السلفية في المغرب - النشأة .. الامتداد .. والعمق الاجتماعي

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية السلفية في المغرب - النشأة .. الامتداد .. والعمق الاجتماعي

السلفية في المغرب - النشأة .. الامتداد .. والعمق الاجتماعي

نتيجة بحث الصور عن صور السلفية في المغرب                                                                                                    يصدر السلفيون المغاربة - كما هو الشأن بالنسبة لنظرائهم في مختلف أنحاء العالم - عن أيديولوجية واضحة تتلخص في عقيدة التوحيد ، والتي تضع كهدف نهائي تجريد الأشخاص والأشياء والأفكار من صفة القدسية ، وإعادة توظيف العاطفة الدينية في أشكال محددة بدقة يعتبرها السلفيون ترجمة صحيحة للتعاليم الإسلامية الأصلية .
يِؤدي وضوح هذا الهدف الأيديولوجي إلى تماثل كبير بين الأفكار السلفية أياً كان القائلون بها ، بحيث نجد لديهم مقاومة كبرى للتغير الذي يمكن أن يطال هذا السقف الأيديولوجي ، وبذلك لا يمكن التمييز بين الخطابات السلفية من حيث مرونتها وتشددها إلا من خلال تفاصيل صغيرة جداً ، أهمها رؤيتهم للعالم الخارجي والموقف مما يتجاذبه من أفكار تتصل بالدين أو يعتقد أنها كذلك ، ومنها على الخصوص إعادة تأويل عقيدة الولاء والبراء بشكل يمكن بعض هذه الاتجاهات في مواجهة أعداء الإسلام في الداخل والخارج .
 وكما هو الشأن للحركات السائدة في العالم الإسلامي ، تصدق النمذجة التالية على الحركات التي تتبنى الأيديولوجيات السلفية في المغرب ، لكن معياراً آخر يظهر ليتيح مزيداً من التمييز بين هذه الحركات ، إنه عنصر التبعية لما هو سائد في المشرق العربي مهد الدعوة السلفية ومصدرها الرمزي والمادي ، وعلى هذا الأساس الجديد يمكن تصنيف التيارات السلفية العاملة في الساحة المغربية إلى اتجاهات عديدة :
  • اتجاه تنطبق عليه محددات الطائفة بالمعنى السوسيولوجي للكلمة من حيث قلة تأثره بالبيئة المحلية ومحافظته على الارتباط بالشبكات الدعوية العالمية كمرجع أيديولوجي (جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة في شخص زعيمها المغراوي ، وجمعية دار القرآن والعلوم الشرعية بطنجة التي في مدينة طنجة دار الشاطبي لعلوم القرآن بتطوان ) .
  •  اتجاه تطور نحو منحنيات راديكالية متأثراً بالانشقاق الحاصل في المصادر المرجعية للدعوة السلفية بعد حرب الخليج الثانية ، بحيث تبنى أطروحات الاتجاهات الأرتدوكسية التي قادت هذا الانشقاق ، فكان بالتالي معارضاً للطوائف المحلية من حيث ولائها الرمزي وتبعيتها الأيديولوجية للاتجاه السلفي الرسمي السائد في المشرق ، كما انـزلق بعضها إلى مـمارسة العنـف عبر تــأويل جديـــد غير معتــاد في الفكر السلفي التقليدي " السلفية الجهادية " ، ( التيار الدعوي المناصر للقاعدة والتيار الجهادي الذي ارتكب أعمال 16 ماي 2003 الشهيرة ) .
  • حركات أصبحت تتخلى عن طابعها الطائفي من خلال تفاعلها القوي مع السياق المحلي ، في نفس الوقت التي تحتفظ فيه بعناصر المذهبية كاملة ، مع بعض الفلتات الاجتهادية المتمثلة على الخصوص في تخفيف درجة التعصب في الخطاب ، والقبول بقدر من التفاعل مع بعض القوى الفاعلة داخل المجال الديني ، ( مثل جمعية التوحيد والإصلاح الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية الحاكم ) ، ومجموعة من الجمعيات الإسلامية النشطة في المجال الاجتماعي ، وانحصار نشاطها في نطاقات ضيقة من المجال الديني ( جمعية الحافظ بن عبد البر ومراكش وشبكة دور القرآن المنتشرة في الدار البيضاء والتي يرعاها الشيخ زحل ) . 

سنركز الحديث على تنظيم واحد وهو الأكثر قدماً وشعبية وانتشاراً في المغرب ، وهو : جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة في المغرب التي تأسست عام  1976.
تتناول هذه الورقة موضوع الحركات السلفية بالمغرب من منظور سوسيولوجي في شاكلة مونوغرافيا ، مستهدفة قراءة هذه الحركات كظاهرة اجتماعية وثقافية ونفسية ، ثم قياس حجمها الحقيقي ومدى حضورها وسط الشرائح الاجتماعية ، وقدراتها على الاستقطاب والتعبئة المذهبية ، وذات قيادة وقدرات مالية ، أي كحركة اجتماعية ، وهي دراسة مطلوبة لذاتها في سياق بناء معرفة علمية بالموضوع ، كما أنها تكون جزءاً في برنامج بحثي يستهدف التعريف بمختلف الحركات السلفية ، بغرض الاستجابة للطلب الكثيف الاجتماعي والرسمي الوطني والعالمي الهادف على الخصوص معرفة :
  • تحليل أنماط الاشتغال الداخلي .
  • الانتشار والامتداد والتوزيع الجغرافي .
  • قياس المشروعية الاجتماعية . 
  • السر وراء شعبيته في المغرب .
  • مصادر قدرته على التعبئة .
  • الوظائف السياسية الضمنية والصريحة التي لعبها وما زال يلعبها .

