ما الذي يحدث عندما تتحول فتاة صغيرة وجميلة من حياة عادية إلى عيش ملكي ترفل فيه في أفخر الثياب وتسكن أجمل القصور؟
وكيف تتصرف هذه “السندريلا” مع حياة البلاط وهي التي قفزت فجأة من حياة المراهقة إلى مرتبة زوجة رجل مهم ؟
وكيف ستواجه هذه الفتاة او المرأة الشابة مصيرها القاتم كأرملة وسجينة لمدة عقدين في الحدائق السيئة للملك؟
هذه الأسئلة ليست محاور رواية نسائية ولا حتى عمل سينمائي او درامي صاغته أنامل نسوية وإنما هي تجربة حياتية حقيقة عاشتها المغربية فاطمة اوفقير التي كانت في مرحلة الستينات من القرن الماضي ملء السمع والبصر في المجمل المخملي في المغرب الأقصى والتي رحلت عن عالمنا في السنوات الأخيرة .
هي إحدى النساء اللواتي طاردتهن لعنة القصور وبدايتها انطلقت بنظرة قالت عنها فاطمة ” لم يكن عمري يتجاوز السادسة يوم قابلته لأول مرة عند شقيقته أبدى إعجابا بي ربما لأنني كنت فتاة لا تشبه البقية” ثم التقته بعد ان توالت السنوات وتزوجت فاطمة الشنا في عمر مبكرة من محمد اوفقير الذي كان يكبرها بحوالي 15 سنة .
وكان ذلك إيذانا ببداية حياة جديدة مختلفة مليئة بالمطبات ولعل مأساتها بدأت في تلك اللحظة ورغم ارتقائها للسلم الاجتماعي لتصبح سيدة الصالونات والقصور وزوجة الضابط المهم والساعد الأيمن وأهل الثقة للملك الشاب وقتها الحسن الثاني .
لكن البريق سرعان ما زال وانقضى العصر الذهبي لهذه
السيدة لتجد نفسها مهجورة في سجن رهيب مع أبنائها الصغار وعن تجربة المعتقل التي دامت عقدين من الزمن وعن تلك المأساة الإنسانية كتبت فاطمة اوفقير نصا وسمته بحدائق الملك والذي هو بمثابة المذكرات التي صاغتها بأسلوب غاية في الروعة يغري القارئ بأن يلتهم صفحاته ويلاحق الوقائع الواردة فيه وهو لا يكاد يصدق ان هذا حدث فعلا فالأحداث الواردة فيه موغلة في الغرابة والإثارة حتى لكان خيال ماهر يقف وراء صوغها.
السيدة لتجد نفسها مهجورة في سجن رهيب مع أبنائها الصغار وعن تجربة المعتقل التي دامت عقدين من الزمن وعن تلك المأساة الإنسانية كتبت فاطمة اوفقير نصا وسمته بحدائق الملك والذي هو بمثابة المذكرات التي صاغتها بأسلوب غاية في الروعة يغري القارئ بأن يلتهم صفحاته ويلاحق الوقائع الواردة فيه وهو لا يكاد يصدق ان هذا حدث فعلا فالأحداث الواردة فيه موغلة في الغرابة والإثارة حتى لكان خيال ماهر يقف وراء صوغها.
تبدأ تفاصيل الحكاية بمحاولة اغتيال تعرض لها الملك الحسن الثاني واتهم وزير الداخلية وقتها الجنرال محمد اوفقير بكونه يقف وراء هذه المؤامرة ولم تغفر له هذه الخيانة كما اسماها القصر وتؤكد الرواية الرسمية انه بعد اكتشاف الأمر ونجا الملك انتحر الجنرال اوفقير في حين تروي عائلته كونه قتل بأمر ملكي وبحضور الحسن الثاني شخصيا وهي الرواية التي تؤكدها صاحبة كتاب حدائق الملك الجنرال اوفقير والحسن الثاني، وقد صدر باللغة الفرنسية قبل ان تتم ترجمته.
