"بوروليوس" تغرق.. ! بقلم: صبري يوسف

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية "بوروليوس" تغرق.. ! بقلم: صبري يوسف

"بوروليوس" تغرق.. ! بقلم: صبري يوسف

صورة ‏‎Fessuoyy Yyoussef‎‏.                                                                                                  لا يختلف اثنان إلا إذا أراد الثالث إفساد حفلهم ولم يكن معنيا في نقاش من سبقه من المتحدثين بكونه معني..وهنا سيكون فضوليا أو "لبيسا" على رأي الإخوة المصريين .
وعليه إذا كان للهند "بوليودها" السينمائية ، وأمريكا لها طبعا "هوليودها" الحالم الذي دافع عن " الليبرالية" في زمن نهاية" الايدولوجيا" كما كتب ريموند أرون في " أفيون المثقفين" ..وصار يقال في وصف طريف هزم ماركس على يد ميكي ماوس ..إلا "برولويوس" لم تدافع عن نفسها لتصبح واقعيا بل هي فكرة افتراضية حالمة في مكان معزول عزلة الذين سنأتي على ذكر ماذا حصل لهم قبل أيام ..
الخبر وما فيه أنه شمال مراكش ووراء وادي تانسيفت بالشمال الشرقي تحديدا لذات المدينة توجد جماعة اسمها بوروس، تعيش على ترابها ساكنة بحسب إحصاء العام 2004 هي في حدود847،5نسمة، يعيش سكانها على كسب الأغنام والزراعة البورية والعبور على وادي تانسيفت يوميا في اتجاه الاشتغال بقطاعات مختلفة بمراكش، هذه الجماعة التي تنتمي إلى خارج دائرة نفوذ مراكش ترابيا وإداريا، إنما في نطاق مسؤولية جهة مراكش كمؤسسة منتخبة وتحت وصاية إقليم آخر..
هذه الجماعة غرقت وانهارت بها 9 منازل من دواريسمى "عزيب بن الزادي" كما هو منشور في أكثر من منصة ،وبالتالي صارت 16 عشر عائلة معرضة للعراء. لا يكفي ماذا حصل من بعد ؟
انتقال السياسيين والإداريين وموظفي الدولة إلى "عين المكان "، مع أنني حقيقة لا أزال أتطلع إلى شرح هذا المصطلح أكثر، لأنه فعلا ساحر وذكي وعلينا تأويله فيما بعد الحداثة ليخرج منه ما يكفي من الألفاظ والعبارات والمبهم من هذه" العين" التي باقية على حالها تصف المكان..
عموما تحرك المتحركون لتدارك الخسائر التي هي بالتالي كما وصفها رواد الفاسيبوك من تلك الناحية بأنها تهم 16 عشر عائلة ، لا يمكن بالتالي إحصائها.. مهما قلنا أنها منازل وأقبية وبهائم وحيوانات ..وربما أموال مودعة في أمكنة ما؟ ومتاع وذكريات وأشياء عزيزة ثمينة لديهم؟ والأكثر من ذلك أحاسيس وعواطف وآمان وآمال ومشاعر و"بنية "من الأفكار والتصورات لمجتمع صغير يعيش في "عزيب" في العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرون الذي تجاوز نقاش الاسمنت والكهرماء والصحة والسكن والشغل والكرامة ...
ليس مهما من تحرك ولا ماذا جلب هؤلاء من الغطاء والدواء والخيام والأفرشة ولو أنه ضروري وسيؤدي دوره على مستويات عدة ..نفسية وهي الأساس. وسيستجيب إلى مادون ذلك بقدر معين .
إنما علينا استحضار أن هؤلاء مصدومين من هول ما حدث ، ولأنه سيحدث ، ولأنه وارد بحكم الأقدار والظروف، ولأن هذه الحوادث تقع في كل الدنيا. فتغرق مدن وضواحي وقرى وبلدات بأكملها ، ويكون الخاسر طبعا هم الذين حدث فيهم الفعل الخارج عن إرادتهم، الملتزمين بالإذعان إليه والخضوع له ..يكون الفرق هنا هو أن كل هذا حدث في مجال جغرافي كان الذين يفكرون مليا إخراج مدينة للسينما اسمها "بوروليوس" نسبة إلى الجماعة القروية التي ينتمي لها هؤلاء الذين خرجوا من تحت الأبنية إلى فضاءات جديدة عليهم ..إلى خيام وخبز وطعام بارد مهما سخن على اعتبار التسمية الكلاسيكية ب Repas froid ..ولا يعرف كم سيجلسون تحت تلك الخيام ، وقد ألفوا إخراج ماشيتهم صبحا إلى الرعي ولو قل ! إنما يمارسون سيادتهم وسلطتهم ومشروعيتها على ما يملكونه تحت أيديهم ، تم طهي الطعام الساخن ، وشرب الشاي وكسر الخبز بالزيت، والاستسلام للهدوء في ما بعد الظهيرة في أي مكان من ملكيتهم، التي يعتزون بها..ونظير الكثير من الأفعال و"الوعي الجمعي المكثف" الذي تعلموا فيه خبرات ، وربطتهم داخله أواصر، ومعالم ومجالات لكل مشترك بما فيه من الطقوس والهموم والأحاديث والأهازيج ..كل هذا عليهم انتظار إعادة تشكيله مع مر الزمان لأن الانكسار لن ينسى ! وهنا سنفتح القوس باتجاه من يديرون رسميا عملية التنمية والتسيير والبرمجة داخل مجالات تربية أحيانا يكون المعطى الإداري أو التقسيم مجحفا في حق بنيات سكانية صغيرة كان عليها الالتحاق بمدن تمتلك جهدا للتطهير Catharsis بتعبير غرامشي ..
