محتويات المقال

"background-color: white; border: 0px; box-sizing: border-box; color: #2c2f34; font-family: -apple-system, BlinkMacSystemFont, "Segoe UI", Roboto, Oxygen, Oxygen-Sans, Ubuntu, Cantarell, "Helvetica Neue", "Open Sans", Arial, sans-serif; font-size: 20px; font-weight: 600; line-height: 26px; list-style: none; margin-bottom: 25px; outline: none; padding: 0px; text-align: start;">
لم يكن مهندسا قادما من مدرسة القناطر الفرنسية، لكنه كان يحضر حلقيات اليسار في الجامعات، لم يكن من أبناء العائلات الفاسية التي تتوارث السلطة والمسؤولية، لكنه كان ريفيا متجذرا، لم يكن من الحزبيين المخضرمين لكنه كان يمتلك حماسا شبابيا هائلا.
هذه المقومات التي اجتمعت في شخصية إلياس العماري المستقيل من رئاسة جهة طنجة تطوان الحسيمة رفعته في ظرف وجيز إلى أعلى مراتب النفوذ والسلطة لتهوي به في ظرف وجيز إلى هاوية النسيان.
لقد انفضت من حوله الجموع التي كانت ما بين 2006 و2008 فترة التحضير لتأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، تراهن على أنه زعيم المستقبل. حينها تم تقديم هذا الشاب على أنه المؤهل لمواجهة قوة الإسلاميين على منابر السياسة وكواليس المطبخ السياسي.
فهو يمتلك رصيدا من العصامية والأصول الريفية والشحنة العاطفية المطلوبة في مواجهة حزب العدالة والتنمية وقيادته وعلى رأسها عبد الإله بنكيران.
ورغم أن الربيع العربي كان نذير شؤم على حزب الأصالة والمعاصرة إلا أنه بالمقابل كان فاتحة السعد للشاب إلياس، الذي سرعان ما أقنع المراهنين عليه أن الأولى بقيادة الحزب من زعماء مجربين وسبق لهم أن استنفذوا صورتهم وحضورهم في مسؤوليات سياسية سابقة.
كانت المرحلة تتطلب إذا وجها جديدا ومختلفا، وبدا للمتحكمين في دواليب القرار أن العماري يمتلك ذلك. فانفتحت أمامه أبواب السعد ليرافق في سفينة حركة لكل الديمقراطيين الكثير من نخب اليسار القديم ويحتك بصناع القرار ويقدم في ظرف وجيز على أنه رجل المرحلة المقبلة.
تصدر الإسلاميون الانتخابات التشريعية في 2012 وبرز نجم عبد الإله بنكيران الذي حصل على رئاسة الحكومة في ظل دستور جديد. واستمرت رحلة العماري في حزب الأصالة والمعاصرة. كان يحاول تجميع صفوف الحزب الذي تسربت إليه كل أصناف الحالمين والطموحين وحتى الانتهازيين والمستلقين.
وكانت الفرصة التاريخية أمام إلياس العماري هي تلك التي قاد فيها حزب العدالة والتنمية الحكومة، فحاول الرجل أن يعلب دور المعارض المثقف الذي يحرص باستمرار على أن يحذر من أخطار التنظيمات الإسلامية والفكر المتطرف على مستقبل المغرب وعلى استقراره وثوابته.
وبدا أن الرجل وحزبه يستهلكان خطابات مكرورة في ظل الرعاية والعناية التي حظي بها الإسلاميون وهم على رأس الحكومة. وذهبت المبالغات المنبرية بالعماري بعيدا حتى تحولت بعض خطاباته المسجلة إلى فقرات تندر وسخرية، وأصبح ظهوره الكثيف وحضوره في كل المنابر الإعلامية يخدش صورته وصورة الحزب الذي يقوده.
بدأ ركام الهزائم يكبر، فبعد الهزيمة الانتخابية في 2012 التي حصدها الحزب تحت قيادة أخرى، ثم فشل العماري في بناء صورة جديدة عن شخصه وعن الهيئة التي يقودها، جاءت هزيمة 7 أكتوبر 2016 لتدق مسمارا جديدا في نعش المسيرة السياسية القصيرة للشاب الريفي.
وفي 28 أكتوبر من العام نفسه أطلقت حادثة وفاة الشاب محسن فكري حراك الريف الذي دام لشهور طويلة وأحرقت تداعياته البقية الباقية من ورقة إلياس العماري عندما اتهمه ناصر الزفزافي على لسان محاميه بالتواصل معه وطلبه “التآمر على الملكية” معه. كذب إلياس العماري هذه الاتهامات لكنها كانت قد نالت من فتات المصداقية الذي كان لا يزال يتمتع به الرجل لدى الدولة.
بعد كل هذه الخسارات بدأ إلياس العماري مسلسل الاستقالات فأعلن استقالته من قيادة حزب الأصالة والمعاصرة وظلت معلقة لشهور طويلة إلى أن تم اعتمادها في 2018.
وتبين أن ابن الريف اكتوى بنار الريف وأبنائه سواء من أنصار الحراك أو من أعضاء الحزب. وكان من الواضح خلال هذا المسار القصير في عمر قيادي حزبي أو سياسي أن الطموحات كانت أكبر بكثير من القدرات وغير متنبئة بكل المفاجآت.
لقد واجه إلياس العماري ذاته ومحيطه وخصومه وأصدقائه فلم يكن له من بد من الانسحاب تلو الانسحاب كلما ضاقت عليه حلقة الحصار السياسي. ومثلما كان صعوده سريعا كان السقوط أسرع لرجل صنعته مفاجآت التاريخ وقتلته مفاجآت التاريخ أيضا.
لست ربوت