ولد المهدي بن بركة سنة 1920 في مدينة الرباط - عاصمة المغرب - درس في "ثانوية ﻟﻴﻮﻃﻲ" في مدينة الدار البيضاء وفي ذات المدينة أكمل تعليمه الجامعي .. منذ أن كان في عمر 16 سنة عرف عليه نضاله وسعيه وراء استقلال المغرب عن فرنسا ؛ بعد مغادرته طاولات التعليم ، انخرط في النضال السياسي بأكثر جدية، حتى كبر المهدي وكبر معه الطموح النضالي الذي أوصله إلى انشاء "جريدة العلم" الناطق الرسمي لحزب الإستقلال المغربي . في عام 1944 كان أصغر موقع على وثيقة الإستقلال بعمر 24 سنة رفقة سياسين ومثقفين مغاربة وقدموها للملك الراحل محمد الخامس . الوثيقة التي تطالب من السلطات الفرنسية مغادرة المغرب . سنة بعد ذلك صار المهدي بن بركة رئيسا لحزب الإستقلال.
في أواخر الأربعينات سافر إلى فرنسا لتقديم تقريرا حول أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب بصفته رئيسا لحزب الإستقلال الذي يعتبر ركيزة أساسية في البلاد ، ومن هناك واصل مطالبه كما مطالب عامة الشعب المغربي بانهاء التواجد الفرنسي على الأراضي المغربية ؛ ما جعل الضباط الفرنسيين داخل المغرب يتخذون حذرهم من بن بركة وتحركاته، حتى طفح كيلهم من تمرد المهدي فتم إصدار الأمر باعتقاله في بداية الخمسينات من لدن السلطات ما يعرف بالحماية الفرنسية أو الإستعمار الفرنسي بالمعنى الصواب ، قضى بن بركة في سجون الإحتلال 3 سنوات .
هكذا طبع النضال ضد المستعمر حياة بن بركة السياسية داخل المغرب حتى شروق شمس الحرية والإستقلال على مملكة المغاربة عام 1956 . في فجر الإستقلال تم تعيينه رئيسا للمجلس الوطني الاستشاري ، بعد ذلك بـ 3 سنوات ترك منصب الرئيس لحزب اﻹستقلال بعد 15 سنة تزعم فيها الحزب الأكثر قوة ومتانة في المغرب ، ليتحول إلى ناشط سياسي حر .
المهدي المعارض
مع انطلاق عقد الستين، بدأت أحول المغرب تتغير ؛ فالجالس على العرش لم يعد محمد الخامس الذي وافته المنية عام 1961 ليخلفه نجله البكر الحسن الثاني ، ومن معه من رجال مقربين من البلاط ، أبرزهم وزير الداخلية محمد أوفقير ، أكبر أعداء المهدي بن بركة.
يكتب الصحفي والكاتب الفرنسي جيل بيرو عن علاقة أوفقير و بن بركة :
" بين محمد أوفقير والمهدي بن بركة : كره ومقت متبادلان ، مشادة عنيفة علنية فرقت بينهما . لم يكن أوفقير يفوت مناسبة إلا ويغتنمها لتباهي بالأوسمة العديدة التي حاز عليها في خدمة فرنسا، ويعلقها دائما في بزته الرسمية . وقد أشار إليها يوما بن بركة، بازدراء وصرح بصوت مرتفع ساخرا : إنها خردة مرتزق، لا تليق بضابط مغربي . لم ينس أوفقير الشتيمة المهينة . ولو أن بن بركة وقع في قبضته خلال حملة تموز 1963 لتعرض دون شك لعدة دراجات من التعذيب التي يتفنن أوفقير بابتكارها في دار المقري . ما من أحد كان يتصور أن الرجلين يمكن أن يلتقيا أو يجتمعا جنبا إلى جنب في مجلس وزاء واحد ".
