كطائر حر طليق جعل من العالم بيتا له قرابة ثمانية وعشرين سنة من الرحلات المتوالية ، فمن طنجة إلى مصر ، ومن الشام إلى مكة ، ومن فارس إلى شرق إفريقيا ، ثم الصين وأفغانستان والهند …إنه بلا شك سيد الرحلات بدون منازعالرحالة ابن بطوطة .
من هو ابن بطوطة ؟
هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله الطنجي الملقب بشمس الدين ، والمشهور بابن بطوطة ، ولد بطنجة سنة 1304 ، في كنف عائلة اشتهرت بالعلم ، وبالرغم من أن ما وصلنا من معلومات عن هذه الشخصية الكبيرة قليل جدا ، إلا أننا نستنتج يقينا أنه كغيره من شباب ذلك الجيل نشأ في طلب العلم وحفظ القرآن ، وفي سنة 1325 قصد مكة للحج ، ومنها انطلقت رحلاته المشهورة .
رحلات ابن بطوطة
120000 كيلومتر هي المسافة التقريبية التي قطعها ابن بطوطة في رحلاته المختلفة لما يناهز ثمانية وعشرين سنة ، وهو رقم قياسي باعتبار مشقة السفر وانعدام وسائل النقل السريعة آنذاك .
كان العرب رائدين في مجال العلوم والتجارة ، فكانوا يقطعون مشارق الأرض ومغاربها طلبا للعلم والتجارة ، إضافة إلى رحلات الحج الموسمية ، مما جعل من الرحلات طابعا مميزا ظل ساريا طوال العصور الذهبية الإسلامية ، لكن ابن بطوطة كان أكثرهم ولعا بالسفر والتجوال ، واستكشاف البلدان والأمصار ، والتعرف على عادات الشعوب وتقاليدها .
خرج ابن بطوطة للحج سنة 1325 ، مرافقا إحدى القوافل التجارية ، وقد عرفت هذه الرحلة تعرجات وتوقفات ، فكانت بدايته في مصر ثم القدس فالشام إلى أن وصل مكة فأتم حجه ، وبعدها توجه الطائر الرحالة إلى بلاد فارس ثم بلاد الروم ، ومنها إلى الأفغان والهند أين تولى وظيفة القضاء هنالك لمدة عامين ، وهذا يدل على غزارة علم وتدين هذا الرحالة الكبير .
بعدها توجه ابن بطوطة إلى بلاد الصين ، ثم عاد إلى مدينة فاس حيث استقر مدة قبل أن يقوم برحلة أخرى إلى إسبانيا والسودان .
مؤلفات ابن بطوطة
‘ تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ‘ ، الكتاب الوحيد البارز الذي نقل عن ابن بطوطة ، إذ يعد موسوعة جغرافية اجتماعية روى فيها وأرّخ ما لاقاه في رحلاته من عجائب وغرائب . ويرى المحققون أن ابن بطوطة لم يكن أديبا أو مؤلفا ، لأن كتابه المشهور كان من تدوين كاتب أمير مراكش السلطان أبو عنان المريني ، والكاتب هو محمد بن جزي الكلبي .
وكان ابن بطوطة يملي على الكاتب ويصف رحلاته ، وهنا يرى المحققون أن المنطق الأدبي يقوم على أن يكتب ابن بطوطة رحلاته بيده كما جرت عادة الأدباء ، ناهيك على أنهم لم يجدوا له أي مذكرات ، لكن البعض الآخر يرى أن ابن بطوطة قد كتب مذكراته حقا لكنها ضاعت أثناء رحلته ، وعلى كل حال فالفائدة العظمى من كل هذا هو وصول هذا الكتاب الثمين إلينا وإلا لم نكن نعرف شيئا عن هذا الرحالة الكبير وأخبار رحلاته .
وكانت لرحلات ابن بطوطة من الشهرة ما فاق الحدود ، حيث ترجمت إلى الفرنسية والإنجليزية والألمانية والتركية والهندية ، كما طبع كتابه طبعات متعددة في باريس ومصر .
– يمكنك طلب كتاب ( رحلة ابن بطوطة ) ، وذلك بالضغط على الزر أسفله ، أو على صورة الكتاب :
رحلات ابن بطوطة بين الحقيقة والوهم !
مما لا شك فيه أن رحلات ابن بطوطة التي سجلها في كتابه تحفة النظار ، شكلت موسوعة جغرافية لما قدمته من معلومات غزيرة كشفت الضوء على عادات الشعوب وثقافاتها ، لكن يرى بعض الباحثين أن ابن بطوطة سقط كثيرا في المغالات في أقواله والإكثار من ذكر بعض القصص والغرائب التي لا تعدو أضاليل وأوهام ، بل يؤكد بعض النقاد أن ابن بطوطة لم يصل إلى الصين أصلا .
وبالنظر إلى طبيعة ابن بطوطة الطيبة البسيطة فإنه من الطبيعي أن نجد بعض المبالغات في رحلاته دون أن تنقصه من أهميتها شيئا ، وفي ذلك يقول الدكتور أحمد الشنواني : ‘ ولكن الرجل على فضله وعلمه ، يتميز بشيء غير قليل من البساطة ، وربما تصل إلى السذاجة في بعض الأحيان ، فهو يصدق الكثير من الأساطير التي لا يقبلها عقل ، ويعتقد في صحة كرامات الدراويش التي رويت له ، وربما كان مرد ذلك أن الرجل بحكم نشأته الدينية كان تقيا ورعا ، يعظم الأتقياء والصالحين ، ويزور قبورهم للتبرك بهم ‘ .
ويقول الأديب المؤرخ حنا الفاخوري : ‘ ومهما يكن من أمر فإن ابن بطوطة قد أضاع في رحلته الأولى ما دوّنه من معلومات فلا عجب إن قصّر في بعض التحقيقات والتحريات ، وهو يروي ما يروي في سذاجة وفكاهة ، وفي لغة سهلة تنحط أحيانا إلى الركاكة . وهو يعد من المصادر الهامة لعلم الجغرافية ، وله الفضل الأكبر على من كتب بعده في هذا الموضوع ‘ .
وفاة ابن بطوطة
استقر الرحالة الكبير أخير بفارس حيث لبى دعوة السلطان أبي عنان ، وقضى هناك ثلاثا وعشرين سنة ، لم يصلنا منها أي خبر سوى أنه كان محفوفا بعناية السلطان وكرمه ، وانتقل إلى جوار ربه سنة 1377 عن سن يناهز 74 سنة ، قضى أكثرها يجوب العالم ويكتشف خفاياه وأسراره ، فكان رحالة العصر بلا منازع .
مراجع ومصادر :
– تاريخ الأدب العربي ( حنا الفاخوري ) .
– موسوعة عباقرة الحضارة العلمية في الإسلام ( أحمد محمد الشنواني