأمر بالتوحيد والنهي عن ضده أكثر من النهي عن موالاة الكافرين' . وفيآية واحد يتبين لنا حقيقة الكفار، يقول الله سبحانه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } أي: لا يقصرون فيما يفسدكم. { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} أي: أحبوا ما يشق عليكم.{ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} فما استطاعوا إخفاءها. { وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ[118]}[سورة آل عمران] ولكن أين الذين يعقلون؟لقد كان هذا هو السبب في هزيمة الدولة العباسية أمام التتار لما وثقت بالرافضي الخبيث ابن العلقمي وولته الوزارة، وكان ذلك الخبيث ممن مالأ التتار وكاتبهم من أجل أن تهدم الخلافة وتسقط الدولة، فكان ذلك وحصل له ما أراد، ولكن الله كان له بالمرصاد، فجازاه ملك التتار أن قتله، وقال له: أنت لا تستحق أن يثق فيك، فقتله شر قتلة، وما أكثر أمثال ابن العلقمي في هذه العصور .
قد يندس شياطين الإنس من المنافقين في صفوف المؤمنين، ولا يميزهم المؤمنون، فمن رحمة الله بالمؤمنين أن تتوالى الابتلاءات على المؤمنين، فتكشف حقيقة المنافقين، وتميز الصف المؤمن وتطهره من هؤلاء المندسين حتى يتميز الصف، ويصبح مؤمناً خالصاً، وما هذه الابتلاءات التي حصلت لإخواننا المجاهدين في أفغانستان سابقاً ولا حقاً إلا فيما نحسب من هذا الباب، ليميز الله الصفوف فتتساقط الأوراق المندسة التي لا يستطيع المؤمن أن يكشفها لتظاهرها بالإيمان.
8>ـ ] ومن أهم أسباب الهزيمة: ترك إعداد العدة والإخلاد إلى الدنيا وملذاتها والإغراق في اللهو وطلب الراحة مما يجعل الإنسان لا يستطيع أن يدخل المعركة، ولا أن يواجه العدو .
هذه بعض أسباب الهزيمة التي مرت في التاريخ الإسلامي، وهي ليست كلها، ولو تتبعت واستقرأها شخص من بطون كتب التاريخ لوجدها أضعاف ما ذكرنا أضعافاً كثيرة، ولكن حسبنا أن نذكر الأهم والأقل يدل على الأكثر .من محاضرة:' أسباب النصر والهزيمة في التاريخ الإسلامي' للشيخ/ بشر البشر.اهـ موسوعة الخطب
السبب الخامس من أسباب الخذلان عن الطاعة والحق والخير:كفر النعمة ، وإنكار فضل الله وجحد عظيم منّته تعالى ، و(عدم صلاحية المحل وأهليته وقبوله للنعمة بحيث لو وافته النعم لقال هذا لي ، وإنما أوتيته لأني أهله ومستحقه كما قال تعالى: " قال إنما أوتيته على علم عندي " أي على علم علمه الله عندي أستحق به ذلك وأستوجبه وأستأهله .
وذكر عبد الله بن الحارث بن نوفل سليمان بن داود فيما أوتي من الملك ، ثم قرأ قوله تعالى: " هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر " ولم يقل هذا من كرامتي ، ثم ذكر قارون وقوله: " إنما أوتيته على علم عندي " يعني أن سليمان رأى ما أوتيه من فضل الله عليه ومنته وأنه ابتلي به فشكره، وقارون رأى ذلك من نفسه واستحقاقه ، وكذلك قوله سبحانه: " ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي " أي أنا أهله وحقيق به فاختصاصي به كاختصاص المالك بملكه.فإذا علم الله سبحانه هذا من قلب عبد فذلك من أعظم أسباب خذلانه وتخليه عنه، فإن محله لا تناسبه النعمة المطلقة التامة كما قال تعالى" إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون " فأخبر سبحانه أن محلهم غير قابل لنعمته ، ومع عدم القبول ففيهم مانع يمنع آخر يمنع وصولها إليهم وهو توليهم وإعراضهم إذا عرفوها وتحققوها ) [ابن القيم-الفوائد ] .
السبب السادس من أسباب الخذلان: الكبر قال تعالى : ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ) ، يقول العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره: (يتكبرون على عباد اللّه وعلى الحق، وعلى من جاء به، فمن كان بهذه الصفة، حرمه اللّه خيرا كثيرا وخذله، ولم يفقه من آيات اللّه ما ينتفع به، بل ربما انقلبت عليه الحقائق، واستحسن القبيح ) .
السبب السابع من أسباب الخذلان المعاصي قال تعالى : ( وإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ) ، وهذا السعدي رحمه الله في إلماحة رائعة يختم تفسيره بدعاء رائق: (ونسأله تعالى أن يتم نعمته، وأن يعفو عنا ذنوبًا لنا حالت بيننا وبين كثير من بركاته، وخطايا وشهوات ذهبت بقلوبنا عن تدبر آياته!) ، (ف لو طهرت منا القلوب وصفت الأذهان وزكت النفوس وخلصت الأعمال وتجردت الهمم للتلقي عن الله ورسوله لشاهدنا من معاني كلام الله وأسراره وحكمه ما تضمحل عنده العلوم وتتلاشى عنده معارف الخلق) [ابن القيم-إعلام الموقعين] ، وذكر ابن القيم أثناء كلامه عن بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أحد فذكر منها: (تَعْرِيفُهُمْ-أي الصحابة رضوان الله عليهم-سُوءَ عَاقِبَةِ الْمَعْصِيَةِ وَالْفَشَلِ وَالتّنَازُعِ وَأَنّ الّذِي أَصَابَهُمْ إنّمَا هُوَ بِشُؤْمِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( ولَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ ) َلَمّا ذَاقُوا عَاقِبَةَ مَعْصِيَتِهِمْ لِلرّسُولِ وَتَنَازُعِهِمْ وَفَشَلِهِمْ كَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَشَدّ حَذَرًا وَيَقَظَةً وَتَحَرّزًا مِنْ أَسْبَابِ الْخِذْلَانِ) [زاد المعاد] .
السبب الثامن من أسباب الخذلان رفض الحق أول وروده على القلب: قال تعالى ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) ( أي: ونعاقبهم، إذا لم يؤمنوا أول مرة يأتيهم فيها الداعي، وتقوم عليهم الحجة، بتقليب القلوب، والحيلولة بينهم وبين الإيمان، وعدم التوفيق لسلوك الصراط المستقيم) [السعدي-تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ] ، وهذا الرفض وإن كان من جملة المعاصي إلا أنه أفرد لكونه يدل على فساد الطوية ، وخبث النفس ، ورداءة الطبع .
