برحيله انطفأ سراج أنار دروب علم السنة لسنين، رحل الشيخ محمَّد بن الأمين بوخبزة العمراني، تاركا وراءه خزائن عشرات المجلدات في العلم والثقافة العربية الإسلامية التي يعتمدها علماء العرب مرجعا.
نشأة عالم
ولد الشيخ قبل أكثر من 88 سنة، بتطوان بدرب الجُعَيْدي بحي العيون، المدينة التي عمر فيها إلى أن أتاه وعيد ربه لينتقل إليه الخميس 30 يناير 2020.
ينتهي نسبه إلى عبد الله بن إدريس مرورا بعمران، كان للعلامة الراحل أربع إخوة؛ عبد الله الذي توفي صغيرا، وعائشة، ومصطفى، ومحمد.
في سن الست سنوات، دخل « الْمسِيدْ »، فتلقى أبجديات القراءة والكتابة والحساب والدين، على يد الفقيه المجوِّد الحاج أحمد بن الفقيه المقرئ المعدَّل الأستاذ السيد عبد السلام الدُّهْرِي، الذي كان يختار للإمامة بالحجاج في البواخر التي كانت ترسلها إسبانيا في أول حكم فرَانْكُو للحج دعايةً وسياسة، وبعد وفاة الفقيه الدُّهري واصل بوخبزة تلقي علمه على يد الفقيه محمد بن الراضي الحسّاني، وبعده على يد الفقيه محمد بن عمر بن تَاوَيْت الودراسي، وعليه أتمم حفظ القرآن وتلاه أمامه كلَّه.
مقاومة الاستعمار
في سنة 1370 هجرية (1950 ميلادية)، زار مدينة فاس ومكث بها أياما أخذ فيها دروسا في أحكام القرآن، على يد الفقيه المغربي ومؤسس السلفية الوطنية، الذي جمع بين الدعوة إلى السلف ومقارعة الاستعمار، محمد بن العربي العلَوي بالقرويين، وبعد ذلك عرض عليه الفقيه القاضي أحمد بن تاوَيْت العمل معه ككاتب بعد أن عينته وزارة العدل قاضيا.
أصدر العالم المغربي بوخبزة، مجلة « الحديقة »، وكان قبل ذلك قد أصدر بالمعهد الديني أول مجلة خطية باسم « أفكار الشباب »، وبعد خروجه من المعهد اتصلت به جماعة من الطلبة وعرضوا عليه المشاركة في نشاطهم الثقافي، وكان يتولى إدارة المعهد أستاذ متعاون مع الإدارة الإسبانية، فحاصر نشاطهم برقابته المستمرة.
كما أصدر الشيخ، جريدة « البرهان » الخطية لانتقاد سياسة الاستعمار الإسباني في التعليم واضطهاد الطلبة، والتضييق عليهم، ولم يصدر منها إلا عدد، فكتب مدير المعهد رسائل إلى رئيس الاستعلامات الإسباني يُخبره فيها باستفحال نشاط الطلبة السياسي وصدور الجريدة وما يكتُبه فيها بوخبزة وهو غير طالب بالمعهد وكونه متهم بالوطنية، من مقالات تمس سياسة إسبانيا.
استدعاه الأمين التمسماني مدير للمعهد الديني الإسلامي بتطوان وهدده، ولما أيِسَ منه كتب إلى الباشا « اليزيد بن صالح الغُماري » بمثل ما كتب به إلى « بِلدا » فسأله الباشا عن التهمة فأجابه بأن رئيس الاستخبارات الإسباني سبقه إلى التحقيق في هذه القضية ولم يجد شيئا، فغضب الباشا واحتدّ، وأمر به إلى السجن وتدخلُّ بعض الأعيان واطلق سراحه.
مؤلفات زاخرة
ألَّف الشيخ بوخبزة العمراني أزيد من ثلاثين مؤلفا، يتراوح ما بين كتاب ومجلد ومخطوط محقق، من بينهما مؤلف كتبه في 15 مجلدا، وآخر في 14، وثالث في 13 مجلدا، وكُتب أخرى في أجزاء أغلبها كان في علوم الحديث وتفسير القرآن وأحكامه، منها: جراب الأديب السائح، في 15 مجلدا؛ الشذرات الذهبية في السيرة النبوية؛ صحيفة سوابق وجريدة بوائق « من جزئين »؛ فتح العلي القدير في التفسير؛ نظرات في تاريخ المذاهب الإسلامية؛ ملامح من تاريخ علم الحديث بالمغرب؛ نشر الإعلام بمروق الكرفطي من الإسلام. وعديد من المؤلفات الأخرى.
أما فيما كتب من التحقيقات نذكر: تحقيق جزء من التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد للحافظ ابن عبد البر النمري؛ تحقيق أجزاء من الذخيرة للقرافي المالكي، طبع في 13 مجلدا؛ تحقيق أربعون حديثا في الجهاد لعلي بركة الأندلسي؛ تحقيق الرسالة الوجيزة المحررة في أن التجارة إلى أرض الحرب وبعث المال إليها ليس من فعل البررة للفقيه محمد الرهوني.
رثاء العلامة بوخبزة
قال فيه رئيس اتحاد العلماء المسلمين، أحمد الريسوني: » فقد المغرب والأمة الإسلامية هذا اليوم (30 يناير 2020) أحد العلماء الأجلاء الأبرار، والزهاد الأخيار، وهو العلامة محمد بن الأمين بوخبزة (أبو أويس)، الذي وافاه الأجل المحتوم بمدينته تطوان، عن عمر ناهز التسعين عاما.
وقد كان الفقيد الكبير – منذ عشرات السنين – قبلة للعلماء والباحثين والمحققين، من المغرب والمشرق، يزورونه وينهلون من علومه، ويتباحثون معه في مختلف القضايا العلمية، وخاصة في مجال المخطوطات.
وقد كان الفقيد الكبير – منذ عشرات السنين – قبلة للعلماء والباحثين والمحققين، من المغرب والمشرق، يزورونه وينهلون من علومه، ويتباحثون معه في مختلف القضايا العلمية، وخاصة في مجال المخطوطات.
ونعاه العالم والشيخ المغربي سعيد الكملي بالقول: « مات الإمام.. توفي العالم النحرير، ومربي الأجيال سماحة المحدث العلامة محمد الامين بوخبزة رحمة الله عليه ».
وأبكاه الداعية رضوان بنعبد السلام بأبيات حزينة قائلا: » أصـابنـا الحـزن العمـيق لفـقده.. وعـلا النـشـيــج ودمـعـنا مـدرار.. لكنما الصبر الجميل على القضا.. نــعــم الـعــزاء فـإنـها الأقــــدار ».
لست ربوت