كانت كل السبل تقود المهدي ليكون معارضا في مملكة الحسن الثاني ويده اليمنى محمد أوفقير ؛ وكذلك كان ، فلقد بدأ مهدي يعارض سياسة الحكومة ويدعو لتغير . في الأثناء كان المغاربة على موعد مع الإستفتاء على أول دستور في عهد الحسن الثاني ، فكان موقف بن بركة هو مقاطعة الإستفتاء، معللا أن الدستور لم يأتي بالجديد بل يخدم مصالح القصر والمقربين منه ، وقبل موعد الإستفتاء تعرض المهدي لمحاولة اغتيال في مدينة الدار البيضاء نجا منها بمعجزة بعد إصابته بجروح بليغة ، ما جعله يضطر لسفر إلى ألمانيا لتلقي العلاج ، وبذلك نجحت السلطات المغربية بإبعاده على إثارة المزيد من الإحتقان قبل الإستفتاء على الدستور . عاد المهدي إلى بلده أكثر شراسة من ذي قبل، فواصل مساره في المعارضة ، كان بن بركة الوحيد القادر على انتقاد القصر والجالس على العرش، وكان يطالب بتجاوز الإستقلال الشكلي والمضي في سبيل الإختيار الثوري ؛ إلا أن اللعبة لم تبدأ بعد ، فمازال بن بركة لا يشكل خطرا على سياسة البلد حتى حلول عام 1963 واندلاع حرب الرمال بين المغرب والجزائر بسبب أزمة الحدود الموروثة من الإستعمار بين البلدين، حيث اختارت الرباط خيار رفع السلاح في وجه جارتها الشرقية التي مازالت في مهد استقلالها ولم يكن بمقدورها الدخول في حرب ، وقف المهدي بن بركة ضد هذه الحرب وحمل المغرب تابعاته ، وقال إن خيار السلاح يعتبر عدوانا على بلد جار وشقيق ، واعتبر أن المغرب يقاتل ثورة وليس دولة .. إلى هنا تحول المهدي بن بركة إلى شخص غير مرغوب فيه داخل المغرب، فلم يعد مجرد معارض سياسي بل تجاوز ذلك إلى حد الوقوف ضد مصالح البلاد ، ومع حلول عام 1963 أكد بن بركة للمعارضة أن ترسيخ الديمقراطية في المغرب تواجه عراقيل شتة تأتي من مسؤولين فاسدين يحتلون أمكنة مهمة في الدولة ، وبذلك قرر مغادرة المغرب للإستقرار في فرنسا ، وفي نفس العام بلغ المهدي أقصى درجات التمرد عندما تم اتهامه بمؤامر محاولة اغتيال الملك ، فأصدرت المحكمة عليه حكما غيابي بالإعدام .
في الخارج كذلك لم تهدأ دماء النضال في عروق بن بركة ، فبدأ يجول العالم ويشارك في الفعاليات الثورية ، حتى صار زعيما لمنظمة دول القارات الثلاث التي تكافح ضد هيمنة الدول الإستعمارية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ، وقررت المنظمة اجراء مؤتمر كبير سيترأسه المهدي بن بركة في عاصمة كوبا "هافانا" عام 1965 هذا المؤتمر الهادف إلى بحث سبل تقديم المساعدات لبعض دول في القارات الثلاث السالفة الذكر، وصد إﻣﺒﺮﻳﺎﻟﻴﺔ الدول العظمى في أراضيها ، تحركات بن بركة أثارت شبهات أمريكا ومن يصطفون معها، وبالأخص بعدما بدأ المهدي يجالس الزعيم الكوبي فيدل كاسترو وشخصيات ثورية تضعها أمريكا في الخانة السوداء .. وفي خطوة جريئة غير متوقعة ، قررالمهدي التوجه إلى الجزائر وفيها أنشأ مدرسة لأطر مناضلي دول العالم الثالث ، حتى صار بن بركة مقربا من الرئيس الجزائري أحمد بن بلة، والبعض يذهب بعيدا ويصفه بشبه مستشار الرئيس الجزائري . بين الجزائر والقاهرة يتنقل بن بركة بينما يثير غيظ الرباط وهو يرتمي في أحضان أكبر أعداء المغرب : الجزائر ، ومصر .. وهنا قد يسأل سائل : إن العداء بين المغرب والجزائر قائم على الحدود ، لكن ما بال العداء بين المغرب ومصر؟. في مصر آنئذ كان نظام ثوري المعادي للملكيات ، ثم إن مصر اختارت الاصطفاف مع الجزائر ضد المغرب في حرب الرمال وأرسلت إلى بن بلة 1000 جندي وضابط ، الفعل الذي لم ينساه الملك الحسن الثاني لـ جمال عبد الناصر . وظلت العلاقة متوترة بين الرباط والقاهرة ، وفي خطوة زادت الطين بلة، عند زيارة الحسن الثاني لمصر وأثناء مراسيم الإستقبال الذي خصها عبد الناصر لضيفه الملك ؛ خرج بعض الجنود والضباط مصريين من طائرة خاصة كانت ترافق الوفد المغربي ، إنهم بعض الجنود والضباط الذين أرسلتهم مصر للقتال في صفوف الجزائر في حرب الرمال وأسرهم المغرب . كان مشهدا يبز مدى العلاقات المتوترة بين البلدين، وكأن الملك يقول لـ عبد الناصر : لقد أعدت لك بضاعتك . وكان ضمن البضاعة الرئيس المستقبلي لمصر، حسني مبارك .. وهكذا كانت العلاقات المغربية المصرية تشهد فتورا وعدم الود طيلة فترة حكم جمال عبد الناصر ، إلى أن عادت المياه إلى مجاريها في عهد أنور السادات، وقررت القاهرة الوقوف عند مسافة واحدة بين المغرب والجزائر.
