الحمد لله الذي فضل بعض الشهور بعضها على بعض وجعل الأعوام والسنين وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد الأمي وعلى آله وسلمتسليما ثيرا مباركا فيه وبعد موضوع اليوم < كيف نستعد لرمضان>
أيها الناس دونكم وسائل وحوافز إيمانية تبعث في نفس المؤمن الهمة والحماس في عبادة الله تعالى في هذا الشهر الكريم , اقتداء بما كان عليه سلف هذه الأمة وخيارها .فقد كان البشير النذير بأبي هو وأمي يبشر أصحابه بقدوم رمضان كما أخرجه أحمد والنسائي من حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ" صححه الألباني كما في صحيح النسائي،
وقال معلى بن الفضل عن السلف: "كانواـ يعني الصحابة ـ يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم"، وقال يحي بن أبى كثير: "كان من دعائهم؛ اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان ، وتسلمه منى متقبلاً"،
وباع قوم من السلف جارية؛ فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها فسألتهم؛ فقالوا: "نتهيأ لصيام رمضان"، فقالت: "وأنتم لا تصومون إلا رمضان!! لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان؛ ردوني إليهم
هكذا كان استقبال السلف لرمضان، فرمضان له طعم خاص ولذة عجيبة في نفوسهم رضوان الله تعالى عليهم، فهو يبعث في نفوسهم قوة الإيمان والشجاعة والعزة والكرامة، ولهذا كانت أكثر غزوات ومعارك المسلمين في رمضان
وعن ابن عباس قال: (كان رسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة)[البخاري:6، مسلم:2308]. لقد كان القرآن أنيسه وسميره في رمضان.
قال ابن رجب: دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له. [لطائف المعارف:354]. وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان، وفي حديث فاطمة عليها السلام عن أبيها أنه أخبرها أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة، وأنه عارضه في عام وفاته مرتين. [البخاري:3624، ومسلم:2450]، [لطائف المعارف:355].
أيّها المسلمون، لقد أظلَّكم شهرٌ كريم وموسِم عظيم، شهر الإحسانِ والقرآن، شهرُ رمضان الذي جعَله الله سيّدَ الشهور، فاستقبِلوه ـ أيّها المسلمون ـ بالفرَح بطاعةِ الله تعالى، قال عزّ وجلّ: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]. واستَقبِلوه بالتوبةِ إلى اللهِ مِن جميع الذّنوب، وبالاستعدادِ لَه بأحسنِ ما
{2690}
تقدِرون عليه من الأعمالِ، فإنه شهرٌ من فاته الخيرُ فيه فقد فاته الخيرُ، ومن اغتَنَم أوقاتَه وتعرَّض فيه لنفحات ربِّه وتقرَّب إلى الله عزّ وجلّ فيه بما يوفِّقه الله [إليه] مِن الصّيامِ ومِن القِيام وتَرَك ما حرّم الله تبارك وتعالى عليه فقَد وفِّقَ لخير كثيرٍ، وفي الحديث عن النبيِّ أنه قال: ((من صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدَّم من ذنبِه)).
أيها المسلمون، إن كثيرًا من الناس يتجهزون لرمضان، لكن مع الأسف لا يتجهزون بالتقوى، يتجهزون بالمطاعم والمشارب، ويتجهزون بالأفلام والمسلسلات أو قل: بالقنوات الفضائية، فها هي القنوات العربية والغربية تعلن دعاياتها باستقبال رمضان؛ فسهرة ليلة الخميس وسهرة ليلة الجمعة وسهرة ليلة كذا وكذا، وأغان ومسلسلات وأفلام هابطة، بهذا يستقبل رمضان عند بعض المسلمين، وينتهي رمضان وهم على هذه الحالة، فسهر بالليل إلى قرب الفجر، ثم النوم العميق إلى قرب المغرب، فإذا قام قضى ما فاته من الصلاة وكأنه يمن على الله بصيامه.
وهكذا أصبحنا رهينة لأعداء الله ولقمة سائغة لهم، أجلبوا بخيلهم ورجلهم، وسلطوا سهامهم في شهر رمضان، وأعدوا العدة للانقضاض على روح العبادة في هذا الشهر بأنواع المعاصي التي يجرون إليها الناس.
فأنت ترى في الإعلانات والدعايات: بمناسبة حلول شهر رمضان سيعرض الفلم الفلاني، وهكذا أصبح رمضان موسم للمحرمات وعرض الأفلام.
وبمناسبة شهر رمضان خصومات على الاشتراك في القنوات الفضائية، الأوائل في الفسق والمجون ومبارزة الله بالمعاصي، التقسيط ثلاثة شهور مجانًا، تسهيلات في قيمة جهاز فك الشفرة خمس قنوات بكذا وثلاث قنوات بكذا، كل هذا بمناسبة حلول شهر رمضان، فإلى الله المشتكى. نعم، بهذا أشغل شهر الصيام في أيامنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى محمد :
نستقبل في هذه الساعات القادمة ضيفا كريما، وشهرا عظيما، لم يبق بيننا وبينه إلا ساعات معدودة، فماذا أعددنا لهذا الضيف؟ وكيف سنستقبل هذا الشهر العظيم؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].
إن كثيراً من الناس يستعدون لشهر رمضان المبارك بتوفير ما يحتاجونه من مستلزمات الحياة من طعام وشراب، وكأن شهر رمضان أصبح شهراً للطعام وللأكل والشراب والنوم والخمول والكسل، لا شهراً للطاعة والعبادة والجهاد والعمل، هذا هو حالنا في هذه الأيام إلا من رحمه الله، أما صحابة محمد وسلف هذه الأمة الصالح فكانوا يستقبلون رمضان ويستعدون له ويتهيئون لقدومه قبل أن يأتي بستة أشهر يقولون: "اللهم بلغنا رمضان"، فإذا جاء رمضان أجهدوا أنفسهم في طاعة الرحمن، وفي التقرب إلى الله الواحد الديان، فإذا انقضى الشهر الكريم ودعوه بقية العام يقولون: "اللهم تقبل منا رمضان"، فكان عامهم كله رمضان، وكانت حياتهم كلها رمضان. فرضي الله عنكم يا أيها السلف يوم علمتم أن الحياة بسنينها وأعوامها ينبغي
{2691}
أن تصرف في مرضاة الله، ويوم علمتم أن الحياة ليست حياة الأكل والشرب والشهوة إنما هي حياة الطاعة والعبودية والاتصال بالله الواحد جل في علاه.
اعلموا ـ عباد الله ـ أنّكم مقبلون على موسم من خير المواسم، نَعَم إنه موسم الصيام والقيام والإكثار من قراءة القرآن، ونحن على أبواب شهر الصيام نسأل الله تعالى أن يبلغنا إياه، فإنه يجدر التنبيه على بعض الأمور التي ينبغي للمسلم فعلها والمسارعة إليها قبل دخول الشهر ليهيّئ نفسَه ويشوّقها للخير.
ومن تلكم الأمور الصيام والإكثار منه اقتداء برسول الله ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: لم يكن النبي يصوم شهرًا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله. متفق عليه. ومعنى قولها: "كلّه" أي: أكثرهُ، كما جاء عنها في رواية النسائي: لم يكن رسول الله لشهرٍ أكثر صيامًا من شعبان، كان يصومهُ أو عامتهُ. صحيح سنن النسائي (2218). قال ابن حجر رحمه الله: "كان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من صيامه فيما سواه، وكان يصوم معظم شعبان".وها هو شهر شعبان قد أزف على الرحيل، ولم تبق منه إلا بقية، فتداركها ـ أخي ـ بالصيام، فما هي إلا أيام قليلة، واحذر من تعمُّد الصيام من أجل الاحتياط لرمضان ومن صيام يوم الشك وهو يوم الثلاثين، فقد ورد النهي عن صيامه ما لم يكن يوافق صوما كنتَ تصومه كالاثنين والخميس وصيام يوم وفطر آخر، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إذا بقي نصفٌ من شعبان فلا تصوموا)) رواه الترمذي (738) وقال: "حسن صحيح"، قال الترمذي رحمه الله: "ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن يكون الرجل مفطرًا فإذا بقي من شعبان شيءٌ أخذ في الصوم لحال شهر رمضان". وقال : ((لا تقدّموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوما فليصمه)) رواه البخاري ومسلم.ومما ينبغي للمسلم كذلك الإكثار من قراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه والعمل به، قال سلمة بن كهيل: كان يقال: شهر شعبان شهر القرّاء، وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن. ومما ينبغي أن نسابق ونسارع إليه التوبة والإنابة إلى الله تعالى والمبادرة إلى ذلك قبل فوات الأوان، والتوبة واجبة على المسلم في كلّ حين، قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [التحريم:8].
والتوبة من صفات الأنبياء والصالحين، قال تعالى ممتدِحًا نبيه سليمان عليه السلام: وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:30] أي: رجّاع تواب إلى الله. والله تعالى يحبّ التائب من ذنوبه، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222].
فيا عبد الله، ها هو ربّك يناديك: قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، وها هو الله يفرح بتوبة التائب وندم النادم، قال : ((لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم سقَط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة)) رواه البخاري ومسلم، وهو سبحانه يبسط يده بالليل
{2692}
ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. فبادر بالتوبة، ودع عنك "لعل" و"سوف"، ولا يغرنّك طول الأمل؛ فإن الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل.
