مطابقة أسمائه (صلى الله عليه وسلم) لمسماها

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية مطابقة أسمائه (صلى الله عليه وسلم) لمسماها

مطابقة أسمائه (صلى الله عليه وسلم) لمسماها

مطابقة أسمائه (صلى الله عليه وسلم) لمسماها

اسمه ونسبه


قال ابن القيم: لما كانت الأسماء قوالب المعاني ودالة عليها اقتضت الحكمة أن يكون بينها ارتباط وتناسب، وأن لا تكون معها بمنزلة الأجنبي المحض، الذي لا تعلق له بها، فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك، والواقع يشهد بخلافه، بل للأسماء تأثير في المسميات، وللمسميات تأثير في أسمائها في الحسن، والقبح، والثقل، واللطافة، والكثافة، كما قيل:


وقل أن أبصرت عيناك ذا لقب***إلا ومعناه إن فكرت في لقبه(1)

وإذا علمت ذلك تأمل كيف اشتقت للنبي- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- من صفاته أسماء مطابقة لمعناها فضمن الله تعالى أسماء رسوله - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- ثناءه وطوى أثناء ذكره عظيم شكره(2).
وقال -أي ابن القيم- وهو يتكلم عن اسمه - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- محمد: وهو علم وصفة اجتمع فيه الأمران في حقه - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وإن كان علماً محضاً في حق كثير ممن يسمى به غيره - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-. وهذا شأن أسماء الرب - تبارك وتعالى-، وأسماء نبيه - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، هي أعلام دالة على معان هي بها أوصاف مدح فلا تضاد فيها العلمية الوصفية بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين، فهو الله الخالق البارئ المصوِّر القهَّار، فهذه أسماء له تعالى دالة على معانٍ له هي صفات.وكذلك أسماء النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وإلا لو كانت أعلاماً محضة لا معنى لها لم تدل على مدح(
3). وتعدد الأسماء لشيء يدل على عظم هذا الشيء. وقد تعددت أسماء الله - سبحانه وتعالى- فله الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأسماءه سبحانه كلها حسنى بالغة في الحسن، وأسماء الله هي أسماء ونعوت، فإنها دالة على صفات كماله، فلا تنافي فيها بين العلمية والوصفية(4).
وقد قال ابن القيم -رحمه الله-: ولما كان المقصود بالاسم التعريف والتمييز، وكان الاسم الواحد كافياً في ذلك، كان الاقتصار عليه أولى، ويجوز التسمية بأكثر من اسم واحد، كما يوضع له اسم وكنية ولقب، وأما أسماء الرب تعالى، وأسماء كتابه ورسوله فلما كانت نعوتاً دالة على المدح والثناء لم تكن من هذا الباب، بل من باب تكثير الأسماء لجلالة المسمى وعظمته وفضله(
5).
وقال: وبالجملة فالأخلاق والأعمال والأفعال القبيحة تستدعي أسماء تناسبها، وأضدادها تستدعي أسماء تناسبها، وكما أن ذلك ثابت في أسماء الأوصاف، فهو كذلك في أسماء الأعلام، وما سمي رسول الله - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، محمداً وأحمد إلا لكثرة خصال الحمد فيه، ولهذا كان لواء الحمد بيده وأمته الحمَّادون، وهو أعظم الخلق حمداً لربه - تعالى-(
6).


نماذج تدل على مطابقة أسمائه لمسماها -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:


1. الأمين: فهو - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- أمين؛ لأنه حافظ الوحي قوي على الطاعة، وأمين يُوثق بأمانته ويُرغب في ديانته، حتى إن قريشاً كانت تسميه بهذا الاسم، وذلك مشهور، وقد كانت تضع عنده بعض الأمانات لحفظها، ولعلمها أنه أمين، وفي قصة بناء الكعبة واختلاف قريش على وضع الحجر، ورضاها بحكم النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بينهم عندما حكَّموا أول من يدخل من باب المسجد، فكان أول داخل هو الرَّسُول -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فكان قولهم عندما دخل: هذا الأمين رضيناه.
ولقد ارتضاه الله لحمل رسالته إلى الناس كافة، وهذا يدل على أنه أفضل الناس وأحسنهم في كل شيء، ومنها الأمانة قال تعالى: ((إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ)) التكوير : 19-21. وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري -رضيَ اللهُ عنهُ- مرفوعاً: (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر من في السماء صباحاً ومساءً)(
7).


