ا
البدايات... هكذا أثر المهدي بنبركة في اليوسفي حد أن أدخله غمار السياسة (الجزء الأول)
البدايات... هكذا أثر المهدي بنبركة في اليوسفي حد أن أدخله غمار السياسة (الجزء الأول)
من منا لا يعرف اليوم عبد الرحمان اليوسفي؟ إنه ببساطة أحد أشهر رجالات السياسة بالمغرب.
الحديث عن سي عبد الرحمان -كما يحب أن يناديه المقربون-، حديث عن سيرة سياسية تمتد في الزمن طويلا، منذ عهدها بالحركة الوطنية، وإلى ما ليست نهايته، أفول حكومة التناوب التوافقي عام 2002.
سيرة رسم أبرز ملامحها في مذكراته التي نشرها عام 2018 بعنوان “أحاديث في ما جرى”… في هذا البورتريه، اعتمادا على أحاديثه هذه، نقترح عليكم مشوارا في سيرة حياة سليل طنجة، الوزير الأول، الثاني عشر، لمغرب ما بعد الاستقلال.
هذا الجزء الأول إذن كما يفصح عن ذلك العنوان؛ جولة في البدايات!
رأى عبد الرحمان اليوسفي النور ضواحي طنجة بحي اسمه الدرادب، في الـ8 من مارس 1924، لأب اسمه أحمد وأم تدعى فاطمة. كان أصغر إخوته الأشقاء، وكانت طنجة حينذاك تخضع لنظام دولي، فيما تعيش المنطقة بأسرها على إيقاع الحرب الريفية.
تلقى اليوسفي تعليمه الأولي بمدينته الأم، وتربى في كنف والده ومعلميه على احترام الغير والدفاع عن حقوقه، كما يقول في مذكراته. ثم في العام الذي توفي فيه والده؛ أي عام 1937، نال الشهادة الابتدائية.
كان اليوسفي يرغب في إتمام دراسته في ثانوية مولاي يوسف بالرباط. نجح في مباراة المنحة الدراسية، لكنه رُفض بعد ذلك لأن أباه كان من الملاك. قرار أثار حفيظة مندوب التعليم بطنجة فراسل مدير التعليم الثانوي المسؤول عن المنح، فأخبره باستحالة متابعة اليوسفي تعليمه بالرباط، بيد أنه يمكنه ذلك في مراكش.
هكذا، وجد نفسه منذ باكر عمره في مراكش قصد إتمام دراسته الثانوية. بعد عام من الدراسة هناك، نجح اليوسفي واقترح عليه مدير الثانوية أن يبعث بملفه إلى ثانوية مولاي يوسف. لكن المدينة الحمراء أسرته بسحرها، ففضل إتمام دراسته فيها.
لاحقا، التحق فعلا بثانوية مولاي يوسف لتحضير شهادة الباكالوريا. هناك، التقى لأول مرة بالمهدي بنبركة، الذي أثر فيه بنشاطه وحركيته الدائمة، يقول اليوسفي في مذكراته.
ثم حدث ذات يوم من عام 1943 أن استدعى بنبركة مجموعة شباب إلى بيت والدته بالرباط ليعرض عليهم أفكاره وخططه السياسية. كان اليوسفي واحدا من بينهم، فانتهى به المطاف إلى أدائه لليمين على المصحف، في دجنبر من ذات العام، كإعلان عن الانخراط في حزب الاستقلال.
عاد اليوسفي إلى طنجة يزورها، عام 1946، فكان أن بادر إلى تأسيس أول فرع لحزب الاستقلال بالمدينة. فرع سيكون له الفضل في تنظيم زيارة محمد الخامس الشهيرة للمدينة عام 1947.
بعد شهر من ذلك، قدمت وثيقة المطالبة بالاستقلال. اعتقلت سلطات الاستعمار عددا من قيادات الحزب، فاندلعت مظاهرات بالرباط، وقرر اليوسفي إسوة بزملائه في داخلية الثانوية الانضمام إلى هذه المظاهرات.
بعد انتهائها، وجدوا أبواب داخلية الثانوية موصدة، ومنذ تلك اللحظة، صاروا متشردين. بيد أن عائلات رباطية استقبلتهم بتوجيه من بنبركة.
أما اليوسفي فقد استقبله الفقيه محمد بلعربي العلوي قبل أن تقدم السلطات الاستعمارية على نفيه إلى تافيلالت. بعد ذلك، سافر إلى آسفي مضطرا، ثم إلى الدار البيضاء، حيث التقى بعبد القادر بنبركة، في يونيو 1944، والذي أخبره بأن الحزب يبحث عنه.
التقى يومها اليوسفي ببوشتة الجامعي، أحد قيادات الحركة الوطنية وحزب الاستقلال، فأسندت له لاحقا مهمة الإشراف على خلايا حزبية تتكون من عمال معمل السكر (كوزيمار) تحت غطاء تعليمهم وتعليم أبنائهم.
بعد عودته من فرنسا، عام 1952، ظل اليوسفي بطنجة في حين كان ينتظر منه الاستقلاليون أن يلتحق بهم في الدار البيضاء. بيد أنه كان له رأي آخر…
امتد هذا النشاط ليشمل معامل عدة بعد ذلك، فكانت تلك البذور الأولى لتأطير “البروليتارية” المغربية. هكذا، بعدما كان الحزب يقتصر على التجار والحرفيين والعلماء، صار يشمل العمال أيضا. لاحقا، صار اليوسفي مسؤولا للحزب في الحي المحمدي (الدار البيضاء).
عاد اليوسفي إلى طنجة يزورها، عام 1946، فكان أن بادر إلى تأسيس أول فرع للحزب بالمدينة. فرع سيكون له الفضل في تنظيم زيارة محمد الخامس الشهيرة للمدينة عام 1947.
دام نشاط اليوسفي الحزبي، بالدار البيضاء من 1944 وحتى 1949. كان بالموازاة يمارس التعليم كمهنة في مدارس حرة، مثابرا على متابعة دراسته إلى أن نال شهادة الباكالوريا. بعد عامين من دراسة القانون جامعيا، ألح عليه بعض الاستقلاليين بالتوجه إلى فرنسا لإتمام دراسته.
ذلك ما كان، وهناك التقى لأول مرة بعبد الرحيم بوعبيد. لكن بعد وصوله إلى فرنسا، اتخذت الأخيرة في حقه قرارا بالطرد إذ انخرط في التعريف بالقضية الوطنية هناك، قبل أن يتم تخفيفه بالنفي إلى مدينة بواتيي، حيث نال شهادة الإجازة في القانون.
بعد عودته من فرنسا، عام 1952، ظل اليوسفي بطنجة في حين كان ينتظر منه الاستقلاليون أن يلتحق بهم في الدار البيضاء. بيد أنه كان له رأي آخر…
لم يكن اليوسفي راضيا على السياسة التي ينهجها الحزب في تلك الفترة، فقرر النأي عنه وأخذ مسافة منه، بالرغم من إلحاح مناضلي الحزب على عودته. فما الذي حدث بعد ذلك؟ ذاك ما سنعرفه في الجزء الثاني من هذا البورتريه.
لست ربوت