اليك صغيرتي بسمة اتحدث

إعلان الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم
أريدك أن تعلمي أنك قد شغلت بال أبيك دهراً طويلاً. كثيرون يفضلون الذكَر، وأنا لا أفرق بين ذكر وأنثى في الحب، ولكن قلبي يميل للأنثى. وبما أن بعض كلامي يصدر عن قلبي، فسأختار صيغة الأنثى لحديثك. وأتمنى أن تقرأي حديثي هذا أكثر من مرة. وأن تعيدي قراءته كلما أحسست أنك قد بلغت مرحلةً جديدةً في عمرك. فقد وُلِدتُّ ثلاث مرات حتى الآن، وهو خلاصة ما تعلمته حتى اللحظة.
ابنتي، أول وصية أوصيك بها هي الدين. هي ذاتها وصية ابراهيم عليه السلام -وسأحدثك عن عظمة عقليته لاحقاً- (ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون. أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم واسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون).
لست أدري ما سيخطه القدر، وهل سأكون إلى جانبك حين تنضجين أم أن الله سيكتب أمراً آخر. ولكن أتمنى أن تكون الكلمة الأولى والأخيرة في حياتك هي للدين. ففي حين يعتقد البعض أن هذه الحياة هي النهاية العظمى والغاية الكبرى فإن الحقيقة بخلاف ذلك. الحقيقة التي أدعو الله أن يضيء قلبك بنورها في شبابك وألا تقفي كما وقف الكثيرون عند رسومها وكلامها.
ابنتي، اعلمي أن هناك مسافة بين الدين وبين ما يفهمه الناس ويتعاملون معه على أنه الدين. أدركي هذه الحقيقة جيداً، فمسافة الأمان هذه ستحمي إيمانك إذا ما فقدت الثقة في مدرسة معينة أو فكر معين. سيبقى إيمانك بالله وكتابه ورسوله عندما يهتز إيمانك بالبشر. وعندما تستمعين لتفسير آية أو حكم فقهي، ضعي في ذهنك أن هذا الرأي هو -في الأعم الأغلب- رأي الإنسان، لا حكم الله القطعي، وأنه من المحتمل وجود رأي آخر في تلك القضية. وهي الحقيقة التي اعتقد بأنك ستعلمينها إذا تعلمت قليلاً من أصول الفقه والفقه وتأملت في اختلاف المدارس الفقهية.
ابنتي، ستقابلين في حياتك من يظن أنه يملك مفاتيح النار والجنة. وأن طريقه وطريقه فقط هو طريق الله. ستعلمين أن بعضاً من أقذر الجرائم ترتكب باسم الدين. وسترين الكثيرين من الحيارى والمفتونين والسذج البسطاء. وقد يكون طريقك -إذا اخترت طريق الحقيقة- مفروشاً بالأشواك. ولن يعينك على اجتياز الطريق إلا ثقتك بالله وحده واعتمادك عليه. ثقتك بالله دون واسطة من إنسان. وستكون هذه الثقة -إن شاء الله- هي نفسها الثقة التي ستحملينها حينما تقابلينه وحدك في اليوم الآخر. وتذكري دائماً أن (الآخرة خيرٌ وأبقى).
ابنتي، إياك أن تخشي يوماً من التفكير. ستأتيك الكثير من الوساوس لتتوقفي عن ذلك. وساوس الشياطين من عالم الغيب ووساوس البشر من عالمنا هذا. سينفثون عليك ويخوفونك بالضلال والانحراف. ستتفاجأين بأن العقل في عرف البعض سبة. وسيحاولون أن يزينوا لك آبائيتهم وتقليدهم، وسيحاولون أن يضعوك في قوالب عدة. سيتهمونك بالإنحلال أو الذوبان أو بأنك من دعاة الإسلام الغربي أو الليبرالي أو الأمريكاني. وهذا – يا ابنتي- لأن التفكير يهدم في كثير من الأحيان خرافات الناس وأوهامهم.
ابنتي، لا تظني أن عقلك وحده سيوصلك للحقيقة. ستحتاجين حتماً إلى هداية الله وتوفيقه. وستواجهين هنا صنفاً آخر من الناس. صنف مغرور بالعلم التجريبي مفتون به. صنف يستر عوراته بالعلم والعقل والتنوير. والتنوير – يا ابنتي- يبدأ من القلب لا من العقل. يبدأ بإدراك الحقيقة العظمى التي يشكل الكون مجرد رسم لها. حقيقة وجوده سبحانه وهيمنته وعظمته. حقيقة يتجاوز إدراكها مجرد تحصيل الأدلة العقلية – مع أن الأدلة موجودة – وتوجد في تجربة الحياة نفسها. (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button