نحن بصدد متابعة جزء من قصة ابيقور في نهايتها قبل أن يصعد جبل تدغين و يخنق روحه ليعيش بجسد فقط لا يحمل أي ذرة من القيم الإنسانية و الكونية ./ .
وقف رجل آخر في 45 من عمره ضخم البنية ملامحه توحي بالشر : السلام عليكم إخوتي طريق السلامة . ( الله يقضي غرض كل واحد فيكم و يوصلكم على خير ) أنا اخوتي تم تلفيق تهمة لي و عليها أمضيت سنوات خلف القضبان وبعد الإفراج تبت إلى الله و أتممت نصف ديني و طويت صفحة الماضي . رزقت بطفلة ، مشكلتي أينما ذهبت لطلب عمل يطلبون السجل العدلي و لأني سجين سابق لا يقبلون تشغيلي رغم أنني بريء مما نسب لي. أنا الآن رب عائلة ولي طفلة من أين لي المال لاشتري لها الحليب ؟ لأشتري لها الحفاظات ؟ كيف سأضمن لها العيش ؟ ( فين كانوا هاد الأسئلة وأنت راكب ) لم يستجب لتوسلاته المتكررة سوى 4 أشخاص بدراهم معدودات أججت الغضب الساكن في داخله ليلقي خطابا فيه تهديد و وعيد : ( بغيتونا رجعوا للحبس – نديوا لبنادم ديالوا – وتتقولوا مال لكريساج كثر – اللهم الحبس ياك )
لم يكن يعلم ابيقور أن سبب السرقة و ( لكريساج ) هم ركاب الحافلات لأنهم لا يعطون الصدقات للمتسولين ...
يحكى أن شيخا متسولا كان يصعد للحافلات و يستظهر بعض الآيات القرآنية ثم يطلب المال في إحدى المرات صعد حافلة استظهر و استظهر واستظهر ولم يعطه احد . وهو يهم بالنزول من الحافلة سأله أحد المسافرين إلى أين تتجه هذه الحافلة يا شيخ ؟ أجاب الشيخ : إلى جهنم وبئس المصير .
للسرقة أوجه مختلفة أهمها الاختلاس والنهب والسطو والاحتيال والاستيلاء، وما يقوم به هؤلاء المتسولون من اختلاق قصص وهمية هو نوع من السرقة عبر الاحتيال يشبهون في ذلك المسؤولين الفاسدين الذين يختلسون المال العام و باحتيال كبير. عندما تفكك خيوطه تبقى مشدوها أمام هذا الفعل الجرمي . و نأخذ مثالا على ذلك يقوم احد المسؤولين الفاسدين بتدشين مشروع ما يحضر إلى جانبه رؤساء المصالح الخارجية والمصالح الأمنية و القضائية بالإضافة إلى المجتمع المدني و عموم المواطنين . الجميع يبارك ويشارك و يسعد لذلك المشروع و لغاياته التي سيحققها ولكن في العمق المسؤول الفاسد في " قرقارة " نفسه يعتبر هذا التدشين هو مباركة و تعبئة لكسب الشرعية التي من خلالها سيلهف ميزانية ذلك المشروع . هذه هي السرقة بالمنهجية وأمام أعين السلطات .
رحلة ابيقور هذه كانت بسبب عملية سرقة أيضا تعرض لها . لقد سرقوا أحلامه – سرقوا ابتسامته – سرقوا راحة باله – سرقوا روحه ليتحول إلى مادة فقط . هنالك لصوص يسرقون أرقى ما لديك من المشاعر النبيلة و هذه السرقة قد لا تكلفك مالا أو جهدا، ولكنها تكلفك تعبا روحيا وارتباكا وشعورا بالقلق وضياع السكينة و الثقة .
توقفت الحافلة بمحطة الجديدة ، نفس الأسئلة منذ عشرات السنين : ( شي بيت اخويا – شي دار اختي – طاكسي اخويا ) ... أزبال – رائحة البول – حمقى – متشردين - حافلات مهترئة ...
مضحك ما يروج له سماسرة الوهم في كل مرة يخرجون لنا (بشي concept du marketing ) المغرب يتحرك – المغرب اللامع - مغرب الحداثة - رؤية 2020 ... يكفي لأي سائح أو مواطن مغربي أراد أن يقف عند زيف الشعارات بزيارة لمحطة طرقية لأي مدينة سياحية أو اقتصادية أو إدارية ...
