النص القرائي رائحة الارض

إعلان الرئيسية

 ((المعطي)) رجل ممتلئ ، تساقطت بعض شعيرات جبهته التي كانت آثار الصلاة واضحة عليها ، وامتلأ رأسه شيبا ، رزق ثلاثة أولاد ، وفدان أرض ورثه عن أبيه . اشتدت وطأة المرض عليه ، فقرر أن يجمع أبناءه ليقد م لهم آخر نصائحه :
تحليل النص القرائي ((رائحة الأرض)) لعبد الرحمن مجيد الربيعي
- اسمع يا محمد ، وأنت يا مجيد ، و أنت يا نجمة ، لقد أنفقت أعوامي الطويلة متمسكا بالله والأرض ، ليس هناك أجدى منهما : الأرض تضمن قوت الحياة الدنيا ، والله يشملك برعايته ورحمته يوم الدين. وغلبته موجة سعال حاد ، وما إن توقفت حتى تابع كلامه :
- اسمعوا يا أولاد ، هنا وجدنا نحن وآباؤنا ، وسنظل هنا ، فلا تزرعوا خيانة الأرض في نفوس أبنائكم ، أعرفتم كيف يعيش من هاجروا قبلكم؟
كان الأولاد واجمين أمام رهبة أبيهم الطويل الذي لم يدخن السجارة مرة ، ولم يلوث رئتيه هواء المدن ،  ولم تستقر قدماه في حذاء . نطق محمد في صوت كالهمس :
- ولكننا لا نجد أحيانا ما نأكل يا والدي..
قالت نجمة محاولة ترضية أبيها :
- نحن طوع أمك يا والدي.
ووقف مجيد حائرا ، فقد أراد أن يغادر القرية مع من غادروها ، إذ كان يحس بدبيب المغامرة يسري في داخله ، ويشعر بأن ألف دافع يناديه ليرحل صوب الأماكن البعيدة المجهولة ، حلم يمر كساقية ماء تروي نبتة أتعبها الجفاف ، لكن عزم أبيه وتصميمه وقوة تشبثه بالأرض ، كانت أشبه بمعاول تقوض بناء ذلك الحلم.
الأولاد الثلاثة منتصبون ، وهم يتأملون قطعان الماشية تنعم بالرخاء الأخضر الذي تتوسده القرية. عادت الرؤوس لتفكر وفق عادات القرية الهادئة ، والشمس والمراعي والمواسم ، والخوض في مياه الترع ، ثم الزواج وتكرار ما فعله الألوف من الناس على امتداد تاريخ هذه القرية الوادعة . تساءل الأب :
- ألا يحدثك قلبك بشيء يا مجيد؟
وانتفض مجيد قبل أن ينطق لسانه بما في قرارة نفسه : 
- لن يحدثني قلبي إلا بطاعتك يا والدي ، من الأرض جئنا وإليها نعود...
كانت الشمس آنذاك أكثر إشراقا ، تلتمع تحت وهجها سواقي الماء ، وهمس محمد :
- إن ذهب الجميع ، فأبناء المعطي باقون هنا ، أقدامهم راسخة في هذه الأرض ، ولن تنام عيونهم إلا على ترابها.
قال المعطي بكبرياء ورضى :
- أنتم أولادي حقا ، ظلي الذي لن يطيق أحد انتزاعه مني.
يحدثنا تاريخ القرية ، أن أبناء المعطي كانوا أوفياء للعهد ، ولم يهاجروا قريتهم مطلقا ، حتى دفنت فيها جثثهم.
عبد الرحمن مجيد الربيعي . عن ((المواسم الأخرى)) ص 81 - دار الطليعة . الطبعة الأولى - 1970م
* التعريف بالكاتب : [ عبد الرحمن مجيد الربيعي ]
* مراحل من حياته : - ولد في مدينة الناصرية جنوب العراق سنة 1939م
- درس الرسم وتخرج من معهد الفنون الجميلة ببغداد
- بدأ مشواره الأدبي بالنشر في الصحف العراقية والعربية
- أشرف على تحرير الصفحة الثقافية في جريدة الأنبار الجديدة ، والفجر الجديد
-عمل مديرا للمركز الثقافي العراقي في كل من بيروت وتونس
- عضو هيئة تحرير مجلة "الحياة الثقافية" التي تصدرها وزارة الثقافة التونسية.

