فن العيطة وإشكالية المقاومة بقلم ‎سعيد فرحاوي‎

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية فن العيطة وإشكالية المقاومة بقلم ‎سعيد فرحاوي‎

فن العيطة وإشكالية المقاومة بقلم ‎سعيد فرحاوي‎

فن العيطة وإشكالية المقاومة
**********************
هي مغامرة ان تسبح في متاهة فن تراثي أصيل، والأعمق من ذلك أن تقرر خلاصات في تجربة خاصة لها من المتاهات مايكفي أن نقول ان هذا الفن هو اصيل في هويتنا المغربية ، هو ابداع جميل عندما تضع وشما وعلامات راقصة على كل صيحة في عيطاتنا المغربية التي باحت جهرا بحناجر رائعة لتمس الذات ، وتغير فهمنا البسيط من ادراك ان الجسد هو لغة جمالية ، يعلو بذوقنا في فهم مغاير عن مراقبة سلوكاتنا الحيوانية التي تجعلنا لا نخرج من اشكالية الطقوس اليومية التي اهلتنا ان نبقى اسرى ماسماه هايدغر الكائن البهائمي، كالاكل والشرب. ان فن العيطة كشف وعرى عن الخفي في لاوعينا ، هو ابداع أبان عن سيكولوجية الذكر المغربي ، كما وضح العمق السيكوباتولوجي عند الرجل المغربي المتناقض، هو قرب زوجته كائن منضبط وفي وسط الشيخات طائر متحرر لاحدود لفوضاه. فن العيطة صوت غنائي يلتحم بصيرورات متفاوتة التطورات ، يستمد مواضيعه من الواقع المرافق له، لذلك جاء قويا في ارسال متاهات ساخنة بجمالية عالية.ادت وظيفتها في التعبير عن كل ماتلتقطه قريبا من وجدانها في الحياة اليومية.
سنلامس في هذه المقاربة واقع فن العيطة ومهمتها التاريخية في مجال المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي مع تعرية تعفنات الخونة في مرحلة عسيرة من تاريخ مغربنا في بداية القرن الحالي.
فن العيطة والمقاومة.
اذا كانت العيطة كفن موسيقي ، او كحقل فني لصيقة بالانسان التصاقا قويا ، فهي من الفنون الجمالية الموسيقية المغربية الاصيلة ، عرفناها منذ زمن سلاطين المغرب ، تبلورت كقضية ابداعية في عصر الاستعمار ، هي لون غنائي يعتمد شفرات جد مرمزة تحمل خصائص خفية لايفهمها الا اصحاب الارض، عبارة عن شفرات سرية تتناقل بين المقاومين في تواصل سري خاص، أي لغة موسيقية تفيد نقل المعلومة بين شريحة معينة لايفهمها الاخرون ،هي ميتالغة ، لها ايحاءات قوية تساعد سريا ، باشكال اخرى، في حوار لا يريد منه اصحابه معرفة مايتداول بينهم ، على اساس حربي او مقاوماتي محض، بصفته تكتيكا يهم اسلوب المناورات السرية المستعجلة كاستراتيجية دقيقة وخاصة .
ان فن العيطة هو صوت القبيلة ، ونداء الاستنجاد بالاسلاف لتحريك واستنهاض هموم الرجال وقضايا الانسان وتحريك الشعور بقضية الوطن، كان شيوخها يستلهمون مواضيعهم من الحياة الاجتماعية ومن الواقع المعيشي اليومي، بدون ابعاد مايفرحهم وتغييب مايقلقهم ويضرهم ، يتغنون الفرح والحب في الاعياد والاعراس ، لكنهم لايبعدون قضايا حساسة تهم الوطن ، ولعل اشكالية الاستعمار ودورها في تحسيس الفدائيين لخير مثال على ذلك ، هذا بدون ان ننسى تحقير الخونة والتغني بما قاموا به من جرائم ضد الانسان والوطن ، نقول هذا ونحن نستحضر عيطة النيرية الممثلة للعيطة الحوزية وعيطة الشجعان /منطقة ازعير، وخربوبشة /منطقة عبدة ، وهي نماذج سنعود اليها فيما بعد للتدقيق فيها وتحديد محاورها.