السبب التاسع من أسباب الخذلان الكفر بالحق بعد اعتناقه: قال تعالى( كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ؟! ، وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .
- الحكمة من التوفيق أو الخذلان :
يقول ابن القيم رحمه الله شارحاً ما ذكر صاحب المنازل في "شهود العدل في هداية الله وفي إضلاله " : ( يريد رحمه الله بذلك أمرين:
أحدهما: تفرده بالخلق والهدى والضلال.والثاني: وقوع ذلك منه على وجه الحكمة والعدل لا بالاتفاق ولا بمحض المشيئة المجردة عن وضع الأشياء مواضعها وتنزيلها منازلها بل بحكمة اقتضت هدى من علم أنه يزكو على الهدى ويقبله ويشكره عليه ويثمر عنده ؛ فهو سبحانه ما عدل عن موجب العدل والإحسان في هداية من هدى وإضلال من أضل ولم يطرد عن بابه ولم يبعد عن جنابه من يليق به التقريب والهدى والإكرام بل طرد من لا يليق به إلا الطرد والإبعاد وحكمته وحمده تأبى تقريبه وإكرامه وجعله من أهله وخاصته وأوليائه) [مدارج السالكين]. ويقول أيضاً: (ومن أراد به شراً أمسكه عنه وخلاه ودواعي نفسه وطبعه وموجبها فصدر منه موجب الجهل والظلم من كل شر وقبيح، وليس منعه لذلك ظلماً منه [تعالى]، فإنه فضله، وليس من منع فضله ظالماً، لا سيما إذا منعه عن محل لا يستحقه ولا يليق به. وأيضا فإن هذا الفضل هو توفيقه وإرادته من نفسه أن يلطف بعبده ويوفقه ويعينه ولا يخلى بينه وبين نفسه، وهذا محض فعله وفضله، وهو سبحانه أعلم بالمحل الذي يصلح لهذا الفضل ويليق به ويثمر [فيه] ويزكو به. وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى بقوله" وَكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لّيَقُولوَاْ أهؤلاء مَنّ اللّهُ عَلَيْهِم مّن بيننا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ " ؛ فأخبر سبحانه أنه أعلم بمن يعرف قدر هذه النعمة ويشكره عليها) [طريق الهجرتين].لابن القيم
يا رب هيئ لنا من أمرنا رشدا * * * واجعل معونتك الحسنى لنا مددا.
ولا تكلنا إلى تدبير أنفــسنــــا * * * فالعبد يعجز عن إصلاح ما فسدا.
اهـ ملتقى أهل الحديث.
******ثانيا}}} أسباب التوفيق للطاعة والحق والخير:
باستقراء مجمل لإشارات الخطاب القرآني حاولت استخراج علل توفيق الله للعبد ، وأذكر ما وفّقتُ لاستنباطه كما يلي :
1- الافتقار والانكسار والتضرع وإظهار الحاجة والمسكنة ، وهو من أعظم ما يستجلب به التوفيق للعبد ، وهو لب العبودية ، وحقيقة العبادة فالعبادة كمال الحب مع كمال الذل ، تأمل هذه المعاني العظيمة في قول يوسف عليه السلام: ( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ) ، ويقرر الفخر الرازي رحمه الله يقول في كلامه عن الاستعاذة : (إن قوله :" أعوذ بالله " اعتراف بعجز النفس وبقدرة الرب ، وهذا يدل على أنه لا وسيلة إلى القرب من حضرة الله إلا بالعجز والانكسار) [مفاتيح الغيب] ، ويؤكد ابن القيم هذا المعنى بقوله: (إذا كان كل خير فأصله التوفيق ،وهو بيد العبد فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجئ والرغبة والرهبة إليه، فمتى أعطي العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له ، ومتى أضله عن المفتاح بقي باب الخير مُرْتَجًا دونه! ، وما أُتي من أُتي إلا من قِبَل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء ، ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء) [الفوائد ] ، ولابد للعبد حتى يحقق في نفسه الخضوع التام والانكسار الكامل لمقام الرب تعالى أن يملئ قلبه من تأمُل (مشهد العجز والضعف وأنه أعجز شيء عن حفظ نفسه وأضعفه ، وأنه لا قوة له ولا قدرة ولا حول إلا بربه ؛ فيشهد قلبه كريشة ملقاة بأرض فلاة تقلبها الرياح يميناً وشمالاً ، ويشهد نفسه كراكب سفينة في البحر تهيج بها الرياح وتتلاعب بها الأمواج ترفعها تارة وتخفضها تارة أخرى تجري عليه أحكام القدر ، وهو كالآلة طريحا بين يدي وليه ملقى ببابه واضعاً خده على ثرى أعتابه ، لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، ليس له من نفسه إلا الجهل والظلم ، وآثارهما ومقتضياتهما ، فالهلاك أدنى إليه من شراك نعله ، كشاة ملقاة بين الذئاب والسباع لا يردها عنها إلا الراعي ، فلو تخلى عنها طرفة عين لتقاسموها أعضاء ، وهكذا حال العبد ملقى بين الله وبين أعدائه من شياطين الإنس والجن ؛ فإن حماه منهم وكفهم عنه لم يجدوا إليه سبيلاً ، وإن تخلى عنه ، ووكله إلى نفسه طرفة عين كان نصيب من ظفر به منهم) [ابن القيم-مدارج السالكين] ، وفي السياق نفسه يلخص لنا ابن بدران الحنبلي رحمه الله هذا المعنى بعبارة جميلة فيقول: (من طرح نفسه بباب رب الأرباب لم يحتج إلى زمن طويل في فتح الأبواب) [نزهة الخاطر العاطر] ، ويزيد ذلك ويشرحه العلامة الكبير الشيخ عبدالرحمن السعدي عند تفسيره لقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ": (يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم ، وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه فهم فقراء بالذات إليه ، بكل معنى، وبكل اعتبار ، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا ، ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها) [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ] ، (ويحكى عن بعض العارفين أنه قال: دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها ، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام فلم أتمكن من الدخول ، حتى جئت باب الذل والافتقار ؛ فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه ، ولا مزاحم فيه ولا معوق!) [ابن القيم-مدارج السالكين] .
2- من أسباب توفيق الله شكره على جميع الأحوال: قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) ، وقد سبق ذكر معناها ، (وما أُتي من أُتي إلا من قِبَل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء ، ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء ) [ابن القيم-الفوائد ] .