إن الناس في استقبالهم لرمضان على صنفين اثنين صنف يفرح بقدومه كما تفرح الأمة بطول غيبة فلدة كبدها يفرحون بهذا الشهر ويُسرُّون بقدومه، لأنهم عوَّدوا أنفسهم على الصيام ووطّنوها على تحمُّله وصنف يكرهه ويتضايق منه ويستعظم مشقّته، فإذا نزل به فهو كالضيف الثقيل، يَعُدّ ساعاته وأيامه ولياليه، منتظرا رحيله بفارغ الصبر ولذا قسمت الموضوع إلى مقطعين
**أولا>>المستعدون له بالوسائل الآتية:
أقول فلنطرح على أنفسنا سؤالا : ما هي الطرق السليمة لاستقبال هذا الشهر الكريم ؟ ايها الناس ينبغي للمسلم أن لا يفرط في مواسم الطاعات , وأن يكون من السابقين إليها ومن المتنافسين فيها , قال الله تعالى : { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} الآية ( المطففين : 26 ) فاحرص أخي المسلم على استقبال رمضان بالطرق السليمة التالية :
• الطريقة الأولى : الدعاء بأن يبلغك الله شهر رمضان وأنت في صحة وعافية , حتى تنشط في عبادة الله تعالى , من صيام وقيام وذكر , فقد روي عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ( رواه أحمد والطبراني ) . لطائف المعارف . وكان السلف الصالح يدعون الله أن يبلغهم رمضان , ثم يدعونه أن يتقبله منهم .** فإذا أهل هلال رمضان فادع الله وقل ( الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام , والتوفيق لما تحب وترضى ربي وربك الله ) [ رواه الترمذي , والدارمي , وصححه ابن حيان ]
• الطريقة الثانية : الحمد والشكر على بلوغه , قال النووي – رحمه الله – في كتاب الأذكار : ( اعلم أنه يستحب لمن تجددت له نعمة ظاهرة , أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة أن يسجد شكراً لله تعالى , أو يثني بما هو أهله ) وإن من أكبر نعم الله على العبد توفيقه للطاعة , والعبادة فمجرد دخول شهر رمضان على المسلم وهو في صحة جيدة هي نعمة عظيمة , تستحق الشكر والثناء على الله المنعم المتفضل بها , فالحمد لله حمداً كثيراً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه .
• الطريقة الثالثة : الفرح والابتهاج , ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بمجئ شهر رمضان فيقول : ( جاءكم شهر رمضان , شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم ... الحديث . ( أخرجه أحمد ) .
وقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان , ويفرحون بقدومه , وأي فرح أعظم من الإخبار بقرب رمضان موسم الخيرات , وتنزل الرحمات .
{2693}
• الطريقة الرابعة : العزم والتخطيط المسبق للاستفادة من رمضان , الكثيرون من الناس وللأسف الشديد حتى الملتزمين بهذا الدين يخططون تخطيطاً دقيقاً لأمور الدنيا , ولكن قليلون هم الذين يخططون لأمور الآخرة , وهذا ناتج عن عدم الإدراك لمهمة المؤمن في هذه الحياة, ونسيان أو تناسى أن للمسلم فرصاً كثيرة مع الله ومواعيد مهمة لتربية نفسه حتى تثبت على هذا الأمر ومن أمثلة هذا التخطيط للآخرة , التخطيط لاستغلال رمضان في الطاعات والعبادات , فيضع المسلم له برنامجاً عملياً لاغتنام أيام وليالي رمضان في طاعة الله تعالى وذالك مثل :
ضبط أوقات الحفظ...وعدم تفويت حضور حلقات العلم ..والحرص على حضور الجماة مع الاهتمام بصلاة التراويح ..
• الطريقة الخامسة : عقد العزم الصادق على اغتنامه وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة , فمن صدق الله صدقه وأعانه على الطاعة ويسر له سبل الخير , قال الله عز وجل : { فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ } [ محمد : 21}
• الطريقة السادسة : العلم والفقه بأحكام رمضان , فيجب على المؤمن أن يعبد الله على علم , ولا يعذر بجهل الفرائض التي فرضها الله على العباد , ومن ذلك صوم رمضان فينبغي للمسلم أن يتعلم مسائل الصوم وأحكامه قبل مجيئه , ليكون صومه صحيحاً مقبولاً عند الله تعالى : { فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [ الأنبياء :7}
• الطريقة السابعة : علينا أن نستقبله بالعزم على ترك الآثام والسيئات والتوبة الصادقة من جميع الذنوب , والإقلاع عنها وعدم العودة إليها , فهو شهر التوبة فمن لم يتب فيه فمتى يتوب ؟" قال الله تعالى : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ النور : 31].
• الطريقة الثامنة : التهيئة النفسية والروحية من خلال القراءة والاطلاع على الكتب والرسائل , وسماع الأشرطة الإسلامية من { المحاضرات والدروس } التي تبين فضائل الصوم وأحكامه حتى تتهيأ النفس للطاعة فيه فكان النبي صلى الله عليه وسلم يهيء نفوس أصحابه لاستغلال هذا الشهر , فيقول في آخر يوم من شعبان : جاءكم شهر رمضان ... إلخ الحديث أخرجه أحمد والنسائي ( لطائف المعارف ).
• الطريقة التاسعة : الإعداد الجيد للدعوة إلى الله فيه , من خلال :
1- تحضير بعض الكلمات والتوجيهات تحضيراً جيداً لألقائها في مسجد الحي .
2- توزيع الكتيبات والرسائل الوعظية والفقهية المتعلقة برمضان على المصلين وأهل الحي .
3- إعداد ( هدية رمضان) وبإمكانك أن تستخدم في ذلك ( الظرف) بأن تضع فيه شريطين وكتيب , وتكتب عليه (هدية رمضان) .أو بعض النقود خاصة على البيوت المعسرة والفقيرة
4- التذكير بالفقراء والمساكين , وبذل الصدقات والزكاة لهم .
{2694}
• الطريقة العاشرة : نستقبل رمضان بفتح صفحة بيضاء مشرقة مع :الله سبحانه وتعالى بالتوبة الصادقة . قال الله تعالى : [ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ]
قال الله تعالى :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ.>قال الله تعالى : <إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا النساء 17
وقال تعالى : <وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)
عن قتادة ،رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لأتوب في اليوم سبعين مرة"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال : أستغفر الله ... الذي لا إله إلا هو الحي القيوم و أتوب إليه ثلاثا غفرت له ذنوبه و إن كان فارا من الزحف
++وصفحة مشرقة مع الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر .
وصفحة مشرقة مع الوالدين والأقارب , والأرحام والزوجة والأولاد بالبر والصلة .
و فتح صفحة بيضاء مع المجتمع الذي تعيش فيه حتى تكون عبدا صالحا ونافعا قال صلى الله عليه وسلم : خير الناس أنفعهم للناس قال الشيخ الألباني : ( حسن ) انظر حديث رقم : 3289 في صحيح الجامع. اهـ أخوكم خالد بن عبدالرحمن الدرويش
الإحساء – الهفوف
الطريقةالحادية عشرة : الإخلاص لله في الصيام:– قال تعالى فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)الكهف والإخلاص روح الطاعات، ومفتاح لقبول الباقيات الصالحات، وسبب لمعونة وتوفيق رب الكائنات، وعلى قدر النية والإخلاص والصدق مع الله وفي إرادة الخير تكون معونة الله لعبده المؤمن، قال ابن القيم - رحمه الله -: (وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك يكون توفيقه - سبحانه وتعالى- وإعانته...).
الطريقة الثانيةعشرة :سلامة الصدر مع المسلمين . . . وألا تكون بينك وبين أي مسلم شحناء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه إلا مشرك أو مشاحن " - صحيح الترغيب والترهيب 1016
الطريقة الثالثة عشرة : الاهتمام بالواجبات مثل صلاة الجماعة في الفجر وغيرها حتى لا يفوتك أدنى أجر في رمضان ، ولا تكتسب ما استطعت من الأوزار التي تعيق مسيرة الأجر .
الطريقة الرابعة عشرة : التعود على صلاة الليل والدعاء واتخاذ ورد يومي من القران حتى لا تضعف في وسط الشهر . إضافة إلى ذلك اتخاذ أوقات خاصة لقراءة
{2695}
القرآن بعد الصلوات أو قبلها أو بين المغرب والعشاء أو غيرها من الأوقات خلال شعبان ورمضان وما بعدهما بإذن الله
عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن..ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة.
الطريقة الخامسة عشرة: محاسبة النفس على تقصيرها في تحقيق الشهادتين أو التقصير في الواجبات أو التقصير في عدم ترك ما نقع فيه من الشهوات أو الشبهات
فيُقوم العبد سلوكه ليكون في رمضان على درجة عالية من الإيمان .. فالإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصيةيزيد حتى يكون كالجبل وينقص حتى لايبقى منه شيء كم قال بن عيينة
الطريقة السادسة عشرة : أن يكون قلبك سليما من الشرك والكفر والبدعة والركون إلى أهلها. قال تعالى يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)الشعراء قال تعالى وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)
الطريقة السابعة عشرة :الاستعداد لإفطار الصائمين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فطر صائما أو جهز غازيا فله مثل أجره قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 6414 في صحيح الجامع
ولا تنس الفقراء فإن من أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرورا تدخله على قلب مسلم ولاشك سرور تدخله على فقير بوجبة في رمضان من أحب الأعمال إلى الله عزوجل في بغية الحارث: عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللهِ وَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ >
وفيه أيضا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ مِنَ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ إِدْخَالَكَ السُّرُورَ عَلَى أَخِيكَ الْمُسْلِمِ إِشْبَاعَ جَوْعَتِهِ وَتَنْفِيسَ كُرْبَتِهِ > ..جمع وذاد عليه أبوصهيب ال الريس.اهـ صيد الفوائد.