على ضوء ماسبق نخلص الى ان فن العيطة يشكل جزءا من ثراثنا الموسيقي الغني في تحديد هويتنا الثقافية الفنية والتاريخية . فكلما نطقنا مفهوم العيطة الا واستحضرنا مجموعة من المفاهيم اللصيقة بها، تشكل ادواة مهمة وضرورية لايمكن القفز عليها، منها مفهوم الشيخ والشيخة او الشيخات ، كما نستحضر ضابط الايقاع (الطعارجي)، هم مكونات مهمة في منظومة العيطة ، كلها مكونات متلازمة وضرورية في عملية انتاج فن موسيقي متميز، شكلا ودلالة ، ابداعيا بخطاب هادف يشتغل على تصور ايديولوجي ما . مايهمنا هنا هو علاقة العيطة ، بصفتها فنا مغربيا صرفا ،يمثل الهوية المغربية وعلاقتها بالمقاومة في زمن الاستعمار الفرنسي لتحرير الوطن وخروجه من الزمن الظالم .
عندما نقول العيطة ، كفن فاعل في حقبة تاريخية محددة ، فالمسالة تستدعي الكلام عن اشكال فنية اخرى جد مهمة ساهمت بدورها الوطني في مرحلة حساسة جدا، هنا لن نغيب دور الاناشيد الوطنية لما قامت به من دور في تحميس وتحسيس المواطن المغربي في مجال المقاومة ، مع الرفع من قيمىة الوطن ورموزه المناضلة ، الى درجة القدسية ، نتكلم عن نشيد (ايه امة المغرب ) /( ايه دولة المغرب ) ، ونشيد العودة ، ثم مغربنا واحد ، وشعب ابي ، اضافة الى ذلك نجد الشعر المعرب الوطني مع الخمار الكنوني ، علال الفاسي ، محمد المقري ، المكي الناصيري ، المحتار السوسي ، محمد بنموسى ، محمد الطنجي ، احمد البقالي ، عبدالوهاب بن منصور ، محمد البوعناني ، محمد بن محمد العلمي ، هذا الشعر تمركز بقوة في مدينة فاس ، بدون ان ننسى دور الاغنية الوطنية بروادها الكبار الوطنيين لما قامت به هي الاخرى من ادوار جليلة في هذه المرحلة ، نذكر الحسين السلاوي وفوتيح ، عبدالقادر راشدي ، احمد البيضاوي باغنيته الشهيرة ( ياموطني ) ، و(ياصاحب الصولة والجولان ) ، ثم اغنيىة ( وطني) في مدح الراحل محمد الخامس ، هنا ساهم المبدع في مسايرة ومواكبة ملامح الكفاح الوطني بكل تجلياته ، واذكاء جذور الحماس والتعبئة ونشر الثقافة الوطنية في مختلف شرائح المجتمع من اجل الدفاع عن القضايا الوطنية المقدسة والسعي الى تضامن قوي بين كافة القوى الوطنية الحية لاعادة الحرية و الاستقلال والسعي نحو الوحدة. شكلت الاغنية الوطنية اطارا لمضامين انسانية ووطنية غنية بالحماس وروح الغيرة عن كل القيم النبيلة التي تحرك العزيمة والارادة من اجل الدفاع عن حوزة الوطن ، بمعنى اهل الفن كانوا مع الحدث في جبهة الدفاع عن القيم الوطنية ، الى جانب اسرة المقاومة والتحرير . كما لن نغيب دور المسرح العمالي الوطني ، الذي تحول من الترفيه الى واجهة للنضال والمقاومة ، فاصبح اداة للتلميع بصورة العمل المنظم الذي اساسه روح المقاومة.كلها شكلت عوامل ورؤى ابداعية فنية ساهمت بدرجات مختلفة ، الى جانب العيطة كموسيقى ، في ارساء معالم المقاومة باشكال مختلفة ، اي كحقول ابداعيىة جميلة يحمل محورها هم الوطن وقضية التحرير بكل الطرق الى اخراج الاستعمار وتحرير الوطن . السؤال هنا كيف ساهمت العيطة في موضوع الوطن ، في مرحلة الاستعمار؟ اي كيف ساهم هذا الفن التراثي الاصيل في اغناء محتوى المقاومة وجعل قضية الوطن سؤالا عميقا في مضامينها المثيرة ومحتوياتها العميقة ؟.