3- الإيمان الصادق بالله تعالى: يقول سبحانه ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) والباء في قوله" بِإِيمَانِهِم" للسببية ، أي أن الله تعالى يوفق ويهدي عباده المؤمنين( فيعلمهم ما ينفعهم ، ويمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية، ويهديهم للنظر في آياته، ويهديهم في هذه الدار إلى الصراط المستقيم وفي الصراط المستقيم، وفي دار الجزاء إلى الصراط الموصل إلى جنات النعيم) [تفسير السعدي] بسبب إيمانهم بالله تعالى ، ويقول عز وجل ( إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) فنفى عنهم الهداية وهي التوفيق للحق لعدم إيمانهم ، ومن الآيات التي تقرر هذا السبب الجليل من أسباب التوفيق للهداية والحق والخير قول الحق سبحانه: ( وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) .
4- ومن أسباب التوفيق : الإخلاص : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلِصِينَ ) بكسر اللام من الإخلاص ، وهي قراءة سبعية ثابتة ، ومعنى الآية أن توفيق الله لعبده ونبيه بتجنب المعصية كان بسبب إخلاصه العبادة لله تعالى....والله تعالى أعلى وأعلم وصلى الله على من بعثه الله للخلق بشيرا ونذيرا.جمع حميد أمين .
أيها الناس نرى ونلاحظ من خلال ما تمر به الأمة الإسلامية في القديم والحديث انها عندما تخلت عند دينها أو ضعفت فيه رأت من اساب خذلان الله لها وتخليه عنها مالا ينكره إلا مكابر أو جاهل حتى أصبحت ذليلة حقيرة في أعين عدوها يتلاعب بها كيفمكا يحلو له يصفعها فتدير له الجهة الأخرى ترى في مهانتها أنه المخلص من عثراتها وتخبطها ترى في النكاية ببني جلدتها إرضاء له ومع ذالك لن يحصل على شيء ألا ماشبه الليلة بالبارحة كفعل الشريف حسين الذي تقدم بجيوشه لقتل المسليمن ومحاربة الأتراك ومن ورائه جيوش الإنجليز طامحا بذلك أن يتولى رئاسة القومية العربية كما وعاوده بذلك وبالتالي سجنوه في جزيرة قبرص حتى مات كمدا .لقد بلغ من انحطاطنا أن ظهر في الصف المسلم من خانوا أمتهم وباعوا بلادهم للعدو وتطوعوا في جنود العدو يفتحون بلادهم كابن العلقمي قديما سلم بغداد للتتر فخانوه.كما سلمت أفغانستان للسبيات حديثا وكفعل ابن عرفة الذي تواطأ مع المستعمر ضد بلده المغرب وغيره ممن سجل التاريخ اسماءهم في القوائم السوداء وصاروا بعد حين إلى مزبلة التاريخ وحينما تركوا باب الله تركهم وانفسهم فكان ذالك سبب سقوط كثير من الحضرات كالحضارة الأموية والحضارة العباسية والحضارة الأندلسية وغير ذالك ممن طفحت بذكره كتب التاريخ .ففي المعجم الكبير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:سَيَجِيءُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَقْوَامٌ يَكُونُ وُجُوهُهُمْ وُجُوهَ الآدَمِيِّينَ، وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبَ الشَّيَاطِينِ، أَمْثَالُ الذِّئَابِ الضَّوَارِيِّ، لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ شَيْءٌ مِنَ الرَّحْمَةِ، سفَّاكُونَ لِلدِّمَاءِ، لا يَرْعَوُونَ عَنْ قَبِيحٍ، إِنْ تابَعْتَهُمْ وَارْبُوكَ، وَإِنْ تَوَارَيْتَ عَنْهُمُ اغْتَابُوكَ، وَإِنْ حَدَّثُوكَ كَذَبُوكَ، وَإِنِ ائْتَمَنْتَهُمْ خَانُوكَ، صَبِيُّهُمْ عَامِرٌ وَشابُّهُمْ شاطرٌ وَشَيْخُهُمْ لا يَأْمُرُ بِمَعْرُوفٍ وَلا يَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ، الاعْتِزَازُ بِهِمْ ذُلٌّ، وَطَلَبُ مَا فِي أَيْدِيهِمْ فَقْرٌ، الْحَلِيمُ فِيهِمْ غاوٍ، وَالآمِرُ بِالْمَعْرُوفِ فِيهِمْ مُتَّهَمٌ، الْمُؤْمِنُ فِيهِمْ مُسْتَضْعَفٌ، وَالْفَاسِقُ فِيهِمْ مُشَرَّفٌ، السُّنَّةُ فِيهِمْ بِدْعَةٌ، وَالْبِدْعَةُ فِيهِمْ سُنَّةٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِمْ شرارُهُمْ، وَيَدْعُو خِيَارُهُمْ فَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ.
الفرق بين التوفيق والخذلان التوفيق: عند أهل السنة والجماعة هو إمداد الله - عز وجل - بعونه، إمداد الله - عز وجل - العبد بعونه -يعني بإعانته- وتسديده وتيسير الأمر وبذل الأسباب المعينة عليه.فإذاً التوفيق فَضْلْ لأنَّهُ إعانة.* وأما الخذلان: فهو سلب التوفيق، فهو سلب الإعانة.يعني التوفيق إعطَاءٌ، مَنٌّ، كَرَمٌ.وأما الخذلان فهو عَدْلٌ وسلبٌ.
وأيضا مفهوم التوفيق والخذلان :ابن القيم رحمه الله يكرر كثيراً في كتبه هذا القول: ( وقد أجمع العارفون بالله: أن "التوفيق" هو أن لا يكلك الله إلى نفسك وأن "الخذلان" هو أن يخلى بينك وبين نفسك فالعبيد متقلبون بين توفيقه وخذلانه بل العبد في الساعة الواحدة ينال نصيبه من هذا وهذا ، فيطيعه ويرضيه ويذكره ويشكره بتوفيقه له ، ثم يعصيه ويخالفه ويسخطه ويغفل عنه بخذلانه له ، فهو دائر بين توفيقه وخذلانه ) [مدارج السالكين ] ، والتوفيق والخذلان هو -في الأصل- مبحث عقدي ،يندرج في مباحث القضاء والقدر ، [لمعة الاعتقاد] ، و(التوفيق عندنا يشمل شيئين:
الأول : إعانة خاصة على الإرادة أو القدرة.والثاني : إضعاف أو إبطال أو تعطيل الأسباب المثبطة عن العمل. هذا هو التوفيق عند أهل السنة.