بهذا يكون الموضوع مندرجاً في سياق مجهودات أكاديمية رسمية وغير رسمية متعددة التخصصات ،  وتشكل موضع على صعيد العلوم الاجتماعية لفهم التيار السلفي ، وفي ما يخصنا فإنه من خلال الاهتمام بظاهرة الحركات السلفية نسعى إلى إثراء البحث حول الإسلام المغربي وفهمه ، من خلال فهم بعض مظاهر التدين السائدة في تخوم هذا المجتمع ، هذا التدين الذي يعبر عن نفسه ومناسباته وطقوسه بطرق متنوعة ومتعددة .

الظهور والنشأة

ظهر تنظيم جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة ثان عام 1976 تحت قيادة محمد المغراوي ، ويشتغل عبر شبكة من المدارس التعليمية غير الخاضعة للسيطرة إلى حدود 2008 ، حيث أغلقت هذه الدور لكن أمام شعبيتها ما فئت الدولة تبحث صيغ يدمجها في مؤسسات التعليم الديني الموجودة . 
يطلق على هذه المدارس " دور القرآن " ، ويسهر عليها أطر مختلفي المستويات التعليمية ، وقد حصلت رئيس الجمعية على تزكية المفتي العام للديار السعودية " ابن باز " في سبعينيات القرن الماضي كدليل على سلامة منهجها العقدي المتبع للعقيدة السلفية .
من الناحية السوسيولوجية تتمظهر هذه الحركة وتتجلى في حركات ذات طابع طائفي ، وهي حركة تحاول ضمان الاستقلالية تجاه العلاقات الاجتماعية السائدة ، انطلاقاً من رؤية دينية ، إنها في الحقيقة حركات اجتماعية تتبنى تدينا تنزع من خلاله إلى الحفاظ على أقصى حد من الحرية تجاه ما درج عليه المجتمع الرسمي من عادات وسلوكيات دينية، مستوحياً طقوسه الخاصة من مذهبية دينية أخرى ، أو من تأويل مختلف للديانة الرسمية .

قوة الأيديولوجيا السلفية

استنتاج عام مفاده أن ما يجعل من الأيديولوجيا السلفية محل جاذبية كبيرة هي أنها تعمل على إعادة صياغة معتقدات الإسلام في شاكلة أكثر تبسيطاً ، فهي مذهب ديني موجه لا إلى النخبة المتمكنة من وسائل التنظير والحجاج ، وإنما إلى أناس في حاجة إلى فهم لما يعتقدون ، في حاجة إلى عقيدة بسيطة بإمكانهم إدراكها حسب إمكانياتهم الذاتية والتحدث عنها مع الآخرين من أمثالهم ، بدون أن يتيهوا في الكثير من المتاهات الأيديولوجية .
من هذه الوجهة يمكن القول أنه من خلال مسألة التوحيد ، فإن السلفية تستبطن إعادة تشريع العلاقة بالأشياء المقدسة من خلال ربط المؤمنين بمفاهيم بسيطة ، ما دام أن الاعتقاد بالتوحيد عندها لا يتطلب سوى الاعتقاد بالله كما وصف به نفسه في الكتاب والسنة من دون تأويل ، كما أنه من خلال هذه المقولة يصبح الإيمان عند السلفية وحدة كمية قابلة للقياس ، بحيث يمكن في كل وقت وحين اختبار سلوكيات المؤمن وممارساته التعبدية والنظر فيما إذا كانت لتعاليم عقيدة التوحيد . 
يغلب على هذا التيار تصلب لمذهبيته ، وهو سمة يمكن إرجاعها إلى مبدأين تتسم بهما الأيديولوجيا السلفية :
  • رفض الشرك والإصرار على التوحيد الذي يجب أن يخضع له كسلوك بشري . 
  • الرؤية الصارمة جداً والملتزمة بحرفية القرآن وفق التقليد الحنبلي ، والذي يجعل كل شيء يعود إلى منطوق القرآن السنة .
وتكتسب السلفية تصلبها من كونها محاولة نشطة لتكوين أورتدوكسية واحدة لكافة السكان ، نوع من الإصرار على تأسيس مذهب فقهي متجانس مع العقيدة ، وثورة على التقاليد الدينية الكلاسيكية واعتماد الإسلام النصوصي الذي يحيل على القرآن والسنة كمناط كل تفكير وسلوك .

الطقوس السلفية

وفي إطار إخضاع الأيديولوجيا السلفية للتحليل الإنتروبولوجي ، لا بد لبحث أن يتوقف لتفسير الطقوس التي يتعبد من خلالها السلفيون ، فمن خلال الاطلاع على الوثائق المذهبية للحركات السلفية محل الدراسة وملاحظة ممارستها الطقسية التي تقام داخل مقراتها ، تبين لنا أن من الأهداف البيداغوجية الكبرى لدى هذه الحركات ، هو النجاح في أن يعكس أداء الأتباع ذلك السلوك النموذجي المرغوب فيه ، والتعبير عنه بواسطة سلوكيات قابلة للملاحظة ، فالسلفي الحقيقي عند هذه الحركات هو ذلك الشخص الذي يحرص على ظاهر الأشياء ، ولا يقبل أن ينسب إلى التدين شيء مخالف لما هو نمطي ومحدد بقواعد .
إن اهتمام الأيديولوجيا السلفية بالعبادات والطقوس التي يجب أن يقوم بها التي يجعل منها مشروعاً ذا استراتيجية شاملة يرمي إلى إصلاح جميع أوجه الحياة الدينية اعتقادات كانت أو سلوكيات ، تحمل السلفية إذن تصوراً سلوكياً للحياة الدينية يتوجب أن تتحول التعاليم السلفية إلى سلوكيات ملموسة ، وليس إلى مجرد تعلق عاطفي بالدين لا أثر له في السلوك .
وإزاء الواقع العبادي الموجود التي تعتبره السلفية بدعياً ، تعبر السلفية عن حركة رفض للتجليات الثقافية والسوسيولوجية لما يسمى عند البعض " إسلاماً محلياً " لصالح الانتصار للإسلام المجرد ، فبصفة ضمنية يقول السلفيون بأن الإسلام في المغرب فقد على الأرض نقائه وصفائه الأصليين ، ليصبح مرتعاً لأنواع من القداسة المحلية التي تستمد مشروعيتها من مجرد التأثر بالأسطرة وليس من المقتضيات الأصلية للإسلام .
وبغض النظر عن التبرير الديني الذي تستند إليه هذا الهجوم على الطقوس البدعية ، فإن له أثاراً سوسيولوجية وهي التقليص من قدر العبادات إلى حدودها الدنيا التي تتطلبه التعاليم الدينية ، ومن ذلك يمكن اعتبار السلفية نزعة عبادية تقشفية وحركة احتجاج على التطويرات المحدثة في مجال العبادة .