كما اشرنا سالفا ان عالم العيطة يرتبط ارتباطا قويا بالشيخة بصفتها الفاعل القوي والمحرك النابض لهذا الفن ، هي فنانة تحسن فن الغناء ، اداء ورقصا ، اي العنصر القادر على ارتجال شذرات شعرية معبرة بلون جمالي مغاير ، لكن العميق في انتمائها الاجتماعي الى وسط مهمش ، اسفل الهرم الطبقي ، في مجتمع ذكوري قوي ، مهيمن فكريا ودينيا وسيادة ومعتقدا، في مجتمع تتحكم فيه عقدة ذكورية ودينية مركبة ومستبذة ، الى جانب ان الشيخة امراة لاتتقن فن الكتابة ولا القراءة ، اي ذات تكوين ثقافي هش ، مستوى معرفي بسيط الى درجة منعدم ، وهي في غالب الاحيان اما ارملة او غير متزوجة ، تجاززها سن الزواج ، احيانا مطلقة ، كلها عوامل تجعلها في النظام الاسروي والاجتماعي خارج نطاق النمط الاسروي المعقد ،لاتحترم سلطة الاسرة وسيطرتها ، كلها عوامل ستعجل بعدم اندماجها داخل بنية المجتمع المميزة باصول جد متخلفة في مرحلة حساسة من تاريخنا الاسود، كلها عوامل سهلت مهمة الاستعمار واعوانه الخونة من تحقيرها واخرجها من دائرة الحركة النضاليىة، خاصة وان العيطة كانت جد متوغلة في الذات المغربية ، كل الاسر تتعامل معها بحس قوي انذاك ، احساس الاستعمار بخطورتها جعل منها حكرا على اوكار الدعارة ، الشيء الذي جعل من العيطة موسيقى مبتذلة لاسباب ايديولوجية محضة ، لكن الاشكال الكبير هو ان جل الباحثين لم يولوا اهمية لموضوعها ، بقيت الشيخة في اللاشعور الجمعي والفردي امراة كما تصورها الواقع المفروض ، وكما تخيلها المواطن العادي ،البسيط، غابت ابحاث ودراسات في الموضوع ، في مقابل ذلك نجد تجارب ذهبت بعيذا في اعطاء موضوع الرقص قيمة من نوع خاص ، مثلا ادوار سعيد الباحث الفلسطيني الذي جعل من الرقص الشرقي صورة جمالية وفنية بامتياز ، استطاع ازالة الصورة النمطية لهذا الفن ، علما ان التركيبة الاجتماعية للمجتمع المصري شبيهة للبنية المغربية ، استطاع ازالة الصورة القدحية لهذا الفن ، افلح في تحويل فكرة الرقص والجسد من طبيعة الابتذال الى الصورة التمردية عن الوضعية العادية في الحياة اليومية ،مثل الاكل والشرب ، عمق الفهم ورفع من صورة المراة والذات ، فاصبح الرقص مميزا بقيمة جمالية عميقة. عكس المجتمعات العربية التي لم تتخلص من استيعاب البعد الجمالي للذات ، ولم تستطيع التخلص من النظرة الدونية للجسد في بعده الجمالي .نستثني هنا بعض الدراسات القليلة كتجربة حسن نجمي وحسن بحراوي والمرحوم بوحميد، كما ان الحركة الوطنية في بداية الاستقلال لم تنصف الشيخة ، كما لم تشجع على الاهتمام بالثراث الشعبي ، اللهم بعض المحاولات المحتشمة التي لم ترق الى المستوى المطلوب ،الا مع نهاية السبعينيات واوائل الثمانينيات ،الذي بدا التعمق في البحث في هذا المجال واعطاء للعيطة قيمتها كفن اصيل وجميل. ، اصبحت تمثل عمقا في الفن الثراثي المغربي الاصيل ، تصور الهوية الوطنية بابداعات وقصائد ذات مستوى عال من الجودة والجمالية ، في نقل الذات بمختلف انتماءاتها ، وفي شتى اصناف تجلياتها ، في مراحل الحياة المغربية المثيرة، ظل فن العيطة يحتوي وعاء من القضايا اللصيقة بالارض والوجدان الانساني الجريح ، لذلك حاول الاستعمار تقزيمها والتقليل من اهميتها ، بتحويلها الى فن هزيل