أما الخذلان فإن الخذلان ترك العبد ونفسه ؛ أن تُتْرَكَ أنت ، تُعامَل بالعدل ، لا تُعان بإرادة ولا قُدرة ولا تُثَبَّطْ عنك الأسباب ، أو تُضْعَف ، أو تُبطَل ، أو تُعَطَّل - الأسباب المانعة - ؛ فإذا خُذِل العبد تسلطت عليه الشياطين - شياطين الإنس والجن - وتسلطت عليه الشهوات وخُذِلَ فوُكِلَ إلى نفسه) اهـ [صالح آل الشيخ-شرح العقيدة الواسطية ] ،
وايضا ما السبب في أن مليارا وخمسامئة مليون مسلم لا وزن لهم في هذه الأيام ؟ أين الخلل ؟
***********أولا>>>أسباب الخذلان\\
السبب الأول : الفساد الخلقي\ الفساد الخلقي هو صنو الفساد العقدي، وهو سبب من أسباب الخذلان.قدم وفد على عمر بن الخطاب بفتح، فقال: متى لقيتم عدوكم؟ قالوا: أول النهار؛ قال: فمتى انهزموا؟ قالوا: آخر النهار؛ فقال: إننا لله! أوقام الشرك للإيمان من أول النهار إلى آخره!! والله إن كان هذا إلا عن ذنب أحدثتموه بعدي، أوأحدثته بعدكم، ولقد استعملت يَعْلى بن أمية على اليمن أستنصر لكم بصلاحه.فالمعاصي بريد الكفر.
لقد انتشر الفساد الخلقي، فقد خرجت النساء كاسيات عاريات، واختلطن بالرجال في المدرجات، والحافلات، والاحتفالات، وانتشرت الملاهي، واستحل الغناء والموسيقى، بل أقيمت إذاعات خاصة للسماع بنوعيه الصوفي وغيره، وزينت الشوارع والمحال بالصور العاريات.فإذا أردنا النصر على الأعداء فلابد من إيقاف هذا كله، ونهي الناس عن ذلك، وردع المصرين عليه، وحبس القائمين عليه.
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
عندما سئل مالك عن الغناء قال: إنما يفعله عندنا الفساق؛ وقال عنه أحمد: ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل؛ وقد أجمعت الأمة على تحريمه، ونقل الإجماع العديد من أهل العلم، منهم ابن القيم، ومنهم ابن حجر الهيثمي، والطرطوشي المالكي، وغيرهم كثير.
السبب الثاني من أهم أسباب الخذلان والهزيمة: هو الانحراف عن الصراط المستقيم: سواء كان هذا الانحراف انحرافاً عقدياً، أو انحرافاً عملياً، يعني سواء كانت المعاصي في باب الاعتقاد: بالإلحاد في أسماء الله وصفاته.. بالشرك الأكبر والشرك الأصغر، أو كان بالردة الكاملة باعتناق المذاهب الكافرة كالشيوعية، والقومية، والعلمانية، أو كان من باب الأعمال أي المعاصي العملية.والمتتبع للقرآن يجد أن هذا هو سبب هلاك الأمم:{ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[40]}[سورة العنكبوت] . فالأمم السابقة أخذت بسبب ذنوبها، وظلمها لأنفسها، والأدلة على هذا كثيرة، وما عليك إلا أن تقرأ كتاب ربك وستجد ذلك واضحاً، وعلى سبيل المثال:
اقرأ قصة أصحاب سبأ، واقرأ قصة أصحاب السبت، واقرأ سبب إغراق قوم نوح، واقرأ سبب إهلاك قوم عاد وثمود وقوم لوط، وما حصل لقوم موسى، وما حصل لغيرهم من الأمم؛ فستجد الذنوب هي السبب في ذلك .
السبب الثالث :الانحراف العقدي وأثره: سنضرب على الانحراف في العقيدة مثلين هما شاهد حي على أن الأمة إذا انحرفت اعتقاديا،ً فإنها تضعف وتذل وتهان على الله ويتخلى الله عنها :
الشاهد الأول من القرن الرابع الهجري: فقد شهد مداً رافضياً شديداً، فقامت دول رافضية في شرق الجزيرة في البحرين والأحساء قامت دولة القرامطة، وفي بلاد فارس والعراق دولة بني بويه، وفي بلاد الشام الحمدانيون- أبو فراس الحمداني وجماعته كانوا رافضة- وفي بلاد المغرب قامت الدولة العبيدية الإسماعيلية القرمطية، والتي تسمى زوراً وبهتاناً بالدولة الفاطمية، ثم بعد ذلك انطلقت فأخذت مصر، ثم الحجاز. والقرامطة أهل البحرين وصلوا إلى الحجاز، وأخذوا في ذلك القرن الحجر الأسود وبقي عندهم اثنتان وعشرون سنة، ووصلوا إلى دمشق، ولم يبق من بلدان المسلمين سالماً من المد الرافضي إلا القليل، وأذكر لكم ما قاله الإمام ابن كثير رحمه الله في حوادث حصلت في ذلك الزمن ثم انظروا إلى تعليقاته رحمه الله على تلك الحوادث .إنه مع قيام تلك الدول الضالة الرافضية تقدم النصارى من بلاد الروم، فأخذوا بعض بلاد المسلمين، وفعلوا من الجرائم البشعة ما تقشعر له الأبدان، يذكر الحافظ ابن كثير بعض هذه الحوادث، ثم يعلق عليها، فيقول في حوادث سنة 359 للهجرة:'وفيها دخلت الروم أنطاكية فقتلوا من أهلها الشيوخ والعجائز، وسبوا من أهلها الشيوخ والأطفال نحواً من عشرين ألفاً فإنا لله وإنا إليه راجعون' ثم يعلق على ذلك بقوله:'وكل هذا في ذمة ملوك الأرض أهل الرفض الذين قد استحوذوا على البلاد وأظهروا فيها الفساد قبحهم الله'. ثم يذكر أيضاً في حوادث سنة359 هـ أيضاً أن ملك الروم فعل أعظم من ذلك في طرابلس الشام، وفي السواحل الشامية وحمص وغيرها، يقول رحمه الله :'ومكث ملك الروم شهرين يأخذ ما أراد من البلاد ويأسر ما قدر عليه، ثم عاد إلى بلده ومعه من السبي نحو مائة ألف إنسان ما بين صبي وصبية وكان سبب عوده إلى بلاده كثرة الأمراض في جيشه واشتياقهم إلى أولادهم'. تصوروا عدو من أعداء المسلمين يأتي ويأخذ مائة ألف أسير من المسلمين ولا يرجع إلا بسبب الأمراض التي فتكت بجيشه ولم يحاربه أحد من ملوك الرافضة الذين كانوا ملوك الأرض في ذلك الوقت، تذكروا ما ذكرناه في أول الموضوع أن من أسباب النصر القيادة المؤمنة، ويعلق ابن كثير على ما كان يفعله الروافض في ذلك القرن من سب الصحابة، وما يفعلونه من البدع والضلالات، فيقول في حوادث سنة 351 هـ بعد أن ذكر غارات الروم وقتلهم ما لايحصى من المسلمين قال:' وفيها كتبت العامة من الروافض على أبواب المساجد لعنة الله علي معاوية بن أبي سفيان، وكتبوا أيضا:ً ولعن الله من غصب فاطمة حقها-يعنون أبا بكر رضي الله عنه-، ومن أخرج العباس من الشورى -يعنون عمر رضي الله عنه-ومن نفى أبا ذر-يعنون عثمان رضي الله عنه- 'يقول ابن كثير رحمه الله:' رضي الله عن الصحابة وعلى من لعنهم لعنة الله' . ثم تكلم قليلاً ثم قال:'ولما بلغ ذلك جميعه معز الدولة-يقصد ابن بويه وكان رافضياً- لم ينكره ولم يغيره قبحه الله وقبح شيعته من الروافض'.