نسيج الزرابي أو السجاد في قبيلة الرحامنة بالمغرب ليس مهارة يدوية فقط، إنه هوية نسائية، تجسد النساء فيها أفكارهن ولمساتهن الجمالية، ويحتفين فيها بالحياة وألوانها وبالعائلة والجماعة والقبيلة والأرض والأصالة، وتورثها كالعرف الطيب الجدة للأم فالابنة وهكذا دواليك.
في قبيلة الرحامنة تتعلم النساء منذ نعومة أظفارهن كيف يغزلن الصوف للحياكة، وكيف يعددن الخيوط لنسيج الزربية، إنه نشاط رئيسي للنساء، وأساليبه المتوارثة لا تختلف اليوم كثيرا عن الأمس، باستثناء أن "الزواقات" أي الرسمات تتغير، وأن الألوان تنضح أكثر.
تعلم النساء للنسيج ليس حصرا لهن بمهام محددة، بل لأن كل البيوت تحتاج زرابي تتماشى مع احتياجات العائلة الكبيرة، والنسيج يحتاج ذوقا رفيعا يملكنه، وصبرا أيضا يتقنّه، وهو ما يجعل النساء في شغل دائم، ينتهي العمل بزربية ليبدأ في الأخرى.
في بيت "فنيدة" (50 عاما) هناك أسرتان إضافة إليها وزوجها، تعودان لابنيها اللذين تزوجا كغيرهما من شباب القرى ما إن بلغا، وبات لديهما مدخول شخصي -على قلته- استطاعا به إصلاح غرف الدار الطينية الكبيرة لأجل السكن الزوجي.
المنجج يكون من خشب أو حديد وتنسج الزربية عليه (الجزيرة) |
هذه العائلة التي كبر عدد أفرادها مع إنجاب الابنين لأطفال )4 أولاد لكل منهما( تحوز ما يقارب 25 زربية مختلفة الشكل والحجم، كل الغرف بحاجة إلى زرابي، وهي الأثاث الرسمي في القرى الذي لا غنى عنه. بعضها كبير الحجم ويعد لأجل "القبة" أو صالون استقبال الضيوف وتكون في الغالب زربية الصوف الأحمر، أي الصوف المصبوغ باللون الأحمر، وبعضها متوسط الحجم للفرش في غرف الجلوس ومراقد للنوم، وبعضها يبطن ببلاستيك ويفرش لنوم الأطفال أو يوضع على عتباب الأبواب.
لنسج زربية تحتاج النساء إلى غزل الصوف الذي يأتي غالبا من قطيع أغنام العائلة، وبعد غسله وتجفيفه تحت شمس الرحامنة اللاهبة، يمشط ويلين بـ"القرشان" وغزله بـ"المغزل" والاثنان صغيرا الحجم، صنعا من خشب، ويحتاجان مهارة تمتلك بالتدريب.
بعد ذلك تعمد النساء إلى صبغ خيوط الصوف ذات اللون الأبيض السكري بالألوان التي قررن سلفا أن الزربية القادمة ستحملها، اللون الأحمر وهو الأهم والأكثر انتشارا في زربية الصوف، يصبغ بالاعتماد على الحناء.
زربية الصوف الحمراء أشهر أنواع الزرابي الرحمانية، تختلف الرسومات عليها وتعد بالأساس للقبة صالون الضيوف (الجزيرة) |
عملية صبغ الصوف تبدأ بوضع قِدر كبير على الجمر، فيه ماء ممزوج بمسحوق الحناء، وعندما يغلي الماء تبدأ النساء في وضع خيوط الصوف المغزولة داخل القدر مع تحريكها طيلة العملية، بينما تكون "الشبة" (واحدة من المكونات الشعبية المغربية) قد دقت لتضاف إلى الخليط، ولها دور تثبيت اللون على الصوف ومفعولها فعال في ذلك.
هذا فيما يتعلق بزربية الصوف أما إذا تعلق الأمر بزربية الخيوط أو الثوب، فإنه لا يلجأ دائما إلى الصباغة بقدر ما يلجأ إلى استعمال الثياب القديمة، والتي يعاد استعمالها بطريقة ذكية، حيث تفرز خيوطها لتكون مادة الزربية، كل وألوانها، وتضاف إلى كميات أخرى من النوعية ذاتها يتحصل عليها من السوق الأسبوعي للقرية، أما بقية أنواع الثياب غير الصوفية فتستعمل في نسج "بوشرواط" وهو كما يحيل عليه الاسم زربية منسوجة من قطع شرائط.
و"المنجج" أو المنسج، هو قالب الزربية إن صح التعبير، ينصب وقوفا بشكل عمودي، وقديما كان يصنع من الخشب لكن حاليا كما يتوفر الخشبي منه يتوفر الحديدي أيضا، ولا تقيمه امرأة واحدة، يحتاج "المنجج" إلى يد الجماعة، لثقله وكبر حجمه، وللعرف الذي يحتفي بإقامته وبدء العمل بزربية جديدة بوليمة تدعى إليها نساء العائلة والجارات، يدعون إلى غيرها أيضا عند الانتهاء من العمل.
الألوان التي تختارها النساء للزرابي تعكس ذوقهن المحتفي بالجمال، هذ الأخير الذي اكتشفه واكتشف تنوع رسمات الزرابي وجودتها المغاربة سكان المدن والسياح الأجانب أيضا، فبدأت تنشأ في الرحامنة كما في فاس والرباط وفي المناطق الأمازيغية الشهيرة بإنتاج "الزربية الأمازيغية المميزة، تعاونيات نسائية للنسيج تخلق فرص عمل للنساء ودخلا شخصيا لهن.
تصبغ خيوط الصوف بالألوان المستخدمة في صناعة الزرابي التقليدية في الرحامنة (الجزيرة) |
لكن الأصل في الزربية ليس هو الربح، تقول مارية (44 عاما) وهي واحدة من أشهر نساجات الزرابي في دوار أولاد غنام بالرحامنة، إن "الربح المادي من وراء نسج زربية لا يعادل الجهد الكبير المبذول في ذلك، تتطلب مواظبة وساعات من الجلوس لأجل العمل وتركيزا كبيرا" لذا برأيها "فرحة الإنجاز هي ما نملكه، عندما تجعل شخصا آخر سعيدا بعملك، وتمنحه ما يعتبره هدية ثمينة".
ما تحاول مارية قوله لمجلة الجزيرة هو أن النساء في الرحامنة وهن ينسجن الزرابي، يعبرن عن شخصيتهن ويمارسن صبر الحياة كما يمارسن جماليتها، هذه الجمالية تتبدى في قولها "لا نترك عروسا تدخل بيت زوجها دون أن تحمل معها زربية جديدة، تشارك هي ونساء العائلة في نسجها، إننا نحمّلها أمانة الاستمرارية من هناك".
هذه الاستمرارية ستظل دائما ملازمة للرحمانيات وهن داخل "المنجج" لا تقطع عملهن إلا صواني الشاي بالنعناع التي تعد لفترات الاستراحة القصيرة، وتستمر في وصله مقاطع الغناء القروي و"العيوط" (نمط من الغناء الشعبي المغربي) التي تتحدث عن الأكف التي تعمر، وأكفهن كانت تعمر بيوتا بجمال يرسمنه ويوثقن بقاءه على الزرابي الممدودة.
//www.aljazeera.net