رذيء بمحتوى اخلاقي منحط ، دارسا بذلك سيكولوجية الانسان المغربي المتشابكة بعقد متعددة ، رغم كل ذلك ظلت الحناجر تتعالى باغان عميقة في الوجدان المهزوز، لاحياء المحبط فيها وتحفيز الفدائي للاستمرار في مقاومة المستبذ ، فانتجت شيخات وقصصا انسانية مثيرة ، مازال يذكرها التاريخ باعتزاز قوي وشرف كبير، نجد اسماء بقيت منحوتة في ذاكرة المغرب الحديث ،مثلا خربوشة المعروفة باسم حادة الغياتية /عيطة الحصبة ، نجد الشيخة البهيثية /منطقة بني ملال ، صاحبة قصيدة الشجعان ،كما نجد اسماء وازنة في معجم العيطىة ودورها الفاعل ، منها اسم النيرية ، هي فتاة قروية عرفت بالشجاعة والبسالة في المقاومة ، ربما كان ذلك سببا في تسمية هذه العيطة باسمها ، نجد محمد خو لهبالات ، شخصية بطولية في الذاكرة الشعبية ، نجد القايد العيادي ، احد قواد الرحامنة والحوز، توفي في سنة 1964 ،اقحم مقطع خاص به من طرف الشيختين الاختين المزرطيات ، اللتان فرتا من قبضة التهامي الكلاوي ، نجد شخصية بلفقيه ، عرف بالزهد والتدين ، نجد البداوي ، شخصية بطولية في الذاكرة الشعبية، نجد بن يوسف ،كاشارة الى الملك محمد الخامس ،كاحالة على ثورة الملك والشعب ، التي انتهت بنفيه الى جزيرة مدغشقر.
اذا اخدنا عيطة النيرية او عيطة خالي وخويلي ، هي واحدة من النصوص الجميلة في ثراثنا الشعبي الجميل ، عيطة ترفع الحجاب عن جوانب مهمة من تاريخ المغرب الحديث في عهد الاستعمارالفرنسي ، تعري وجه الخونة ، تكشف عن حقيقة القواد والباشوات ، منهم التهامي الكلاوي ، القايد العيادي ، و القايد المنبهي ، كما تطرح قضايا وطنية حساسة تعري عن الحقائق بصور فنية جميلة ، شكلت جميعها معطيات اساسها تاريخي سوسيولوجي وانثروبولوجي .
ان عيطة النيرية تمثل نصا مفتوحا يجهل صاحبه ، يصعب على الباحث القبض على كل المعطيات الخفية فيه، هو نص حوزي يتعامل مع مرحلة حساسة في بداية القرن العشرين تعاملا ملحميا في وصف معارك ومواجهات بين الحركة الوطنية على امتداد بقاع المغرب ، نص يتداخل فيه الادبي بالفني بالايديولوجي ، جعل من المكان قيمة مهمة في مجال المقاومة الشعبية ، يطرح الاماكن الحساسة والاحداث المقاومة لاذلال المحتل والحط من سمعة الخونة ، نجد مثلا
منطقة الرحامنة :
فين يومك يابوعثمان
اكداث النار بلا ذخان
هنا اشارة الى المواجهة التي اعترضت حركة احمد بن الهيبة سنة 1912 من طرف الفرنسيين وبعض القواد بهذه المنطقة على بعد اربعين كيلومترا من مراكش. كما نجد :
فين يومك يابن جرير
غير الغبرة وكصاص الخيل
فين يومك يالاربعا
كان موسم ولا حركا
اشارة الى الاحداث الدامية في منطقة بنجرير على بعد 72 كلم شمال مراكش وصخور الرحامنة في مطلع القرن الماضي . نجد منطقة ازيلال:
ايت عطا و ايت بوزيد
وفر الحديد وصار ابعيد
اشارة الى مقاومة عسو ابا سلام النضالية ، نجد ايضا :
صيفط لعتابي لخوتو
ياودي كونو رجالة
ياودي كونو موالين
هنا اشارة الى الحركة الوطنية والعمل المسلح. نجد قبائل زايان :
فين عزك القصيبة
نجد قبائل زعير :
مشا برا للرماني.
كما نجد منطقة واد زم :
فين يومك اواد زم
راه السواكي تجري بالدم
هنا اشارة الى الاحداث الدامية في منطقة كبد فيها الفدائيون خسارات كبيرة للعدوا عجلت برحيله.