بفندق أكدال المحادي لشارع الأمير le prince ، حط ابيقور رحاله في غرفة بسرير واحد بمبلغ 50 درهم لليلة كما توجد غرف من 2 و 3 و 4 أسرة و حديقة وسط الفندق يمكنك ضرب خيمة بها بمبلغ زهيد 30 درهم لليلة .الصمت والسكون يعم المكان . فضاء للنوم و التهام الكتب . بعدما أغلق باب الغرفة توجه نحو لمريسة لتناول وجبة من السمك الطازج frais الذي يفتقده في الشاك رباك ربن .ان أكثر الأشياء التي يحبها ويعشقها ابيقور هي : الحرية – الحوت – البحر .
ولكن للأسف فقد أضحى الحوت و البحر يذكرانه بماض مؤلم يريد التخلص منه . كل واحد له ماض لا يحب أن يذكره وانكسارات ومواقف مؤلمة أو مخزية لا يتمنى انكشافها ولا أن يذكره الآخرون بها . حتى تلك المواقف التي حسبت عليه أو القصة التي كان بطلها والأفكار التي كان من سدنتها والمخلصين لها حين كان يعيش حماستها بصدق أعماه التعصب لها . لم يجني منها سوى الخيبة و القهر النفسي و الخذلان . يعيش ابيقور الآن بحقيقة واحدة هي انه حي يرزق يمشي في الأسواق ويسمع الأصوات و يتنفس الهواء ويحس بالجوع و يكتب . جلس في مرتفع يتأمل في عظمة البحر الذي يشبه كثيرا الإنسان من حيث المتناقضات التي يشتركان فيها : هدوء وعاصفة - سكينة وصخب- كرم وبخل - خير وشر- لين و قسوة - بساطة و جبروت - أمان وخوف - غدر ووفاء… تذكر في هذه الأثناء أستاذة العلوم الطبيعية في سلك الإعدادي وهي تشرح درس الصفائح التكتونية: أن المنطقة التي توجد بها الشاك رباك ربن كانت تغمرها مياه البحر في الماضي السحيق وما يدل على ذلك وجود التراب الأصفر وبقايا عظمية مع أسنان الأسماك ... تدخل تلميذ كان يلقبه التلاميذ ب " بوعو " وسأل لماذا لم يبقى البحر هنا أستاذة ؟ أجابه أحد الكوسالة : ( هرب باش ميشوفش غنزورك أبوعو ) ضحك الجميع وعمت الفوضى و طردت الأستاذة الكسول .
يرى ابيقور أن البحر كان حكيما في اختياره الرحيل من الشاك رباك ربن قبل ملايين السنين كيف كان سيكون حاله اليوم وحال أسماكه وطحالبه و رماله و ما يوجد في قعره مع هذا ( المجتمع المدني و الإعلام و الساسة و المسؤولين ) ؟ أطلقوا العنان لمخيلاتكم و اضحكوا من هول الموقف فما عاد وقت للحزن أو الخوف أو التأسف أو أن يحز في نفسك شيء . فلا شيء يستحق سوى اللحظات التي مازلت تتنفس فيها . قل ما تريد الآن حتى لا تزحم قبرك بالكلمات .
يا شمس هذا المساء أراك الآن ترحلين .. تاركة لنا الظلام يحوم حول الخيام... يتبع
عاطف الرقيبة
لم يكن يعلم ابيقور أن سبب السرقة و ( لكريساج ) هم ركاب الحافلات لأنهم لا يعطون الصدقات للمتسولين ...
يحكى أن شيخا متسولا كان يصعد للحافلات و يستظهر بعض الآيات القرآنية ثم يطلب المال في إحدى المرات صعد حافلة استظهر و استظهر واستظهر ولم يعطه احد . وهو يهم بالنزول من الحافلة سأله أحد المسافرين إلى أين تتجه هذه الحافلة يا شيخ ؟ أجاب الشيخ : إلى جهنم وبئس المصير .
للسرقة أوجه مختلفة أهمها الاختلاس والنهب والسطو والاحتيال والاستيلاء، وما يقوم به هؤلاء المتسولون من اختلاق قصص وهمية هو نوع من السرقة عبر الاحتيال يشبهون في ذلك المسؤولين الفاسدين الذين يختلسون المال العام و باحتيال كبير. عندما تفكك خيوطه تبقى مشدوها أمام هذا الفعل الجرمي . و نأخذ مثالا على ذلك يقوم احد المسؤولين الفاسدين بتدشين مشروع ما يحضر إلى جانبه رؤساء المصالح الخارجية والمصالح الأمنية و القضائية بالإضافة إلى المجتمع المدني و عموم المواطنين . الجميع يبارك ويشارك و يسعد لذلك المشروع و لغاياته التي سيحققها ولكن في العمق المسؤول الفاسد في " قرقارة " نفسه يعتبر هذا التدشين هو مباركة و تعبئة لكسب الشرعية التي من خلالها سيلهف ميزانية ذلك المشروع . هذه هي السرقة بالمنهجية وأمام أعين السلطات .
