لست أنا ولا أنت ولا غيرنا إلا الذين ينتمون للمدرسة العمومية المغربية ..بناة الوطن .
رجال التعليم ، سيدات هذا العالم الذين هم الأعداء الإستراتيجيون على ما يبدو مع أنهم روح المجتمع وصرحها الممتد. ولا تنهض أمة إلا بالعلم والمعرفة التي تأتي من معلميها .
قبل مزيد من التفصيل تعلمت أن تحليل المواضيع لا بد وأن يبدأ رأسا مع قليل من التركيز والتأمل..وما ترسخ من المعرفة بالرأس .
كتبت” Jeune Afrique ” المجلة الذائعة الانتشار على صدر غلافها :” على رأس الحكومة منذ نونبر 2011 حزب العدالة والتنمية لم يعطي الدليل لغاية اليوم على قدرته لتسيير شؤون الدولة منذ عهد بن كيران إلى سعد الدين العثماني …سبع سنوات من الأوهام المفقودة “.
سيقول البعض أن المجلة ربما تحاملت على هذا الحزب المغربي ، أو أنه لا يمكنه أن يقدر على شيء ،في ظل وضع قد يراه الحزب غير مريح يعتري وجوده في الحكومة ،وهو كلام بالعكس وهروبا إلى الوراء أكثر منه إلى الأمام تقدما ..وهناك طبعا المدافعون عن أراء أخرى اصطفت إلى جوار هذا الكيان السياسي الذي جاء (تعبيرا عن إرادة مجتمعية بعد 2011 )..بما “مكنته “تلك الإرادة من القوة والمنعة والشرعية الدستورية والقانونية لفعل أي شيء بمصير المغاربة ..إنما استدار ضد الذين رفعوه إلى الأعلى ،و النتيجة الآلاف من الأساتذة المتعاقدين الذين أكلوا “عصا ” في كل مكان إلى غاية الأمس.
سيقولون أن الحكومة كان جهدها ضعيف وغلبت ، وهي غير ذلك ، فقد كانت وراءها إرادة شعبية عبرت عن ذلك الاصطفاف في الانتخابات ..
سيقال كذلك أن التعاقد هو الحل في “توازنات اقتصادية “أظهر التاريخ بجميع المعطيات والنتائج كون الواقع لم يختصر معاناة المغاربة في باب وحيد. بل تشعبت الأتعاب والمعاناة ..و”التخياط والتقطاع “، حتى لا يكاد يبدو أن المغاربة جميعا متأزمون .
سيقال أيضا أن التعريب ليس مسؤوليتنا التاريخية أو” الفرنسة “،وأن قدر التعليم يعود إلى جذور بائدة ، إنما على الحكومتين الاعتراف أنه كان بالإمكان تغيير اتجاه البوصلة إلى أي مكان يقدم ولا يؤخر . واعتبار عام 2011 بداية إصلاح جدري للمنظومة وللحياة العامة المغربية.
لنعد إلى الأمس وإلى التعاقد ، في الحقيقة لا يوجد تعاقد . بل هناك إرادتان ، واحدة مسيطرة وأخرى لا تملك خيارا .
التعاقد الذي أعرفه هو التعاقد ، بمعنى وجود طرفين يستطيعان من خلال إرادتيهما خلق مشترك لا ظالم فيه ولا مظلوم …بل تعاقد على الاستمرارية وفق حق يصان ولا يؤسس في أي مناسبة لمعنى “العنف المشروع “أو حتى التفكير في استعماله ..فالأمر يهم تعاقدا !!
نحن اليوم وبتعبير “حنا أرندت ” الفيلسوفة الألمانية نعيش “تاتوليتارية ” ضد رجل التعليم ، أو عنفا مسلطا عليه باسم التعاقد الذي ليس كذلك ..إنه أداء وإلزام تتبعه العصا. فأين التعاقد الذي عبرت عنه مثلا يعني الشرائع الأولى الفلسفية والاجتماعية مع جون لوك ومونتيسكيو وروسو .
بالعودة إلى العدو الاستراتيجي ، الذي ليس في العموم سوى رجل التعليم ،علينا الاعتراف أن الأسر المغربية أفرزت عقودا مضت معنى لرجل التعليم ، معنى للأجر والعزة والكرامة ، وتعبيرا عن وجود ما اسماه “غرامشي ” بالاسمنت..طبقة النخبة المتعلمة الرابطة بين البنى الفوقية والبنى التحتية لاستمرار وهج المجتمع بقطعة في الوسط تشد طرفي البناء العمودي.