الطريقة الثامنةعشرة : سنية التهنئة بدخول رمضان: للحديث التالي :
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم)) [النسائي والبيهقي بسند حسن، صحيح الترغيب:418].
قال ابن رجب: "هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان، وغلق أبواب النيران، كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشيطان، من أين يشبه هذا الزمان زمان" [لطائف المعارف].
الطريقة التاسعة عشرةالاستعداد لرمضان باستثمار شعبان فهو كالمقدمة لرمضان: إن المسلمين في العصر الأول كان إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف
{2696}
فقرؤوها و أخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف و المسكين على صيام رمضان. و قال سلمة بن كهيل : كان يقال شهر شعبان شهر القراءواستثمار شعبان يكون بما يلي ::
1- زيادة نسبة الصوم وبالخصوص في النصف الأول منه مع الحرص على يوم الاثنين ويوم الخميس....2- زيادة نسبة قراءة القرآن الكريم...3- الإنفاق في سبيل الله وإخراج الزكاة إذا حل نصابها. ويجوز استعجالها...4- زيادة نسبة الاستغفار وحين التوبة.. وخصوصاً في النصف الأخير من شعبان...5- الصلاة في الثلث الأخير من الليل استعداداً لسحور رمضان....6- وأفضل الأعمال هي: سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها، ثم إرادة الخير لهم ونصيحتهم وأن تحب لهم ما تحب لنفسك ولتكن هذه الآية شعارك وحقيقة وجودك:{ ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}[الحشر 10] بهذا تكون أخي المسلم على حسن استعداد تام للفوز ببركة رمضان والحصول على فضائله والعطاء الرباني فيه....... لقد جمعت لك أخيّ عدة نقاط أراها مهمة في استقبال رمضان، ولعل هناك ما هو أهم منها ولكن هذا حسب ما فتح الله ويسر، والله أرجو أن ينفعنا وإياك:-
1- النية الخالصة :
من التأهب لرمضان وحسن الاستعداد له: أن تعقد العزم على تعميره بالطاعات وزيادة الحسنات وهجر السيئات، وعلى بذل المجهود واستفراغ كل الوسع في استغلال كل لحظة فيه في رضا الله سبحانه .وهذا العزم ضروري فإن العبد لا يدري متى توافيه منيته ولا متى يأتيه أجله ؟ فإذا انخرم عمره وسبق إليه من الله أمره، وعادت الروح إلى باريها قامت نيته مقام عمله فيجازيه الله على حسن نيته وعلى هذا العزم فينال الأجر وإن لم يعمل . عن ابن عباس رضي الله عنهما: [ إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعلمها كتبها الله له عنده حسنة كاملة ... ] الحديث متفق عليه، وقال[ إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى ]متفق عليه ونحن نعرف أناسًا كانوا معنا في رمضان الماضي وليسوا معنا في عامنا هذا وكم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله فصار قبله إلى ظلمة القبر .
فالنية النية، والعزم العزم، والإخلاص الإخلاص. (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة) (التوبة/46) (فلو صدقوا الله لكان خيرًا لهم) (محمد/21)
2 - التوبة الصادقة:-
وهي واجبة في كل وقت ومن كل ذنب، ولكنها في هذا الحين ألزم وأوجب لأنك مقبل على موسم طاعة، وصاحب المعصية لا يوفق للطاعة ولا يؤهل للقرب، فإن شؤم الذنوب يورث الحرمان ويعقب الخذلان، وإن قيد الذنوب يمنع عن المشي إلى طاعة الرحمن، وإن ثقل الذنوب يمنع الخفة للخيرات والمسارعة في الطاعات فتجد القلب في ظلمة وقسوة وبُعد عن الله وجفوة، فكيف يوفق مثل هذا للطاعة ؟ أو كيف يصلح للخدمة ؟ أو كيف يدعى للمناجاة وهو متلطخ بالأقذار والنجاسات ؟ فصاحب
{2697}
المعاصي المصر عليها لا يوفق إلى الطاعة فإن اتفق فبكد لا حلاوة فيه ولا لذة ولا صفوة ولا أنس ولا بهجة،.
قال أحد السلف : حرمت قيام الليل سنة بذنبٍ عملته . وعندما قيل للحسن لا نستطيع قيام الليل، قال قيدتك خطاياكم . وقال الفضيل : " إذا كنت لا تستطيع قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محبوس قد قيدتك ذنوبك".
. وعلامة الصدق كثرة الإلحاح ودوام الطلب وكثرة الاستغفار، فارفع يديك إليه وناجه وتوسل إليه بما توسل به آدم وحواء < قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين >أو بما توسل به يونس وهو في بطن الحوت < لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين > أو بما توسل به محمد واصحابه < وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل >..أو ردد الشعر الآتي لابن ناصر الدرعي المغربي
يا من يرى ما في الضمير ويسمع .. أنت المعد لكـل ما يتوقــــــــع
يا من يرجّى للشــدائد كلها .. يا من إليه المشتكى والمفـزع
يا من خزائن فضـله في قول كن .. امنن فإن الخير عندك أجمــــــع
مالي سوى فقـري إليك وسيلة .. فبالافتــقار إليك فقري أدفـــــــع
مالي سوى قرعي لبابك حــيلة .. فـإذا رددت فـأي باب أقــــــرع
ومن الذي أرجو وأهتف باسمه.. إن كان جودك عن فقيرك يمنع
حاشـا لفضلك أن تقنـط راجيا .. الجود أجـزل والمواهب أوســع
3 - معرفة شرف الزمان\\
فالوقت هو الحياة، وهو رأس مالك الذي تتاجر فيه مع الله، وتطلب به السعادة وكل جزء يفوت من هذا الوقت خاليًا من العمل الصالح يفوت على العبد من السعادة بقدره
قال ابن الجوزي: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف وقيمة وقته فلا يضيع فيه لحظة في غير قربه .
إذا كان رأس المال عمرك فاحترز **عليه من الإنفاق في غير واجب \
ورمضان من أنفس لحظات العمر، ومما يجعل الإنسان لا يفرط في لحظة منه أن يتذكر وصف الله له بأنه "أيامًا معدودات" وهي إشارة إلى أنها قليلة وأنها سرعان ما تنتهي، وهكذا الأيام الغالية والمواسم الفاضلة سريعة الرحيل، وإنما يفوز فيه من كان مستعدًا له مستيقظا إليه .فإذا أدرك الإنسان قصر وقت رمضان علم أن مشقة الطاعة سرعان ما تذهب وسيبقى الأجر وتوابعه من انشراح القلب وانفساح الصدر وفرحة العبد بطاعة الرب سبحانه .وكم من مشقة في طاعة مرت على الإنسان فذهب نصبها وتعبها وبقى أجرها عند الله إن شاء الله . وكم من ساعات لهوٍ ولعبٍ وغفلةٍ ذهبت وانقضت لذتها وبقيت تبعاتها.
وساعة الذكر فاعلم ثروة وغنى .. ... .. وساعة اللهو إفلاس وفاقات
4 - التقلل من الطعام:
وهو مقصد من مقاصد الصيام ومن مقاصد رمضان التعود على تقليل الطعام، وإعطاء المعدة فرصة للراحة، وإعطاء النفس فرصة للطاعة، فكثرة الطعام هذه هي التي قسَّت القلوب حتى صيرتها كالحجارة، وأثقلت على النفوس الطاعة، وزهدت
{2698}
الناس في الوقوف بين يدي الله . فمن أراد الاستمتاع بالصلاة فلا يكثر من الطعام، بل يخفف؛ فإن قلة الطعام توجب رقة القلب، وقوة الفهم، وإنكسار النفس، وضعف الهوى والغضب .
قال محمد بن واسع: من قل طعامه فهم وأفهم وصفا ورق، وإن كثرة الطعام تمنع صاحبها عن كثير مما يريد .
قال سلمة بن سعيد: إن كان الرجل ليعير بالبطن كما يعير بالذنب يعمله .في سنن ابن ماجه وغيره عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُفَّ جُشَاءَكَ عَنَّا فَإِنَّ أَطْوَلَكُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُكُمْ شِبَعًا فِي دَارِ الدُّنْيَا] رواه الترمذي.
5 - تعلم أحكام فقه الصيام:
وأحكامه وآدابه حتى يتم الإنسان صيامه على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه فيسحتق بذلك تحصيل الأجر والثواب وتحصيل الثمرة المرجوة والدرة الغالية وهي التقوى، وكم من إنسان يصوم ولا صيام له لجهله بشرائط الصيام وآدابه وما يجب عليه فيه، وكم ممن يجب عليه الفطر لمرض مهلك أو لعذر شرعي، ولكنه يصوم فيأثم بصومه، فلابد من تعلم فقه الصيام وأحكامه، وهذا واجب وفرض من عين على من وجب عليه الصيام .
