نلتقي بأصناف كثيرة من الناس في حياتنا ولكن ما يزعجني أولئك المتكبرون الذين يتعالون ويتحدثون مع الناس بفوقية مقيتة وينظرون اليهم نظرة دونية وما يزيد الطين بلة أنه اذا نظرت الى بعض أولئك تجدهم يقبعون في ذيل القائمة الاجتماعية بل يعيشون على هامش الحياة…..
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما وجد أحد في نفسه كبراً إلا من مهانة يجدها في نفسه ويقول الأحنف رحمه الله عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر؟ وانظر الى نفسك أيها المتكبر:
فالكبرُ داءٌ من أشرسِ الأمراض الاجتماعية، التي تقوض بنيان المجتمع، وتَمْحق الأُجُور والحسنات، وتنذر المستكبرين بالسقوط من عَيْن الله والناس؛ لذلك فَهُم في أمسِّ الحاجة إلى جرعاتٍ من الدواء الناجع، الذي يُذْهِب هذا الطاعون المهْلِك من نُفُوسهم، ولو كان مُرًّا، ويقودهم إلى بَرَكات التواضُع ولو قسْرًا، حتى يقيموا جُسُور الحب الصادق، والود الحقيقي مع خلق الله.
والكِبْر – كما قيل عنه -: رؤية النفس فوق الغَيْر في صفات الكمال، وهو عبارة عن شُعُور داخليٍّ، مخادعٍ لصاحبه، يملؤه بالاسْتعلاء على الناس، وبذرته في القلب؛ كما قال الله تعالى: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر: 56]، وأشمل ما عُرف به هو ما جاء في الحديث: ((بطر الحقِّ، وغَمْطُ الناس))[1]؛ أي: رفض الحق، واحتقار الخلق.
إن الكبر هو أول ذنبٍ عُصِيَ به الله تعالى في السماء، وذلك لَمَّا أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا، إلا إبليس أبى واستكبر؛ قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34]، وقد كان قياسه فاسدًا لما أجاب ربه، بعد أن سألَه سبحانه عن سبب إبائِه: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص: 75، 76]، فالمتكبرون يظنون – جَهْلاً – أنهم أفضل من الناس وأعز وأكرم، كما قاس الملعون إبليس؛ لظنِّه أن عنصر النار أشْرَف من الطين، فيدفعهم ذلك إلى ظن الرِّفعة والتميُّز، مرتكزين إلى نسب أو منصبٍ أو مالٍ، وذلك وهْمٌ كبيرٌ، فالأفضلية للدِّين والتقوى.
والله تعالى لا يحب العبد المتكبِّر: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل: 23]، ومن ثَمَّ لن تصيبَ أنوارُ الهدايةِ قلبَه؛ فيُحرمَ التوفيق: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 146]، حتى يصل به الأمر إلى أن يختم الله تعالى على قلبه بخاتم ِالطردِ والإِبعادِ: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35]
الفرعون الغاشِم المختال، الذي ملأ الأرض كبرًا بمَوَاقِفه وتصْريحاته، وأَوْفَى دليلٍ هو قوله تعالى: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: 51، 52] ، وقال الله تعالى: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ} [القصص: 39]، ولا جرم فقد كانت النتيجة أنه مات بعد أن أدركه الغرق هو ومن معه؛ {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} [القصص: 40 – 42].
وأهل الكبر دائمًا في شقاءٍ وعناءٍ؛ فهم يقاسون مشاعرهم الداخلية عن الخلق وانحطاطهم، كما يصور لهم خيالهم المريض، وعن منزلتهم الموهومة في مُخيلاتهم، ويقاسون انعدام المخلصين وانفضاضهم من حولهم، فمِن فطرة الله في خلْق الناس أنهم لا يحبُّون مَن يتكَبَّر عليهم.
إنَّ تصوير القرآن الكريم لِمنظرهم غاية في العجب، إنه منظرٌ يُنْبِئ عن مرضٍ، فالمتكبِّرُون مرْضى يستحقُّون الشفَقة، ومن ظُلْمهم أن نغضبَ منهم، ماذا يقول مَن يرى أهل التعاظُم وهم يتعثَّرُون في ثوب خبالهم ضمن صور الكِبْر المشهورة، في الهيئة، والمِشْية، وطُرُق الكلام؟ إن كتاب الله تعالى يُصَوِّر هذا المشْهد، وهو ناطقٌ بعمومِه على حالهم؛ قال الله تعالى: {وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18]، والصعر: هو مَرَضٌ يصيب الإبل، فيلوي أعناقها؛ بحيث لا تستطيع أن تعيدها معتدلة مرة أخرى، فتظل على هذا العوج، وهو فيها وفي أمثالها أجلى وأوضح؛ وذلك لطول عنقها، فكأن العبد المتكبِّر مثل هذا البعير الذي أصابه هذا المرض فحاله – من كبره – لا يخْفى على عاقل، إنه نسِي أصلَه الذي منه خُلق، ولما ذهل عن هذه الحقيقة لعِب الشيطان به وأملاه، ووعده ومنَّاه.
إنَّ مَن يظن أنه لا يُخطئ أبدًا لَهُوَ أَعظم الناس نقْصًا، وأعظمهم مصيبة، فهو مصطلحٌ مع نفسه دائمًا، ولا يزكِّيها بإصلاح عُيُوبها، والناس يرَون منه قُبح أعماله، وهو لا يدْري لأنَّه لا يرى خطأه، ولا يشعر به، وخصوصًا إذا قيَّض الله تعالى مَن يكيلون له من الثناء والمدْح، ويعظمونه وإن كان لا يستحق، فهؤلاء سمٌّ ناقعٌ لقلبه، وهو لا يدري ا
لِفِ ال عجبًا لك أيهُّا المغرور المتكبِّر الضعيف المعلول إلى طعامه ومنامه وراحته! كيف لا تتذكر أصلك ومنشأك؟! وأصلك من ترابٍ وإليه تصير، ما غرَّك في الدنيا بلزوم الكبر والركون إليه؟! أقلعْ عن صغار التكبر، وأقبلْ على كرامة التواضع، يرحمك الله.
نسأل الله سبحانه أن يباعدَ بيننا وبين الكبر وأهله