انظروا إلى تعليق ابن كثير وهو المراد في هذه المحاضرة يقول:'لا جرم أن الله لا ينصر هؤلاء وكذلك سيف الدولة ابن حمدان بحلب فيه تشيع وميل إلى الروافض لا جرم أن الله لا ينصر أمثال هؤلاء، بل يديل عليهم أعداءهم لمتابعتهم أهواءهم، وتقليدهم سادتهم وكبراءهم وآباءهم، وتركهم أنبياءهم وعلماءهم، ولهذا لما ملك الفاطميون بلاد مصر والشام وكان فيهم الرفض وغيره استحوذ الإفرنج على سواحل الشام وبلاد الشام كلها حتى بيت المقدس ولم يبق مع المسلمين سوى حلب وحمص وحماة ودمشق، وجميع السواحل وغيرها مع الإفرنج والنواقيس النصرانية والطقوس الإنجيلية تضرب في شواهق الحصون والقلاع، وتكفر في أماكن الإيمان من المساجد وغيرها من شريف البقاع' - ثم بعد ذلك صور حال المسلمين-' والناس معهم في حصر عظيم وضيق من الدين وأهل هذه المدن-يقصد دمشق وحلب وحمص وحماة- التي في يد المسلمين في خوف شديد في ليلهم ونهارهم من الإفرنج فإنا لله وإنا إليه راجعون وكل ذلك من بعض عقوبات المعاصي والذنوب وإظهار سب خير الخلق بعد خير الأنبياء'.هذا نتيجة الانحراف العقائدي الذي استحوذ على هذه الأمة في القرن الرابع الهجري بل استحوذ على حكامها وقادتها في ذلك الوقت.
أما الشاهد الثاني، فأضربه لكم من عصرنا هذا: فقد هُزم العرب أمام اليهود رغم أنه لا تناسب بين العددين، ورغم ما كان يتشدق به طواغيت العصر في الشام، وفي مصر من أنهم سيلقون باليهود في البحر، وسيفعلون وسيفعلون، كان أولئك يرفعون لواء القومية، ولواء الاشتراكية، ويحاربون الإسلام وكان طاغوتهم الأكبر قد قتل سيد قطب رحمه الله قبل المعركة بسنة، ثم لما جاءت المعركة كانت إذاعاتهم ترفع النشيد الآتي تقول موجهة الخطاب لطائرات اليهود:
ميراج طيارك هرب خايف من نسر العرب
والميج علت واعتلت في الجو تتحدى القدر
هذا كانت تتغنى به إذاعة دمشق في ذلك الوقت، إذن كانت تلك الهزيمة الساحقة التي أخذ فيها ما تبقى من فلسطين، وأخذت أضعاف أرض فلسطين مثل سيناء والجولان كانت بسبب تلك القيادات الفاجرة المنحرفة التي تسلطت على رقاب المسلمين، وكانت سببا من أهم أسباب الخذلان والهزيمة
السبب الرابع : الانحراف في ناحية المعاصي العملية، وبالإمكان أن نقسمها إلى ثلاثة أقسام:
1- معاصي تؤثر أثناء المعركة: كمعصية أمر القائد في أثناء المعركة مثل ما حصل في يوم أحد لما ترك الرماة الجبل، وخالفوا أمر النبي، فحصل ما حصل مما تعرفونه.
2- معاصي تؤثر من قبل المعركة: وهذه سنطيل في الحديث عنها، فنتركها إلى الأخير.
3- وهناك معاصي تؤدي إلى ضرب الذلة على الأمة المؤمنة ضرباً مؤبداً:وهذه المعاصي تؤثر تأثيراً مباشراً في هزيمة الأمة أمام أعدائها، وقد بينها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: [إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ] حديث صحيح بمجموع طرقه، رواه أبوداود وأحمد.
والعينة نوع من أنواع الربا والربا قد انتشر الآن في بلدان المسلمين فحقت عليهم الذلة، [وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ] يعني: الإخلاد إلى الدنيا والالتفات إليها.[وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ] من أسباب ضرب الذلة، [سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا]، ليس الذل على اليهود فقط، بل الذل يضرب أيضاً على هذه الأمة إذا عصت أمر ربها، [سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ] لا يرفعه إلى متى؟ ليس إلى أن يصبح عندكم مليون جندي، ولا أن يصبح عندكم ألف طائرة، ولا أن يصبح عندكم خمسة آلاف دبابة، لا.. وإنما [حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ] فإذا رجعتم إلى دينكم يرفع الله عنكم الذلة، بهذا الشرط الوحيد، وهو أن ترجعوا إلى دينكم كله من أوله إلى آخره، لا تقولوا: هذه قشور وهذا لباب، ولا تقولوا: هذه سنن وهذه وهذه ، ولا تقولوا: هذه تفرق المسلمين إذا بحثت أمور العقائد بين السنة والروافض، أو بين السنة والأشعرية وغيرهم . بل تأخذ هذا الدين كاملاً كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه، تأخذ به كاملاً نقياً صافياً.. فعند ذلك يمنح لك النصر، ويمنح لك الظفر على العدو .ننتقل إلى المسألة الثانية:وهي المعاصي التي توعد عليها بأنها سبب من أسباب الهزيمة فمن ذلك مايلي:
1ـ أ ] الظلم: الظلم ليس سببًا من أسباب الهزيمة فحسب، بل هو سبب من أسباب هلاك الأمم وسقوط الدول، وتغير الأحوال، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلمة استقرائية ماتعة يقول:' إن الدول تبقى مع العدل وإن كانت كافرة، وتسقط مع الظلم وإن كانت مسلمة'. [انظر:السياسة الشرعية] .