6 - تعويد النفس على\
(أ) الصيام: وقد كان النبي يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلاً . وكان هذا ضروريًا لتعويد النفس على الصيام حتى إذا جاء رمضان كانت مستعدة بلا كلفة ولا تعب يمنعه عن العمل ويحرمه من كثرة التعبد
(ب) القيام: وهي سنة عظيمة أضعناها، ولذة عجيبة ما تذوقناها، وجنة للمؤمنين في هذه الحياة ولكنا يا للأسف ما دخلناها ولا رأيناها . مدرسة تربى فيها النفوس، وتزكى فيها القلوب، وتهذب فيها الأخلاق . عمل شاق، وجهاد عظيم لا يستطيعه إلا الأبطال من الرجال، والقانتات من النساء، الصابرين والصادقين ... بالأسحار . هو وصية النبي لنا وعمل الصالحين قبلنا: [عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد] رواه الترمذي .
إن تعويد النفس على قيام الليل ضروري قبل رمضان وبعد رمضان وهو إن كان لازمًا لكل الناس فهو للدعاة والأئمة ألزم،.
(ج) كثرة التلاوة: شهر رمضان شهر القرءان، فللقرآن في رمضان مزية خاصة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتدارس القرآن مع سيدنا جبريل في رمضان كما في حديث ابن عباس وذلك كل ليلة، وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل في قيامه جدًا كما في حديث حذيفة .
وهكذا كان السلف والأئمة يولون القرآن في رمضان اهتمامًا خاصًا .
7ـ المسابقة والجدية\\
وهي أصل في العبادة كما في كتاب الله وسنة رسوله، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133)
{2699}
وقال سبحانه: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد:21) وفي الحديث: سبق المفردون سبق المفردون قالوا: وما المفردون يا رسول الله! قال "الذاكرون الله كثيرًا، والذاكرات".
وقد كان كل واحد من الأولين يعتبر نفسه المخاطب بهذا الأمر دون غيره فكانوا يتسابقون في الطاعة يدلك على هذا ما أثر عنهم من قولهم: "لو أن رجلا بالمشرق سمع أن رجلا بالمغرب أحب إلى الله منه فانصدع قلبه فمات كمدا لم يكن عجبا" .
وقالت جارية لعمرو بن دينار: رأيت في المنام كأن مناديا ينادي: الرحيل .. الرحيل، فما رحل إلا محمد بن واسع !! فبكى عمرو حتى وقع مغشيا عليه..
ثانيا المتضايقون من رمضان >>
أقول وهناك صنف من الناس ضاقت نفوسهم بهذا الشهر العظيم، ورأوا فيه حبسًا عن المتَع والشهوات، فضاقوا به وتمنّوا أن لم يكن قد حلّ، لا يعرفون من رمضان إلا أنه وقت السهر في الليل على اللهو والغفلة، ووقت النوم في النهار، فتجده معظم نهاره نائمًا، فينام حتى عن الصلاة المفروضة. وقد روت لنا كتب الأدب خبر واحد من هؤلاء، أدركه شهر رمضان فضاق به ذرعًا فجعل يقول:
أتانِي شهر الصوم لا كان من شهر ... ولا صمت شهرًا بعده آخِرَ الدهـــــــــر
فلو كان يعديني الأنام بقــــــــــــوة ... على الشهر لاستعديت قومي على الشهر
فابتلاه الله عز وجل بمرض الصرع، فصار يصرع في كل رمضان.فتأمل حالك أيها الأخ المسلم، وانظر من أي الأصناف أنت.
والحاصل أن الناس في استقبالهم لرمضان على صنفين اثنين. أما الصنف الأول: فهم الذين يفرحون بهذا الشهر ويُسرُّون بقدومه، لأنهم عوَّدوا أنفسهم على الصيام ووطّنوها على تحمُّله، ولهذا جاء في السنة النبوية استحباب صيام الاثنين والخميس وأيام البيض ويوم عرفة ويوم عاشوراء مع يوم قبله وصيام شعبان وغير ذلك من أنواع الصيام المُستحب الذي سنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ليعتادوا الصوم ويتزوَّدوا من التقوى. وأثر ذلك واضح في الواقع، فإنّك تجد الذي يصوم النفل لا يستثقل صيام رمضان بل هو عنده أمر يسير لا كُلفة فيه ولا عناء، وأما الذي لا يصوم شيئاً من النافلة فإنّ رمضان يكون عليه ثقيلاً شاقاً.
ولقد كان السلف مِثالاً رائعاً في الحرص على النوافل، ورُوي عنهم في ذلك قصص عجيبة، من ذلك
أن قوماً من السلف باعوا جاريةً لهم لأحد الناس فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات لاستقبال رمضان كما يصنع كثير من الناس اليوم، فلما رأت الجارية ذلك منهم قالت: لماذا تصنعون ذلك؟ قالوا لاستقبال شهر رمضان فقالت: وأنتم لا تصومون إلا
{2700}
في رمضان، والله لقد جئت من عند قوم السنة عندهم كأنّها كلُّها رمضان، لا حاجة لي فيكم رُدّوني إليهم ورجعت إلى سيدها الأول.
ويروى أن الحسن بن صالح وهو أحد الزّهاد العُبّاد الأتقياء كان يقوم الليل هو وأخوه وأمّه ثلاثاً أي يقوم هو الثلث الأول، وأخوه الثلث الثاني، وأمّه الثلث الثالث فلما ماتت أمه صار يقوم هو نصف الليل وأخوه النصف الآخر، فلما تُوفي أخوه صار يقوم الليل كلّه.
وكان لدى الحسن بن صالح هذا جارية، فاشتراها منه بعضهم فلما انتصف الليل عند سيدها الجديد قامت تصيح في الدار: الصلاة الصلاة. فقاموا فَزعين وسألوها هل طلع الفجر؟ فقالت: وأنتم لا تُصلّون إلا المكتوبة؟ فلما أصبحت رجعت إلى الحسن بن صالح وقالت له: لقد بِِعتني إلى قوم سوء لا يُصلّون إلا الفريضة ولا يصومون إلا الفريضة، فردّني فردّني.
وأما الصنف الثاني: الذين يستقبلون هذا الشهر ويستعظمون مشقّته، فإذا نزل بهم فهو كالضيف الثقيل، يَعُدّون ساعاته وأيامه ولياليه، منتظرين رحيله بفارغ الصبر، يفرحون بكل يوم يمضي منه حتى إذا قرُب العيد فرحوا بِدُنوّ خروج هذا الشهر، وهؤلاء إنما استثقلوا هذا الشهر وتطلّعوا إلى انتهائه لأنهم اعتادوا التوسُّع في الملذات والشهوات من المآكل والمشارب فضلاً عن ارتكابهم للذات المُحرّمة كالنظر إلى النساء وعدمِ غضّ البصر وغيرها. فوجدوا في هذا الشهر مانعاً وقيداً يَحبِسهم عن شهَواتهم، ويَحول بينهم وبين ملذّاتهم، لذلك ثَقُل عليهم رمضان ولأنهم قوم عظُم تقصيرهم في الطاعات حتى إنّ منهم من قد يُفرِّط في الفرائض والواجبات، كالصلاة فإذا جاء هذا الشهر التزموا ببعض الطاعات، فترى مَثلاً بعض المُفرِّطين والمُقصّرين يتردّدون في هذا الشهر على المساجد ويشهدون الجُمَع والجماعات ويواظبون على الصيام والصلاة، فبسبب هذا الالتزام الذي لم يألَفوه ولم يتعوَّدوا عليه استعظموا حِمْل هذا الشهر، هكذا حال الذين يستقبلون رمضان لأنهم سيفارقون ما ألِفوه من الشهوات ويلتزمون ببعض العبادات هذا مع ضعف يقينهم بما أعدّه الله تبارك وتعالى للمؤمنين وعدم استحضارهم لِفضل هذا الشهر وما فيه من الأجور العظيمة، فلا عجَب ألا يجدوا من اللذة والفرح والسرور بهذا الضيف الكريم ما يجده الصادقون المؤمنون.
كم من شخص سمع موعظة ثم ها هو الآن موسّد في الثرى يتمنى لحظة يسبّح فيها تسبيحة فلا يقدر عليها، ويرجو ثانية ينطق فيها بلا إله إلا الله فلا يجاب رجاؤه في منتدى لماذا لانتعلم :
{2701}
رمضان فرصة الزمان .. هكذا ينبغي أن يعتقد المسلم، وهكذا كان يعتقد سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، فلم يكن رمضان بالنسبة لهم مجرد شهر من الشهور، بل كان له في قلوبهم مكانة خاصة ظهرت واضحة من خلال استعدادهم له واحتفائهم به ودعائهم وتضرعهم إلى الله تعالى أن يبلغهم إياه لما يعلمون من فضيلته وعظم منزلته عند الله عز وجل .
اسمع إلى معلى بن الفضل وهو يقول: كانوا " يعني الصحابة " يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم . وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، اللهم سلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً.
والدعاء ببلوغ رمضان، والاستعداد له سنة عن النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم فقد روى الطبراني عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان". (قال الألباني: إسناده فيه ضعف) .
وقد وصفت أمنا عائشة رضي الله عنها حال نبينا صلى الله عليه وسلم في استعداده لرمضان فقالت: كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً .
