يعرف المغرب منذ القدم، بغناه الثقافي الذي نجم عنه تنوع في نسيج الموسيقى المميزة للبلد. إذ ينقسم الفن الغنائي إلى قسمين، فن خاص بالحواضر والمدن وهو الطرب الأندلسي والملحون والأغنية الحديثة، وقسم خاص بالمداشر والقرى ويطلق عليه الفن الشعبي الذي تفرع من فن "العيطة".
وكلمة "العيطة" بمعناها الحرفي تدل على الصياح وإثارة انتباه العامة، أو طلب الاستغاثة، وفي معناها المتعلق بالفن، تعني صياح الفتى المسؤول داخل فرقة العيطة، عن إعلان قدومهم إلى إحدى القبائل، وبالتالي استعداد القبيلة لإحياء ليلة حافلة.
ويعود تاريخ العيطة المغربية إلى فترة ما قبل الاستعمار الفرنسي، لكنها تطورت كثيرا خلال فترة الاستعمار، بسبب استعمالها من طرف القرويين في مواجهته، من خلال نقل كلمات ومدلولات لها علاقة بالمقاومة، وتمرير رسائل من خلال الغناء والرقص، لا يستطيع المستعمر فك ألغازها.
وتوجد أنواع كثيرة من فن العيطة في المغرب، كالعيطة الجبلية المتواجدة بأقاليم الشمال، والعيطة الغرباوية الموجودة بالجهة الغربية من المغرب، والعيطة المرساوية التي تعود جذورها إلى الأقاليم المحيطة بمدينتي الدار البيضاء وسطات، والعيطة الحوزية المتواجدة في نواحي مدينة مراكش كالرحامنة وحوض أم الربيع، والعيطة الحصباوية المتواجدة في قبائل عبدة ونواحي آسفي.
وتتكون فرقة العيطة من موسيقين، يتقدمهم العازف على آلة "الكنبري" أو "الكمانجة"، ويدعى "شيخ" الفرقة، ثم العازف على "الطعريجة" وهي آلة موسيقية إيقاعية، والعازف على "البندير" الدف وهي أيضا آلة إيقاعية، وتتوسط الفرقة "الشيخة" التي تؤدي فن العيطة، أو في بعض الفرق يكون عازف "الكمانجة" هو المؤدي في نفس الوقت.
وهناك عدد كبير من رواد العيطة في المغرب، أبرزهم "خربوشة"، وهي شابة ثائرة في وجه الاستغلال عاشت في القرن التاسع عشر في قبيلة "أولاد زيد"، وواجهت بكل صمود أحد أشرس القواد في المغرب، واسمه "عيسى بن عمر العبدي".
ونتيجة لوقوفها في وجه القائد الظالم، تم وضعها في السجن بعد الفتك بقبيلتها، لكن عيسى بن عمر كان يحب خربوشة لجمال وجهها وصوتها وإتقانها لفن العيطة الذي كان يحبه، مما دفعه لطلب الزواج منها، فما كان من الفتاة الثائرة والشجاعة إلا الموافقة على الزواج كحيلة لتلطيخ سمعته.
فطالبته بتجهيز عرس كبير يحضره الأعيان ومسؤولي السلطة بالمغرب آن ذاك، واشترطت أن تغني للمرة الأخيرة في عرسها، فوافق عيسى بن عمر لشدة حبه لها.
لكن "خربوشة" بدل أن تغني لزوجها ليلة العرس أغاني الحب والفرح، غنت أغنية ذمته فيها ولطخت سمعته، ويقول مطلعها "خربوشة ماشي قصارة وركزة... خربوشة تشفي الجراح وقت الحزة.... سير أعيسى بن عمر أوكال الجيفة ويا قتال خوتو ومحلل الحرام" وتعني أنها ليست "شيخة" هدفها الغناء والرقص، بل هي فتاة شريفة تشفي الجراح وتكون كالرجال في وقت الضيق، وأن عيسى بن عمر يأكل الميتة ويقتل إخوانه ويحلل الحرام.
بعد سماعه للأغنية وشعوره بالحرج من الأعيان المتواجدين في عرسه، وزوجته تقوم بذمه أمام المليء، قام بأمر جنوده بدفنها حية وسط صور عال، فحملوها إلى جزء من قصر القائد وبدأ البناءون بردمها بالحجارة، ولكنها لم تبدي أي خوف، وظلت تغني إلى حين تغطيتها بالكامل بالحجارة.
لست ربوت