وتكمن أهمية هذه الشهادة في كونها تتجاوز مجرد التوثيق لتجربة الاعتقال في سجون الملك الحسن الثاني او حدائقه السرية التي تحتوي على كل صروف وأنواع التعذيب والإذلال والاهانة للمعارضين ومنهم أسرة اوفقير الذين كان أمين سره وبيت ثقته والوزير الذي منحه حقيبتي الدفاع والداخلية معا وهو الذي بعد محاولة الاغتيال التي قيل انه دبرها له جعله يفقد الثقة الى الأبد في كل المحيطين به وهو ما قاله في كتابه ذاكرة ملك معترفا بأنه ينام بنصف عين ولعله لم يعد يذق طعم النوم منذ تلك المؤامرة.
فهذا الكتاب وثيقة إدانة ضد عديد الأنظمة العربية التي اعتمدت وسيلة القمع والاضطهاد وأمعنت في ” ابتكار ” وسائل مرعبة لتعذيب المعارضين السياسيين وحتى أقاربهم الذين لا دخل لهم من بعيد او قريب في انتماءات ذويهم او سلوكهم السياسي.
وهو ما حدث في تجربة عائلة اوفقير التي عاقبها الملك عقابا جماعيا حيث وجدت الأرملة الشابة التي لم تتجاوز لحظة اعتقالها 36 سنة في حين كانت كبرى بناتها مليكة تبلغ 16 عاما أما اصغر أطفالها عبد اللطيف لم يتجاوز 3 سنوات من عمره.
إذن ورثت فاطمة اوفقير وأبنائها انتقاما قاسيا وجدت نفسه بمقتضاه في الحدائق الخلفية للملك وهي لم تنه بعد فترة الحداد على زوجها الجنرال اوفقير. وهي تروي في الكتاب كيف اقتديت الأسرة الصغيرة الى جنوب المغرب تحت حراسة مجموعة من الخلص للملك الذين تعهدوا بعملية الانتقام وعنها قالت أرملة الجنرال أنها قررت ان تعيش ماساتها وقدرها حتى النهاية.
وطوال هذه المرحلة السجنية التي وصفتها الكاتبة بشكل درامي وحبكت تفاصيلها كأنها رواية او مسرحية بفنيات عالية وهو ما جعلها تراجيديا متكاملة الأركان.
وتزعم الكاتبة ان هناك قطيعة كلية بينها وأفراد عائلتها والعالم الخارجي وتصف الظروف اللانسانية التي عاشوا فيها طوال سنوات الاعتقال، على غرار سوء التغذية والمعاناة من الأوساخ والإمراض التي ألمت بهم في ظل غياب الدواء ومنعهم حتى من الهواء والشمس وهم يقبعون في عمق الصحراء المغربية في سجن معزول.
لكن أفراد العائلة المنكوبة وبفضل ذكاء والدتهم وإصرارها على المقاومة تمكنوا من ابتكار وسائل عجيبة ساعدتهم على النجاة فقد زرعت فيهم أمل الخلاص ولذلك ابتكروا وسائل دفاعية للاستمرار على قيد الحياة.
وفي تفاصيل مثيرة للدهشة تروي فاطمة اوفقير كيف حفرت وأطفالها نفقا طويلا تمكن بعض أفراد العائلة من الهروب منه للتعريف بقضيتهم حدث ذلك بعد 14 سنوات في الإقامة في الأقبية في السجن المعزول.
وبعد ان طفت قضيتهم على السطح واثر اتفاق بين الملك والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران تم نقلهم الى سكن طبيعي لكن تحت الإقامة الجبرية. وهي تصف هذه المرحلة بالعودة من القبر. وهي لفترة التي سبقت السماح لهم بالسفر ومنحهم حريتهم في العيش كما يحلو لهم.
وبعد سنوات أمكن لفاطمة اوفقير أرملة الجنرال الملقب بالذئب الأرقم ان توثق مأساتها في كتاب وفي شهادة أدلت بها لقناة الجزيرة القطرية في برنامج زيارة خاصة لسامي كليب.
وشهادتها التي حيكت بأسلوب درامي والتي يزعم البعض ان فيها بعض المبالغة وربما المغالطة ورغم كل شيء تعد وثيقة إدانة للنظام الرسمي ليس المغربي فحسب بل العربي عموما وتعرية للأساليب القذرة والوحشية التي يتعامل بها مع خصومه ومع ذويهم الأبرياء أيضا وبنفس الدرجة من الوحشية والانتقام الحاد.
لست ربوت