فهذا عن استعدادهم فكيف عن استعدادنا نحن ؟!! اللهم اجعلنا ممن يصومون ويفلحون ولا تجعلنا ممن يصومون ويخسرون جمع حميد أمين تولاه الله بلطفه آمين
أيها الناس دونكم وسائل وحوافز إيمانية تبعث في نفس المؤمن الهمة والحماس في عبادة الله تعالى في هذا الشهر الكريم , اقتداء بما كان عليه سلف هذه الأمة وخيارها .فقد كان البشير النذير بأبي هو وأمي يبشر أصحابه بقدوم رمضان كما أخرجه أحمد والنسائي من حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ" صححه الألباني كما في صحيح النسائي،
وقال معلى بن الفضل عن السلف: "كانواـ يعني الصحابة ـ يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم"، وقال يحي بن أبى كثير: "كان من دعائهم؛ اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان ، وتسلمه منى متقبلاً"،
وباع قوم من السلف جارية؛ فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها فسألتهم؛ فقالوا: "نتهيأ لصيام رمضان"، فقالت: "وأنتم لا تصومون إلا رمضان!! لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان؛ ردوني إليهم
هكذا كان استقبال السلف لرمضان، فرمضان له طعم خاص ولذة عجيبة في نفوسهم رضوان الله تعالى عليهم، فهو يبعث في نفوسهم قوة الإيمان والشجاعة والعزة والكرامة، ولهذا كانت أكثر غزوات ومعارك المسلمين في رمضان
وعن ابن عباس قال: (كان رسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة)[البخاري:6، مسلم:2308]. لقد كان القرآن أنيسه وسميره في رمضان.
قال ابن رجب: دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له. [لطائف المعارف:354]. وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان، وفي حديث فاطمة عليها السلام عن أبيها أنه أخبرها أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة، وأنه عارضه في عام وفاته مرتين. [البخاري:3624، ومسلم:2450]، [لطائف المعارف:355].
أيّها المسلمون، لقد أظلَّكم شهرٌ كريم وموسِم عظيم، شهر الإحسانِ والقرآن، شهرُ رمضان الذي جعَله الله سيّدَ الشهور، فاستقبِلوه ـ أيّها المسلمون ـ بالفرَح بطاعةِ الله تعالى، قال عزّ وجلّ: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]. واستَقبِلوه بالتوبةِ إلى اللهِ مِن جميع الذّنوب، وبالاستعدادِ لَه بأحسنِ ما
{2690}
تقدِرون عليه من الأعمالِ، فإنه شهرٌ من فاته الخيرُ فيه فقد فاته الخيرُ، ومن اغتَنَم أوقاتَه وتعرَّض فيه لنفحات ربِّه وتقرَّب إلى الله عزّ وجلّ فيه بما يوفِّقه الله [إليه] مِن الصّيامِ ومِن القِيام وتَرَك ما حرّم الله تبارك وتعالى عليه فقَد وفِّقَ لخير كثيرٍ، وفي الحديث عن النبيِّ أنه قال: ((من صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدَّم من ذنبِه)).
أيها المسلمون، إن كثيرًا من الناس يتجهزون لرمضان، لكن مع الأسف لا يتجهزون بالتقوى، يتجهزون بالمطاعم والمشارب، ويتجهزون بالأفلام والمسلسلات أو قل: بالقنوات الفضائية، فها هي القنوات العربية والغربية تعلن دعاياتها باستقبال رمضان؛ فسهرة ليلة الخميس وسهرة ليلة الجمعة وسهرة ليلة كذا وكذا، وأغان ومسلسلات وأفلام هابطة، بهذا يستقبل رمضان عند بعض المسلمين، وينتهي رمضان وهم على هذه الحالة، فسهر بالليل إلى قرب الفجر، ثم النوم العميق إلى قرب المغرب، فإذا قام قضى ما فاته من الصلاة وكأنه يمن على الله بصيامه.
وهكذا أصبحنا رهينة لأعداء الله ولقمة سائغة لهم، أجلبوا بخيلهم ورجلهم، وسلطوا سهامهم في شهر رمضان، وأعدوا العدة للانقضاض على روح العبادة في هذا الشهر بأنواع المعاصي التي يجرون إليها الناس.
فأنت ترى في الإعلانات والدعايات: بمناسبة حلول شهر رمضان سيعرض الفلم الفلاني، وهكذا أصبح رمضان موسم للمحرمات وعرض الأفلام.
وبمناسبة شهر رمضان خصومات على الاشتراك في القنوات الفضائية، الأوائل في الفسق والمجون ومبارزة الله بالمعاصي، التقسيط ثلاثة شهور مجانًا، تسهيلات في قيمة جهاز فك الشفرة خمس قنوات بكذا وثلاث قنوات بكذا، كل هذا بمناسبة حلول شهر رمضان، فإلى الله المشتكى. نعم، بهذا أشغل شهر الصيام في أيامنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى محمد :
نستقبل في هذه الساعات القادمة ضيفا كريما، وشهرا عظيما، لم يبق بيننا وبينه إلا ساعات معدودة، فماذا أعددنا لهذا الضيف؟ وكيف سنستقبل هذا الشهر العظيم؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].
إن كثيراً من الناس يستعدون لشهر رمضان المبارك بتوفير ما يحتاجونه من مستلزمات الحياة من طعام وشراب، وكأن شهر رمضان أصبح شهراً للطعام وللأكل والشراب والنوم والخمول والكسل، لا شهراً للطاعة والعبادة والجهاد والعمل، هذا هو حالنا في هذه الأيام إلا من رحمه الله، أما صحابة محمد وسلف هذه الأمة الصالح فكانوا يستقبلون رمضان ويستعدون له ويتهيئون لقدومه قبل أن يأتي بستة أشهر يقولون: "اللهم بلغنا رمضان"، فإذا جاء رمضان أجهدوا أنفسهم في طاعة الرحمن، وفي التقرب إلى الله الواحد الديان، فإذا انقضى الشهر الكريم ودعوه بقية العام يقولون: "اللهم تقبل منا رمضان"، فكان عامهم كله رمضان، وكانت حياتهم كلها رمضان. فرضي الله عنكم يا أيها السلف يوم علمتم أن الحياة بسنينها وأعوامها ينبغي
{2691}
أن تصرف في مرضاة الله، ويوم علمتم أن الحياة ليست حياة الأكل والشرب والشهوة إنما هي حياة الطاعة والعبودية والاتصال بالله الواحد جل في علاه.
اعلموا ـ عباد الله ـ أنّكم مقبلون على موسم من خير المواسم، نَعَم إنه موسم الصيام والقيام والإكثار من قراءة القرآن، ونحن على أبواب شهر الصيام نسأل الله تعالى أن يبلغنا إياه، فإنه يجدر التنبيه على بعض الأمور التي ينبغي للمسلم فعلها والمسارعة إليها قبل دخول الشهر ليهيّئ نفسَه ويشوّقها للخير.
ومن تلكم الأمور الصيام والإكثار منه اقتداء برسول الله ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: لم يكن النبي يصوم شهرًا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله. متفق عليه. ومعنى قولها: "كلّه" أي: أكثرهُ، كما جاء عنها في رواية النسائي: لم يكن رسول الله لشهرٍ أكثر صيامًا من شعبان، كان يصومهُ أو عامتهُ. صحيح سنن النسائي (2218). قال ابن حجر رحمه الله: "كان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من صيامه فيما سواه، وكان يصوم معظم شعبان".وها هو شهر شعبان قد أزف على الرحيل، ولم تبق منه إلا بقية، فتداركها ـ أخي ـ بالصيام، فما هي إلا أيام قليلة، واحذر من تعمُّد الصيام من أجل الاحتياط لرمضان ومن صيام يوم الشك وهو يوم الثلاثين، فقد ورد النهي عن صيامه ما لم يكن يوافق صوما كنتَ تصومه كالاثنين والخميس وصيام يوم وفطر آخر، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إذا بقي نصفٌ من شعبان فلا تصوموا)) رواه الترمذي (738) وقال: "حسن صحيح"، قال الترمذي رحمه الله: "ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن يكون الرجل مفطرًا فإذا بقي من شعبان شيءٌ أخذ في الصوم لحال شهر رمضان". وقال : ((لا تقدّموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوما فليصمه)) رواه البخاري ومسلم.ومما ينبغي للمسلم كذلك الإكثار من قراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه والعمل به، قال سلمة بن كهيل: كان يقال: شهر شعبان شهر القرّاء، وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن. ومما ينبغي أن نسابق ونسارع إليه التوبة والإنابة إلى الله تعالى والمبادرة إلى ذلك قبل فوات الأوان، والتوبة واجبة على المسلم في كلّ حين، قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [التحريم:8].
والتوبة من صفات الأنبياء والصالحين، قال تعالى ممتدِحًا نبيه سليمان عليه السلام: وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:30] أي: رجّاع تواب إلى الله. والله تعالى يحبّ التائب من ذنوبه، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222].
فيا عبد الله، ها هو ربّك يناديك: قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، وها هو الله يفرح بتوبة التائب وندم النادم، قال : ((لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم سقَط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة)) رواه البخاري ومسلم، وهو سبحانه يبسط يده بالليل
{2692}
ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. فبادر بالتوبة، ودع عنك "لعل" و"سوف"، ولا يغرنّك طول الأمل؛ فإن الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل.