تلقين الأيديولوجيا

كما يقتضي البحث تحليل طرق تلقين الأيديولوجيا السلفية والذي تم في دور القرآن ، وهي مؤسسات للتنشئة الدينية غير التابعة لمؤسسات الرسمية كما مر معنا ، ويختزل الخطاب السلفي مضمون هذا التلقين وطرقه في مصطلح الدعوة ،  وهو في العمق عمل نضالي وسيلته الأساسية الوعظ الديني البعيد كل البعد عن الإعداد والتأهيل السياسيين ، وهو عمل دائم ومستمر ، ومما تتضمنه الطبعة الثانية من الكتاب الخاص بهذا الموضوع والذي سيرى النور قريباً مقارنة عملية التلقين الديني السلفي مع التلقين الديني الذي يتم في المدارس والمعاهد التقليدية في المغرب ، حتى نقف عند أوجه الاختلاف الواقع في تلقين المعرفة الدينية في المغرب " تخصص علم اجتماع المعرفة".
وعلاوة على الدروس الدينية المعطاة عبر مختلف دور القرآن والمعاهد التابعة للتنظيمات السلفية يتم التلقين عبر آلية بسيكولوجية هي التماهي ، فعند الطوائف السلفية ، إذ بواسطة التماهي يتعلم التابع الكثير من الأنماط السلوكية المطلوبة وذلك عبر مشاهدتها عند غيره وتسجيلها في شكل إدراكات حسية أو استجابات رمزية ، يستخدمها في تقليد السلوك الذي يلاحظه ، أو في الحصول على المعلومات التي تمكنه من استخدام ذلك السلوك في مواقف أخرى ، ويتحقق هذا التماهي من خلال الأداء الجماعي والموحد للطقوس الدينية ، واستعمال المقابلات الرمزية التي تعوض الأسماء الحقيقية للأتباع ، والتمظهر بسمت واحد ، مما يمكن معه اعتبار السلفية ذات نزعة تدينية استعراضية وممارسة عيانية العقيدة .

