في ابن جرير الجديدة، وفي نسيجها المدني الجديد بمختلف تعبيراته، أينما وليت وجهي، ينتصب أمام ناظري واحد أو واحدة ممن مر على مقاعد الدراسة بمدرسة (افريقيا للبنين) التي تسمى حاليا مدرسة الحسن بوعياد، فهذا هشام نزيه رئيس سابق لفريق شباب ابن جرير وفاعل إعلامي رياضي مع إحدى القنوات الإذاعية وإحدى الجرائد الرياضية المتخصصة، وهذا عاطف الرقيبة وموحى النعجي، وهذا عبد المالك بوسلهام أحد نواب رئيس المجلس الحضري الحالي، وهذا السلامي العظيمي أمين مال فريق الشباب لكرة القدم، وهذا لحسن بنحسي ، وهذا عبد الله لقطيب، وهذه حنان ربيع الفنانة التشكيلية والفاعلة الجمعوية، وهذا سعيد الزكراوي الفنان الذي خلق لنفسه اسما صار يجري على كل لسان. كل هؤلاء وغيرهم ممن لم تحضرني أسماؤهم الآن، مروا من تلك المَعْلَمَة التربوية الخالدة (مدرسة افريقيا للبنين) التي تقتات من الهامش، لكنها أخرجت من هامشيتها وعدم اكتراث المسؤولين بها طاقات كثيرة في مجالات وميادين مختلفة.
في ابن جرير القديمة، لم تكن جدرانها ولافتاتها القماشية تعرف سوى فرشاة عبد المولى برامي وأخيه المرحوم وقبلهما كان الأستاذ عبد الخالق لعبيسي يتكلف ببعض الرسوم الحائطية في المؤسسات التعليمية، كما كان يكتب لافتات الأنشطة السياسية لبعض الأحزاب وبشكل مخصوص اللافتات التي كانت تنجزها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وعلى رأسها النقابة الوطنية للتعليم سواء في تظاهرات فاتح ماي أو في المسيرات ذات الصلة بالقضايا العربية (فلسطين والعراق).
لما برز جيل جديد ممن يعشقون الصباغة والفرشاة، كان الشاب سعيد الزكراوي واحدا منهم سرت في عروقه منذ صباه مسرى الدم، لما كان طفلا بمدرسة افريقيا للبنين حيث كان يصرف موهبته كلما سنحت له الفرصة بذلك أو نزولا عند رغبة زملائه التلاميذ الذين كانوا يطلبون منه أن يجعلهم على مرمى حجر مما يعشقه كل الأطفال في السلسة الشهيرة ( طوم و جيري) بالأداة المتوفرة لسعيد دون سواها وهي قلم الحبر الجاف.
كان بعض الأساتذة في مدرسة افريقيا للبنين، لا يتوانون في تشجيع كل طفل يرون فيه امتلاكه لقدرات معينة في مجال من مجالات الإبداع الفكري واليدوي، ويتذكر أنه سعيد كان يجد ذلك التشجيع خاصة من أستاذه في المستوى السادس عبد اللطيف أمين الذي كنت وإياه نتقاسم نفس المستوى لأكثر من ثلاثة عقود مستمرة في نفس المؤسسة أيضا.
سيجد الزكراوي ما يشبع ميولاته وما يصقل مواهبه، لما انتقل إلى إعدادية وادي المخازن التي ـ لحسن حظه ـ سيصادف فيها أستاذا التربية التشكيلية شغوفا بالفنون وما يتفرع عنها، هو الأستاذ حمدي إشراق الذي ساعد التلميذ سعيد بالتوجيه والتشجيع والدعم المعنوي والمادي بتتزويده بوسائل الاشتغال التي لم يكن الزكراوي يجد إليها سبيلا بحكم الوضع الاجتماعي الأسري المتدني على غرار أقرانه ممن يتحدرون من هوامش ابن جرير. ويدين سعيد بكثير من الفضل والامتنان والعرفان للأستاذ إشراق، ويعتبر أنه كان له التأثير الكبير على مساره الفني اللاحق.
في سنة 2007 بعد تاسيس الفرع المحلي للحزب الاشتراكي الموحد، كان سعيد الزكراوي حاضرا بفرشاته وصباغته في إضفاء بعض اللمسات الفنية على الفضاء الداخلي للمقر بعد أن استقدمه الصديق عمر براكش، وخلد على الجدار وجوه عدد من مناضلي وكبار اليسار كالشهيد المهدي بنبركة وعمر بنجلون وعبد السلام المؤذن وسعيدة المنبهي وجبيهة رحال وعبد اللطيف زروال وغيرهم.
بعد ذلك التاريخ، سيدخل سعيد الزكراوي عوالم الجداريات والبورتريهات واللوحات الكاليغرافية في الفضاءات المغلقة والمفتوحة العامة، وستمكنه موهبته من أن يتبوأ مكانة مهمة في المشهد الفني بابن جرير.
لست ربوت