إن الناس في استقبالهم لرمضان على صنفين اثنين صنف يفرح بقدومه كما تفرح الأمة بطول غيبة فلدة كبدها يفرحون بهذا الشهر ويُسرُّون بقدومه، لأنهم عوَّدوا أنفسهم على الصيام ووطّنوها على تحمُّله وصنف يكرهه ويتضايق منه ويستعظم مشقّته، فإذا نزل به فهو كالضيف الثقيل، يَعُدّ ساعاته وأيامه ولياليه، منتظرا رحيله بفارغ الصبر ولذا قسمت الموضوع إلى مقطعين
**أولا>>المستعدون له بالوسائل الآتية:
أقول فلنطرح على أنفسنا سؤالا : ما هي الطرق السليمة لاستقبال هذا الشهر الكريم ؟ ايها الناس ينبغي للمسلم أن لا يفرط في مواسم الطاعات , وأن يكون من السابقين إليها ومن المتنافسين فيها , قال الله تعالى : { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} الآية ( المطففين : 26 ) فاحرص أخي المسلم على استقبال رمضان بالطرق السليمة التالية :
• الطريقة الأولى : الدعاء بأن يبلغك الله شهر رمضان وأنت في صحة وعافية , حتى تنشط في عبادة الله تعالى , من صيام وقيام وذكر , فقد روي عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ( رواه أحمد والطبراني ) . لطائف المعارف . وكان السلف الصالح يدعون الله أن يبلغهم رمضان , ثم يدعونه أن يتقبله منهم .** فإذا أهل هلال رمضان فادع الله وقل ( الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام , والتوفيق لما تحب وترضى ربي وربك الله ) [ رواه الترمذي , والدارمي , وصححه ابن حيان ]
• الطريقة الثانية : الحمد والشكر على بلوغه , قال النووي – رحمه الله – في كتاب الأذكار : ( اعلم أنه يستحب لمن تجددت له نعمة ظاهرة , أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة أن يسجد شكراً لله تعالى , أو يثني بما هو أهله ) وإن من أكبر نعم الله على العبد توفيقه للطاعة , والعبادة فمجرد دخول شهر رمضان على المسلم وهو في صحة جيدة هي نعمة عظيمة , تستحق الشكر والثناء على الله المنعم المتفضل بها , فالحمد لله حمداً كثيراً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه .
• الطريقة الثالثة : الفرح والابتهاج , ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بمجئ شهر رمضان فيقول : ( جاءكم شهر رمضان , شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم ... الحديث . ( أخرجه أحمد ) .
وقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان , ويفرحون بقدومه , وأي فرح أعظم من الإخبار بقرب رمضان موسم الخيرات , وتنزل الرحمات .
{2693}
• الطريقة الرابعة : العزم والتخطيط المسبق للاستفادة من رمضان , الكثيرون من الناس وللأسف الشديد حتى الملتزمين بهذا الدين يخططون تخطيطاً دقيقاً لأمور الدنيا , ولكن قليلون هم الذين يخططون لأمور الآخرة , وهذا ناتج عن عدم الإدراك لمهمة المؤمن في هذه الحياة, ونسيان أو تناسى أن للمسلم فرصاً كثيرة مع الله ومواعيد مهمة لتربية نفسه حتى تثبت على هذا الأمر ومن أمثلة هذا التخطيط للآخرة , التخطيط لاستغلال رمضان في الطاعات والعبادات , فيضع المسلم له برنامجاً عملياً لاغتنام أيام وليالي رمضان في طاعة الله تعالى وذالك مثل :
ضبط أوقات الحفظ...وعدم تفويت حضور حلقات العلم ..والحرص على حضور الجماة مع الاهتمام بصلاة التراويح ..
• الطريقة الخامسة : عقد العزم الصادق على اغتنامه وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة , فمن صدق الله صدقه وأعانه على الطاعة ويسر له سبل الخير , قال الله عز وجل : { فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ } [ محمد : 21}
• الطريقة السادسة : العلم والفقه بأحكام رمضان , فيجب على المؤمن أن يعبد الله على علم , ولا يعذر بجهل الفرائض التي فرضها الله على العباد , ومن ذلك صوم رمضان فينبغي للمسلم أن يتعلم مسائل الصوم وأحكامه قبل مجيئه , ليكون صومه صحيحاً مقبولاً عند الله تعالى : { فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [ الأنبياء :7}
• الطريقة السابعة : علينا أن نستقبله بالعزم على ترك الآثام والسيئات والتوبة الصادقة من جميع الذنوب , والإقلاع عنها وعدم العودة إليها , فهو شهر التوبة فمن لم يتب فيه فمتى يتوب ؟" قال الله تعالى : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ النور : 31].
• الطريقة الثامنة : التهيئة النفسية والروحية من خلال القراءة والاطلاع على الكتب والرسائل , وسماع الأشرطة الإسلامية من { المحاضرات والدروس } التي تبين فضائل الصوم وأحكامه حتى تتهيأ النفس للطاعة فيه فكان النبي صلى الله عليه وسلم يهيء نفوس أصحابه لاستغلال هذا الشهر , فيقول في آخر يوم من شعبان : جاءكم شهر رمضان ... إلخ الحديث أخرجه أحمد والنسائي ( لطائف المعارف ).
• الطريقة التاسعة : الإعداد الجيد للدعوة إلى الله فيه , من خلال :
1- تحضير بعض الكلمات والتوجيهات تحضيراً جيداً لألقائها في مسجد الحي .
2- توزيع الكتيبات والرسائل الوعظية والفقهية المتعلقة برمضان على المصلين وأهل الحي .
3- إعداد ( هدية رمضان) وبإمكانك أن تستخدم في ذلك ( الظرف) بأن تضع فيه شريطين وكتيب , وتكتب عليه (هدية رمضان) .أو بعض النقود خاصة على البيوت المعسرة والفقيرة
4- التذكير بالفقراء والمساكين , وبذل الصدقات والزكاة لهم .
{2694}
• الطريقة العاشرة : نستقبل رمضان بفتح صفحة بيضاء مشرقة مع :الله سبحانه وتعالى بالتوبة الصادقة . قال الله تعالى : [ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ]
قال الله تعالى :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ.>قال الله تعالى : <إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا النساء 17
وقال تعالى : <وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)
عن قتادة ،رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لأتوب في اليوم سبعين مرة"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال : أستغفر الله ... الذي لا إله إلا هو الحي القيوم و أتوب إليه ثلاثا غفرت له ذنوبه و إن كان فارا من الزحف
++وصفحة مشرقة مع الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر .
وصفحة مشرقة مع الوالدين والأقارب , والأرحام والزوجة والأولاد بالبر والصلة .
و فتح صفحة بيضاء مع المجتمع الذي تعيش فيه حتى تكون عبدا صالحا ونافعا قال صلى الله عليه وسلم : خير الناس أنفعهم للناس قال الشيخ الألباني : ( حسن ) انظر حديث رقم : 3289 في صحيح الجامع. اهـ أخوكم خالد بن عبدالرحمن الدرويش
الإحساء – الهفوف
الطريقةالحادية عشرة : الإخلاص لله في الصيام:– قال تعالى فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)الكهف والإخلاص روح الطاعات، ومفتاح لقبول الباقيات الصالحات، وسبب لمعونة وتوفيق رب الكائنات، وعلى قدر النية والإخلاص والصدق مع الله وفي إرادة الخير تكون معونة الله لعبده المؤمن، قال ابن القيم - رحمه الله -: (وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك يكون توفيقه - سبحانه وتعالى- وإعانته...).
الطريقة الثانيةعشرة :سلامة الصدر مع المسلمين . . . وألا تكون بينك وبين أي مسلم شحناء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه إلا مشرك أو مشاحن " - صحيح الترغيب والترهيب 1016
الطريقة الثالثة عشرة : الاهتمام بالواجبات مثل صلاة الجماعة في الفجر وغيرها حتى لا يفوتك أدنى أجر في رمضان ، ولا تكتسب ما استطعت من الأوزار التي تعيق مسيرة الأجر .
الطريقة الرابعة عشرة : التعود على صلاة الليل والدعاء واتخاذ ورد يومي من القران حتى لا تضعف في وسط الشهر . إضافة إلى ذلك اتخاذ أوقات خاصة لقراءة
{2695}
القرآن بعد الصلوات أو قبلها أو بين المغرب والعشاء أو غيرها من الأوقات خلال شعبان ورمضان وما بعدهما بإذن الله
عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن..ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة.
الطريقة الخامسة عشرة: محاسبة النفس على تقصيرها في تحقيق الشهادتين أو التقصير في الواجبات أو التقصير في عدم ترك ما نقع فيه من الشهوات أو الشبهات
فيُقوم العبد سلوكه ليكون في رمضان على درجة عالية من الإيمان .. فالإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصيةيزيد حتى يكون كالجبل وينقص حتى لايبقى منه شيء كم قال بن عيينة
الطريقة السادسة عشرة : أن يكون قلبك سليما من الشرك والكفر والبدعة والركون إلى أهلها. قال تعالى يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)الشعراء قال تعالى وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)
الطريقة السابعة عشرة :الاستعداد لإفطار الصائمين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فطر صائما أو جهز غازيا فله مثل أجره قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 6414 في صحيح الجامع
ولا تنس الفقراء فإن من أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرورا تدخله على قلب مسلم ولاشك سرور تدخله على فقير بوجبة في رمضان من أحب الأعمال إلى الله عزوجل في بغية الحارث: عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللهِ وَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ >
وفيه أيضا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ مِنَ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ إِدْخَالَكَ السُّرُورَ عَلَى أَخِيكَ الْمُسْلِمِ إِشْبَاعَ جَوْعَتِهِ وَتَنْفِيسَ كُرْبَتِهِ > ..جمع وذاد عليه أبوصهيب ال الريس.اهـ صيد الفوائد.