بعد نظرتنا التقريبية لعيطة النيرية كحكاية اولا ، تعري عن فضاءات متنوعة وامكنة دالة في تاريخ دقيق ، واحداث ووقائع متنوعة ، كلها معطيات قربت الواقع الموضوعي بكل رموزه ، لتثير معلومات بين كافة شرائح الامة ، لتسهم بدورها في تقريب التواصل النضالي بسرعة فائقة جدا ، سنتطرق الى عيطة اخرى لا تقل اهمية عن سابقاتها ، الا وهي عيطة خربوشة المعروفة بكل عوالمها التي تطل على محيط المرحلة بدقة اوسع ، لتعري بجماليتها عن تعفن زمن اسود من تاريخ المغرب المر. عيطة بميزة تضارب الاقطاب ، في حوار عنيف مع ذوات مثيرة ، تعري عن شخصية عيسى بن عمر ، منه ترى وجه واقع متعب في زمن مقلق من القرن الماضي ، تكشف عن دائرة الظلم والقهر ، تستهل كلامها بتصغير هذه الشخصية/ عويسى ، كما نجد احالة على (العباد )، كجزء من شعب مقهور ، نجد الاسياد ، طارحة ان الطغيان مس كل اصناف المجتمع ، بمعجم واضح ، تكلم عن التصفية ، نجد الاستغلال والطغيان ، ( حرثي الغلة )، هي اشارة الى خيرات البلاد ، في مقابل ذلك تطرح الظلم والطغيان ( ديتي لكسيبة ) ، بدون ان تنسى سمة الغدر والمكر ( غدرتي الناس ويتمتي الصبيان ) ، بمعنى ان تسلطه لم يستثن طرفا في حياة المجتمع ، طرحت شخصية عيسى بن عمر بكل اوصاف البطش والقهر والظلم والتجبر ، منها ىتطل على عالم الاستعمار وماينتج عنه من فوضى في حياة شعب عانى الويلات ، ظهرت العيطة لتعري عن الوقاحة والرداءة ، كشفت عنه وهو يقلب المعاادلات ، جعل الرذيء جيذا ، احبط الجيد جعله في اهزل المراتب، ورفع من قيمة الهش الظالم ، هي احالات تشير الى نفسية حاكم مريض، متسلط ومتجبر ،يتحقق بقوة الظلم والطغيان، جعلت منه ( وكال الجيفة...قتال خوتو...) ، في عهده ازهقت الارواح ، لم يعد للخاطر معنى ، معتقدا ان القيادة ستدوم ، وان اجلها لن يتوقف ، تطرح المعطيات للتحقير والتصغير واذلال رجل خارج التاريخ بالمفهوم الشعبي والانساني ، بعدها تطرح البديل ( الدق بلا قرطاس )، اشارة الى اسلوب ايقاف القهر والظلم ، اي الدعوة الى فعل المقاومة ، كبديل وكشرط الزامي للخروج من حقبة الظلام . والنتيجة كضرورة ،جاءت واضحة في خطابها عندما قالت ( مابقا كد مافات ...دار سي عيسى اخلات.....) ، لم يبق ، في نظرها ، سوى فعل الاعتقاد بالبقاء لوجود حكم اصبح في خبر كان ، لان الحق سيعود لاصحابة ،وان النهاية لواقع متعفن ضرورة حتمية لامحالة .
يمكن اعتبار عيطة خربوشة ،ممثلة للعيطة الحصباوية، في درجة عالية من الابداع ،الذي ربط الفن الغنائي الشعبي بالمقاومة ،كنضال لاخراج المستعمر منكسرا، رغم كل ادعاءاته الاستغلالية والتعسفية. خربوشة مست رمزا قويا من رموز الاستعمار ،ممثلا للقهر والظلام والتجبر، في منطقة مناضلة من مناطق المغرب/عبدة. الشيخة بعد نعتها القايد عيسى بن عمر باوقح الصفات، قالت فيه وعنه بانه، مهما وصلت قوة تجبره وطغيانه ، فان نهايته قادمة بدون جدال(ظنيتي لقيادة لدوام)، مما جعله(يحرث الغلة)، في مقابل ذلك (ديتي لكسيبة)، وهي كلها اشارات تاريخية قوية تفيد ان تجبر صاحبنا جعله يقلب المعادلات، بمنطق انه عطل الجيد ودفع ب(الرعواني القدام )، وهي كلها احالات دلالية عميقة عرت عن شخصية استعمارية، ظهرت في العيطة باهداف ايديولوجية محضة تفيد ثلاث وضعيات متداخلة، كل واحد ينتج عنه الاخر :
الاول : القايد_____ هو : عويسى (رغم القيادة )، فهو حقير. لانه طغا+تجبر+يتم الصبيان+حرث الغلة + احتكر لكسيبة + شجع (الرعواني)+ عطل الجيد.