رحلة ابيقور هذه كانت بسبب عملية سرقة أيضا تعرض لها . لقد سرقوا أحلامه – سرقوا ابتسامته – سرقوا راحة باله – سرقوا روحه ليتحول إلى مادة فقط . هنالك لصوص يسرقون أرقى ما لديك من المشاعر النبيلة و هذه السرقة قد لا تكلفك مالا أو جهدا، ولكنها تكلفك تعبا روحيا وارتباكا وشعورا بالقلق وضياع السكينة و الثقة .
توقفت الحافلة بمحطة الجديدة ، نفس الأسئلة منذ عشرات السنين : ( شي بيت اخويا – شي دار اختي – طاكسي اخويا ) ... أزبال – رائحة البول – حمقى – متشردين - حافلات مهترئة ...
مضحك ما يروج له سماسرة الوهم في كل مرة يخرجون لنا (بشي concept du marketing ) المغرب يتحرك – المغرب اللامع - مغرب الحداثة - رؤية 2020 ... يكفي لأي سائح أو مواطن مغربي أراد أن يقف عند زيف الشعارات بزيارة لمحطة طرقية لأي مدينة سياحية أو اقتصادية أو إدارية ...
بفندق أكدال المحادي لشارع الأمير le prince ، حط ابيقور رحاله في غرفة بسرير واحد بمبلغ 50 درهم لليلة كما توجد غرف من 2 و 3 و 4 أسرة و حديقة وسط الفندق يمكنك ضرب خيمة بها بمبلغ زهيد 30 درهم لليلة .الصمت والسكون يعم المكان . فضاء للنوم و التهام الكتب . بعدما أغلق باب الغرفة توجه نحو لمريسة لتناول وجبة من السمك الطازج frais الذي يفتقده في الشاك رباك ربن .ان أكثر الأشياء التي يحبها ويعشقها ابيقور هي : الحرية – الحوت – البحر .
ولكن للأسف فقد أضحى الحوت و البحر يذكرانه بماض مؤلم يريد التخلص منه . كل واحد له ماض لا يحب أن يذكره وانكسارات ومواقف مؤلمة أو مخزية لا يتمنى انكشافها ولا أن يذكره الآخرون بها . حتى تلك المواقف التي حسبت عليه أو القصة التي كان بطلها والأفكار التي كان من سدنتها والمخلصين لها حين كان يعيش حماستها بصدق أعماه التعصب لها . لم يجني منها سوى الخيبة و القهر النفسي و الخذلان . يعيش ابيقور الآن بحقيقة واحدة هي انه حي يرزق يمشي في الأسواق ويسمع الأصوات و يتنفس الهواء ويحس بالجوع و يكتب . جلس في مرتفع يتأمل في عظمة البحر الذي يشبه كثيرا الإنسان من حيث المتناقضات التي يشتركان فيها : هدوء وعاصفة - سكينة وصخب- كرم وبخل - خير وشر- لين و قسوة - بساطة و جبروت - أمان وخوف - غدر ووفاء… تذكر في هذه الأثناء أستاذة العلوم الطبيعية في سلك الإعدادي وهي تشرح درس الصفائح التكتونية: أن المنطقة التي توجد بها الشاك رباك ربن كانت تغمرها مياه البحر في الماضي السحيق وما يدل على ذلك وجود التراب الأصفر وبقايا عظمية مع أسنان الأسماك ... تدخل تلميذ كان يلقبه التلاميذ ب " بوعو " وسأل لماذا لم يبقى البحر هنا أستاذة ؟ أجابه أحد الكوسالة : ( هرب باش ميشوفش غنزورك أبوعو ) ضحك الجميع وعمت الفوضى و طردت الأستاذة الكسول .
يرى ابيقور أن البحر كان حكيما في اختياره الرحيل من الشاك رباك ربن قبل ملايين السنين كيف كان سيكون حاله اليوم وحال أسماكه وطحالبه و رماله و ما يوجد في قعره مع هذا ( المجتمع المدني و الإعلام و الساسة و المسؤولين ) ؟ أطلقوا العنان لمخيلاتكم و اضحكوا من هول الموقف فما عاد وقت للحزن أو الخوف أو التأسف أو أن يحز في نفسك شيء . فلا شيء يستحق سوى اللحظات التي مازلت تتنفس فيها . قل ما تريد الآن حتى لا تزحم قبرك بالكلمات .
يا شمس هذا المساء أراك الآن ترحلين .. تاركة لنا الظلام يحوم حول الخيام... يتبع
عاطف الرقيبة
لست ربوت