الطريقة الثامنةعشرة : سنية التهنئة بدخول رمضان: للحديث التالي :
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم)) [النسائي والبيهقي بسند حسن، صحيح الترغيب:418].
قال ابن رجب: "هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان، وغلق أبواب النيران، كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشيطان، من أين يشبه هذا الزمان زمان" [لطائف المعارف].
الطريقة التاسعة عشرةالاستعداد لرمضان باستثمار شعبان فهو كالمقدمة لرمضان: إن المسلمين في العصر الأول كان إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف
{2696}
فقرؤوها و أخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف و المسكين على صيام رمضان. و قال سلمة بن كهيل : كان يقال شهر شعبان شهر القراءواستثمار شعبان يكون بما يلي ::
1- زيادة نسبة الصوم وبالخصوص في النصف الأول منه مع الحرص على يوم الاثنين ويوم الخميس....2- زيادة نسبة قراءة القرآن الكريم...3- الإنفاق في سبيل الله وإخراج الزكاة إذا حل نصابها. ويجوز استعجالها...4- زيادة نسبة الاستغفار وحين التوبة.. وخصوصاً في النصف الأخير من شعبان...5- الصلاة في الثلث الأخير من الليل استعداداً لسحور رمضان....6- وأفضل الأعمال هي: سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها، ثم إرادة الخير لهم ونصيحتهم وأن تحب لهم ما تحب لنفسك ولتكن هذه الآية شعارك وحقيقة وجودك:{ ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}[الحشر 10] بهذا تكون أخي المسلم على حسن استعداد تام للفوز ببركة رمضان والحصول على فضائله والعطاء الرباني فيه....... لقد جمعت لك أخيّ عدة نقاط أراها مهمة في استقبال رمضان، ولعل هناك ما هو أهم منها ولكن هذا حسب ما فتح الله ويسر، والله أرجو أن ينفعنا وإياك:-
1- النية الخالصة :
من التأهب لرمضان وحسن الاستعداد له: أن تعقد العزم على تعميره بالطاعات وزيادة الحسنات وهجر السيئات، وعلى بذل المجهود واستفراغ كل الوسع في استغلال كل لحظة فيه في رضا الله سبحانه .وهذا العزم ضروري فإن العبد لا يدري متى توافيه منيته ولا متى يأتيه أجله ؟ فإذا انخرم عمره وسبق إليه من الله أمره، وعادت الروح إلى باريها قامت نيته مقام عمله فيجازيه الله على حسن نيته وعلى هذا العزم فينال الأجر وإن لم يعمل . عن ابن عباس رضي الله عنهما: [ إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعلمها كتبها الله له عنده حسنة كاملة ... ] الحديث متفق عليه، وقال[ إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى ]متفق عليه ونحن نعرف أناسًا كانوا معنا في رمضان الماضي وليسوا معنا في عامنا هذا وكم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله فصار قبله إلى ظلمة القبر .
فالنية النية، والعزم العزم، والإخلاص الإخلاص. (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة) (التوبة/46) (فلو صدقوا الله لكان خيرًا لهم) (محمد/21)
2 - التوبة الصادقة:-
وهي واجبة في كل وقت ومن كل ذنب، ولكنها في هذا الحين ألزم وأوجب لأنك مقبل على موسم طاعة، وصاحب المعصية لا يوفق للطاعة ولا يؤهل للقرب، فإن شؤم الذنوب يورث الحرمان ويعقب الخذلان، وإن قيد الذنوب يمنع عن المشي إلى طاعة الرحمن، وإن ثقل الذنوب يمنع الخفة للخيرات والمسارعة في الطاعات فتجد القلب في ظلمة وقسوة وبُعد عن الله وجفوة، فكيف يوفق مثل هذا للطاعة ؟ أو كيف يصلح للخدمة ؟ أو كيف يدعى للمناجاة وهو متلطخ بالأقذار والنجاسات ؟ فصاحب
{2697}
المعاصي المصر عليها لا يوفق إلى الطاعة فإن اتفق فبكد لا حلاوة فيه ولا لذة ولا صفوة ولا أنس ولا بهجة،.
قال أحد السلف : حرمت قيام الليل سنة بذنبٍ عملته . وعندما قيل للحسن لا نستطيع قيام الليل، قال قيدتك خطاياكم . وقال الفضيل : " إذا كنت لا تستطيع قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محبوس قد قيدتك ذنوبك".
. وعلامة الصدق كثرة الإلحاح ودوام الطلب وكثرة الاستغفار، فارفع يديك إليه وناجه وتوسل إليه بما توسل به آدم وحواء < قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين >أو بما توسل به يونس وهو في بطن الحوت < لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين > أو بما توسل به محمد واصحابه < وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل >..أو ردد الشعر الآتي لابن ناصر الدرعي المغربي
يا من يرى ما في الضمير ويسمع .. أنت المعد لكـل ما يتوقــــــــع
يا من يرجّى للشــدائد كلها .. يا من إليه المشتكى والمفـزع
يا من خزائن فضـله في قول كن .. امنن فإن الخير عندك أجمــــــع
مالي سوى فقـري إليك وسيلة .. فبالافتــقار إليك فقري أدفـــــــع
مالي سوى قرعي لبابك حــيلة .. فـإذا رددت فـأي باب أقــــــرع
ومن الذي أرجو وأهتف باسمه.. إن كان جودك عن فقيرك يمنع
حاشـا لفضلك أن تقنـط راجيا .. الجود أجـزل والمواهب أوســع
3 - معرفة شرف الزمان\\
فالوقت هو الحياة، وهو رأس مالك الذي تتاجر فيه مع الله، وتطلب به السعادة وكل جزء يفوت من هذا الوقت خاليًا من العمل الصالح يفوت على العبد من السعادة بقدره
قال ابن الجوزي: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف وقيمة وقته فلا يضيع فيه لحظة في غير قربه .
إذا كان رأس المال عمرك فاحترز **عليه من الإنفاق في غير واجب \
ورمضان من أنفس لحظات العمر، ومما يجعل الإنسان لا يفرط في لحظة منه أن يتذكر وصف الله له بأنه "أيامًا معدودات" وهي إشارة إلى أنها قليلة وأنها سرعان ما تنتهي، وهكذا الأيام الغالية والمواسم الفاضلة سريعة الرحيل، وإنما يفوز فيه من كان مستعدًا له مستيقظا إليه .فإذا أدرك الإنسان قصر وقت رمضان علم أن مشقة الطاعة سرعان ما تذهب وسيبقى الأجر وتوابعه من انشراح القلب وانفساح الصدر وفرحة العبد بطاعة الرب سبحانه .وكم من مشقة في طاعة مرت على الإنسان فذهب نصبها وتعبها وبقى أجرها عند الله إن شاء الله . وكم من ساعات لهوٍ ولعبٍ وغفلةٍ ذهبت وانقضت لذتها وبقيت تبعاتها.
وساعة الذكر فاعلم ثروة وغنى .. ... .. وساعة اللهو إفلاس وفاقات
4 - التقلل من الطعام:
وهو مقصد من مقاصد الصيام ومن مقاصد رمضان التعود على تقليل الطعام، وإعطاء المعدة فرصة للراحة، وإعطاء النفس فرصة للطاعة، فكثرة الطعام هذه هي التي قسَّت القلوب حتى صيرتها كالحجارة، وأثقلت على النفوس الطاعة، وزهدت
{2698}
الناس في الوقوف بين يدي الله . فمن أراد الاستمتاع بالصلاة فلا يكثر من الطعام، بل يخفف؛ فإن قلة الطعام توجب رقة القلب، وقوة الفهم، وإنكسار النفس، وضعف الهوى والغضب .
قال محمد بن واسع: من قل طعامه فهم وأفهم وصفا ورق، وإن كثرة الطعام تمنع صاحبها عن كثير مما يريد .
قال سلمة بن سعيد: إن كان الرجل ليعير بالبطن كما يعير بالذنب يعمله .في سنن ابن ماجه وغيره عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُفَّ جُشَاءَكَ عَنَّا فَإِنَّ أَطْوَلَكُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُكُمْ شِبَعًا فِي دَارِ الدُّنْيَا] رواه الترمذي.
5 - تعلم أحكام فقه الصيام:
وأحكامه وآدابه حتى يتم الإنسان صيامه على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه فيسحتق بذلك تحصيل الأجر والثواب وتحصيل الثمرة المرجوة والدرة الغالية وهي التقوى، وكم من إنسان يصوم ولا صيام له لجهله بشرائط الصيام وآدابه وما يجب عليه فيه، وكم ممن يجب عليه الفطر لمرض مهلك أو لعذر شرعي، ولكنه يصوم فيأثم بصومه، فلابد من تعلم فقه الصيام وأحكامه، وهذا واجب وفرض من عين على من وجب عليه الصيام .