بمعنى أن ساكنة لا تتجاوز 5000 الآلاف نسمة لا يفترض أن تصير "عوائل" في حدود 16 عائلة ضحية مؤامرة الأحوال الجوية وغياب الجرأة والمسؤولية؟ ليس في تحديد الخسائر لأنه فعل بعدي وارد، وإنما تحديد الحاجيات في مثل هذه الفضاءات التي يسهل سنويا القيام بجولات بكل الدواوير والمساكن وبعث روح "استشرافية " تناشد الناس ، وتحرك معهم أيا كان كهم كي ينتهي، لقد سقطت الأبنية وسقط معها إرث "الثقافة" كله لدى هؤلاء ، وهي لحظة محرجة أخلاقيا ، حينما تتعرى الأسر من وقار الأسوار ، ويخرج الصبيان من دفء المكان إلى جو الخلاء ، وتخرج النساء والله أعلم إن كانت بعضهن في مراحل للحمل أو كان رجال مرضى أو غير ذلك..ضف إليها الخوف والهلع والضياع...الخ
أما ما وراء الكارثة فإنه مسلم سيحدث شيء من "مقاربة إنسانية" لوضع هو أوسع من كل الإجابات التي تتوزع بين النفسي والاقتصادي والسياسي والإداري وما إلى ذلك..
ليس تحاملا أن نسوق هذا الوضع بهذه الصورة الغير الاختزالية لأنه لا يختزل. باعتبار أن الكثيرين سيقولون إنه أمر عاد أن يحدث ما دام سيحدث في كل الدنيا ، إنما ما ذنب أن تكون جماعة في حدود ساكنة أغلبها موزع جغرافيا على شكل عزبان صغيرة تظم العوائل التي تعيش بأمان ، وبحكم الامتناع عن ذكر الحاجة لديهم أو النقصان، وجدت السياسة وأصحابها المنتخبون لرصد تلك الأفعال التي تتباهى براهنيتها للاستجابة للخصاص والذهاب إلى كل مسكن حتى ولو كان "جبل التكزيم" العالي المطل على كل ذلك المجال للبحث عن سؤال يحتاج إلى جواب..
بقي لدي أنا شخصيا استفهامي المعلق أريد أن أطرحه : كيف يمكن صناعة استوديوهات للسينما وجلب استثمارات واعدة في "مونوغرافيا" مجالية مهمة يمكنها أن تشكل فعلا مجالا للتنافسية، وعلى هوامشها هناك "الكاوس" بتعبير "جيل دولوز "يتعرى في القر والزمهرير ؟
كيف كانت ستكون بوروليوس غدا وافتراضا أن مخرجا اختار إنتاج فيلم بنفس النكبة على اعتبار أنها من خياله ولا تشابه واقعة على الأرض، فيما بالجوار يوجد المنكوبون الحقيقيون في نهاية العام 2019 منها بأيام قلائل..؟
أم هل نفكر بمنطق Histoire de la folie لمشيل فوكو..لأن في هذه الحالة لسان الأماني أعظم من يقين المعاني؟
أعتقد أن تسيير الشأن العام هو بالدرجة الأولى يستند إلى نسق من القيم المعيارية لما يطلق عليه ب"الفعل " كما عبر عنه الآن ثورين ، قبل حشو الأفواه والنقاشات العائمة بفقاعات "النميمة التنموية" بجماعات هي لا تملك الحد الأدنى ليقف سور مبني بالتراب انتصارا للناس الذين من خلفه لأنه تعب !
فعل السياسة والتسابق على المناصب يتطلب قبل كل شيء جزءا مهما من تحصيل الواقع ليس ماديا عبر "جبايات" وحقوق المرفق العام، إنما تحصيله بجرد معوقات التنمية ذات الأبعاد المادية والنفسية اتجاه المواطن عصب الثروة المادية وما ليس ماديا لأنهما سيان قبل أن نجلس على الكرسي، ونشتغل بمنطق أن غدا لناظره قريب في لقاء مع الناس سواء انتخبونا أو منعوا أصواتهم علينا، فالوطن أكبر من أي اعتبار إذا كانت الأفعال أهم من الأقوال.أما إذا كان لا شيء يهم فبادروا إلى انتظار محن أخرى من الخروج إلى الخلاء في أماكن متفرقة وأوقات متوزعة، لأن ما يقع بعد الكارثة لا يعني أي اهتمام بالنسبة للذين وقعت على رؤوسهم المآسي أول الأمر..فقط عليكم تجريب "الصدمة "إنما مستبعد ذلك إذا اعتبرنا أن ماركس لا يستطيع ميكي ماوس الانتصار عليه بحكم أن مفهوم" البنى " واقعي وما يزال حيا ، وأن أطروحته لا تزال تجد لنفسها في أكثر من مكان جوبا عن معاني الاستلاب والاغتراب والوعي الزائف.
بقلم: صبري يوسف

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button