في أواخر الأربعينات سافر إلى فرنسا لتقديم تقريرا حول أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب بصفته رئيسا لحزب الإستقلال الذي يعتبر ركيزة أساسية في البلاد ، ومن هناك واصل مطالبه كما مطالب عامة الشعب المغربي بانهاء التواجد الفرنسي على الأراضي المغربية ؛ ما جعل الضباط الفرنسيين داخل المغرب يتخذون حذرهم من بن بركة وتحركاته، حتى طفح كيلهم من تمرد المهدي فتم إصدار الأمر باعتقاله في بداية الخمسينات من لدن السلطات ما يعرف بالحماية الفرنسية أو الإستعمار الفرنسي بالمعنى الصواب ، قضى بن بركة في سجون الإحتلال 3 سنوات .
هكذا طبع النضال ضد المستعمر حياة بن بركة السياسية داخل المغرب حتى شروق شمس الحرية والإستقلال على مملكة المغاربة عام 1956 . في فجر الإستقلال تم تعيينه رئيسا للمجلس الوطني الاستشاري ، بعد ذلك بـ 3 سنوات ترك منصب الرئيس لحزب اﻹستقلال بعد 15 سنة تزعم فيها الحزب الأكثر قوة ومتانة في المغرب ، ليتحول إلى ناشط سياسي حر .
المهدي المعارض
مع انطلاق عقد الستين، بدأت أحول المغرب تتغير ؛ فالجالس على العرش لم يعد محمد الخامس الذي وافته المنية عام 1961 ليخلفه نجله البكر الحسن الثاني ، ومن معه من رجال مقربين من البلاط ، أبرزهم وزير الداخلية محمد أوفقير ، أكبر أعداء المهدي بن بركة.
يكتب الصحفي والكاتب الفرنسي جيل بيرو عن علاقة أوفقير و بن بركة :
" بين محمد أوفقير والمهدي بن بركة : كره ومقت متبادلان ، مشادة عنيفة علنية فرقت بينهما . لم يكن أوفقير يفوت مناسبة إلا ويغتنمها لتباهي بالأوسمة العديدة التي حاز عليها في خدمة فرنسا، ويعلقها دائما في بزته الرسمية . وقد أشار إليها يوما بن بركة، بازدراء وصرح بصوت مرتفع ساخرا : إنها خردة مرتزق، لا تليق بضابط مغربي . لم ينس أوفقير الشتيمة المهينة . ولو أن بن بركة وقع في قبضته خلال حملة تموز 1963 لتعرض دون شك لعدة دراجات من التعذيب التي يتفنن أوفقير بابتكارها في دار المقري . ما من أحد كان يتصور أن الرجلين يمكن أن يلتقيا أو يجتمعا جنبا إلى جنب في مجلس وزاء واحد ".
