فن الاستحمار.. ومغرب ما بعد الاستعمار! لحبيب آيت أ صالح كاتب صحفي

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية فن الاستحمار.. ومغرب ما بعد الاستعمار! لحبيب آيت أ صالح كاتب صحفي

فن الاستحمار.. ومغرب ما بعد الاستعمار! لحبيب آيت أ صالح كاتب صحفي

لحبيب آيت أ صالح
لقد عاش المغرب ظروفا قاسية في فترة الحماية الاستعمارية، والتي امتدت لعقود، وكانت هذه الفترة مليئة بالأحداث والصراعات، بعضها كان يؤثر بشكل سلبي على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب، وبعضها الآخر كان يساهم رغم قساوته في تحسين مجموعة من الأمور، ولعل أبرزها مرتبط بالهيكلة والبنية التحتية ونشر ثقافة المستعمر، من هذه الناحية يمكن أن نعتبر أن هناك عدة أمور إيجابية حدثت بفضل الاستعمار. صحيح أن المستعمر نهب ثروات البلاد، ولا يزال ينهبها، وحاول تذويب الثقافة المغربية في أحضانه، لكنه على الأقل ساهم في وضع مجموعة من الأسس لمجموعة من المشاريع، والتي تسير بالمغرب نحو المرحلة التي يعيش فيها الآن.

بعد الاستعمار، والحدث التاريخي الذي ربطوه باستقلال المغرب، أصبحنا أمام مرحلة جديدة من تاريخ المغرب، ولعل هذه المرحلة تبقى الأصعب بالمقارنة مع المراحل اللاحقة، لأنه آنذاك كان المغرب لا يزال تحت تأثير الاستعمار، مما يتطلب تغييرا جذريا يشمل كل محددات المغرب، ويبدو أن هذا الأمر صعب للغاية، ذلك أن الانسلاخ من الاستعمار، يفرض بداية جديدة، بداية بعث مكونات الهوية والثقافة المغربية، والانسلاخ قدر الإمكان من ثقافة المستعمر، رغم كل ما تنطوي عليه من إيجابيات، هكذا إذن أصبح المغرب أمام محك حقيقي نحو التغيير، لكن هذا التغيير لم يكن سهلا، ولم يحصل كما فرضته الوقائع، حيث أن هذا الانسلاخ من ثقافة المستعمر لم يتم بتاتا، بل إنه بات يشكل جزء من الثقافة المغربية اللاحقة، ورغم خروج المستعمر نظريا، إلا أن الأمر ليس كذلك هيكليا وثقافيا، ذلك أن ما يبدو واضحا هو أن هذا المستعمر لا يزال يعشش في المغرب، ولقد كان بالإمكان أن يظل الاستعمار مستمرا بشكل مباشر، وذلك من أجل تحسين مجموعة من المسائل الهيكلية للمغرب على الأقل. ورغم كل ما ينطوي عليه الاستعمار من سلبيات، إلا أنه يبدو إيجابيا في مجمله، من خلال كل الإضافات التي يمكن أن يضيفها على المغرب، سواء على مستوى البنية التحتية وعلى مستوى ترسيخ ثقافة الانفتاح ثم بناء إنسان وفق مناهج مميزة.

مغرب ما بعد الاستعمار يعيش أوضاعا مزرية وواقعا مريرا على جميع المستويات، فإذا كان البعض يرى بأن هذا المغرب حقق أشواطا كبرى على مستوى التنمية، فنحن لا ننكر ذلك، لكنه كان جديرا أن يتم التركيز على الإنسان أولا
لقد صارت الظروف في المغرب قاهرة، رغم ما يبدو من تطور سطحي في الأفق، حيث أن الوضع في المغرب يزداد بشاعة على عدة مستويات، وبات أمر الإنسان المغربي على المحك، فهو يعيش ظروفا مزرية قاهرة تجبره على الانسحاب من حياته وأحلامه وطموحاته، ثم إنه بات محكوما بثقافة المتناقضات، فهو مرتبط عاطفيا بالمجتمع الذي وجد نفسه فيه، وفي نفس الوقت يرغب في مسايرة ثقافة مرت من هنا ذات يوم، لما تحمله من انفتاح ودعوة لممارسة الحياة، ثم يجد هذا المواطن نفسه خاضعا لمجموعة من الإيديولوجيات تقيده وتؤطره دون أن يفكر في إعادة النظر فيها أو محاولة الانسلاخ منها، عله يجد ذاته في هذا الوجود، والأمر الخطير هو أن هذا الإنسان توجهه أنظمة وقواعد ليست منضبطة تماما، وهذه المناهج تعمل بشكل خفي على ترسيخ ثقافة الجهل، والدفع بالمواطن بعيدا عن التفكير واستخدام العقل، ومن أجل ذلك تعتمد على عدة وسائل كالمدرسة والمسجد والإعلام، وفي هذا الإطار تندرج سياسة الاستحمار، لأن الدولة تمارس نوعا من التقليل من شأن الإنسان المغربي سواء على مستوى المناهج المعتمدة في المدرسة، أو البرامج الإعلامية المليئة بالتفاهات، وكلها لا تشجع على التفكير، بقدر ما تدفع بالعقل نحو الخمول.

