الأوبئة على طول التاريخ الإنساني هي كما يردد المختصون لصيقة بالذات والجسد، جسد البشر والحيوان، العدوى تأتي من هنا وتنتقل إلى هناك..أوروبا الحديثة جربت كل أنواع الأوبئة ..الطاعون هناك فتك بالملايين ، وفجأة يظهر الإنسان التواق للبقاء من بين أنقاض كل المصائب والحروب.
طبعا هناك تكلفة لكل ذلك، للمرض تكلفة إذا كان ولا بد من خزينة الدولة ومن مساهمة القطاعات الأخرى، ولا نعرف بالتحديد ذلك إلا بالرجوع إلى التاريخ و"علة "كيف تختفي تلك الأوبئة وكيف تظهر.. !المهم أن شعوبا تتجاوز كل ذلك لتقف وتعيش وتنتشر وتؤثر وتتأثر بمن حولها .
كورونا هذه الأيام هو وباء يضرب الصين ، وإذا قلنا الصين فإننا نستحضر قياسا معنى البلد في الخارطة الكونية ذات الأبعاد الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والاجتماعية المتفوقة وما إلى ذلك.
كورونا يضرب اليوم واحدة من القلاع الصناعية القوية التي تجاوزت منطق "النشأة" إلى أسلوب "المثاقفة Acculturationالعالمي بما تملكه من المواصفات، من منطق امتلاك أدوات التغيير المؤسسة على الكثافة والخبرة الى قيم الزحف على كل ثقافات العالم.
ليس مهما الآن مناقشة الحرية والديمقراطية وكيف علينا أن ننظر إلى الصين وهي محاصرة بجائحة صحية تفتك بالناس ، وليس ملفتا أن ننتقد كيف يأكلون أو يشربون أو ماذا فعلوا في أقليات تعيش على تلك الأرض، وليس مهما زيارة الصين للتعرف على ما تزخر به أو ما يفضحها من الداخل .
اهتمامي يقف عند سؤال مهم : الكبار والصغار بالعالم اليوم أمام "الأوبئة " والأمراض في عالم مر من البسيط إلى المركب والمعقد واللاتجانس ..كيف سيتصرفون؟
هنا يطرح حجم وقيمة وقوة ما راكمته الدولة للخروج من عنق الزجاجة، تطرح قيمة الأمن القومي على الطاولة، السيادة والحدود ، المواطنة والسلوك والأسلوب، الجنس البشري البقاء أو الانقراض. لقد جربنا في بيئاتنا مرات انقراض نباتات وحيوانات وما إلى ذلك..بل سمعنا من خلال قراءتنا للتاريخ اندثار أنواع وقرى وشعوبا..
سؤالي بشكل أكثر عمقا كيف سيتصرف الصغار اليوم اتجاه مثل هذه الكوارث التي عندما تصل الجسد تتحول من منطق "جسماني" حيوي طبيعي إلى جنون "سيكولوجي" مرتبط بالصحة، إن البشر ينعدم فيهم التوازن عندما يدركون أن الجسد الذي يعولون عليه سيصبح عديما ومعدوما صحيا؟
بمعنى ، كيف سيتصرف الصغار اتجاه مثل هذه القضايا، التي تحتاج إلى تدخل عاجل قوي وآني وسريع وفاعل وبالعلم لا بالتسويف..بالعلم فقط!
الصين الآن معزولة دوليا حتى مع اتساعها الاقتصادي الكوني، حتى مع قيمته الحيوية عالميا، حتى مع ما يجنيه العالم عبر اتفاقيات التجارة الحرة معها لتعيش شعوب أخرى..تموت الصين ليعيش العالم الذي تبيعه تجارتها، أقول الصين لا تعول الآن إلا على خبرة علمائها ومهندسي "البيولوجيا" بالمختبرات ، وحقول البحث العلمي تتسابق ببقية العواصم لاكتشاف العقار المضاد..هؤلاء هم الكبار الذين لا يريدون مهما كانت التكلفة الانقراض، تاريخ الانسانية تاريخ جوع وحروب وأوبئة ومع ذلك لم يكن للصدف التاريخية في الشفاء أي تدخل، بل بالعلم والعمل فقط.
لأتساءل مرة ثانية ،أين يمكن العثور على تجربة نوعية ومماثلة و التي تقوم بها الصين وهي تشيد مستشفى وسط الموت و بأقل وقت ممكن؟
أحيانا لا تتحدد القيمة بعدد السكان ولا أوزانهم ولا أي اعتبار ولا حتى مواطنتهم وسلوكهم الجيد، الأوبئة تتداعى خلالها القرارات حينما تعجز ويبقى منطق العلم هو القادر على حماية بقية المؤسسات من الإقبار والزوال.
أعتقد أن البحث العلمي والتعليم القوي المتماسك ، هو من يمتحن الصين الآن أكثر من أي سند أخر، لا قيمة الآن لاقتصاد الصين ولا لاسمه بين الأمم إلا بما يمكن أن يطوره جهازها العسكري أو المدني داخل مختبراته التي تشتغل ليلا ونهارا..البقية لا تهم . لأن صورة البلد لا تتأذى اليوم ممن حولها بل من الداخل إلى الخارج في حالة العجز عن إثبات الذات بمنطق العلم ...حتى ولو افترضنا ما يشاع من (حروب بيولوجية ) فإنها ستكون بين الكبار، فإن منطق إثبات الوجود هو برد أخر لا يكون إلا الحصول على وصفة ولقاح مضاد وبسرعة..في عالم سيتجاوز قدرة التدخل بالآلة والقرار والإكراه إلى امتحان الطبيعة المستمر والنظر فيما سيصنع الكبار..أما الصغار فاعتقد خارج تعليم جيد وبحث علمي كبير عاجل أكبر من سؤال ماذا استطاع "هربرت سبنسر" إضافته في منحاه التطوري الانثروبولوجي العام ،إذا لم يتبقى ما يمكن الاعتماد عليه للاستدلال على طرح التطوريين.
لست ربوت