الحق بين الطبيعي والوضعي ذ.الرامي عبد الغاني

إعلان الرئيسية

في سياق الانشغال الفلسفي بمفهوم الحق بوصفه خاصية إنسانية، أثيرت مسألة الأساس الذي ينبني عليه هذا المفهوم، بهدف توفير المشروعية اللازمة للتشريعات والقوانين التي تنظم المجتمع البشري، ومن هنا يمكننا اختزال التأسيس للحق في مبدأين أساسيين أحدهما طبيعي والأخر وضعي، فعندما نقول إن الحق يتأسس على الطبيعة، يعني أن الإنسان يولد وهو مزود فطريا بمجموعة من الحقوق، التي يتقاسمها مع أفراد الجنس البشري بالتساوي، ويشترك فيها أيضا مع باقي الكائنات، كالحق في الحياة. وعندما نقول إن أساسه وضعي، ففي هذه الحالة تتحول مختلف الحقوق الطبيعة إلى حقوق ثقافية مدنية يؤسسها القانون كسلطة عليا.

إشكال المحور:
على أي أساس يقوم الحق...؟
هل الحق ينبني على أساس طبيعي محدد سلفا أم على أساس قانوني ووضعي...؟

الحق الطبيعي: موقف توماس هوبز
يرى أنه قبل قيام الدولة كانت حياة الإنسان تتسم بالأنانية، وأن الشر ميل طبيعي فيه، ومن هنا لم ينفك الإنسان يعمل بكل الوسائل على تحقيق مكاسبه الخاصة ومنافعه الشخصية ولو كانت على حساب الآخرين، وهذا ما يشير إليه "هوبز" عندما يقول "إن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان" فهو مجبول على العدوان والشر، ميال بطبعه إلى استعمال القوة، وبذلك يبقى الضعفاء على الدوام، ضحية المنطق الذي يسير حسب "قانون الغاب" يعيشون تحت رحمة الأقوى.
ومعنى هذا أن الطبيعة في رأي هوبز تطبعها الفوضى والعنف "حرب الكل ضد الكل" مما يحول دون قيام حياة اجتماعية مبنية على تعاون الأفراد، وبالتالي يحول العنف دون قيام الدولة واستقرار المجتمع.
وأمام هذه الحالة التي تقود إلى شقاء الإنسان، وتؤدي إلى تهديد كيانه، وتمس بأهم غريزة لدى الأفراد ألا وهي غريزة البقاء، أيقن الإنسان أنه لابد من بناء حياة جديدة، وتكوين مجتمع سياسي يضع به حدا للحروب بين الافراد، ويستبدل فيه العنف والأنانية بالتعاون والتكافل الاجتماعيين.
وهذا ما ذهب إليه "هوبز" حين أكد أن الأفراد المتعاقدين فيما بينهم قد تنازلوا لرئيسهم عن جميع حقوقهم لا عن بعضها فقط، لأن التنازل عن بعضها دون الآخر سيؤدي من جديد إلى حالة الفوضى والاضطراب.
فبمقتضى هذا العقد يصبح الشخص الذي تنازل له الأفراد عن حقوقها "َلِكا يتمتع بسلطة مطلقة. وبناء على ذلك وجبت عليهم طاعته وقبول سلطته، لأن ذلك أفضل مما لو استمروا في حياة الفوضى والحروب.

فهم تنازلوا بوعي عن حريتهم الشخصية غير المحدودة من أجل تأمين سلامتهم وملكيتهم الشخصية وحقوقهم المختلفة في ظل نظام اجتماعي هو الدولة.


الحق الطبيعي: موقف جان جاك روسو
لعل نظرية العقد الاجتماعي، كأساس لنشوء الدولة، وجدت في "جان جاك روسو" أكبر ممثل لها بحق. وما يؤكد هذا أنه وضع كتابا خاصا بهذا الموضوع تحت عنوان "العقد الاجتماعي".
يوضح فيه أن الإنسان كان يتمتع بالحرية قبل وجود الدولة وان حياته كانت سعيدة، لكنه لما رأى أن كثيرا من العقبات حالت دون استمرار الحياة الطبيعية الفردية الأصلية، وذلك بسب الاصطدام والتنازع بين الناس نتيجة لتعدد مصالحهم وتناقضها، -لما رأى الإنسان ذلك- سعى عن قصد ووعي إلى بناء حياة اجتماعية وتكوين مجتمع سياسي تقوم فيه الدلة بالمحافظة على حقوق الافراد.

اذن فمصدر السلطة وأساس الحق عند روسو هو العقد الاجتماعي ولكنه عقد لا يقوم على القوة والسلطة المطلقة، كما هو الامر عند "هوبز" وإنما يقوم على نوع من المشاركة والتعاون والاتحاد. ان الفرد في نظره لا يتنازل لشخص معين كما ادعى كل من "هوبز" و"لوك" وإنما يتنازل لجماعة أي للدولة التي تمثل الشعب وتجسد إرادته.


الحق الوضعي القانوني: موقف هانز كيلس
ترفض النزعة الوضعية القانونية تأسيس الحق على أية اعتبارات ميتافيزيقية وطبيعية، هكذا انتقد هانز كيلسن التصورات الطبيعية لأنها تؤسس تصورها للحق على مجرد افتراضات معينة للطبيعة الإنسانية غير قابلة للإثبات، فالحق في نظره وجد نتيجة مشاكل أو وضعيات سلبية مضطربة يعيشها الناس وتعرقل مسار حياتهم. فلا وجود لحق غير الحق الوضعي الفعلي الذي يتحدد انطلاقا من اعتبارات واقعية. وهذا ما يضفي على الحق طابع النسبية والتغير، ويجعل من غير الممكن الحديث عنه خارج إطار القوانين المتجسدة في المؤسسات القضائية والتنفيذية التي تفرضه في الواقع.
كيلسن أن هناك اختلاف في المرجعيات السيكولوجية والاجتماعية والثقافية بين الناس، مما ينعكس على تصورهم لأساس الحق، ويجعل هذا الأخير يختلف باختلاف المبادئ التي يرتكز عليها. وهكذا فالحق عند هانز كيلسن لا يستمد قوته ومصدره إلا من القوانين التي تبلوره وتحتم العمل به، فلا وجود لحق أو عدالة خارج القانون الوضعي الذي يوفر قوة الإلزام الضرورية لتحويل الحق إلى واقع معيش مستعينا بالمؤسسات التنفيذية والقضائية.

خلاصة المحور
ان الحديث عن الحق هو إعلاء من شأن الإنسان، الذي لا يستطيع العيش سوى داخل المجتمع ومن خلال مؤسساته. ويتبين مما سبق أن أساس الحق يختلف باختلاف المنطلقات الفكرية وتباين الغاياتالتي تحكمها، فهناك من ارتأى ضرورة تأسيس الحق على القوة، قوة الحاكم الذي سيفرض نفسه على الجميع، ويتنازل له الأفراد عن حرياتهم الطبيعية (هوبز). بينما دعا البعض الأخر إلى ضرورة تأسيس الحق على التعاقد، أي القواعد والقوانين والتشريعات التي تأطر حياة الناس، وتضمن أمنهم وسلامتهم واستقرارهم (روسو). بينما يدعو الطرف الثالث إلى اعتبار ظهور الحق (القانون/التشريعات) كان نتيجة مشاكل أو وضعيات سلبية مضطربة يعيشها الناس وتعرقل مسار حياتهم (كلسن).

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button