الانتشار والتوزيع الجغرافي

لمبررات تتصل بمقدرات الباحث ، الموارد المالية التي نجح في تعبئتها تركز ولضرورات منهجية تتصل بفلسفة البحث ، فقد تناولنا التركيز على مدينة مراكش مهد السلفية ومقر أكبر تنظيماتها ، ويتبين أن توسع شبكة دار القرآن التابعة لجمعية الدعوة كان موازياً لتوسع المدينة وامتداد أطرافها ، فقد نشط انتشار هذه الدور مباشرة بعد التقسيم الإداري للمدينة ، فإحداث ثلاث محافظات : أحدث تعدداً للجهات المانحة للترخيص بشأن إقامة الدور واستقلالاً فيما بينها ، مما ساهم في تعدد جهات الترخيص ، وضاعف من إمكانيات توسع عمليات إنشاء دور القرآن على صعيد كل عمالة ، فبالنظر إلى تقسيم دور القرآن حسب العمالات ، يتبين أن كلاً من عمالة " مراكش المدينة" و" سيدي يوسف بن علي " ، و" مراكش المدينة " يحتضن كل منها داراً واحدة للقرآن ، في مقابل ثلاثة دور تتواجد جميعها في عمالة " المنارة جليز " ، مما دفعنا إلى البحث عن تبرير يمكن أن يفسر هذا التوزيع الجغرافي الذي يجعل دور القرآن تغطي كل أنحاء المدينة ، يمكن الحديث عن سببين رئيسيين جعلا دور القرآن التابعة للجمعية تنتشر بمراكش خصوصاً على الشكل الذي توضحه الخريطة ، ويرجع السبب إلى علاقات الشيخ الوطيدة مع السلطات المحلية إدارية كانت أو منتخبة ، فمن ناحية ، كانت السلطة المحلية ممثلة في جهاز العمالة هي التي تقدم كل التسهيلات في الأحوال الذي كان رئيس الجمعية يصادف فيها عوائق إدارية من طرف المصالح الخارجية الممثلة للقطاعات ذات الصلة بنشاط دور القرآن " وزارة التعليم ، وزارة الأوقاف " ، بحيث كان العمال " المحافظون " يتدخلون في كل لحظة لإعطاء تراخيص البناء والعمل في حال اشترط المصالح الخارجية للوزارات رخص السلطة الوصية ومن ناحية أخرى ، يرجح أن تكون للعلاقات التي جمعت بين المغراوي وبعض أطر حزب الاستقلال، الذي كان يتمتع بتمثلية كبيرة بالمدينة ، دور في تحديد شكل التوزيع الجغرافي لدور القرآن ، فقبل إحداث العمالات المذكورة كان حزب الاستقلال يسيطر على البلدية وهي الجهاز الذي كان يمنح تراخيص البناء في المدينة ككل ، وقد كان نوابه يأملون في مقابل تسليم التراخيص الخاصة ببناء دار القرآن ، أن تعبئ الجمعية أتباعها لصالح مرشحي حزب الاستقلال .
وبعد التقسيم ، لم يحتفظ الحزب بالسيطرة سوى على عمالة المنارة جليز ، الشيء الذي قد يفسر استيطان أكبر عدد من دور القرآن بها ، وإلى جانب هذه المقرات ، توجد دور أخرى كثيرة مستقلة منتشرة في العديد من مدن المغرب ، تتبنى نفس الخط الأيديولوجي الذي تلتزم به جمعية الدعوة إلى القرآن الكريم .
ويرجع مسيرو هذا الدور إلى جمعية الدعوة للتشاور وأخذ الرأي والفتوى في المسائل الإدارية والمذهبية ، علاوة على أن أغلب القائمين عليها والمؤطرين لأتباعها هم من خريجي دور القرآن التابعة لجمعية الدعوة ، وقد تولى المغراوي بنفسه إعطاء انطلاقتها ، وحضر شخصياً مراسيم افتتاحها ، فهذا الدور وإن كان تابعاً لجمعيات مستقلة في النشأة والتسمية ، فهي تابعة لجمعية الدعوة إلى القرآن السنة ، ويفوق عددها الـ 65 دوراً .
وقد كشفت تداعيات أحداث 16 مايو 2003 عما لهذا التوزيع الجغرافي من فائدة استراتيجية سواء بالنسبة لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة أو بالنسبة إلى للحركات السلفية ككل ، بحيث لم تشهد مدينة مراكش سوى 4% من الاعتقالات " لم تمس أي منها أعضاء التنظيم محل الدراسة " ، فعلى الرغم من إغلاق العديد من دور القرآن ومنع عديد الجمعيات الدينية من ممارسة نشاطها عقب الأحداث ، فقد تمكن العمل السلفي من مواصلة التعبير عن نفسه ، ويبدو أن جمعية الدعوة قد وضعت في حسابها ما قد يعرفه المجال الديني من تقلبات واحتمال تغير هذه، وبالتالي تغير موقف السلطات إزاءها - وهو ما تم فعلاً إثر خطاب الملك في أبريل 2004 الذي حدد فيه التوجهات الرسمية للدولة " الأشعرية، المالكية، الصوفية " - ، لذلك ، فإن إغلاق دور القرآن التابعة رسمياً لجمعية الدعوة لم ينجم عنه اجتثاث فروعها المتمثلة في دور القرآن التابعة لجمعيات مستقلة اسمياً ، ولكنها تابعة للخط السلفي لجمعية الدعوة ، إذ تبقى الجمعيات السلفية خاضعة للصرامة التنظيمية بشكل يجعل تعددها بعيداً عما يوحي به هذا التعدد لأول وهلة من نوع من اللامركزية التنظيمية ، وبهذا الشكل تتخذ تنظيم جمعية الدعوة وضعية نسق فرعي " sous système " داخل المجتمع ، مما يجعلها قادرة على مواجهة متطلبات المراحل القادمة واحتمالات تصادمها مع المصالح المتغيرة للسلطة .