2.الصادق: روى البخاري عن ابن عَبَّاسٍ قال: لما نزلت: ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ))الشعراء :214 صعد النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- على الصفا، فجعل ينادي: (يا بني فهر، يا بني عدي!) لبطون قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو؟ فجاء أبو لهب وقريش. فقال: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟)، قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: (فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد). فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم. ألهذا جمعتنا؟ فنزلت ((تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ))المسد :1(8).
إن هذا الحديث يدل على صدق النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وأنه كان صادقاً في أقواله وأعماله حتى أن قريش قالت له: ما جربنا عليك إلا صدقاً، ويدل على أنه كان مشهوراً بينهم بهذا الأمر، حتى أن ابن مسعود -رضيَ اللهُ عنهُ- كان يقول: حدثني رسول الله وهو الصادق المصدوق، وقد قال الله -تعالى- في تزكيتة: ((وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى))النجم: 3، وقال: ((وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ))الحاقة :44-46.



3.الكريم: عن عائشة -رضيَ اللهُ عنهُ- قالت: ما ضرب رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله -عزوجل-(9).


4.رؤوف رحيم: سماه الله بهذا، فقال: ((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ))التوبة : 128.
ورأفته ورحمته - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- قد تجلت وظهرت في معاملته لأصحابه، والناس الذين من حوله، وتجاوزت حتى إلى الحيوانات، وسيرته - عليه الصلاة والسلام- مليئة بذلك، منها عطفه على الفقراء والمساكين، وتعليم الجاهل بالتي هي أحسن وذلك مشهور في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، ورحمته بالحيوان ومثالها: قصة الجمل الذي جاء يشكو صاحبه، والحمرة التي أخذ الصحابة أولادها وغير ذلك كثير.



5.الشجاع: كان النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- أشجع الناس، وقد قال علي بن أبي طالب -رضيَ اللهُ عنهُ-: كنا إذا احمر البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه)(10). وروى أحمد حديثاً عن علي رضيَ اللهُ عنهُ قال: لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأساً(11).
وعن البراء قال: (كان والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا الذي يحاذى به، يعني النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-)(
12).
وعن أنس بن مالك قال: كان بالمدينة فزع وركب رسول الله-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فرساً لأبي طلحة فقال: (ما رأيناه من شيء وإن وجدنا لبحراً). رواه مسلم بلفظ: (كان بالمدينة فزع، فاستعار النَّبيّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فرساً لأبي طلحة يقال له: مندوب فركبه فقال: (ما رأينا من فزع، وإن وجدناه لبحراً)(
13).


6.المتواضع:عن أبي بردة قال: قلت لعائشة -رضيَ اللهُ عنهُا-: ما كان النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- يصنع في بيته، قالت: (كان في مهنة أهله)(14).
وعن أسامة بن زيد أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- ركب يوماً حماراً بإكاف عليه قطيفة فدكية فردفه أسامة بن زيد يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن خزرج، وذلك قبل وقعة بدر(
15).
وعن أنس قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه، لما يعرفون من كراهيته(
16).
والأحاديث التي تدل على تواضعه -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- كثيرة.
ومن خلال ما سبق يتضح مطابقة أسمائه -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- لمسمَّاها.




نسأل الله أن يرزقنا حب نبينا ويمن علينا باتباع سنته، ويجعلنا من المتمسكين بها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.



التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button