من القبيلة إلى الدولة: إعادة إنتاج النخب القروية:

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية من القبيلة إلى الدولة: إعادة إنتاج النخب القروية:

من القبيلة إلى الدولة: إعادة إنتاج النخب القروية:

لا يتوفر وصف للصورة.عبر تاريخها الطويل و ما بين لحظات تبعيتها لأجهزة المخزن أو انفصالها عنها فيما تحدده أدبيات السوسيولوجيا الكولونيالية بثنائية بلاد السيبة و بلاد المخزن كان للقرى مؤسساتها و أجهزتها الخاصة التي تتولى من خلالها تسيير شؤونها اليومية و علاقتها بالآخرين إذ يرى robert montagne في كتابه les berbers et le makhzen أن القبائل المغربية كانت تعيش في فوضى منظمة, جدلية الفوضى و النظام هذه لا تعكس حالة من التناقض المؤسساتي لدى القبائل المغربية بقدر ما تحيل على قدرة هذه القبائل على تأطير ذاتها و رعاية مصالحها في غنى عن أجهزة المخزن و اعتمادا على مؤسساتها و تنظيماتها الاجتماعية و السياسية المحلية التي تفرز باستمرار نخبها في سياق علاقات مبنية على أنظمة الولاء التقليدية المتمركزة حول روابط الدم و النسب. و لأن أدبيات السياسة و الاجتماع تحيل على أن الدولة نقيض القبيلة فإن نشأة الدولة الحديثة لما بعد الاستقلال في النصف الثاني من القرن العشرين, كان إيذانا بانسحاب هذه المؤسسات التي لم يعد من الممكن استمرارها في تسيير الشأن اليومي و العام للسكان أمام اكتساح الدولة للمجال القروي و حرصها على خلق نخب محلية بديلة أهم ما يميزها ولاؤها للمخزن تتفاعل في سياق تنظيمات اجتماعية و سياسية جديدة مرتبطة بأجهزته, و لعل هذا ما تمثل في إحداث الجماعات القروية التي شكلت البديل المفروض من الدولة لأجهزة القبيلة العتيقة و نخبها التقليدية. فهل خلق هذا الانتقال المؤسساتي بالفعل نخبا جديدة مختلفة عن النخب التقليدية السابقة و هل كان الفضاء الثقافي و الاجتماعي للقرية قبلا لاحتضان اللعبة السياسية وفق شروطها الحديثة ممثلة في المجالس الجماعية ؟
النخب السياسية القروية: نخب قديمة لمؤسسات حديثة:
إن تدمير مؤسسات القبيلة العتيقة من خلال زرع مؤسسات سياسية بديلة مرتبطة بالتصورات الحديثة للممارسة السياسية للإشراف على تسيير الشأن اليومي للقرى لا يجد مجالا ملائما للنجاح في ظل الشروط المحددة للوجود الاجتماعي و السياسي للقرى المغربية, فواقع الحال يشير إلى قطائع حادة بين القرية كمجال اجتماعي و سياسي من جهة و الممارسة السياسية الحديثة التي تجسدها المجالس الجماعية
و هو ما يمكن استخلاصه من عدة مؤشرات:
استمرار هيمنة النظام الأبوي التقليدي الذي يجعل جيل الآباء يهيمن على كل المساحات المتاحة للتأثير في مسار الأحداث بفضاء القرية على كافة المستويات, فاعتبار السن مثلا لازال عاملا أساسيا في احتلال المناصب المميزة مما يفضي إلى الإقصاء التام لفئة الشباب التي و رغم ظروف التضييق و التهميش التي لازمت وضعية العالم القروي بالمغرب فقد استطاع بعضها تحصيل مستويات تعليمية مختلفة, هكذا تعكس الأرقام المتاحة حول المستوى المستويات التعليمية و العمرية للمستشارين الجماعيين القرويين ارتفاع متوسط الأعمار و انخفاظ مستوى المؤهلات التعليمية الشيء الذي يجعل السلوك السياسي لهؤلاء مغرقا في أشكال قد تحيل على القبيلة أكثر بكثير مما تحيل على الدولة.