موقع السلفية في الحقل الديني - السياسي المغربي

بعد العرض الاستطلاعي ، كان لا بد من دراسة الحقل الديني لهذه المدينة بشكل عام ، على اعتبار أن الاستعراض المونوغرافي وإن كان يعرف بالتجليات السوسيولوجية للحركات السلفية ، فإنه يبقى قاصراً على إدراك حجم هذا التجلي وأثره بالنسبة إلى باقي المؤسسات والوقائع والطقوس التي تشترك في تأثيث الحقل الديني ، لذلك ، كان وجب لكل باحث أراد التعمق في فهم الظاهرة السلفية في المغرب أو في غيره من البلدان دراسة الحقول الدينية المحلية عبر سلسلة من المونوغرافيلبيان التأثيرات المختلفة لظهور وانتشار الحركات السلفية على مختلف القوى والمؤسسات والطقوس التي تتنازع هذا الحقل .
كانت البداية بالزوايا والأضرحة ، وكانت خلاصة بحثنا الميداني كالتالي : أنه وبالموازاة مع الانتشار التدريجي للمبادئ والسلوكيات الإسلامية في صيغها السلفية ، حدث تراجع كبير لإشعاع الزوايا والأضرحة ، إذ بدأت التنظيمات السلفية عملها في السبعينيات بضرب المرتكزات الاجتماعية والثقافية والنفسية ، التدين الممارس في الزوايا والأضرحة ، مما كان له كبير الأثر على قدرة هذه المؤسسات التقليدية في ممارسة نفس الفعالية ، وإن كان البحث قد وقف على استثناءات عديدة لا تنسحب عليها هذه الخلاصة .
إنه من غير الممكن ادعاء القيام بمعالجة سوسيولوجية للموضوع دون استعراض مسارات النخب السلفية في مدينة مراكش عن طريق التحليل البيوغرافي ، هكذا تم التركيز على شخصيات نموذجية سواء كانت منتمية إلى الحركات السلفية أو كانت مستقلة ، وقد تم اكتشاف أنه من الممكن أن تقاس الشخصيات التي شملتها الدراسة على النخب السلفية الأخرى ، وذلك نظراً للمسارات المتقاربة لهذه الشخصيات ، بالرغم من أن هذه النخب - مثلها مثل الأتباع - قد انتمت إلى التنظيمات السلفية عبر مسارات فردية وليس على أساس قاعدة مشتركة ، وقد وقفنا في هذا الإطار على استعراض القدرات المعرفية والمادية التي تكون رأسمال هذه الشخصيات ، ويجعلها تتمتع بنفوذ مادي أو رمزي كبير في التنظيمات السلفية داخل المغرب وخارجه ، متواجدون حالياً في مختلف المؤسسات الرسمية  ولم تستطع السياسة الدينية التنكر لشعبيتهم .
وفي موضوع العلاقة القائمة بين السلفية والعمل السياسي : لاحظنا أن الافتقاد إلى الخطاب السياسي كان عائقاً في وجه دراسة العلاقات السياسية للحركات السلفية محل الدراسة ، وزاد من حدة هذا العائق انحصار نشاط هذه الحركات في حلقات التدريس ونشر وتأليف الكتب وغيرها من المناشط المليئة بالوعظ الديني ، فما ظل يستقطب اهتمام الحركات السلفية هو الاستقامة الفردية وليس الفعل الجماعي الذي يتوخى أهدافاً دنيوية ، وهذا ما يجعل منها حركات تزدري السياسة وتبعدها من اهتماماتها لصالح العمل على تكوين طوائف تكون التضامنات الأهلية والجماعية فيها مؤسسة على التجربة الدينية الشخصية وتحقيق الذات بعيداً عن الإعداد والتأهيل السياسيين ، حتى الخطاب السياسي لما سمي بالسلفيين الجهاديين هو مجرد مواقف لا تنم عن حضور أيديولوجيا متكاملة لا يجب أن تكون عليه النظام السياسي الاجتماعي والاقتصادي ، وزال هؤلاء بعد التخلص من محنتهم يتلقون بأبجديات السياسة كما يتلقاها طالب سنة أولى حقوق .
لكن البحث اكتشف أنه إذا كانت السياسة غير موجودة على مستوى الخطاب فإن ذلك لا يعني غيابها ، فهي تنتمي إلى مستوى آخر ، مستوى الممارسة اليومية ، بحيث يمكن أن نجد بعض مدلولاتها في أشكال العمل اليومية ، والطقوس والتنشئة والعلاقات الاجتماعية ، ولذلك عمل البحث على الكشف عن عناصر الفعل السياسي السلفي في هذه المستويات ، فهناك ممارسات تقايظ حرية العمل الدعوى بالامتثال للنظام السياسي ، أو تزكية شرعيته الدينية عبر مهاجمة الحساسيات الحركية المعارضة ، حتى إن المعتقلين إثر أحداث 16 ماي 2003 لم توجه لهم تهماً تتصل بالمساس بالنظام السياسي ، ولكن بالنظام العام استناداً على علاقة مفترضة في ذهن القاضي بيت خطاب هؤلاء ، وبين الأحداث الإجرامية في خرق واضح لما تعلمناه في كلية الحقوق ، من ضرورة توفر الركن المادي لإيقاع الاتهام إلى جانب الركن المعنوي الذي كان مفترضا وليس متحققاً .
وفي سياق الدفاع عن المعتقلين السلفيين ونصرة دور القرآن المغلقة تكونت من منتديين للدفاع عن هذه القضية ينحدران من الإسلام السياسي ( الكرامة ، والنصير ، اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين ) ، وأثر تشكيل حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية حدث انفراج كبير في القضية ، حيث أفرج عن أغلب المعتقلين غير المتورطين في أعمال خارج القانون بعفو ملكي ، أو بانتهاء مدة محكوميتهم بالبحث عن صيغة لفتح دار القرآن بشكل لا يحرج الدولة التي أعلنت عن مبادئ توجهات تحكمها دون تناسي تغير الموقف الأميركي من السلفية المعتدلة عقب الربيع والذي خرج عبر عدة تقارير ترسم للدول الحليف لها خارطة طريق تعيد الاعتبار لهذا التيار ، لكن انخراط بعض المفرج عنهم في الجهاد مع التنظيمات في سوريا وضع كل المتدخلين في حرج وزاد من تعقيد الأمور عليهم .

