تابعنا في الجزء الأول من هذا البورتريه نشأة عبد الرحمان اليوسفي، وحيثيات دخوله غمار السياسة، ثم توقفنا في النهاية عند رفضه الالتحاق بحزب الاستقلال ثانية، غداة عودته إلى المغرب بعد أن أتم دراسته بفرنسا.
فما الذي حدث بعد ذلك؟ ذاك ما سنتعرف عليه في هذا الجزء الثاني.
الحقيقة أن حزب الاستقلال، بالرغم من أنه، منذ بداية أربعينيات القرن الماضي، أخذ يضم في صفوفه العمال وصغار التجار والفلاحين-على غير عهده، إلا أن قيادته فضلت الانكفاء على نفسها، وجلها لم ينظر بعين الرضا إلى هذا التوسع في قاعدة الحزب وطبيعة المنتمين الجدد إليه.
حاولت العناصر الشابة، مثل المهدي بنبركة، تصحيح هذا الخطأ بعد الاستقلال، لكن القيادة أغلقت أمامهم أبواب اللجنة التنفيذية. من هنا، جاءت مبادرة بنبركة بتكوين ما سمي بـ”اللجنة السياسية”.
لجنة ضمت أغلبية العناصر الشابة، التي بادرت إلى عقد مؤتمرات جهوية لإعادة تنظيم الحزب. هذه العملية أطلق عليها حينذاك اسم “الجامعات المستقلة لحزب الاستقلال”.
بعد شنآن مع القيادة ورفع دعوى قضائية ضد هذا التيار لاستغلاله اسم الحزب، لن ينتظر التنظيم الجديد بت القضاء، إنما سارع إلى عقد اجتماع بطنجة، أعلن فيه عن تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي عقد مؤتمر تأسيسه لاحقا بالدار البيضاء، في الـ6 من شتنبر 1959.
اليوسفي كان إذن أحد مؤسسي هذا الحزب. وقد ترأس بعد ذلك تحرير جريدة “التحرير”. في الـ14 من دجنبر 1959، حجزت الجريدة ومنعت من التوزيع، بدعوى أن افتتاحية العدد تتضمن جملة تقول: “إذا كانت الحكومة مسؤولة أمام جلالة الملك، فإنها أيضا مسؤولة أمام الرأي العام”.
بعد وفاة الكاتب الأول للحزب، عبد الرحيم بوعبيد، عام 1992، اتفقت قيادة الحزب على أن يلقي عبد الرحمان اليوسفي الكلمة التأبينية أمام جثمانه بمقبرة الشهداء بالرباط، فكانت تلك رسالة مفادها منحه مشعل قيادة الحزب.
السلطات لم تكتف بذلك، إنما اعتقلت اليوسفي من مكتبه، ومعه مدير الجريدة الفقيه محمد البصري، وتم نقلهما معا إلى سجن لعلو بالرباط. اليوسفي ظل هناك لـ15 يوما ثم أطلق سراحه نظرا لتردي وضعه الصحي.
حين تربع الملك الحسن الثاني على العرش، كان أول عهد الحزب بالمعارضة الفعلية معارضته لدستور 1962، بالرغم من أن أمانته العامة قررت المشاركة في أول انتخابات تشريعية سيشهدها المغرب، عام 1963.
الحزب رشح اليوسفي بمدينة طنجة، وقد نال أغلبية مريحة من الأصوات، قبل أن تعلن السلطات على الصعيد المركزي غير ذلك، كما يؤكد في مذكراته “أحاديث في ما جرى”.
ثم، في اجتماع حول المشاركة في الانتخابات البلدية، في نفس العام، اعتقل عدد من مناضلي الحزب بحجة التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وقد كان اليوسفي واحدا منهم.
صدرت في حق هؤلاء بعد ذلك أحكام عدة، أبرزها الإعدام في حق 11 شخصا من بينهم عمر بنجلون، فيما كان نصيب اليوسفي سنتين مع وقف التنفيذ. وبعد إطلاق سراحه، عاد ليستأنف نشاطه السياسي.
خلال هذه الفترة، كان عبد الرحيم بوعبيد في الخارج، لذا أصبح اليوسفي الوحيد في القيادة، الذي يجتمع مع الفريق النيابي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية في البرلمان، وقد تولى وبصفة تلقائية مهمة التنسيق معهم.
تنسيق أسفر عن تقديم ملتمس رقابة ضد السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي نهجتها الحكومة آنذاك، وكانت نهايته تعديل حكومي أعلن عنه في غشت 1964.
لعب اليوسفي دورا بارزا في التنسيق بين أطراف الدفاع المدني، والتنسيق مع وسائل الإعلام الدولية، التي غطت محاكمة قضية اختطاف المهدي بنبركة التي جرت أطوارها في باريس يونيو 1967.
هكذا، بعد نهايتها، نصحته قيادة الحزب بألا يعود للمغرب نظرا للدور الذي لعبه في هذه المحاكمة، وذاك ما كان، إذ اختار الاغتراب الاضطراري بفرنسا.
عاد هناك إلى متابعة دراسته، وأولى اهتماما بحقوق الإنسان، كما تولى الدفاع عن المناضلين الفلسطينيين أمام المحاكم الأوروبية، وكان أيضا عضوا في المحكمة الدولية ضد الجرائم التي ترتكب في الفيتنام وقتذاك.
دام ذلك لـ15 عاما. في الأخير، التقط بعض الإشارات؛ فالمغرب أصدر عام 1980 عفوا على مجموعة من المعارضين المنفيين في الخارج، بل واستقبل الملك الراحل، والدته، وقال لها: “لابنك أن يعود متى شاء، والوطن سيرحب به”، ناهيك عن إلحاح عبد الرحيم بوعبيد على عودته.
عاد اليوسفي إلى المغرب عام 1980، وبعد سنة توفيت والدته، ثم عايش مجموعة من الأحداث التي عرفها الحزب في صيغته الجديدة؛ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أبرزها اغتيال القيادي في الحزب؛ عمر بنجلون.
ثم، بعد وفاة الكاتب الأول للحزب، عبد الرحيم بوعبيد، عام 1992، اتفقت قيادة الحزب على أن يلقي عبد الرحمان اليوسفي الكلمة التأبينية أمام جثمانه بمقبرة الشهداء بالرباط، فكانت تلك رسالة مفادها منحه مشعل قيادة الحزب.
فما الذي حدث بعد ذلك؟ ذاك ما سنعرفه في الجزء الثالث والأخير من هذا البورتريه.
لست ربوت