عندما تقوم بعد الفاعلين الجمعويين بابن جرير على امتداد عقدين من الزمن لا بد من وضع إسم عاطف الرقيبة على اللائحة ..والبحث في سيرته الذاتية يحتاج منا إلى الكثير من السطور ..إنما سنختصر محطات بعينها في حياة شاب واعد ، يشتغل في صمت ، وبصمته في كل مكان . والأجيال التي ترعرعت على يديه أكثر من حسابها على أصابع اليد ..هو هنا وهناك ، في أي مبادرة تغير شكلا بأخر أفضل منه ، تمنح لونا من ألوان الحياة ، تمد يدا ،توظف خبرة في مجال ما شريطة أن ينتمي إلى “قداسة ” المجتمع المدني وقواه الحية ..تلك التي خبر الرجل محطاتها قبل سنوات كثيرة ..
ونحن نعد هذا” البورتريه” المشحون باللحظات ، بالتواريخ ، بالأصدقاء والزملاء والأمكنة والذكريات ، قبل هذا وضع بين أيدينا عاطف سلسلة من المحطات للمكاشفة مع نفسه على الأقل. فهو يريد استرجاع صور ذهنية من ماض حتى مع شبابه صار أطول عمرا ..لأنه فقط مشحون بالأحداث ..
سألناه لماذا “الكونسيرفاتوار ؟ لماذا محترف زرياب ؟ لماذا الانتقال من زاوية للإشتغال إلى مؤشر سيكون له ما عليه غدا .
كان الجواب بغيرة من يحمل في طيات نفسه بعضا من الأسئلة المؤرقة ..تلك التي تناشد بالرحامنة قيم الحداثة ، قيم الارتقاء نحو الأفضل ، الانتصار للفنون الجميلة ، للموسيقى ، للآلة التي عشقها وتمناها أن تطرب بالتهذيب أبناء الرحامنة غدا وفي كل العصور ..سماعهم وأرواحهم . كما تطرب غيرهم ،كنا ذات أمسية بجامعة محمد السادس للتقنيات ، كان هناك افتتاح مهرجان كبير ، وكان هناك عرض للموسيقى ،عرض بآلة القيتار ..فاشتعل رأسه ألما ..ألم الغيرة ، والتفت إلي متسائلا ..لماذا لا يصبح بهذه المدينة شباب وشابات يعزفون هكذا ..يصبحون رسلا لنا في كل مكان ؟ لماذا لا نخرج من البداوة إلى حيز التطور ..؟ فيما بعدت عرفت أنه أسس بمعية أساتذة مخلصين محترف زرياب للموسيقى ..عرفت أنه كان يناشد عقله في ضمير “المتكلم” للبوح بالصراحة من خلالي ..وبأنه على الطريق لإنتاج رؤية موسيقية تمشي على رجليها ..إنما في صمت ، وفي حكمة ، وفي صبر وتبصر ذأب على ممارستهما ..
الرقيبة القادم من بيت للتعليم ، فوالدته التي غادرت قبل والده إلى دار البقاء بسنوات اشتغلت بسلك التعليم والأب نفس الشيء ..فهو لم يأتي من فراغ ..لم يأتي من الظلام . وإنما من بيئة وتنشئة اجتماعية تعارك فيها نضال الوالد لسنوات ضد الحكرة والحيف ..ضد القيم التي لا تنفع ، وتلك قصة أخرى سنتيه في سبر أغوارها ..فتاريخ والد الرقبية مولاي بوجمعة أكبر من أن تحتويه هذه الكلمات ..الذين يعرفونه يلزمهم فقط الحديث عن رجل كان ينتمي إلى منظمة إلى الإمام ..تاريخها أثمنتها ، فلسفة أصحابها ورح العصر فيهم ..حتى بعدما كان ما كان ..
على أي ، الرقيبة المنتمي إلى مناخ رحماني من أم جذورها من دوار لحشاشدة الغني عن التعريف ، تلك البيئة الرطبة من جماعة لبريكيين بالرحامنة الوافرة العنب والخيرات ، والأب القادم من نواة صحراوية أصيلة الانتماء ..الأب الركيبي الصحراوي الرحماني الذي ودعنا قرابة العام من الآن بنفس سلوك ابنه ..الاختباء وراء المعرفة ، والكتب وممارسة التأمل على رأي الأديب الألماني ” جوته” ، القائل بأن ” الميول تنكشف في الجماعة أما العبقرية ففي الوحدة ..” . عاش الرقيبة الأب أخر عمره مطمئنا هادئا إنما رحل على كل حال ..رحمة الله عليه ، وترك وراءه إبنا أكثر الذين عرفوه ، أو اشتغلوا معه ، يتحدثون عن نكران الذات فيه، عن تقاسم الأفكار مع غيره ، لا يبعها ولا يحتكرها ..وعن صدق الرجل . الرقيبة عاطف الذي يثير فضولك في اهتمامه الزائد “بمنظره ” ..بأناقته ، كل يوم وكل مناسبة وكل لقاء عنده تحفة من “اللباس ” ..دفعني يوما لاستفساره حول حرصه الدائم على اختيار الألبسة واستثمار جهد في ذلك مع أننا في ابن جرير .. حتى شبهته “بأباطرة الموضا الكونغوليين “فرد علي .. بأنه لا فرق بين هنا أو أي مكان أخر ، التربية تلعب دورها ، ومحاولة الارتقاء بالهندام في بيئة مثل ابن جرير يضعك في اهتمامات الناس ، ليس بالاعتبار الشخصي فحسب ، وإنما لتعطي صورة على أن الوضع جيد حتى لو كان العكس ، فالإشباع البصري مهم للأخر ..على الأقل حتى نعتقد جميعا بأن على هذه الأرض (الرحامنة) ما يستحق أن نلبس من أجله . وأن نشعر بالإحساس بالانتماء إلى بيئة جميلة حتى ولو لم تكتمل شروط الوفاء للجمال فيها إنما ..؟! تلك فلسفة الرقيبة التي يحافظ داخلها على طقوسه الخاصة وليتفاعل فيها بين رأية الشخصي وانطباعات الآخرين حوله.