2ـ ب] ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهو سبب من أسباب الهلاك ونزول العذاب، يقول الله:{ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ[116]وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ[117]}[سورة هود] . إذا كان أهلها يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا يهلكهم الله، أما إذا تركوا ذلك، وانتشرت الرذائل، وأصبحت علانية، فليسوا مهددين بالهزيمة بل بأعظم من ذلك، وهو أن يهلكهم الله، ويحل بهم العذاب، وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه: أَنَّهُ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ[105]}[سورة المائدة] . وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ] رواه الترمذي وأبوداود وابن ماجة وأحمد.
كما أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب من أسباب الاختلاف، وسبب من أسباب التفرق، وهذا من أهم أسباب الهزيمة.
3ـ ج] نقض عهد الله وعهد رسوله: فقد جاء في حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ... فذكرها، ومنها: [ وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ] حديث صحيح رواه ابن ماجة وغيره . ومن المعلوم أن العدو لن يستطيع أن يأخذ بعض ما في أيدي المسلمين من الأموال، أو من الأراضي، أو من غيرها إلا بعد أن يهزم المسلمون، ويستذلوا.
4ـ د] الغلول: والغلول المراد به أخذ مال المسلمين بغير حق : جاء في الموطأ عَنْ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:' مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبُ...' . ومن المعلوم أنه إذا ألقى الله الرعب في قلوب قوم فإنهم لن يواجهوا العدو وسيهزمون ويولون الأدبار هذا أمر لا شك فيه ..
5ـ هـ ] من المعاصي التي توعد الله عليها بأن أصحابها يهزمون ولا ينصرون، البطر والفخر والغرور والعجب: قال سبحانه:{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[47]}[سورة الأنفال]. فهذا الرياء والبطر والكبر في الأرض، ثم الصد عن سبيل الله أي: الصد عن دينه حتى ولو عن جزئية من جزئيات الدين، الصد عنها منذر بوقوع الهزيمة كما دلت عليه هذه الآيات . وكذلك العجب قال الله:{ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ[25]}[سورة التوبة] . فلما أعجب الصحابة بأنفسهم وبكثرتهم، وقالوا: لن نغلب هذا اليوم من قلة؛ ما أغنت عنهم كثرتهم شيئاً، وبعض الروايات تقول: إن هوازن لم يتجاوزوا الثلاثة آلاف رجل . والصحابة كانوا عدة أضعاف لهوازن، ومع ذلك ولوا مدبرين لما أعجبوا بأنفسهم، ونسوا الاعتماد على ربهم عز وجل.
وهنا ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي: أنك عندما تقرأ في القرآن في أعقاب ذكر غزوات النبي؛ لا تجد أبداً أن الله يمدح المؤمنين، ويشيد ببطولاتهم، إنما يبين لهم أن هذا النصر الذي تحقق إنما هو فضل منه:{ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ[126]}[سورة آل عمران]. { وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[10]}[سورة الأنفال].بل إنك تجد أن الله ينبه المؤمنين إلى أخطاء وقعت منهم، وهم منتصرون، فيقول لهم يوم بدر:{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ...[67]}[سورة الأنفال] .{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ...} ثم قال لهم بعد:{... فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[1]}[سورة الأنفال] . كأن هذا إشارة إلى أن اختلافكم في قسمة الغنائم والأنفال ليس بجيد، فاحذروا أن تخالفوا أمر الله وأمر رسوله.فإذن: ما قال لهم لقد أحسنتم وفعلتم وفعلتم.. ما أشاد بهذه البطولات التي فعلها الصحابة يوم بدر، بل نبههم على أخطاء، وذكرهم بأن لا يعتمدوا على أنفسهم، وأن لا يعجبوا بأنفسهم، إنما النصر من عند الرب وحده لا شريك له. كذلك في أحد عندما تقرأ قصة أحد تجد أن الله نبههم على مكمن الخطأ وسبب ما حاق بهم وما حصل لهم . فالله سبحانه ينبهنا على أن المسلم دائماً يجب أن يكون خاشعاً لله، معتمداً عليه، مستنصراً به، مخلصاً له، يعلم أن النصر من عنده ليس بعدد ولا بعدة .
6>ـ من أسباب الهزيمة:الفرقة والاختلاف: تفرق المسلمين وتشتت أحوالهم سبب من أسباب الهزيمة الماحقة، يقول الله:{ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[46]}[سورة الأنفال]. وهذا الأمر بالإضافة إلى الأمر السابق وهو المعصية كان من أعظم أسباب سقوط الأندلس. ج ] من أسباب الهزيمة في تاريخنا الإسلامي: موالاة الكافرين والمنافقين، وعدم الحذر منهم: لقد حذرنا الله من ذلك تحذيراً شديداً، وأبدأ وأعاد حتى قال العلامة الشيخ حمد بن عتيق من أئمة الدعوة رحمه الله:'لم يرد في القرآن الكريم بعد الأمر بالتوحيد والنهي عن ضده أكثر من النهي عن موالاة الكافرين' . وفيآية واحد يتبين لنا حقيقة الكفار، يقول الله سبحانه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } أي: لا يقصرون فيما يفسدكم. { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} أي: أحبوا ما يشق عليكم.{ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} فما استطاعوا إخفاءها. { وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ[118]}[سورة آل عمران] ولكن أين الذين يعقلون؟لقد كان هذا هو السبب في هزيمة الدولة العباسية أمام التتار لما وثقت بالرافضي الخبيث ابن العلقمي وولته الوزارة، وكان ذلك الخبيث ممن مالأ التتار وكاتبهم من أجل أن تهدم الخلافة وتسقط الدولة، فكان ذلك وحصل له ما أراد، ولكن الله كان له بالمرصاد، فجازاه ملك التتار أن قتله، وقال له: أنت لا تستحق أن يثق فيك، فقتله شر قتلة، وما أكثر أمثال ابن العلقمي في هذه العصور .