سؤال السلفية اليوم

التساؤلات الأكثر جدية فيما يتعلق بالشأن السلفي تأتي من المتابعين لعملها على الساحة السياسية ، فهل بالإمكان الوثوق بأن التيارات السلفية قادرة على طرح مشروع سياسي وتبني رؤى تلتقي مع القواسم المشتركة التي تتفق عليها جل القوى الوطنية ، بما فيها تيارات إسلامية أساسية العدالة والتنمية ، أم أن الطرح السلفي تعتريه الكثير من المناطق الضبابية والتصلبات التي تدفع إلى حالة من القلق والتوجس إزاء هذا التيار ؟
وهناك عينة يمكن الوقوف عندها في هذا السياق ، تصريحات للشيخ جمال المغراوي أحد أعضاء أحد أكثر من ستين شخصية قيادية وعلمائية في الحالة السلفية الجهادية ، من بينهم الشيخ الفيزازي وعمر الحدوشي وأبو حفص والكتاني .
التصريحات السالفة لعينة من المشايخ دالة بدرجة قوية على حدود وآفاق التطور في الخطاب السلفي ، كونها تصدر عن شخصية تنتسب لمرجعية رمزية تمثل كل أطياف الحالة السلفية بين جنباتها ، كما أنها تشتبك مع قضايا محورية كاشفة للرؤية السلفية ووجهة نظرها بالنسبة للمستقبل المغربي ، فمقولات هؤلاء الشيوخ لا يمكن أن تقرأ بشكل تجزيئي أو استقطاعي لأغراض المحاججة ، سواء كانت للدفاع والتبرير أو للهجوم والإدانة ، كما أنها لا يمكن أن تقرأ بمعزل عن عموم الظروف الذاتية والموضوعية التي تحيط بالتيار السلفي في الآونة الأخيرة .
فبصدد تطبيق الشريعة ، تتسم الواقف السلفية بالتنوع الكبير ، إلا أن المؤكد أن هذه الرؤية ليست بحال رؤية التيارات الإسلامية ، فللعدالة والتنمية رؤية للشريعة وأحكامها وكيفية إنفاذ مبادئها رؤى وأفكار تختلف كثيراً عن المقولات السلفية .
في العمق يبدو أن على الرؤى في مجملها قريبة الصلة فيما يخص أحكام الشريعة في التصريحات السلفية ورؤية التيارات الإسلامية الوسطية الناشطة على الساحة المغربية ، هو استبطان الوعي بأن تطبيق أحكام الشريعة لا يعني انقلاباً جذريّاً في القوانين والممارسات ، وأن البون بين ما يحكم حياة الناس والمجتمع وبين أحكام وتعاليم الشريعة ليس بتلك المسافة ، وهذا البعد الذي يتخيله البعض وكأن المجتمع يحيا حياة غير إسلامية .
هذا الاستبطان في حد ذاته يعد ملمحاً دالاً في سياق محاور التطور في الخطاب والوعي السلفي الذي كان يركز دوماً على الهوة السحيقة والفاصلة بين المثال الإسلامي في صناعته وبين الواقع المتردي ، وهذا التصور هو ما حدا بجل المكونات السلفية إلى الابتعاد عن الشأن العام والانسحاب من همومه على خلفية أن الخلل كبير والخرق متسع بما يتصور معه صعوبة الحديث عن الإصلاح والتغيير في الآماد المنظورة .
ما يلفت بقوة في تصريحات الشيوخ ، أن الحديث عن أن شورى العلماء " المجلس العلمي الأعلى " وهو بمثابة مرجعية عامة للتيارات السلفية ، ولا يمكن تجاوزه على أن يقع تنويعه وضم جميع الحساسيات إليه عوض التركيبة الحالية التي يوظف فيها المجلس العلمي الأعلى لخدمة مشروعية النظام السياسي .
قد يجد البعض في هذا التصريح تطوراً هائلاً في مضامين الخطاب السلفي الذي يجاهر بقطعيته وعدائه للتيارات التي تحمل أفكاراً علمانية أو ليبرالية لا تتوافق مع المنهج الإسلامي ، ومما لا شك فيه أن مجرد صدور هذا الكلام عن شخصيات قيادية ورمزية علمائية في الحالة السلفية هو تطور بحد ذاته ونقلة في الخطابات والمواقف إلا أن هذا لا يعني أن التحول بذلك الذي يمكن أن يتخيله البعض ، فالسلفيون على سبيل المثال لا يتصورون ، وهذا يمكن استجلاؤه من تصريحات المغراوي الذي دعى ضمنياً إلى تغيير بعض بنود مدونة الأحوال الشخصية عبر فتواه بشرعية تزويج ذات التسع سنوات .
وتلك نقطة تثير جدلاً واسعاً في أكثر من بلد عربي بين القوى السلفية ونظيرتها الإسلامية ، بل مع بعض التيارات الإسلامية الرئيسة ، والتي ترى بأن التعامل مع هذه القضايا ينبغي أن يكون وفقاً لمنهجية التدرج والتأهيل المجتمعي ، ومراعاة توفر الشروط الخاصة بتحقيق المناخ المجتمعي الملائم لتطبيق تلك الأحكام بعدالة وفق مقتضيات الشريعة ذاتها ، وليس التطبيق الفوري المتعجل والذي حدث في بعض التجارب وثبت فشله كما أنه لم يخل من التوظيف السياسي .