الثاني : ظن لقيادة لدوام،
النتيجة: دار سي عيسى خلات. وهي احالة طبيعية على نهاية الخونة والطغاة.
ثالثا: نتيجة طبيعية عن واقع متعفن يتطلب شخصيات وطنية مثل خربوشة التي قالت:
واخا قتلني واخا خلاني
راني ماندوز بلادي
راني زايدية.
تنتهي عيطة خربوشة بمقطع قوي ايحائي بشفرات متعددة ، كلها تحيل على المواطنة الحقيقية والدور الريادي الذي يمثل الموقف الدال على صلة الشيخة خربوشة بوطنها الغالي ، تقول :
واخا قتلني واخا خلاني
راني ماندوز بلادي راني زايدية..
في حوار جميل مع شيخ بصوت ذكوري مميز ، يشاطرها المركب بايقاع شعري ودلالي جميل. يقول :
ياخربوشة يازاروالا ياشريفية .
كما نلاحظ ، هي تصر بموقف نبيل اساسه ان الوطن يعني اما الموت او الحياة، باصرار ان الارادة حاضرة والفعل شرط لازم ، والقضية هي معطى مقدس ، يزيد كلام الشيخ ان الواقعة مسألة تحيل عليها صفة الشرف والانتماء القبلي ، هي قوة اخرى مساعدة على فعل التحدي ، فتصبح خربوشة حاضرة في الخطاب ببرنامج سردي تتوفر فيه كل الشروط لانجاحه، هي ترى ان موضوعها الذي يميزها هو اصرارها على تحرير البلاد من قبضة العدو، بالتالي ان الرغبة حاضرة لانها زروالة،،/ ،كما ان الواجب شرط مهم ، ومعرفتها اشكالات الوطن مسالة مهمةلانجاح البرنامج السردي في تصور العيطة ، كلها عناصر جيهية حاضرة في خطاب خربوشة ، مايثبث نجاح البرنامج السردي في هذه العيطة. خربوشة كانسانة مواطنة لها غاية في عيطة ثراثية جميلة تفضح فيها الخونة رموز الطغيان والتجبر على رأسهم القايد عيسى بن عمر الذي ظهر بصفات خائبة، حددت رذاءته، كلها مواصفات جعلتها تنعثه بوكال الجيفة ، قتال خوتو، ظن لقيادة لدوام، في حين النهاية حتمية بصيغة الخراب ، مايؤكده كلامها (دار سي عيسى خلات).
بعد وقوفنا على الملامح الخفية والظاهرة في كل من عيطة النيرية المثلة للعيطة الحوزية وعيطة خربوشىة الممثلة للعيطة الحصباوية ، نخلص بشكل عام الى ان فن العيطة شكل عمقا للهوية المغربية ، وتعبيرا جماليا ذوقيا لم يخرج عن جوارح المواطن الانسان في مغرب يعاني اشكال الظلم والطغيان باشكال لاانسانية في زمن دقيق من القرن الماضي ، كما مثلت شكلا ثراثيا مهما ظهر ليعكس رؤية الانسان ووعيه التام الذي اهله ان يننخرط في محيط الصراع باشكال متنوعة ،للدفاع عن حقوقه المهضومة ، أي مثلت الحياة المقاومة بكل تجلياتها ، لكل اساليب الظلم والقهر في مرحلة خطيرة فقد فيها وطنه ، فكانت اسلوبا مسعفا مرافقا له في كل اشكال معاناته ، تسعفه في فرحه ، وتلائمه في محيط محنته ايضا ـ
/
سعيد فرحاوي
كاتب من المغرب

التصنيفات:
تعديل المشاركة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

لست ربوت

Back to top button