لو بقي الاستعمار قائما بطريقة مباشرة، لما سارت الأمور في هذا المنحى الغامض الذي يسير نحو المجهول، ولقد كان بالإمكان - كما يبدو ذلك من خلال مخلفات الاستعمار- أن يتطور المغرب بشكل مقبول في نواحي عدة، لكن هذا الاستعمار ظل قائما بطريقة غير مباشرة وسلبية، ذلك أن هناك أشياء تحدث في الخفاء، وهي أمور تؤكد من زاوية تأويلية أن الاستعمار لم يخرج أبدا، فقد خرج عسكريا فقط، أما سياسيا واقتصاديا وثقافيا فهو لا يزال يعشش بيننا، والمؤسف في الأمر أنه لم يعد يضفي تغييرات يمكن أن ترقى بالمغرب، بقدر ما يدفع بالمغرب نحو المجهول، وكل ذلك يحدث على حساب الإنسان المغربي، ذلك أن كل العوامل تسير في اتجاه استعباد المواطن المغربي، وإغراقه في الديون وغلاء الحياة، حتى يظل حبيس وضعه. ثم ربط حياته بمجموعة من التفاهات لإغراقه في وحل الغباء، حتى لا يقدر على إعادة النظر في وضعه وواقعه.

لعل مغرب ما بعد الاستعمار يعيش أوضاعا مزرية وواقعا مريرا على جميع المستويات، فإذا كان البعض يرى بأن هذا المغرب حقق أشواطا كبرى على مستوى التنمية، فنحن لا ننكر ذلك، لكنه كان جديرا أن يتم التركيز على الإنسان أولا، فبواسطته يمكن أن تتحقق التنمية، وفي غياب هذا الإنسان، فإن الأوضاع ستزداد سوء أكثر مما هي عليه، ورغم كل ما يبدو من تطور وتنمية، إلا أن ذلك لن يكون له أي معنى في حال لم تركز الدولة على بناء الإنسان، وهذا الأمر يفرض إعادة النظر في المناهج الدراسية، ومراجعة محتويات الإعلام، ومن جهة أخرى - وفي سياق بناء المواطن - قد تكون العلمانية كفيلة بضمان حريات هذا المواطن، وقد تساهم على نحو ما في إخراج المغرب من الورطة الإيديولوجية التي تحكمه.

يبدو منطقيا أن ندرج فن الاستحمار عندما نتحدث عن مغرب ما بعد الاستعمار، ذلك أن جل السياسات المعتمدة في هذا الإطار لا تسير وفق ما ينبغي أن تسير عليه، بقدر ما تنحى منحا سلبيا غامضا، وهذا المنحى يؤثر على الإنسان المغربي، ولعل الواقع يؤكد أن الدولة تقلل من شأن المواطن، ولا تضعه ضمن أولوياتها، ولا تعتبره غاية من أجل التطور والتنمية، بل إنها تحسبه وسيلة في يدها من أجل مصالحها، ولعل هذا سبب مقنع يؤكد أن الدولة تمارس فن الاستحمار، وتجعل الموطن المغربي في خبر كان. ورفضا لهذه المسألة أصبح مقبولا أن نمجد ثقافة المستعمر، والتي تنبني أساسا على هذا الإنسان، ومن هنا كان طبيعيا أن نأمل في استمرار هذا الاستعمار، لأنه على الأقل يمكن أن يساهم في تطوير هذا الانسان. لكن الأمور لم تسر في هذا المنحى، وأخدت مسارا مجهولا، لم ندرك معه بوضوح، إذا كان المغرب يمكن أن يحقق ما يسعى إليه نظريا على مستوى حقوق الإنسان وأهداف التنمية المستدامة، والتي تضع الانسان ضمن أولوياتها. هكذا يتضح أن هناك عدة قضايا مطروحة للنقاش في هذا الصدد. 

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button