فرص تطور الخطاب السلفي المغربي

 لقد أظهرت الأحداث على الساحة المغربية أن ثمة تغييراً في الخطاب السلفي ، وأن هناك قدراً من التطور طال بنية الخطاب السلفي ، لكن تظل هذه التغييرات في حدود ضيقة لا تصل إلى حد النقلات النوعية ، ما يعني أن الأفق ما زال مفتوحاً على كل الاحتمالات أمام فرص التطور والانفتاح والتجديد في مفاصل الخطاب ، بما يتماشى ومستلزمات وثوابت المشروع الرسمي الذي يشهد حواراً ضمنيا وصراعاً بين القوى السياسية والاجتماعية ، لتحديد أطره ومعالمه ، إذ يحمل العددين الأخيرين من مجلة الفرقان حول الأشعرية والوظيفة المسجدية نظرة نقدية بديلة لطريقة تدبير الشأن الديني على المستوى الرسمي .
إن مجرد الحديث حول إمكانية تأسيس أحزاب سلفية خطوة هامة في مجال تطور الرؤية السلفية ، إنها الحلقة الأكثر تطوراً داخل المنظومة السلفية ، باعتبارها تطويراً لعمل الوعظ المنفرة من العمل السياسي التي ظلت المدرسة المغراوية تعمل من خلالها ، إذن إنها شكلت حالة من التجدد حتى في مسار الوعظة التي ظلت حتى وقت قريب تنفر من العمل السياسي وتحذر من العمل الحزبي وتنأى بنفسها عن الانخراط في الفضاء السياسي .
بيد أن هذه الخطوة لا تشكل كما يتوهم البعض قفزة تجعل الحالة السلفية أو أحد تجلياتها تقف على مقربة من مدرسة الإسلام السياسي ، فمن الجلي أن خطوة من قبيل تأسيس حزب سياسي والإعلان عن القبول بالتداول لا يكفي للقول بأن الخطاب السلفي يشكل عامة إضافة للمشهد السياسي ويبتعد عن مخاطر التأزيم .
فبجوار تأسيس أحزاب ذات أبعاد سلفية وقول تلك الأحزاب بالقبول بالتداول لا يزال هناك حديث ثابت ومستقر عن حاكمية المشروع الإسلامي وثوابته ، ما يعني أن القوى الوطنية غير الإسلامية وفق تضمينات الخطاب السلفي في أقصى درجات تطوره حتى الآن بعيدة عن الاعتراف لها بالحق في طرح مشاريعها السياسية على الرأي العام وأن تكون الإرادة الشعبية الحرة هي الفيصل في الترجيح وهو ما يقبل به الأحزاب الإسلامية من غير الاتجاه السلفي .
من المرجح أن يواصل الخطاب السلفي في الإطار العام مراحل تطوره بفعل الاحتكاك مع قضايا المجال العام والاحتكاك المباشر مع الشارع ، والتشارك وحتى التعارك مع القوى السياسية ، وكلها محددات كفيلة بتشكيل دوافع ومحفزات لتطور الخطاب السلفي والذي ظل قبل الثورة أسيراً لقضايا بذاتها ومنهجية في التفكير وآليات لصناعة الخطاب ونحت الرؤى تشكلت في غياب عن الاحتكاك المباشر مع الفضاء العام .
هذا التطور المحتمل في البنية العامة والمقولات الأساسية والتقليدية للخطاب السلفي ، يساعد عليها أن المراكز التاريخية لصناعة الخطاب السلفي وبصفة خاصة في الجزيرة العربية آخذة هي الأخرى منذ فترة ليست بالقليلة في التطور والابتعاد عن النمطية ، وتقديم رؤى وخطابات تتناسب ومعطيات اللحظة التاريخية من المتوقع إذاً أن تكون ثمة علاقة طردية بين التطور في الخطاب السلفي بشكل عام على مستوى المقولات والمسلكيات ، وبين الانخراط السلفي في شؤون العمل العام ، لكن ذلك لن يكون بالأمر السهل واليسير ، ولا يمكن القول بحتميته ، فثمة تحديات تحدق بهذا التطور المأمول تظهر الشواهد السوسيولوجية قدرة القوى السلفية على التعبئة ، والذي وظف في الانتخابات الأخيرة لغرض ترجيج كفة العدالة والتنمية .
لكن مثل هذه التصورات عن الذات وعلى الرغم من أنها حقيقة ميدانية عن الذات ، ربما تشكل عائقاً أمام الاستعداد والقدرة على التطوير والتغيير ، وبدلاً من البحث عن تطوير الخطاب وتأهيل الذات للتوافق مع المحيط العام على صناعة وصياغة المشروع المشترك ، يتغذى الميل نحو فرض الأفكار والتصورات وتوقع المطالبة بتقديم التنازلات من الغير .

 
عائق الانقسام 

من جملة الأشياء التي تشكل عنصراً سلبيّاً ضاغطاً أمام تطور الحالة السلفية تشظيها وتنوع مشاربها والذي قد يصل بها إلى محكات من الفرز والتصارع على الجمهور السلفي وجمهور الشارع بشكل عام ، والذي يقرأ المكونات السلفية وفق رؤيته الخاصة على أن مزاجيته وميوله سلفية ، مما قد يدفع إلى المزيد من الجمود على المقولات الأساسية والثبات على المواقف والرؤى .
وفي ختام الحديث عن مسارات وحدود والاحتمالات المستقبلية للخطاب السلفي ، يمكن القول بأن ثمة عاملاً رئيساً سيشكل الرافعة الرئيسة التي تتشكل على وقع اتجاهاتها ومعطياتها حالة الخطاب السلفي ، فعنصر القناعات المجتمعية وميولها عندما تتحدد في الاستحقاقات الانتخابية وكل مناسبات الفرز الجماهيري ، ستكون بلا ريب المؤشر الأبرز للقوى السلفية لتقف مع ذاتها وتعيد حساباتها ، وتعاود النظر بين الفينة والأخرى في طروحاتها فلا شيء يمكن أن يغير العقلية السلفية المتصلبة سوى احتكاكها بواقع غير مألوف ، وهو الواقع السياسي ، حيث ينظر على الأمور ببراغماتية تراعي محددات النسق السياسي المغربي .
كما ينبغي تسجيل ملاحظة هامة وأساسية تتعلق بتنوع الخطاب السلفي وعدم وجود كتلة مرجحة بداخله حتى الآن، فقد رأينا من يحض على التظاهر أثناء الثورة ومن يشارك في الفعاليات، كما رأينا من يجرم الفعل الاحتجاجي ويصم المتظاهرين بالخوارج ، كما رأينا من يصر على مقولات أهل الحل والعقد وعدم جواز تولي غير المسلم للمواقع القيادية في الدولة وبين من يرى جواز ذلك ، وكلها اتجاهات حتى وإن صغر تمثيل حجم بعضها تنتسب إلى الخط السلفي .
وعلى العكس من جماعات الإسلام السياسي المغربية والتي وإن تنوعت الرؤى بداخلها تظل في إطار مجرى عام فإن السيولة في التنوع داخل المكون السلفي - أفرادا وتنظيمات - سيكون من أكبر تحدياتها : القدرة على تواجد خط عام وتيار رئيس ، وهذا من مقومات القدرة على التجديد والتطور ، وعكسه سيظل يدخل الحالة السلفية في تناطح الأفكار والرؤى والاجتهادات .