* أعماله : - السيف والسفينة – الظل في الرأس – الخيول – وجوه من رحلة التعب – الوشم – عيون في الحلم …
عبد الرحمن مجيد الربيعي في تونس
* ملاحظة النص واستكشافه :
العتبات
الملاحظات
الفرضيات / التوقعات
1- العنوان - تركيبيا : عنوان النص مركب إضافي يتكون من كلمتين
- معجميا : ينتمي إلى المجال السكاني
- دلاليا : يوحي العنوان بشدة التعلق بالأرض إلى درجة استنشاق رائحتها
يتوقع أن يكون هؤلاء المتعلقين بالأرض إلى هذه الدرجة من أبناء القرية / الفلاحين الذين يعشقون الأرض إلى حد كبير.
2- بداية النص تتضمن موصوفا رئيسيا “المعطي” وموصوفات فرعية هي الأوصاف الجسمية “رجل ممتلئ…” والأوصاف الاجتماعية (رزق ثلاثة أولاد..”
- نلاحظ تكرار الجزء الثاني من العنوان “الأرض”
- تتضمن حدثا يشير إلى مرض المعطي وقراره إسداء النصائح لأبنائه.
- يفترض أ يكون موضوع هذه النصائح مرتبطا بالأرض وضرورة الحفاظ عليها وعدم التفريط فيها.
3- نهاية النص تتضمن حدثا يشير إلى أن أبناء المعطي عملوا بوصية أبيهم ولم يتتركوا أرضهم إذا ربطنا بين هذه النهاية وما جاء في بداية النص يمكن أن نفترض الحدث الرئيسي للنص.
* نوعية النص :  نص سردي ذو بعد سكاني
* فهم النص :
الإيضاح اللغوي
الحدث الرئيسي
- واجمين : ساكتين وعاجزين عن التكلم من شدة الحزن أو الخوف – دبيب : حركة وحيوية  - انتفض : تيقظ ، وتحرك في اضطراب تمكن الأب من زرع محبة الأرض في قلوب أبنائه ، وإقناعهم بالبقاء فيها رغم الجفاف الذي تعاني منه.

* تحليل النص :
1- أحداث النص :
أ – تأكيد الأب على أهمية التمسك بالله والأرض ودعوة أبنائه إلى عدم خيانتها
ب- تعدد الأسباب الداعية إلى الهجرة دفع الأبناء إلى التردد في القبول بوصية أبيهم
ج- استحضار الأبناء لمميزات القرية وفضلها عليهم دفعهم إلى إسعاد أبيهم بتنفيذ وصيته والبقاء في القرية

2- ملامح الخطاب الحجاجي في النص :
        ينبني النص على منطق حجاجي يتجلى في اختلاف المواقف والآراء بين الشخصيات المتحاورة ، ومحاولة كل طرف إقناع الآخر بصدق فكرته وبطلان فكرة خصمه ، والجدول التالي يوضح هذه الملامح :
الشخصيات المتحاورة
الفكرة المرفوضة
الحجج و المبررات
الفكرة المقترحة
- الأب “المعطي” الهجرة إلى المدينة - الأرض تضمن قوت الحياة…
- هنا وجدنا نحن وآباؤنا…
- أعرفتم كيف يعيش من هاجروا قبلكم؟
البقاء في القرية
- الأبناء ، وخاصة “محمد” و “مجيد” البقائ في القرية - لكننا لا نجد أحيانا ما نأكل يا والدي.
- ألف دافع يدعوه يناديه ليرحل…
الهجرة إلى المدينة
* النتيجة : تمكن الأب من إقناع أبنائه بالبقاء في القرية..
* نقطة التحول في النص : هي الفقرة التي يقول فيها الكاتب : “ الأولاد الثلاثة منتصبون ، وهم يتأملون قطعان الماشية……….على امتداد تاريخ هذه القرية الوادعة.
3- الزمن في النص :
يمكن تقسيم الزمن في هذا النص إلى قسمين :
- الزمن الاسترجاعي : ومن أمثلته :    - أنفقت أعوامي الطويلة
                                                    - هنا وجدنا نحن و آباؤنا
                                                    - لم يدخن السجائر مرة
- الزمن الاستباقي : ومن أمثلته :         - سنضل هنا
                                                    - لم يهاجروا قريتهم مطلقا..
                                                    - لن تنام عيونهم إلا على ترابها
                                                        - أبناء المعطي باقون هنا

* التركيب والتقويم :
           يعالج النص قضية الهجرة القروية  من خلال موقفين متعارضين هما : موقف الأب الداعي إلى التشبت بالأرض وعدم الهجرة  ، وموقف الأبناء المتمثل في التفكير في الهجرة  وترك القرية . وقد قدم كل فريق حججه ومبرراته.. ، لكن الأب هو من تفوق في الأخير ، وتمكن من إقناع أبنائه بالبقاء في القرية.
         وعلى مستوى الأسلوب مزج الكاتب بين السرد و الوصف والحوار ، حيث وظف السرد لعرض أحداث النص ، ووظف الوصف لنقل صورة عن الشخصيات ، ووظف الحوار لعرض المواقف والآراء.              

تعديل المشاركة
Back to top button