كان الانتماء للتعليم فخرا ، وصناعة مهمة لجيل الغد ، وتعدت قدرة رجل التعليم على الإبهار كل الحدود ..من ورش الأندية إلى العبور بالشارع الذي يعني بالنسبة للأجيال لحظة إجلال لعبور الأستاذ ومعنى حلوا رفيعا “..أستاذنا مر من هنا وسلمنا عليه أو تحدث إلينا” .
كل هذا يهدم ومن قبل ، تهدم المدرسة العمومية ، يهدم الأستاذ ماديا واعتباريا ، وتهدم “الاسمنت ” العضوية في عمود الدولة فقط ، لأن رجل التعليم بمنطق كيفما كان فلسفيا أو غير ذلك ، فهو عدو استراتيجي كبير على ما يبدو .
وفي اعتقادي هناك معرفتان ، دون الغوص في تحديد المعرفة علميا ومباينتها لمفهوم العلم ، إنما هناك معرفة سطحية بالشارع ، وقبل سنوات كانت هناك معرفة القسم ، تلك التي تمتلك زخما ومنهاجا ومفهوما وأبعادا تراعى من أجل بناء وهدم باقي المفاهيم الركيكة الخاطئة وإنتاج أنساق متكاملة الفائدة ولها معنى.
المدرسة قديما وحديثا شيئان لا يلتقيان ، يمكن اليوم إنتاج جميع الأجناس العلمية وباقي التخصصات وأصحابها. إنما سيغيب لدى الجميع تلك الحمولة التي يعطيها العدو الاستراتيجي كزاد للمستقبل والحاضر ..لفهم الواقع ، والانتصار للوعي والوجود ، وتماسكا للغة من أجل التفسير والتأويل والتحكم أو الضبط على أسس علمية نقدية عميقة وليس سطحية..
سلخ الأساتذة المتعاقدين هو استمرار لتطويع هذا العدو الاستراتيجي وإخضاعه قبل السقوط الأخير..أو العشاء الأخير بمعنى من المعاني الافتراضية .
العدو الاستراتيجي احتقر ،وأهين دوره وتحول إلى مجرد فرد لا يمد المجتمع بمنظار الرؤية “النقدية التفكيكية الجدلية “..بل بالتسليم بأن المعلم لم يكن يوما ولم يكد أن يكون رسولا !؟ بل هو كائن كباقي حاجات المجتمع التداولية الاستهلاكية ..
والتعاقد كلمة حق أريد بها باطل ..فيما هو إذعان إلى تعاقد غير متكافئ الأطراف، وبموجبه مسموح بالإرادة القوية للوزارة أو للحكومة ترتيب الجزاء على الرافضين ،وبنفس المنطق يداس على أمة من الأساتذة الجدد بمفهوم التعاقد .كما داست نفس الأدوات على الأستاذ القديم ،بتتفيه دوره اجتماعيا ليبقى له الحق في الدود منفردا عن وجهة نظره الأحادية الجانب كصرخة في واد عميق من أجل الإنقاذ ..
ولا يأتي الإنقاذ ..فيما واقع المدرسة والأستاذ سواء؟ ..المعادلة واحدة ،هؤلاء أعداء إستراتيجيون عليهم الانصياع إلى برنامج لإفراغ المحتوى ومعانيه من على كرسي الفصل ومن الفصل وقيمة الفصل ، إلى حدود أي ركن قد ينتج متعلما يستطيع تأثيث صورة بوضع لون الحياة عليها وإعطاءها معنى للوجود الذي لا يتحقق إلا بلون هذا الحكيم …هذا العدو الاستراتيجي الذي لا يعادي أحدا ، وتبث بالفعل أنه يعادي الجهل والخنوع والتسليم بدون طرح الأسئلة والتفاهة والميوعة ،وكل أشكال انحدار الحضارة واندحارها .التي هي الحقيقة ،وبتعبير أستاذ علم الاجتماع عبد الرحيم العطري في ما هو منقول عنه “..كان رجل التعليم بمثابة عدو استراتيجي لمالكي وسائل الانتاج الكبرى
لست ربوت