بقيت الإشارة إلى أن الرقيبة قبل أن يبدع بنات أفكاره ويخلق محترفا للموسيقى ، تعالوا إلى بعض ما سنختصره من حياة هذا الشاب ..
لنقول أن التشبع بالفعل الجمعوي كان من بيت الوالدين تأسيسا وتنفيذا ، حينما كانت جمعية أمل ابن جرير تعقد اجتماعاتها بمنزلهم ، نحن في ضيافة سنوات الثمانينيات ..يوم كان والد عاطف كاتبا عام لهذه الجمعية ..فحرص الرقيبة مولاي بوجمعة على انطلاقة ابنه النوعية من خلال أخده لكل أنشطة إعدادية وادي المخازن محل اشتغاله ..شخصية الأستاذ “فورا” أثرت في عاطف الطفل ..هذا الأستاذ المراكشي الذي ملأ اسمه لسنوات مدينة ابن جرير كمنشط في المناسبات بخفة ظله وأسلوبه المرح ،هذا الأخير الذي دأب على اصطحاب عاطف إلى نوادي المسرح والموسيقى والسينما بدار الشباب بعرصة الحامض ورياض الموخى بمراكش . قوى في الرقيبة الإن القدرة على التماهي والاختيار ..الانخراط في الأنشطة المدرسية مبكرا بدار الشباب بابن جرير عام 90 ، وبداية مسار متنوع من اكتساب المهارات ..لعبة الشطرنج وكرة الطاولة..تم نادي السنابل ومنتدى اليمامة ..لتكون سنة 1994 سنة الاشتغال على الكوميديا رفقة المرحوم محمد لفريد ..تلاها عام 95 الاشتغال بجمعية المشعل ليكون اللقاء رفقة مجموعة ممن سيصنعون مجد دار الشباب لعهود ..عام 96 تأسيس فرقة أحلام المدينة المسرحية ..وعام 97 اللقاء الكبير مع بقية الفاعلين القادمين من تجارب مختلفة ، وتأسيس نادي أصدقاء بلا حدود الذي سيتحول عام 98 إلى جمعية أصدقاء بلا حدود ، المدرسة الأم لإنتاج الكثير من الطاقات الواعدة ..عاطف الرقيبة الذي سيخضع لتكوينات عديدة في التنشيط التربوي للأطفال، وفن التقديم والتواصل في تنظيم المهرجانات والأنشطة بجمعية الشعلة .
بين العام 2000 إلى حدود اليوم تلك المسافة التي قطع فيها الرقيبة أشواطا كمشتغل داخل الورش التربوي من باب التنشيط والاشتغال على جميع محاوره ..البهلوان والكراكيز والألعاب السحرية.. السينما وتنشيط فضاءات الشباب بمدن أخرى ..الكشاف المغربي كان له حظ مع الرقيبة من خلال تأسيس منظمة الكشاف المغربي بابن جرير، والمشاركة في مجموعة من التداريب والمخيمات والمتلقيات ..
صراحة يجد المتتبع لسيرة عاطف الرقيبة نفسه غير قادر على مواكبة “كرونولوجيا ” المحطات المتقاربة بالسنوات التي يحفظها عن ظهر قلب ، وحجم اشتغال هذا الأخير على مجالات ترتبط بالعمل الجمعوي إلى حدود اليوم ..حيث أعاد تدوير كل تلك” الرمزية” لإخراج منتوج يفوح عطرا من مقر مركز القرب الاجتماعي بالأشبال . حيث شاء القدر أن تتجسد في صمت معالم محترف للموسيقى أغلب الظن أنه سيكون له الكلمة الفصل في مقارعة “الفوضى ” ..فوضى الأشياء الجميلة والرتيبة في ابن جرير التي تحتاج إلى ترتيب وتنظيم كي تنمو ويقوى عودها ..ولا يتأتى ذلك إلا من خلال الموسيقى ..من خلال الآلة ..ومن خلال رغبة يعبر عنها الملتحقون بالمحترف ،وإلهام مجموعة من الأساتذة لإخراج ابن جرير إلى الآخرين في حلة جديدة ..وبشكل مغاير، ينتصر للغيرة ويؤسس لعمق الانتماء فعلا وقولا ..بعدما كان بالإمكان لو أراد الرقبية أن يضع مشاريعا ” هلامية “تتبخر في الفضاء بعد حين وهامش الربح فيها أكبر من كشوفات حساب وبعض ما ينثر هنا وهناك ..
لست ربوت