قم للمعلم وفّه التبجيلا * كاد المعلم أن يكون رسولا
من منا لا يتذكر هذا البيت الخالد لأمير الشعراء أحمد شوقي ، والذي يسمو بقيمة المعلم ويعظّم من قدره . كيف لا ونحن أمام مربّ ومكوّن لأطباء ومهندسي وقضاة المستقبل ، فكان لزاما علينا ككل أن نقف وقفة احترام وتقدير وتبجيل للمعلم .
وهنا تحضرني مقولة تنسب للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل ، حيث اعترض عليها دكاترة وقضاة على الزيادة الكبيرة في راتب رجال التعليم ، وطالبوها بالمساواة ، فكان ردها : ‘ كيف تطالبونني بأن أساويكم بمن علموكم ! ‘ .
نتحدث عن تسعينيات وثمانينيات – فالأدنى – الزمن الماضي ، حيث كان للمعلم هيبته ، وكانت المقررات التعليمية مركزة وقويمة ، أما الطلبة والتلاميذ فكانوا – على شغبهم وفقرهم – متفوقين مجتهدين ، جلّهم تسلقوا سلم النجاح والوظيفة .
أما الآن فقد انقلبت الموازين ، فاختلط الحابل بالنابل ، وكيلت الاتهامات جزافا ، كل فريق يلقي باللوم على الآخر ..فالمعلم يبكي دما على واقع تلميذ اليوم ، الذي غرق في مواقع التواصل الاجتماعي ، والهواتف الغبية – أقصد الذكية – ، ولو اقتصر الأمر على ذلك لهان الخطب ، لكن المصاب جلل ، ما دامت حياة المعلم في خطر .
ولنا في الجرائد والأخبار اليومية حقائق صادمة ومخيفة عن تعرض معلمين إلى اعتداءات خطيرة من تلامذة مراهقين غاضبين ، منتقمين من ظلم المعلم – على حد اعتقادهم – إما لإهانته لهم بسبب شغبهم ، أو حصولهم على نقط هزيلة بسبب كسلهم – الذي ينفونه طبعا – .
أما إذا انتقلنا إلى التلميذ فستجده وكأن جميع أنواع الظلم قد قررت أن تستقر في حياته وتربط معه علاقة حب لا تنقطع ! فهو يرى أن المعلم كسول متهاون لا يشرح الدروس ، ولا يبهج النفوس ، يلجُ الفصل بوجه عبوس ، يجعل السعيد يؤوس .
أما الامتحانات فيحسبونها من المستحيلات والمعضلات الكبرى ، والتي يتفنن أصحابها في تعذيب التلامذة بها ، فيبتكرون أسئلة لا علاقة لها بالمقرر الدراسي – على حد قولهم – ..بل وكأنها أتت من كوكب غير الأرض !
وبين هذا وذاك وتلك ، وبغض النظر عن ماهية المصيب أو المخطئ ، فإننا لا ننكر واقع أن التعليم في عدد كبير من الدول العربية ، يعاني من داء عضال يدعى :الهدم ! حيث هبط مستوى الأخلاق إلى الحضيض ، فألقى بظلاله المؤثرة على المجتمع ككل .
وبالعودة إلى المدرسة الأولى في حياة الأسرة وهي الأم على قول شاعر النيل حافظ إبراهيم :
الأم مدرسة إذا أعددتها * أعددت شعبا طيب الأعراق
فسنجد أن الأم ، مع الأسف الشديد قد تقلص دورها – بل وقلصته هي نفسها – فآثرت أن يقتصر دورها على أمور المنزل الروتينية من كنس وطبخ …في حين أنها تجاهلت تربية فلذات أكبادها على القيم الأخلاقية والاجتماعية القويمة ، حتى إذا قصدوا مدرستهم كانوا رسلا في الأخلاق والتعامل ، فيؤثرون على المعلم وأصدقائهم والمجتمع ككل .
وإذا انتقلنا إلى رجال التعليم ، فإننا لا ننكر بالمقابل أن هناك فئة باعوا ضمائرهم للكسل والغش ، وأتذكر أستاذا درست عنده شخصيا ، لطالما ردد على مسامعنا جملته الشهيرة : ( ادرسوا أو لا تدرسوا ، فراتبي ينتظرني آخر الشهر ‘ .
وبالعودة إلى المقررات الدراسية الحديثة فسنعاين تذبذبا وهبوطا في مستوى مواضيع الكتب والمناهج بشكل واضح جدا ، ولا يقارن أبدا بمقررات جيل التسعينيات – حتى تكون المقارنة قريبة ومنصفة – ، وهنا ستجد كيلا من الاتهامات للمسؤولين عن قطاع التعليم ، ويفتح الباب بمصراعيه على نظريات المؤامرة وصويحباتها …
من المسؤول إذن !
لا ننكر حقيقة أن جميع الأطراف والعوامل المذكورة أعلاه ساهمت بشكل أو بآخر في تردي واقع التعليم وهدم أسسه تدريجيا ، لكن إن استمر الحال بكيل التهم والاستسلام لواقع خطير ينخر تعليمنا كمرض خبيث ، فستزداد الأمور سوء ، ولعمري سنظل نقف على أطلال أمجاد التعليم فيما مضى ، مثلما نبكي أمجاد الفاتحين وقدماء العرب من العلماء النابغين .
المسؤولية بيد الوالدين بالدرجة الأولى ، إذ وجب الحرص على تلقين أولادهم دروس الأخلاق وحب الخير والاجتهاد ، قبل أن يلقنوهم القراءة والكتابة ، فتلك هي المدرسة الحقيقية – مدرسة المجتمع الأخلاقي ، والتي إن اكتملت فستغطي أي نقص أو إشكال مهما تعقدت الأمور وكثرت المعوقات ، لأن الأساس آنذاك متين .
واليوم ولله الحمد ، ومع التقدم التكنلوجي المجنون وجب أن نستغل هذا التيار السريع ونسبح معه بما يتناسب معنا ، فمع وجود الأنترنت والهواتف الذكية ، أصبح من السهل أن تجعلها أشبه بكتيّب صغير تطالع فيها كتابا ، أو تنمي مهاراتك الرياضية أو اللغوية مع تطبيقات الهواتف الكثيرة والمتنوعة .
وندعو الآباء كذلك إلى أن لا يعتمدوا على المدرسة اعتمادا كليا في تعليم أبنائهم ، بل يجب أن يجتهدوا في تلقين أبنائهم وتعليمهم ذاتيا ، فالمدرسة ما هي إلا واد صغير وسط بحر العلم الكبير الذي لا ينفد وعاؤه مهما غرفت منه