قد يندس شياطين الإنس من المنافقين في صفوف المؤمنين، ولا يميزهم المؤمنون، فمن رحمة الله بالمؤمنين أن تتوالى الابتلاءات على المؤمنين، فتكشف حقيقة المنافقين، وتميز الصف المؤمن وتطهره من هؤلاء المندسين حتى يتميز الصف، ويصبح مؤمناً خالصاً، وما هذه الابتلاءات التي حصلت لإخواننا المجاهدين في أفغانستان سابقاً ولا حقاً إلا فيما نحسب من هذا الباب، ليميز الله الصفوف فتتساقط الأوراق المندسة التي لا يستطيع المؤمن أن يكشفها لتظاهرها بالإيمان.
8>ـ ] ومن أهم أسباب الهزيمة: ترك إعداد العدة والإخلاد إلى الدنيا وملذاتها والإغراق في اللهو وطلب الراحة مما يجعل الإنسان لا يستطيع أن يدخل المعركة، ولا أن يواجه العدو .
هذه بعض أسباب الهزيمة التي مرت في التاريخ الإسلامي، وهي ليست كلها، ولو تتبعت واستقرأها شخص من بطون كتب التاريخ لوجدها أضعاف ما ذكرنا أضعافاً كثيرة، ولكن حسبنا أن نذكر الأهم والأقل يدل على الأكثر .من محاضرة:' أسباب النصر والهزيمة في التاريخ الإسلامي' للشيخ/ بشر البشر.اهـ موسوعة الخطب
السبب الخامس من أسباب الخذلان عن الطاعة والحق والخير:كفر النعمة ، وإنكار فضل الله وجحد عظيم منّته تعالى ، و(عدم صلاحية المحل وأهليته وقبوله للنعمة بحيث لو وافته النعم لقال هذا لي ، وإنما أوتيته لأني أهله ومستحقه كما قال تعالى: " قال إنما أوتيته على علم عندي " أي على علم علمه الله عندي أستحق به ذلك وأستوجبه وأستأهله .
وذكر عبد الله بن الحارث بن نوفل سليمان بن داود فيما أوتي من الملك ، ثم قرأ قوله تعالى: " هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر " ولم يقل هذا من كرامتي ، ثم ذكر قارون وقوله: " إنما أوتيته على علم عندي " يعني أن سليمان رأى ما أوتيه من فضل الله عليه ومنته وأنه ابتلي به فشكره، وقارون رأى ذلك من نفسه واستحقاقه ، وكذلك قوله سبحانه: " ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي " أي أنا أهله وحقيق به فاختصاصي به كاختصاص المالك بملكه.فإذا علم الله سبحانه هذا من قلب عبد فذلك من أعظم أسباب خذلانه وتخليه عنه، فإن محله لا تناسبه النعمة المطلقة التامة كما قال تعالى" إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون " فأخبر سبحانه أن محلهم غير قابل لنعمته ، ومع عدم القبول ففيهم مانع يمنع آخر يمنع وصولها إليهم وهو توليهم وإعراضهم إذا عرفوها وتحققوها ) [ابن القيم-الفوائد ] .
السبب السادس من أسباب الخذلان: الكبر قال تعالى : ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ) ، يقول العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره: (يتكبرون على عباد اللّه وعلى الحق، وعلى من جاء به، فمن كان بهذه الصفة، حرمه اللّه خيرا كثيرا وخذله، ولم يفقه من آيات اللّه ما ينتفع به، بل ربما انقلبت عليه الحقائق، واستحسن القبيح ) .
السبب السابع من أسباب الخذلان المعاصي قال تعالى : ( وإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ) ، وهذا السعدي رحمه الله في إلماحة رائعة يختم تفسيره بدعاء رائق: (ونسأله تعالى أن يتم نعمته، وأن يعفو عنا ذنوبًا لنا حالت بيننا وبين كثير من بركاته، وخطايا وشهوات ذهبت بقلوبنا عن تدبر آياته!) ، (ف لو طهرت منا القلوب وصفت الأذهان وزكت النفوس وخلصت الأعمال وتجردت الهمم للتلقي عن الله ورسوله لشاهدنا من معاني كلام الله وأسراره وحكمه ما تضمحل عنده العلوم وتتلاشى عنده معارف الخلق) [ابن القيم-إعلام الموقعين] ، وذكر ابن القيم أثناء كلامه عن بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أحد فذكر منها: (تَعْرِيفُهُمْ-أي الصحابة رضوان الله عليهم-سُوءَ عَاقِبَةِ الْمَعْصِيَةِ وَالْفَشَلِ وَالتّنَازُعِ وَأَنّ الّذِي أَصَابَهُمْ إنّمَا هُوَ بِشُؤْمِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( ولَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ ) َلَمّا ذَاقُوا عَاقِبَةَ مَعْصِيَتِهِمْ لِلرّسُولِ وَتَنَازُعِهِمْ وَفَشَلِهِمْ كَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَشَدّ حَذَرًا وَيَقَظَةً وَتَحَرّزًا مِنْ أَسْبَابِ الْخِذْلَانِ) [زاد المعاد] .
السبب الثامن من أسباب الخذلان رفض الحق أول وروده على القلب: قال تعالى ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) ( أي: ونعاقبهم، إذا لم يؤمنوا أول مرة يأتيهم فيها الداعي، وتقوم عليهم الحجة، بتقليب القلوب، والحيلولة بينهم وبين الإيمان، وعدم التوفيق لسلوك الصراط المستقيم) [السعدي-تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ] ، وهذا الرفض وإن كان من جملة المعاصي إلا أنه أفرد لكونه يدل على فساد الطوية ، وخبث النفس ، ورداءة الطبع .
السبب التاسع من أسباب الخذلان الكفر بالحق بعد اعتناقه: قال تعالى( كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ؟! ، وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .
- الحكمة من التوفيق أو الخذلان :
يقول ابن القيم رحمه الله شارحاً ما ذكر صاحب المنازل في "شهود العدل في هداية الله وفي إضلاله " : ( يريد رحمه الله بذلك أمرين:
أحدهما: تفرده بالخلق والهدى والضلال.والثاني: وقوع ذلك منه على وجه الحكمة والعدل لا بالاتفاق ولا بمحض المشيئة المجردة عن وضع الأشياء مواضعها وتنزيلها منازلها بل بحكمة اقتضت هدى من علم أنه يزكو على الهدى ويقبله ويشكره عليه ويثمر عنده ؛ فهو سبحانه ما عدل عن موجب العدل والإحسان في هداية من هدى وإضلال من أضل ولم يطرد عن بابه ولم يبعد عن جنابه من يليق به التقريب والهدى والإكرام بل طرد من لا يليق به إلا الطرد والإبعاد وحكمته وحمده تأبى تقريبه وإكرامه وجعله من أهله وخاصته وأوليائه) [مدارج السالكين]. ويقول أيضاً: (ومن أراد به شراً أمسكه عنه وخلاه ودواعي نفسه وطبعه وموجبها فصدر منه موجب الجهل والظلم من كل شر وقبيح، وليس منعه لذلك ظلماً منه [تعالى]، فإنه فضله، وليس من منع فضله ظالماً، لا سيما إذا منعه عن محل لا يستحقه ولا يليق به. وأيضا فإن هذا الفضل هو توفيقه وإرادته من نفسه أن يلطف بعبده ويوفقه ويعينه ولا يخلى بينه وبين نفسه، وهذا محض فعله وفضله، وهو سبحانه أعلم بالمحل الذي يصلح لهذا الفضل ويليق به ويثمر [فيه] ويزكو به. وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى بقوله" وَكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لّيَقُولوَاْ أهؤلاء مَنّ اللّهُ عَلَيْهِم مّن بيننا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ " ؛ فأخبر سبحانه أنه أعلم بمن يعرف قدر هذه النعمة ويشكره عليها) [طريق الهجرتين].لابن القيم
يا رب هيئ لنا من أمرنا رشدا * * * واجعل معونتك الحسنى لنا مددا.
ولا تكلنا إلى تدبير أنفــسنــــا * * * فالعبد يعجز عن إصلاح ما فسدا.
اهـ ملتقى أهل الحديث.
******ثانيا}}} أسباب التوفيق للطاعة والحق والخير:
باستقراء مجمل لإشارات الخطاب القرآني حاولت استخراج علل توفيق الله للعبد ، وأذكر ما وفّقتُ لاستنباطه كما يلي :
1- الافتقار والانكسار والتضرع وإظهار الحاجة والمسكنة ، وهو من أعظم ما يستجلب به التوفيق للعبد ، وهو لب العبودية ، وحقيقة العبادة فالعبادة كمال الحب مع كمال الذل ، تأمل هذه المعاني العظيمة في قول يوسف عليه السلام: ( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ) ، ويقرر الفخر الرازي رحمه الله يقول في كلامه عن الاستعاذة : (إن قوله :" أعوذ بالله " اعتراف بعجز النفس وبقدرة الرب ، وهذا يدل على أنه لا وسيلة إلى القرب من حضرة الله إلا بالعجز والانكسار) [مفاتيح الغيب] ، ويؤكد ابن القيم هذا المعنى بقوله: (إذا كان كل خير فأصله التوفيق ،وهو بيد العبد فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجئ والرغبة والرهبة إليه، فمتى أعطي العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له ، ومتى أضله عن المفتاح بقي باب الخير مُرْتَجًا دونه! ، وما أُتي من أُتي إلا من قِبَل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء ، ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء) [الفوائد ] ، ولابد للعبد حتى يحقق في نفسه الخضوع التام والانكسار الكامل لمقام الرب تعالى أن يملئ قلبه من تأمُل (مشهد العجز والضعف وأنه أعجز شيء عن حفظ نفسه وأضعفه ، وأنه لا قوة له ولا قدرة ولا حول إلا بربه ؛ فيشهد قلبه كريشة ملقاة بأرض فلاة تقلبها الرياح يميناً وشمالاً ، ويشهد نفسه كراكب سفينة في البحر تهيج بها الرياح وتتلاعب بها الأمواج ترفعها تارة وتخفضها تارة أخرى تجري عليه أحكام القدر ، وهو كالآلة طريحا بين يدي وليه ملقى ببابه واضعاً خده على ثرى أعتابه ، لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، ليس له من نفسه إلا الجهل والظلم ، وآثارهما ومقتضياتهما ، فالهلاك أدنى إليه من شراك نعله ، كشاة ملقاة بين الذئاب والسباع لا يردها عنها إلا الراعي ، فلو تخلى عنها طرفة عين لتقاسموها أعضاء ، وهكذا حال العبد ملقى بين الله وبين أعدائه من شياطين الإنس والجن ؛ فإن حماه منهم وكفهم عنه لم يجدوا إليه سبيلاً ، وإن تخلى عنه ، ووكله إلى نفسه طرفة عين كان نصيب من ظفر به منهم) [ابن القيم-مدارج السالكين] ، وفي السياق نفسه يلخص لنا ابن بدران الحنبلي رحمه الله هذا المعنى بعبارة جميلة فيقول: (من طرح نفسه بباب رب الأرباب لم يحتج إلى زمن طويل في فتح الأبواب) [نزهة الخاطر العاطر] ، ويزيد ذلك ويشرحه العلامة الكبير الشيخ عبدالرحمن السعدي عند تفسيره لقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ": (يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم ، وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه فهم فقراء بالذات إليه ، بكل معنى، وبكل اعتبار ، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا ، ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها) [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ] ، (ويحكى عن بعض العارفين أنه قال: دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها ، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام فلم أتمكن من الدخول ، حتى جئت باب الذل والافتقار ؛ فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه ، ولا مزاحم فيه ولا معوق!) [ابن القيم-مدارج السالكين] .
2- من أسباب توفيق الله شكره على جميع الأحوال: قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) ، وقد سبق ذكر معناها ، (وما أُتي من أُتي إلا من قِبَل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء ، ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء ) [ابن القيم-الفوائد ] .
3- الإيمان الصادق بالله تعالى: يقول سبحانه ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) والباء في قوله" بِإِيمَانِهِم" للسببية ، أي أن الله تعالى يوفق ويهدي عباده المؤمنين( فيعلمهم ما ينفعهم ، ويمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية، ويهديهم للنظر في آياته، ويهديهم في هذه الدار إلى الصراط المستقيم وفي الصراط المستقيم، وفي دار الجزاء إلى الصراط الموصل إلى جنات النعيم) [تفسير السعدي] بسبب إيمانهم بالله تعالى ، ويقول عز وجل ( إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) فنفى عنهم الهداية وهي التوفيق للحق لعدم إيمانهم ، ومن الآيات التي تقرر هذا السبب الجليل من أسباب التوفيق للهداية والحق والخير قول الحق سبحانه: ( وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) .
4- ومن أسباب التوفيق : الإخلاص : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلِصِينَ ) بكسر اللام من الإخلاص ، وهي قراءة سبعية ثابتة ، ومعنى الآية أن توفيق الله لعبده ونبيه بتجنب المعصية كان بسبب إخلاصه العبادة لله تعالى....والله تعالى أعلى وأعلم وصلى الله على من بعثه الله للخلق بشيرا ونذيرا.جمع حميد أمين .
لست ربوت