الغياب التام للأحزاب السياسية من فضاءات العالم القروي السياسية ذلك أن اعتبار المجالس القروية واجهة للديمقراطية المحلية, يجعل من المفترض أن تلعب فيها الأحزاب دور الفاعل مابين التأطير السياسي المباشر للمواطنين و الحضور التنظيمي و الأيديولوجي على مستوى التدبير اليومي لشؤون هذه الجماعات التي دخلها أعضاؤها بناء على انتمائهم السياسي لهذه الأحزاب, لكن المجال السياسي القروي لا يعكس الحضور الحزبي إلا في سياق الدكاكين الانتخابية التي تنشأ في فترات الحملات الانتخابية لتعود للاضمحلال في انتظار استحقاقات جديدة, هكذا تتأسس العملية الانتخابية في القرى على قاعدة الانتماء العرقي و القبلي و العشائري الذي يعيد إلى الأذهان نظام الولاء التقليدي المشار إليه سابقا أكثر مما تتأسس على الأحزاب و برامجها و خلفياتها الإيديولوجية, بل إن هده الأحزاب نفسها غالبا ما تركب نفس نظام الولاءات التقليدي هذا, في اختيارها للمرشحين الدين سيحضون بتزكيتها مما يرهن عملية التفاعل السياسي بين الأحزاب و المواطنين بالقرى و التي تصل ذروتها في فترات الانتخابات في سياق العلاقات الدائرية المغلقة التي لا تفسح المجال أمام انبثاق نخب جديدة أكثر ملاءمة لشروط الممارسة السياسية الحديثة. إن التاريخ السياسي للمغرب الحديث يعكس عجزا هائلا لدى الأحزاب السياسية بمختلف مشاربها عن ضمان موطئ قدم لها بالوسط القروي فضعف تأهيل هده الأحزاب من جهة و جيوب المقاومة التي من الطبيعي أن ينتجها هدا الوسط ارتباطا بشروط عيش ساكنته من جهة أخرى تجعل من اختراقه أمرا في غاية الصعوبة.
التناقض الصارخ بين شروط عيش الساكنة القروية التي تحيل على التخلف الذي تعكسه مختلف مؤشرات التنمية البشرية من تعليم و صحة و اندماج في الحضارة الحديثة و شروط اشتغال المؤسسات الجماعية التي هي من صميم إنتاج المجتمعات المتحضرة و الذي يرتبط أساسا بالفرق الكبير بين قرى و مدن المغرب في جميع مناحي الحياة فعزلة القرى المغربية و تهميشها في مخططات الدولة رغم الشعارات البراقة التي يحبل بها الخطاب الرسمي ساهم بشكل كبير في استمرار هيمنة أنماط العيش العتيقة و تفشي الأمية, مما يؤدي إلى عجز هذه النخب عن مسايرة الحد الأدنى لمتطلبات الانخراط في اللعبة السياسية وفق المؤسسات السياسية الحديثة, لدرجة يصبح معها توفر هؤلاء على الشهادة الابتدائية كشرط للترشح لمنصب الرئيس عائقا حادا أمام عدد كبير منهم قد يدفعهم في كثير من الأحيان إلى محاولات الالتفاف عليه عن طريق تزوير هذه الشواهد و هو ما بلغ ذروته في الفترة الانتخابية الحالية التي رهنت التفاعل السياسي بين مختلف الألوان السياسية المشكلة لجماعات بعينها تخوض لعبة الانقلابات و الانقلابات المضادة في تسابق حول كرسي الرئيس.
رغم تحديث شروط الممارسة السياسية بالوسط القروي فلا تبدو حيثيات هذه الممارسة مختلفة عن السياق التقليدي الذي ميز مؤسسات القبيلة الرمزية منها و المادية, إذ نفسه نظام الولاءات التقليدية المبني على العلاقات الأسرية و القبلية و العشائرية لا زال يتحكم في خلق النخب المحلية مما يعطي الانطباع بأن النخب التقليدية التي أفرزها النظام القبلي هي نفسها من انخرط في لعبة السياسة الجديدة مع فرق تبعية هذه النخب للمخزن الذي فرضته إمساك الدولة بتلابيب اللعبة السياسية و تحكمها في مساراتها لتكون النتيجة مؤسسات جديدة بنخب قديمة لا تشكل انتماءاتها السياسية و الأيديولوجية سوى غطاء يضفي الشرعية على انخراطها في اللعبة السياسية بشروطها الحديثة, إن الانتقال من مؤسسات القبيلة إلى مؤسسات الدولة على مستوى فضاء القرية المغربية, كان انتقالا صوريا لانعدام كل الشروط التي من شأنها أن تساهم في إنجاحه و على رأسها فك العزلة عن هذه القرى و إدماجها في التنمية على مختلف واجهاتها من تعليم و صحة و ثقافة...وتوفير مجال ملائم لانتاج نخب بديلة لنخب الشواهد الابتدائية المزورة.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button