“كرس حياته ووقته وفكره وجهاده في سبيل إصلاح هذه الأمة وتقويم اعوجاجها وإيقاظها من رقادها… فأصبحت دروسه بمثابة ثورة فكرية ضد الجمود والخرافات والأوهام، قبل الاستقلال وبعده”.
المستعمر الفرنسي.
مضرب مثل في العدل والنزاهة
كان شيخ الإسلام أستاذا ومربيا لأبناء الأسرة المالكة منذ العهد الحفيظي. سنة 1912، سينهي دراسته بجامعة القرويين، وسيتخرج فيها متوجا بأرقى شهاداتها بجانب آخرين، كمحمد بن عبد الكريم الخطابي. لم يلبث كثيرا حتى أصبح عدلا بأحباس فاس الجديد.
حينما أراد المستعمر الفرنسي اعتقاله سنة 1954، فاجأهم بكونه يحمل معه ثوبا أبيض في يده. سأله مراقب فرنسي: “ما هذا؟” قال: “إنه كفني… وإن السجن بالنسبة لي فرصة للتفكير، والنفي فرصة للسياحة، والموت فرصة للاستشهاد”.
في غضون ذلك، وللسنة تاريخها، أي سنة توقيع معاهدة الحماية، يرجح بعض من يروون سيرة الرجل أنه ممن استشار معهم مولاي عبد الحفيظ للتنازل عن العرش، عقب توقيع عهد الحماية وشيوع غضب الجماهير. ثم كان أن رحل معه إلى طنجة بعد ذلك، قبل أن يعود ثانية، بعد ثلاث سنوات، إلى فاس، حيث عين قاضيا على فاس الجديد والأحواز.
لنزاهته وعدله في القضاء بين الناس، كان قضاة القبائل في أحواز فاس يقولون: “هذا ما توصلت إليه من حكم وليس في استطاعتي مع الأسف أن أحضر القاضي ابن العربي للحكم في قضيتك”. كان ذلك في زمن، كان فيه الارتشاء، أمرا عاديا.
درّس شيخ الإسلام، بثانوية مولاي ادريس بفاس، فاجتمع حوله شباب كثر ساروا على درب معرفته، كعلال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني وآخرون. يشير بعض المؤرخين إلى أن دروسه تميزت بطابعها السلفي، ذلك أنه كان يتجاوز كتب الفروع إلى الأصول في ما يتعلق بالدين والفقه. على هذا، استعاد تدريس التفسير الذي كان مهجورا، لما اعتقده الفقهاء سببا في التعجيل بـ”موت السلطان”.
نضاله ضد الجهل والخرافة
الاعتقاد أن دروس التفسير تتسبب في وفاة السلطان، كانت خرافة عمل شيخ الإسلام على دحضها، بإقدامه على تحدي كل ما يتصل بالجهالة. هكذا، لعب دورا مهما في انتشال الناس من غيابات الجهل والخرافة، ورفع من مستواهم الفكري والثقافي، وحثهم على سواد كرامة الإنسان وقيم الحرية والعدل والمساواة، ورفض استغلال الدين بأي وجه كان، وهو الرفض الذي سيكلفه القطيعة مع القصر، كما سنعرف فيما بعد.
لنزاهة وعدل ابن العربي العلوي، كان قضاة القبائل في أحواز فاس يقولون إذا بتوا في قضية ما: “هذا ما توصلت إليه من حكم وليس في استطاعتي مع الأسف أن أحضر القاضي ابن العربي للحكم في قضيتك”.
قبالة ضريح سيدي علي بوغالب بفاس، كانت هنالك شجرة كبيرة، لم تكن شجرة للاستظلال، أو للزينة أو لتعدل مزاج الأكسجين حتى، إنما كانت شجرة يؤمونها من أجل التبرك. فأما والأمر كذلك، لم يتوانَ شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي عن اجتثاثها، فقطعها كأنها لم تكن… تفاجأ الناس بعد أيام بأنه لم يقع له شيئا، ثم ذاع على ألسنتهم حتى استدركوا ما كانوا فيه من خرافة.
هكذا، يقول المناضل عبد اللطيف بن جلون عن شيخ الإسلام، في شهادة أوردها محمد الوديع الآسفي في كتابه[1]: “الشيخ ابن العربي كرس حياته ووقته وفكره وجهاده في سبيل إصلاح هذه الأمة وتقويم اعوجاجها وإيقاظها من رقادها، كما حاول ذلك قبله جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، فأصبحت دروسه بمثابة ثورة فكرية ضد الجمود والخرافات والأوهام، قبل الاستقلال وبعده”.
مواقف شجاعة ضد المستعمر
يقول مؤرخ المملكة السابق حسن أوريد في مداخلة تلفزيونية[2] له، إنه كان في المغرب آنذاك علماء عدة، غير أن محمد بن العربي العلوي تميز عنهم بجسوره وشجاعة مواقفه.
سنة 1944، مع تقديم “وثيقة الاستقلال” التي تقدمها تلميذه علال الفاسي، كان ابن العربي (وزير العدل آنذاك) الوحيد ضمن الحكومة الذي آمن بهذه الفكرة، فقدم استقالته من حكومة الصدر الأعظم مقابل رفض المقيم العام للوثيقة. جزاء ذلك، نال نفي السلطة الاستعمارية له إلى قرية “القصابي” ثم إلى “ميسور”، وبعد ذلك إلى “مدغرة” مسقط رأسه.
ولما أرادت فرنسا فرض محمد بن عرفة سلطانا على المغرب، كان محمد بلعربي العلوي في مقدمة الرافضين للأمر.
وحينما أراد المستعمر الفرنسي اعتقاله سنة 1954، فاجأهم بكونه يحمل معه ثوبا أبيض في يده. سأله المراقب الفرنسي: “ما هذا؟” قال: “إنه كفني”، واستطرد يقول في جملة اشتهرت كثيرا فيما بعد: “إن السجن بالنسبة لي فرصة للتفكير، والنفي فرصة للسياحة، والموت فرصة للاستشهاد”.
لست ربوت