من الذاكرة التعليمية المتعبة: السي الفاطمي الحنيوي: ذلك المربي الذي لا يراه الناس إلا باسما مبتسما.

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية من الذاكرة التعليمية المتعبة: السي الفاطمي الحنيوي: ذلك المربي الذي لا يراه الناس إلا باسما مبتسما.

من الذاكرة التعليمية المتعبة: السي الفاطمي الحنيوي: ذلك المربي الذي لا يراه الناس إلا باسما مبتسما.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏جلوس‏‏‏                                                                                                كثير من جيل بناة ومؤسسي المدرسة المغربية العمومية بعد الاستقلال رحل إلى عالم السكينة الأبدية، وقليل من لازال واقفا يمشي ويقاوم بكبرياء، وكثير هده التعب والمرض، وتوارى عن الأنظار، ولم يعد قادرا على المشي كما كان يمشي، ولا أن يقف كما كان يقف كسارية خامسة من ساريات القسم وأعمدته، ولم يعد قادرا على ترديد بيت من الشعر ولا آية من القرآن، إلا ما يفهم من تحريك شفتيه وعينيه في ذلك المدى الذي يراه ولا نراه.
هم كثيرون من جيل البناة ممددون اليوم على أسرة المرض يعانون، بعد أن أدوا رسالتهم في ذلك الزمن الذي استنجد بهم مغرب الاستقلال لإنجاز مهمة صناعة جيل آخر في شروط لم يكن أحسنها سوى ذلك الحب المشترك والاحترام المشترك والوئام المشترك والتقدير المشترك والإخلاص المشترك والتفاني المشترك بين ذلك النوع من التلاميذ الذين كانوا، وذلك النوع من الأساتذة الذين كانوا، والذين لو ما كانوا وكنا كذلك، ما كان لهذه الذاكرة أن يتحرك فيها هذا الحب وهذه المشاعر التي يختلط فيها الاعتزاز بتلك القوة بهذا الضعف والوهن الذي انتهى إليه بعض من ذلك الجيل كما نحن هذا الجيل ماضون إليه وعلى مقربة منه.
وإذا ما صحت تقديراتي، فإن الأستاذ السي خليفة الضراوي يعاني ومعه السي جبران وغير بعيد عنهم السي عبد المجيد الفارسي وربما آخرون لا أعلم مصائرهم، إلا أن الذي لا شك في معاناته التي استمرت، هو الأستاذ الفاضل السي الفاطمي الحنيوي الذي يعرفه جيلنا الستيني والسبعيني حق المعرفه بقامته الفارهة وبذلاته المكوية وجلاليبه الأنيقة والمتنوعة حسب الفصول، ولكن أكثر من هذا وذاك بلطفه ووداعته وهدوئه وخاصة تلك الابتسامة التي لاتفارقه وهي تخرج بلا تكلف من شفتيه وأسنانه المطلية بالذهب.
لاشك أن السي الفاطمي قد يكون درس في المدارس العتيقة في خمسينيات القرن المنقضي صحبة رفيقه المرحوم السي الهاشمي لبطايني، وبالضبط في مدرسة ابن يوسف بمراكش.
في الموسم الدراسي 1961/ 1962، سيعين أستاذا للتعليم الابتدائي ب "انزالة لعظم". بعدها سيلتحق بابن جرير مدرسا بنفس السلك، إلى أن تم إلحاقه كعدد من زملائه المعلمين بالكوليج بعد إحداثه، وسيستمر في العمل به إلى غاية 1979، حيث تم تعيينه حارسا عاما للداخلية بثانوية ب "بزو"، ومنها إلى ثانوية الإمام مالك للتعليم الأصيل بقلعة السراغنة بعد أن أسندت إليه مهمة إدارتها إلى غاية الثالث من مارس 1990 حيث أحيل على التقاعد.
ظل السي الفاطمي بعد التقاعد واقفا منتصبا يمشي صحبة رفاقه في الدرب والطبشورة والريشة والدواة، كما كان يمشي عندما كان العود صلبا، وظل يبتسم ويحكي معهم كما كان يبتسم ويحكي يوم كانت الابتسامة حرة طليقة لا يصدها تعب القسم ولا تعب أبناء الصلب ولا تعب الزمن ومتطلباته.
رحل صديقه القديم السي الهاشمي لبطايني، وظل السي الفاطمي يجد العزاء والسلوى في الباقين في الجوار.
عندما يسترجع السي الحنيوي شريط الأيام ويتذكر ـ حتى وهو في لحظات مرضه الحرجة اليوم ـ يوم كان طفلا غض العظم طري البنيان، يذهب راجلا من دواره "تامنيرت" إلى جمعة " لعرارشة" ليتعلم حروف الهجاء، سيردد مع سيد حجاب في مسلسل "ليالي الحلمية" للمبدع الكبير أسامة أنور عكاشة:
ليه يا زمان ما سبتناش أبرياء
و واخدنا ليه في طريق ما منوش رجوع.
كنت كلما التقيت السي الفاطمي، يستقبلني بابتسامته المعهودة، ويسألني عن أخي عبد الجبار، ويقول لي : (فين باقي عبد الجبار؟) فأجيبه : في آسفي يعمل إطارا في قطاع الفوسفاط، فيعيد علي ما كان يكرره دوما: (ملي كان كيقرا عندي ف الابتدائي، سولتو: آش باغي تكون ف المستقبل؟ فيجيبني: مفتيش) فيضحك السي الفاطمي ويقول لي كعادته: سلم عليه.
(السي الفاطمي الحنيوي ذات زمن سبعيني دافئ سليم، واقفا شامخا في قسمه وبجانبه المدير السي عبد الله السالمي والحارس العام السي امبارك بلخراز).
بقلم التابي عبد الكريم

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button