خلاصة

وفي الأخير ، نقول بأن السلفية في المغرب هي نوع من الحركات الاجتماعية الدينية الوعظية الذي تتبنى فعلاً جماعياً يسعى إلى تغيير القيم وتجديد الأخلاق ، لكن أنماط عملها تبين حقيقة أخرى ، فإلى جانب الدوافع المثالية التي تحرك هذه الحركات ، فإن ثمة مصالح نفعية دنيوية تعتبر الأساس المفسر لقدرتها على التعبئة الاجتماعية.
ومما لوحظ على الحركات السلفية أيضاً مرورها بمرحلتين مهمتين في سياق تطورها ، فقد كانت المبادرات التنظيمية في البداية لا مركزية وغير منسقة وتطبعها التلقائية ، حيث لم تكن تتميز إلا بشيء قليل من التنظيم وانعدام الوضوح في الأدوار والأهداف ، وفي مرحلة ثانية بدأت مرحلة العمل المنظم والبناء الاجتماعي الذي تحددت فيه الأدوار وتبلورت الأهداف في إطار أيديولوجية متكاملة ، مما جعلها في سياق الربيع العربي رقماً رسم تجاوزه في التنافس السياسي ، فلا يكمن بأي حال الأحوال تفسير فوز التيارات الإسلامية في المغرب ومصر وتونس واليمن إن نحن لم نستحضر متغير الكتلة الناخبة السلفية التي لعبث لصالح هذه القوى . 
ففي الحالة المغربية مثلاً يصعب -دون استحضار المتغير السلفي - تفسير حصول حزب العدالة والتنمية على خمس مقاعد برلمانية بغالبية المقاعد البرلمانية في مدينة مراكش إثر تشريعيات 2011، بعد أن كانت ممتنعة عليه كليّاً ، وبشكل ساهم إلى حد بعيد في تصدر الحزب للمشهد السياسي المغربي 

المراجع

  • أبو اللوز عبد الحكيم ، سوسيولوجيا الحركات السلفية في المغرب ، بيروت، مركز دراسة الوحدة العربية، سلسلة الأطروحات، 2009 .
  • الدين والسياسة في تونس، إشكالية التحديث وظهور حركة النهضة، القاهرة، دار رؤية للنشر 2010 .
  • السلفيون في المغرب العربي، مشترك ، دبي، مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2010 .
  • التصوف المعاصر، مشترك ، دبي، مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2010 .
  • التصوف والحداثة في المغرب العربي، مشترك ، دبي، مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2010 .
  • Abgrall Jean Marie, La mécanique des sectes. (Paris: Payot, 2002)
  • Ayadi M, Rachik H, Tozy M , L’Islam au quotidien, prologue, 2007
  • Bergeron Richard: Le cortège des fous de Dieu. (Paris: Hachette, 1970)
  • Spiritualités. 2004
  • Bourdelique Max, Les groupes sectaire totalitaire: Les méthodes d’endoctrinement (Lyon: Cronique sociale, 1998).
  • of religion ( London: Oxford university press, 1976)
  • Deconshy Piérre, L’Othodoxie religieuse (Paris: mouton, 1980)
  • Desroche Henri , Les religion de contrebande. ( Paris: Repéres, 1974)
  • Dermenghem Emile , Le culte des saints dans l’Islam maghrébin. (Gallimard: Paris, 1954)
  • Doutté (E) , En Tribu, ( Paris:Paul Geuthner Editeur, 1914)
  • Durkiem Emile, Les formes élémentaires de la vie religieuse. (Paris: PUF, 5éme édition, 1968)
  • Etienne Bruno: La france face aux sectes ( Pais: Hachette Littérature, 1992).
  • Faubert Serge: Une secte au coeur de la République, Les réseaux française de L’Eglise de scientologie (Paris, Calman-lévy, 1993)
  • Fillaire Fayard: Les sectes (Paris, Dominos flarmmarion, 1999)
  • Fournier Anne et Picard Cathrine: Secte, démocratie et mondialisation, (Paris, PUF, 2002)
  • Goffé Joerge , Radicalism in north africa, Routlage, 2012
  • Hervieu léger Daniél: La religion en miette ou la question des sectes. (Paris: Calman lévy, 2001).
  • Hervieu Léger Daniéle et Willaime Jean Paul, Sociologies et religion: Approches classiques. Collection: Sociologie d'aujourd'hui, (Paris: PUF , 20011)
  • ــــ La profession de la foi d’Ibn Taymiyya. (Paris: Geuthner, 1986)
  • Fillieule Olivier et Cécile Péchu, Lutter ensemble les théorie de l action collectives.(Paris: L’Harmattan,. 1993).
  • Fillieule Olivier et Cécile Péchu, Lutter ensemble les théorie de l action collectives.(Paris: L’Harmattan,. 1993).
  • Neveu Erik: Sociologie des mouvements sociaux (Paris: La Découverte, 2°édition ? 2000)
  • Roy Olivier, la saint ignorance le temps de la religion sans culture , seuil, 2009
  • ----L’Islam mondialisé, seuil, 2002
  • Segeman Marc, le vrai visage des terroristes, psychologie et sociologie des acteurs du djihad (paris: Denoet Impacts, 2005)
  • Ségy Jean: les sectes protestantes dans la France comtenporaine (paris, Beachesne, 1956).
  • Vernette Jean, Dictionnaire des groupes religieux aujourd'hui, religions-Eglises-Sectes-Nouveaux mouvement religieux-mouvements spiritualistes.( paris: PUF, 1995).
  • __ Sectes et réveil religieuse. (Salvatore: Mulhouse, 1976).
  • Wach (J): sociologie de la région. (Paris. Payot, 1995).
  • Weber Max, l'éthique protestantes et l'esprit du capitalisme (Paris: flammarion.3ème édition.2002).
  • Wilson Bryan: les sectes religieuses.(paris, Hachete, 1970). 
  • https://fikercenter.com/studies

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button