لا يمكن للباحثين في التاريخ المعاصر لجهة درعة تافيلالت الحديث عن إسهام أبناء الجنوب الشرقي في مسلسل الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال، دون الحديث عن رمز من رموز المقاومة المسلحة البارزين، وعلم من أعلامها المشهورين، الذين احتفظ لهم تاريخ البلاد بمساحة مضيئة من البطولات في معارك "جبل بادو" بنواحي مدينة "كلميمة"، إقليم الرشيدية، وحضروا بقوة في قصائد أمازيغية تتحدث عن المقاومة، إنه المقاوم "زايد أسكونتي".
"مقاوم"منذ الصغر
ازداد زايد أسكونتي حوالي سنة 1890 بقصر "تاسكونتيت" بمنطقة "إدموما"، نواحي مدينة "الريش"، إقليم ميدلت حاليا، واستكمل تربيته بإحدى بيوتات ميدلت لدى القائد "حمو عسو". ويقول باحثون في تاريخ المنطقة، إن زايد اسكونتي تشبع منذ نعومة أظافره بقيم المقاومة والجهاد.
ذكاء وصبر..صنع القائد
انتقل زايد أسكونتي رفقة والده إلى واحة "تاديغوست"، وبها تدرب وأخذ العدة من أجل الانخراط في الدفاع عن الوطن، وتزوج من عائشة واسو، التي وضعت بدورها ثروتها لتمويل وتموين المقاومة بالمنطقة.
وتميز زايد بالحنكة والذكاء، بالإضافة إلى الصبر وتحمل المشاق، وهي الميزات التي صنعت منه قائدا، وسهلت عليه مهمة تنظيم الفلاحين في صفوف مقاومة المستعمر الفرنسي.
سجلّ كفاحي عامر بالبطولات
قاد زايد أسكونتي معارك كثيرة ضد القوات الاستعمارية بنفس طويل، حيث امتدت من سنة 1908 إلى1930، وحقق بمعية المقاومين من أبناء المنطقة انتصارات متتالية يشهد له التاريخ بها.
ويقول باحثون إنه خاض إلى جانب والده معركة "بوذنيب" عام 1908، استفاد فيها المقاومون من معرفتهم بتضاريس المنطقة ومباغتة جيش الاستعمار. وهي معركة دارت رحاها بالمنطقة حتى قبل ان يتم فرض الحماية "رسميا" على المغرب عام 1912.
وانضم بعد ذلك إلى "حركة التوزنني" بتافيلالت، حيث حقق إلى جانب رفاقه المقاومين عددا من الانتصارات، وقاد "معركة تاردة"، التي استطاع فيها تعبئة حوالي 400 مقاوم من "أيت مرغاد"و"أيت حمو"، وتمكنوا من قتل قائد الطابور الفرنسي وبعثرة القوات الفرنسية، التي حاولت التراجع إلا أنها حوصرت من طرف مقاومين آخرين قادمين من "كلميمة".
زايد أسكونتي المقدام الشجاع، خاض أيضا معارك أخرى ضارية ضد قوات الاستعمار الفرنسي آنذاك، مثل معركة "تالات ايغيش" بأعالي نهر "غريس" وبـ"أغبالونكردوس" وبـ"جبل بادو"، بتنسيق مع قادة المقاومة بالمنطقة وبدعم من الفقهاء والعلماء، واستطاع رفقة المقاومين تكبيد المستعمر خسائر كبيرة.
انحناء لا استسلام.. حقنا لدماء النساء والأطفال والشيوخ
لم يكن المقاوم البطل ليستسلم أمام السلطات الاستعمارية، التي كانت تستعمل أسلحة متطورة من طائرات ومدفعية، من أجل إخماد مقاومة الوطنيين الأشاوس، لولا حرصه على حقن دماء الأطفال والنساء والعجزة الذين كانت القوات الاستعمارية تستهدفهم، في ما يشبه حرب استنزاف لدفع المقاومين الأشاوس للاستسلام.
استشهاد على يد خائنة
واستقبل زايد أسكونتي من الجنرال الفرنسي"جيرو" استقبال الأبطال بعدما استسلم، ليس خوفا ولا جبنا، بل حقنا لدماء الاطفال والنساء والشيوخ.
غير أن المستعمر ظل يهابه، وفكر في اغتياله بطريقة ما، قبل أن يهتدي إلى أحد عملائه، الذي قام بقتل زايد أسكونتي عندما دفع به من فوق جبل "بروج" بمنطقة "أمسيد"، نواحي "أيت إبراهيم" عام 1944، حسب ما تفيد به الرواية الشفهية، التي نقلها الباحث عبد القادر بوراس، في كتابه "ملامح عن مقاومة زايد أسكونتي: من سنة 1907 إلى سنة 1933".
لست ربوت