كانت كل السبل تقود المهدي ليكون معارضا في مملكة الحسن الثاني ويده اليمنى محمد أوفقير ؛ وكذلك كان ، فلقد بدأ مهدي يعارض سياسة الحكومة ويدعو لتغير . في الأثناء كان المغاربة على موعد مع الإستفتاء على أول دستور في عهد الحسن الثاني ، فكان موقف بن بركة هو مقاطعة الإستفتاء، معللا أن الدستور لم يأتي بالجديد بل يخدم مصالح القصر والمقربين منه ، وقبل موعد الإستفتاء تعرض المهدي لمحاولة اغتيال في مدينة الدار البيضاء نجا منها بمعجزة بعد إصابته بجروح بليغة ، ما جعله يضطر لسفر إلى ألمانيا لتلقي العلاج ، وبذلك نجحت السلطات المغربية بإبعاده على إثارة المزيد من الإحتقان قبل الإستفتاء على الدستور . عاد المهدي إلى بلده أكثر شراسة من ذي قبل، فواصل مساره في المعارضة ، كان بن بركة الوحيد القادر على انتقاد القصر والجالس على العرش، وكان يطالب بتجاوز الإستقلال الشكلي والمضي في سبيل الإختيار الثوري ؛ إلا أن اللعبة لم تبدأ بعد ، فمازال بن بركة لا يشكل خطرا على سياسة البلد حتى حلول عام 1963 واندلاع حرب الرمال بين المغرب والجزائر بسبب أزمة الحدود الموروثة من الإستعمار بين البلدين، حيث اختارت الرباط خيار رفع السلاح في وجه جارتها الشرقية التي مازالت في مهد استقلالها ولم يكن بمقدورها الدخول في حرب ، وقف المهدي بن بركة ضد هذه الحرب وحمل المغرب تابعاته ، وقال إن خيار السلاح يعتبر عدوانا على بلد جار وشقيق ، واعتبر أن المغرب يقاتل ثورة وليس دولة .. إلى هنا تحول المهدي بن بركة إلى شخص غير مرغوب فيه داخل المغرب، فلم يعد مجرد معارض سياسي بل تجاوز ذلك إلى حد الوقوف ضد مصالح البلاد ، ومع حلول عام 1963 أكد بن بركة للمعارضة أن ترسيخ الديمقراطية في المغرب تواجه عراقيل شتة تأتي من مسؤولين فاسدين يحتلون أمكنة مهمة في الدولة ، وبذلك قرر مغادرة المغرب للإستقرار في فرنسا ، وفي نفس العام بلغ المهدي أقصى درجات التمرد عندما تم اتهامه بمؤامر محاولة اغتيال الملك ، فأصدرت المحكمة عليه حكما غيابي بالإعدام .
في الخارج كذلك لم تهدأ دماء النضال في عروق بن بركة ، فبدأ يجول العالم ويشارك في الفعاليات الثورية ، حتى صار زعيما لمنظمة دول القارات الثلاث التي تكافح ضد هيمنة الدول الإستعمارية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ، وقررت المنظمة اجراء مؤتمر كبير سيترأسه المهدي بن بركة في عاصمة كوبا "هافانا" عام 1965 هذا المؤتمر الهادف إلى بحث سبل تقديم المساعدات لبعض دول في القارات الثلاث السالفة الذكر، وصد إﻣﺒﺮﻳﺎﻟﻴﺔ الدول العظمى في أراضيها ، تحركات بن بركة أثارت شبهات أمريكا ومن يصطفون معها، وبالأخص بعدما بدأ المهدي يجالس الزعيم الكوبي فيدل كاسترو وشخصيات ثورية تضعها أمريكا في الخانة السوداء .. وفي خطوة جريئة غير متوقعة ، قررالمهدي التوجه إلى الجزائر وفيها أنشأ مدرسة لأطر مناضلي دول العالم الثالث ، حتى صار بن بركة مقربا من الرئيس الجزائري أحمد بن بلة، والبعض يذهب بعيدا ويصفه بشبه مستشار الرئيس الجزائري . بين الجزائر والقاهرة يتنقل بن بركة بينما يثير غيظ الرباط وهو يرتمي في أحضان أكبر أعداء المغرب : الجزائر ، ومصر .. وهنا قد يسأل سائل : إن العداء بين المغرب والجزائر قائم على الحدود ، لكن ما بال العداء بين المغرب ومصر؟. في مصر آنئذ كان نظام ثوري المعادي للملكيات ، ثم إن مصر اختارت الاصطفاف مع الجزائر ضد المغرب في حرب الرمال وأرسلت إلى بن بلة 1000 جندي وضابط ، الفعل الذي لم ينساه الملك الحسن الثاني لـ جمال عبد الناصر . وظلت العلاقة متوترة بين الرباط والقاهرة ، وفي خطوة زادت الطين بلة، عند زيارة الحسن الثاني لمصر وأثناء مراسيم الإستقبال الذي خصها عبد الناصر لضيفه الملك ؛ خرج بعض الجنود والضباط مصريين من طائرة خاصة كانت ترافق الوفد المغربي ، إنهم بعض الجنود والضباط الذين أرسلتهم مصر للقتال في صفوف الجزائر في حرب الرمال وأسرهم المغرب . كان مشهدا يبز مدى العلاقات المتوترة بين البلدين، وكأن الملك يقول لـ عبد الناصر : لقد أعدت لك بضاعتك . وكان ضمن البضاعة الرئيس المستقبلي لمصر، حسني مبارك .. وهكذا كانت العلاقات المغربية المصرية تشهد فتورا وعدم الود طيلة فترة حكم جمال عبد الناصر ، إلى أن عادت المياه إلى مجاريها في عهد أنور السادات، وقررت القاهرة الوقوف عند مسافة واحدة بين المغرب والجزائر.