6 - تعويد النفس على\
(أ) الصيام: وقد كان النبي يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلاً . وكان هذا ضروريًا لتعويد النفس على الصيام حتى إذا جاء رمضان كانت مستعدة بلا كلفة ولا تعب يمنعه عن العمل ويحرمه من كثرة التعبد
(ب) القيام: وهي سنة عظيمة أضعناها، ولذة عجيبة ما تذوقناها، وجنة للمؤمنين في هذه الحياة ولكنا يا للأسف ما دخلناها ولا رأيناها . مدرسة تربى فيها النفوس، وتزكى فيها القلوب، وتهذب فيها الأخلاق . عمل شاق، وجهاد عظيم لا يستطيعه إلا الأبطال من الرجال، والقانتات من النساء، الصابرين والصادقين ... بالأسحار . هو وصية النبي لنا وعمل الصالحين قبلنا: [عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد] رواه الترمذي .
إن تعويد النفس على قيام الليل ضروري قبل رمضان وبعد رمضان وهو إن كان لازمًا لكل الناس فهو للدعاة والأئمة ألزم،.
(ج) كثرة التلاوة: شهر رمضان شهر القرءان، فللقرآن في رمضان مزية خاصة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتدارس القرآن مع سيدنا جبريل في رمضان كما في حديث ابن عباس وذلك كل ليلة، وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل في قيامه جدًا كما في حديث حذيفة .
وهكذا كان السلف والأئمة يولون القرآن في رمضان اهتمامًا خاصًا .
7ـ المسابقة والجدية\\
وهي أصل في العبادة كما في كتاب الله وسنة رسوله، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133)
{2699}
وقال سبحانه: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد:21) وفي الحديث: سبق المفردون سبق المفردون قالوا: وما المفردون يا رسول الله! قال "الذاكرون الله كثيرًا، والذاكرات".
وقد كان كل واحد من الأولين يعتبر نفسه المخاطب بهذا الأمر دون غيره فكانوا يتسابقون في الطاعة يدلك على هذا ما أثر عنهم من قولهم: "لو أن رجلا بالمشرق سمع أن رجلا بالمغرب أحب إلى الله منه فانصدع قلبه فمات كمدا لم يكن عجبا" .
وقالت جارية لعمرو بن دينار: رأيت في المنام كأن مناديا ينادي: الرحيل .. الرحيل، فما رحل إلا محمد بن واسع !! فبكى عمرو حتى وقع مغشيا عليه..
ثانيا المتضايقون من رمضان >>
أقول وهناك صنف من الناس ضاقت نفوسهم بهذا الشهر العظيم، ورأوا فيه حبسًا عن المتَع والشهوات، فضاقوا به وتمنّوا أن لم يكن قد حلّ، لا يعرفون من رمضان إلا أنه وقت السهر في الليل على اللهو والغفلة، ووقت النوم في النهار، فتجده معظم نهاره نائمًا، فينام حتى عن الصلاة المفروضة. وقد روت لنا كتب الأدب خبر واحد من هؤلاء، أدركه شهر رمضان فضاق به ذرعًا فجعل يقول:
أتانِي شهر الصوم لا كان من شهر ... ولا صمت شهرًا بعده آخِرَ الدهـــــــــر
فلو كان يعديني الأنام بقــــــــــــوة ... على الشهر لاستعديت قومي على الشهر
فابتلاه الله عز وجل بمرض الصرع، فصار يصرع في كل رمضان.فتأمل حالك أيها الأخ المسلم، وانظر من أي الأصناف أنت.
والحاصل أن الناس في استقبالهم لرمضان على صنفين اثنين. أما الصنف الأول: فهم الذين يفرحون بهذا الشهر ويُسرُّون بقدومه، لأنهم عوَّدوا أنفسهم على الصيام ووطّنوها على تحمُّله، ولهذا جاء في السنة النبوية استحباب صيام الاثنين والخميس وأيام البيض ويوم عرفة ويوم عاشوراء مع يوم قبله وصيام شعبان وغير ذلك من أنواع الصيام المُستحب الذي سنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ليعتادوا الصوم ويتزوَّدوا من التقوى. وأثر ذلك واضح في الواقع، فإنّك تجد الذي يصوم النفل لا يستثقل صيام رمضان بل هو عنده أمر يسير لا كُلفة فيه ولا عناء، وأما الذي لا يصوم شيئاً من النافلة فإنّ رمضان يكون عليه ثقيلاً شاقاً.
ولقد كان السلف مِثالاً رائعاً في الحرص على النوافل، ورُوي عنهم في ذلك قصص عجيبة، من ذلك
أن قوماً من السلف باعوا جاريةً لهم لأحد الناس فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات لاستقبال رمضان كما يصنع كثير من الناس اليوم، فلما رأت الجارية ذلك منهم قالت: لماذا تصنعون ذلك؟ قالوا لاستقبال شهر رمضان فقالت: وأنتم لا تصومون إلا
{2700}
في رمضان، والله لقد جئت من عند قوم السنة عندهم كأنّها كلُّها رمضان، لا حاجة لي فيكم رُدّوني إليهم ورجعت إلى سيدها الأول.
ويروى أن الحسن بن صالح وهو أحد الزّهاد العُبّاد الأتقياء كان يقوم الليل هو وأخوه وأمّه ثلاثاً أي يقوم هو الثلث الأول، وأخوه الثلث الثاني، وأمّه الثلث الثالث فلما ماتت أمه صار يقوم هو نصف الليل وأخوه النصف الآخر، فلما تُوفي أخوه صار يقوم الليل كلّه.
وكان لدى الحسن بن صالح هذا جارية، فاشتراها منه بعضهم فلما انتصف الليل عند سيدها الجديد قامت تصيح في الدار: الصلاة الصلاة. فقاموا فَزعين وسألوها هل طلع الفجر؟ فقالت: وأنتم لا تُصلّون إلا المكتوبة؟ فلما أصبحت رجعت إلى الحسن بن صالح وقالت له: لقد بِِعتني إلى قوم سوء لا يُصلّون إلا الفريضة ولا يصومون إلا الفريضة، فردّني فردّني.
وأما الصنف الثاني: الذين يستقبلون هذا الشهر ويستعظمون مشقّته، فإذا نزل بهم فهو كالضيف الثقيل، يَعُدّون ساعاته وأيامه ولياليه، منتظرين رحيله بفارغ الصبر، يفرحون بكل يوم يمضي منه حتى إذا قرُب العيد فرحوا بِدُنوّ خروج هذا الشهر، وهؤلاء إنما استثقلوا هذا الشهر وتطلّعوا إلى انتهائه لأنهم اعتادوا التوسُّع في الملذات والشهوات من المآكل والمشارب فضلاً عن ارتكابهم للذات المُحرّمة كالنظر إلى النساء وعدمِ غضّ البصر وغيرها. فوجدوا في هذا الشهر مانعاً وقيداً يَحبِسهم عن شهَواتهم، ويَحول بينهم وبين ملذّاتهم، لذلك ثَقُل عليهم رمضان ولأنهم قوم عظُم تقصيرهم في الطاعات حتى إنّ منهم من قد يُفرِّط في الفرائض والواجبات، كالصلاة فإذا جاء هذا الشهر التزموا ببعض الطاعات، فترى مَثلاً بعض المُفرِّطين والمُقصّرين يتردّدون في هذا الشهر على المساجد ويشهدون الجُمَع والجماعات ويواظبون على الصيام والصلاة، فبسبب هذا الالتزام الذي لم يألَفوه ولم يتعوَّدوا عليه استعظموا حِمْل هذا الشهر، هكذا حال الذين يستقبلون رمضان لأنهم سيفارقون ما ألِفوه من الشهوات ويلتزمون ببعض العبادات هذا مع ضعف يقينهم بما أعدّه الله تبارك وتعالى للمؤمنين وعدم استحضارهم لِفضل هذا الشهر وما فيه من الأجور العظيمة، فلا عجَب ألا يجدوا من اللذة والفرح والسرور بهذا الضيف الكريم ما يجده الصادقون المؤمنون.
كم من شخص سمع موعظة ثم ها هو الآن موسّد في الثرى يتمنى لحظة يسبّح فيها تسبيحة فلا يقدر عليها، ويرجو ثانية ينطق فيها بلا إله إلا الله فلا يجاب رجاؤه في منتدى لماذا لانتعلم :
{2701}
رمضان فرصة الزمان .. هكذا ينبغي أن يعتقد المسلم، وهكذا كان يعتقد سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، فلم يكن رمضان بالنسبة لهم مجرد شهر من الشهور، بل كان له في قلوبهم مكانة خاصة ظهرت واضحة من خلال استعدادهم له واحتفائهم به ودعائهم وتضرعهم إلى الله تعالى أن يبلغهم إياه لما يعلمون من فضيلته وعظم منزلته عند الله عز وجل .
اسمع إلى معلى بن الفضل وهو يقول: كانوا " يعني الصحابة " يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم . وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، اللهم سلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً.
والدعاء ببلوغ رمضان، والاستعداد له سنة عن النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم فقد روى الطبراني عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان". (قال الألباني: إسناده فيه ضعف) .
وقد وصفت أمنا عائشة رضي الله عنها حال نبينا صلى الله عليه وسلم في استعداده لرمضان فقالت: كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً .
فهذا عن استعدادهم فكيف عن استعدادنا نحن ؟!! اللهم اجعلنا ممن يصومون ويفلحون ولا تجعلنا ممن يصومون ويخسرون جمع حميد أمين تولاه الله بلطفه آمين
لست ربوت